معا لغد افضل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
معا لغد افضل

+2
احلام
الجبرتي
6 مشترك

    عيسى عليه السلام

    عيسى عليه السلام Empty عيسى عليه السلام

    مُساهمة من طرف الجبرتي الأربعاء 11 يونيو - 6:36

    مثل عيسى مثل آدم خلقه الله من تراب وقال له كن فيكون، هو عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وهو الذي بشر بالنبي محمد، آتاه الله البينات وأيده بروح القدس وكان وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، كلم الناس في المهد وكهلا وكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرا، ويبرئ الأكمه والأبرص ويخرج الموتى كل بإذن الله، دعا المسيح قومه لعبادة الله الواحد الأحد ولكنهم أبوا واستكبروا وعارضوه، ولم يؤمن به سوى بسطاء قومه، رفعه الله إلى السماء وسيهبط حينما يشاء الله إلى الأرض ليكون شهيدا على الناس.
    سيرته:

    الحديث عن نبي الله عيسى عليه السلام، يستدعي الحديث عن أمه مريم، بل وعن ذرية آل عمران هذه الذرية التي اصطفاها الله تعالى واختارها، كما اختار آدم ونوحا وآل إبراهيم على العالمين.

    آل عمران أسرة كريمة مكونة من عمران والد مريم، وامرأة عمران أم مريم، ومريم، وعيسى عليه السلام؛ فعمران جد عيسى لأمه، وامرأة عمران جدته لأمه، وكان عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه، وكانت زوجته امرأة عمران امرأة صالحة كذلك، وكانت لا تلد، فدعت الله تعالى أن يرزقها ولدا، ونذرت أن تجعله مفرغا للعبادة ولخدمة بيت المقدس، فاستجاب الله دعاءها، ولكن شاء الله أن تلد أنثى هي مريم، وجعل الله تعالى كفالتها ورعايتها إلى زكريا عليه السلام، وهو زوج خالتها، وإنما قدر الله ذلك لتقتبس منه علما نافعا، وعملا صالحا.

    كانت مريم مثالا للعبادة والتقوى، وأسبغ الله تعالى عليها فضله ونعمه مما لفت أنظار الآخرين، فكان زكريا عليه السلام كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا، فيسألها من أين لك هذا، فتجيب: (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ).

    كل ذلك إنما كان تمهيدا للمعجزة العظمى؛ حيث ولد عيسى عليه السلام من هذه المرأة الطاهرة النقية، دون أن يكون له أب كسائر الخلق، واستمع إلى بداية القصة كما أوردها القرآن الكريم، قال تعالى:

    وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ (42) (آل عمران)

    بهذه الكلمات البسيطة فهمت مريم أن الله يختارها، ويطهرها ويختارها ويجعلها على رأس نساء الوجود.. هذا الوجود، والوجود الذي لم يخلق بعد.. هي أعظم فتاة في الدنيا وبعد قيامة الأموات وخلق الآخرة.. وعادت الملائكة تتحدث:

    يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) (آل عمران)

    ولادة عيسى عليه السلام:

    كان الأمر الصادر بعد البشارة أن تزيد من خشوعها، وسجودها وركوعها لله.. وملأ قلب مريم إحساس مفاجئ بأن شيئا عظيما يوشك أن يقع.. ويروي الله تعالى في القرآن الكريم قصة ولادة عيسى عليه السلام فيقول:

    وَاذكُر فِى الكِتَابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِهَا مَكَاناً شَرقِياً (16) فَاتخَذَت مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرسَلنَا إِلَيهَا رُوحَنَا فَتَمَثلَ لَهَا بَشَراً سَوِياً (17) قَالَت إِني أَعُوذُ بِالرحمَـنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِياً (18) قَالَ إِنمَا أَنَا رَسُولُ رَبكِ لأهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِياً (19) قَالَت أنى يَكُونُ لِى غُلامٌ وَلَم يَمسَسنِى بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِياً (20) قَالَ كَذلِكَ قَالَ رَبكَ هُوَ عَلَى هَينٌ وَلِنَجعَلَهُ ءايَةً للناسِ وَرَحمَةً منا وَكَانَ أَمراً مقضِياً (21) (مريم)

    جاء جبريل –عليه السلام- لمريم وهي في المحراب على صورة بشر في غاية الجمال. فخافت مريم وقالت: (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا) أرادت أن تحتمي في الله.. وسألته هل هو إنسان طيب يعرف الله ويتقيه.

    فجاء جوابه ليطمئنها بأنه يخاف الله ويتقيه: (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا)

    اطمئنت مريم للغريب، لكن سرعان ما تذكّرت ما قاله (لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا) استغربت مريم العذراء من ذلك.. فلم يمسسها بشر من قبل.. ولم تتزوج، ولم يخطبها أحد، كيف تنجب بغير زواج!! فقالت لرسول ربّها: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا)

    قال الروح الأمين: (كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا)

    استقبل عقل مريم كلمات الروح الأمين.. ألم يقل لها إن هذا هو أمر الله ..؟ وكل شيء ينفذ إذا أمر الله.. ثم أي غرابة في أن تلد بغير أن يمسسها بشر..؟ لقد خلق الله سبحانه وتعالى آدم من غير أب أو أم، لم يكن هناك ذكر وأنثى قبل خلق آدم. وخلقت حواء من آدم فهي قد خلقت من ذكر بغير أنثى.. ويخلق ابنها من غير أب.. يخلق من أنثى بغير ذكر.. والعادة أن يخلق الإنسان من ذكر وأنثى.. العادة أن يكون له أب وأم.. لكن المعجزة تقع عندما يريد الله تعالى أن تقع.. عاد جبريل عليه السلام يتحدث: (إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ)

    زادت دهشة مريم.. قبل أن تحمله في بطنها تعرف اسمه.. وتعرف أنه سيكون وجيها عند الله وعند الناس، وتعرف أنه سيكلم الناس وهو طفل وهو كبير.. وقبل أن يتحرك فم مريم بسؤال آخر.. نفخ جبريل عليه السلام في جيب مريم –الجيب هو شق الثوب الذي يكون في الصدر- فحملت فورا.

    ومرت الأيام.. كان حملها يختلف عن حمل النساء.. لم تمرض ولم تشعر بثقل ولا أحست أن شيئا زاد عليها ولا ارتفع بطنها كعادة النساء.. كان حملها به نعمة طيبة. وجاء الشهر التاسع.. وفي العلماء من يقول إن الفاء تفيد التعقيب السريع.. بمعنى أن مريم لم تحمل بعيسى تسعة أشهر، وإنما ولدته مباشرة كمعجزة..

    خرجت مريم ذات يوم إلى مكان بعيد.. إنها تحس أن شيئا سيقع اليوم.. لكنها لا تعرف حقيقة هذا الشيء.. قادتها قدماها إلى مكان يمتلئ بالشجر.. والنخل، مكان لا يقصده أحد لبعده.. مكان لا يعرفه غيرها.. لم يكن الناس يعرفون أن مريم حامل.. وإنها ستلد.. كان المحراب مغلقا عليها، والناس يعرفون أنها تتعبد فلا يقترب منها أحد..

    جلست مريم تستريح تحت جذع نخلة؛ لم تكن نخلة كاملة، إنما جذع فقط، لتظهر معجزات الله سبحانه وتعالى لمريم عند ولادة عيسى فيطمئن قلبها.. وراحت تفكر في نفسها.. كانت تشعر بألم.. وراح الألم يتزايد ويجيء في مراحل متقاربة.. وبدأت مريم تلد..

    فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) (مريم)

    إن ألم الميلاد يحمل لنفس العذراء الطاهرة آلاما أخرى تتوقعها ولم تقع بعد.. كيف يستقبل الناس طفلها هذا..؟ وماذا يقولون عنها..؟ إنهم يعرفون أنها عذراء.. فكيف تلد العذراء..؟ هل يصدق الناس أنها ولدته بغير أن يمسسها بشر..؟ وتصورت نظرات الشك.. وكلمات الفضول.. وتعليقات الناس.. وامتلأ قلبها بالحزن..

    وولدت في نفس اللحظة من قدر عليه أن يحمل في قلبه أحزان البشرية.. لم تكد مريم تنتهي من تمنيها الموت والنسيان، حتى نادها الطفل الذي ولد:

    فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26) (مريم)

    نظرت مريم إلى المسيح.. سمعته يطلب منها أن تكف عن حزنها.. ويطلب منها أن تهز جذع النخلة لتسقط عليها بعض ثمارها الشهية.. فلتأكل، ولتشرب، ولتمتلئ بالسلام والفرح ولا تفكر في شيء.. فإذا رأت من البشر أحدا فلتقل لهم أنها نذرت للرحمن صوما فلن تكلم اليوم إنسانا.. ولتدع له الباقي..

    لم تكد تلمس جذعها حتى تساقط عليها رطب شهي.. فأكلت وشربت ولفت الطفل في ملابسها.. كان تفكير مريم العذراء كله يدور حول مركز واحد.. هو عيسى، وهي تتساءل بينها وبين نفسها: كيف يستقبله اليهود..؟ ماذا يقولون فيه..؟ هل يصدق أحد من كهنة اليهود الذين يعيشون على الغش والخديعة والسرقة..؟ هل يصدق أحدهم وهو بعيد عن الله أن الله هو الذي رزقها هذا الطفل؟ إن موعد خلوتها ينتهي، ولا بد أن تعود إلى قومها.. فماذا يقولون الناس؟

    عيسى عليه السلام Empty رد: عيسى عليه السلام

    مُساهمة من طرف الجبرتي الأربعاء 11 يونيو - 6:38

    مواجهة القوم:

    كان الوقت عصرا حين عادت مريم.. وكان السوق الكبير الذي يقع في طريقها إلى المسجد يمتلئ بالناس الذي فرغوا من البيع والشراء وجلسوا يثرثرون. لم تكد مريم تتوسط السوق حتى لاحظ الناس أنها تحمل طفلا، وتضمه لصدرها وتمشي به في جلال وبطئ..

    تسائل أحد الفضوليين: أليست هذه مريم العذراء..؟ طفل من هذا الذي تحمله على صدرها..؟

    قال أحدهم: هو طفلها.. ترى أي قصة ستخرج بها علينا..؟

    وجاء كهنة اليهود يسألونها.. ابن من هذا يا مريم؟ لماذا لا تردين؟ هو ابنك قطعا.. كيف جاءك ولد وأنت عذراء؟

    يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) (مريم)

    الكلمة ترمي مريم بالبغاء.. هكذا مباشرة دون استماع أو تحقيق أو تثبت.. ترميها بالبغاء وتعيرها بأنها من بيت طيب وليست أمها بغيا.. فكيف صارت هي كذلك؟ راحت الاتهامات تسقط عليها وهي مرفوعة الرأس.. تومض عيناها بالكبرياء والأمومة.. ويشع من وجهها نور يفيض بالثقة.. فلما زادت الأسئلة، وضاق الحال، وانحصر المجال، وامتنع المقال، اشتد توكلها على ذي الجلال وأشارت إليه..

    أشارت بيدها لعيسى.. واندهش الناس.. فهموا أنها صائمة عن الكلام وترجو منهم أن يسألوه هو كيف جاء.. تساءل الكهنة ورؤساء اليهود كيف يوجهون السؤال لطفل ولد منذ أيام.. هل يتكلم طفل في لفافته..؟!

    قالوا لمريم: (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا).

    قال عيسى:

    قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) (مريم)

    لم يكد عيسى ينتهي من كلامه حتى كانت وجوه الكهنة والأحبار ممتقعة وشاحبة.. كانوا يشهدون معجزة تقع أمامهم مباشرة.. هذا طفل يتكلم في مهده.. طفل جاء بغير أب.. طفل يقول أن الله قد آتاه الكتاب وجعله نبيا.. هذا يعني إن سلطتهم في طريقها إلى الانهيار.. سيصبح كل واحد فيهم بلا قيمة عندما يكبر هذا الطفل.. لن يستطيع أن يبيع الغفران للناس، أو يحكمهم عن طريق ادعائه أنه ظل السماء على الأرض، أو باعتباره الوحيد العارف في الشريعة.. شعر كهنة اليهود بالمأساة الشخصية التي جاءتهم بميلاد هذا الطفل.. إن مجرد مجيء المسيح يعني إعادة الناس إلى عبادة الله وحده.. وهذا معناه إعدام الديانة اليهودية الحالية.. فالفرق بين تعاليم موسى وتصرفات اليهود كان يشبه الفرق بين نجوم السماء ووحل الطرقات.. وتكتم رهبان اليهود قصة ميلاد عيسى وكلامه في المهد.. واتهموا مريم العذراء ببهتان عظيم.. اتهموها بالبغاء.. رغم أنهم عاينوا بأنفسهم معجزة كلام ابنها في المهد.

    وتخبرنا بعض الروايات أن مريم هاجرت بعيسى إلى مصر، بينما تخبرنا روايات أخرى بأن هجرتها كانت من بيت لحم لبيت المقدس. إلا أن المعروف لدينا هو أن هذه الهجرة كانت قبل بعثته.

    عيسى عليه السلام Empty رد: عيسى عليه السلام

    مُساهمة من طرف الجبرتي الأربعاء 11 يونيو - 6:39

    معجزاته:

    كبر عيسى.. ونزل عليه الوحي، وأعطاه الله الإنجيل. وكان عمره آنذاك -كما يرى الكثير من العلماء- ثلاثون سنة. وأظهر الله على يديه المعجزات. يقول المولى عزّ وجل في كتابه عن معجزات عيسى عليه السلام:

    وَيُعَلمُهُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَالتورَاةَ وَالإِنجِيلَ (48) وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسرائيلَ أني قَد جِئتُكُم بِآيَةٍ من ربكُم أَنِي أَخلُقُ لَكُم منَ الطينِ كَهَيئَةِ الطيرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيرًا بِإِذنِ اللهِ وَأُبرِىْ الأكمَهَ والأبرَصَ وَأُحي المَوتَى بِإِذنِ اللهِ وَأُنَبئُكُم بِمَا تَأكُلُونَ وَمَا تَدخِرُونَ فِى بُيُوتِكُم إِن فِي ذلِكَ لآيَةً لكُم إِن كُنتُم مؤمِنِينَ (49) وَمُصَدقًا لمَا بَينَ يَدَي مِنَ التورَاةِ وَلأحِل لَكُم بَعضَ الذِي حُرمَ عَلَيكُم وَجِئتُكُم بِآيَةٍ من ربكُم فَاتقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِن اللهَ رَبي وَرَبكُم فَاعبُدُوهُ هَـذَا صِراطٌ مستَقِيمٌ (51) (آل عمران)

    فكان عيسى –عليه السلام- رسولا لبني إسرائيل فقط. ومعجزاته هي:

    علّمه الله التوراة.

    يصنع من الطين شكل الطير ثم ينفخ فيه فيصبح طيرا حيّا يطير أمام أعينهم.

    يعالج الأكمه (وهو من ولد أعمى)، فيمسح على عينيه أمامهم فيبصر.

    يعالج الأبرص (وهو المرض الذي يصيب الجلد فيجعل لونه أبيضا)، فيسمح على جسمه فيعود سليما.

    يخبرهم بما يخبئون في بيوتهم، وما أعدّت لهم زوجاتهم من طعام.

    وكان –عليه السلام- يحيي الموتى.

    إيمان الحواريون:

    جاء عيسى ليخفف عن بني إسرائيل بإباحة بعض الأمور التي حرمتها التوراة عليهم عقابا لهم. إلا أن بني إسرائيل –مع كل هذه الآيات- كفروا. قال تعالى:

    فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) (آل عمران)

    وقال تعالى:

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) (الصف)

    قيل أن عدد الحواريين كان سبعة عشر رجلا، لكن الروايات الأرجح أنهم كانوا اثني عشر رجلا. آمن الحواريون، لكن التردد لا يزال موجودا في نفوسهم. قال الله تعالى قصة هذا التردد:

    إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112) قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (115) (المائدة)

    استجاب الله عز وجل، لكنه حذّرهم من الكفر بعد هذه الآية التي جاءت تلبية لطلبهم. نزلت المائدة، وأكل الحواريون منها، وظلوا على إيمانهم وتصديقهم لعيسى –عليه السلام- إلا رجل واحد كفر بعد رفع عيسى عليه السلام.

    رفع عيسى عليه السلام:

    لما بدأ الناس يتحدثون عن معجزات عيسى عليه السلام، خاف رهبان اليهود أن يتبع الناس الدين الجديد فيضيع سلطانهم. فذهبوا لمَلك تلك المناطق وكان تابعا للروم. وقالوا له أن عيسى يزعم أنه مَلك اليهود، وسيأخذ المُلك منك. فخاف المَلك وأمر بالبحث عن عيسى –عليه السلام- ليقتله.

    جاءت روايات كثيرة جدا عن رفع عيسى –عليه السلام- إلى السماء، معظمها من الإسرائيليات أو نقلا عن الإنجيل. وسنشير إلى أرجح رواية هنا.

    عندما بلغ عيسى عليه السلام أنهم يريدون قتله، خرج على أصحابه وسألهم من منهم مستعد أن يلقي الله عليه شبهه فيصلب بدلا منه ويكون معه في الجنة. فقام شاب، فحنّ عليه عيسى عليه السلام لأنه لا يزال شابا. فسألهم مرة ثانية، فقام نفس الشاب. فنزل عليه شبه عيسى عليه السلام، ورفع الله عيسى أمام أعين الحواريين إلى السماء. وجاء اليهود وأخذوا الشبه وقتلوه ثم صلبوه. ثم أمسك اليهود الحواريين فكفر واحد منهم. ثم أطلقوهم خشية أن يغضب الناس. فظل الحواريون يدعون بالسر. وظل النصارى على التوحيد أكثر من مئتين سنة. ثم آمن أحد ملوك الروم واسمه قسطنطين، وأدخل الشركيات في دين النصارى.

    يقول ابن عباس: افترق النصارى ثلاث فرق. فقالت طائفة: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء. وقالت طائفة: كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه. وقلت طائفة: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء ثم رفعه الله إليه. فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا –صلى الله عليه وسلم- فذلك قول الله تعالى: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ).

    وقال تعالى عن رفعه:

    وَقَولِهِم إِنا قَتَلنَا المَسِيحَ عِيسَى ابنَ مَريَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبهَ لَهُم وَإِن الذِينَ اختَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَك منهُ مَا لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ إِلا اتبَاعَ الظن وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَل رفَعَهُ اللهُ إِلَيهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) وَإِن من أَهلِ الكِتَابِ إِلا لَيُؤمِنَن بِهِ قَبلَ مَوتِهِ وَيَومَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيهِم شَهِيداً (159) (النساء)

    لا يزال عيسى –عليه السلام- حيا. ويدل على ذلك أحاديث صحيحة كثيرة. والحديث الجامع لها في مسند الإمام أحمد:

    حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا يحيى، عن ابن أبي عروبة قال: ثنا قتادة، عن عبد الرحمن بن آدم، عن أبي هريرة،: (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأنبياء إخوة لعلات، دينهم واحد وأمهاتهم شتى، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وأنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، سبط كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل بين ممصرتين، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، و يعطل الملل حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب، وتقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الإبل مع الأسد جميعاً، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا يضر بعضهم بعضاً، فيمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يتوفى، فيصلي عليه المسلمون و يدفنونه.)

    (مربوع) ليس بالطويل وليس بالقصير، (إلى الحمرة والبياض) وجهه أبيض فيه احمرار، (سبط) شعره ناعم، (ممصرتين) عصاتين أو منارتين وفي الحديث الآخر ينزل عند المنارة البيضاء من مسجد دمشق.

    وفي الحديث الصحيح الآخر يحدد لنا رسولنا الكريم مدة مكوثه في الأرض فيقول: (فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى، و يصلي عليه المسلمون).

    لا بد أن يذوق الإنسان الموت. عيسى لم يمت وإنما رفع إلى السماء، لذلك سيذوق الموت في نهاية الزمان.

    ويخبرنا المولى عز وجل بحوار لم يقع بعد، هو حواره مع عيسى عليه السلام يوم القيامة فيقول:

    وَإِذ قَالَ اللهُ يا عِيسَى ابنَ مَريَمَ أَءنتَ قُلتَ لِلناسِ اتخِذُونِي وَأُميَ إِلَـهَينِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَن أَقُولَ مَا لَيسَ لِي بِحَق إِن كُنتُ قُلتُهُ فَقَد عَلِمتَهُ تَعلَمُ مَا فِى نَفسِي وَلاَ أَعلَمُ مَا فِى نَفسِكَ إِنكَ أَنتَ عَلامُ الغُيُوبِ (116) مَا قُلتُ لَهُم إِلا مَا أَمَرتَنِي بِهِ أَنِ اعبُدُوا اللهَ رَبي وَرَبكُم وَكُنتُ عَلَيهِم شَهِيداً ما دُمتُ فِيهِم فَلَما تَوَفيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرقِيبَ عَلَيهِم وَأَنتَ عَلَى كُل شَىء شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذبهُم فَإِنهُم عِبَادُكَ وَإِن تَغفِر لَهُم فَإِنكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (118) (المائدة)

    هذا هو عيسى بن مريم عليه السلام، آخر الرسل قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
    احلام
    احلام
    عضو مشارك
    عضو مشارك


    عدد المساهمات : 64
    رقم العضوية : 64
    تاريخ التسجيل : 06/08/2008
    نقاط التميز : 80
    معدل تقييم الاداء : 11

    عيسى عليه السلام Empty رد: عيسى عليه السلام

    مُساهمة من طرف احلام الأحد 5 أكتوبر - 7:41

    عيسى عليه السلام 79688
    يوسف
    يوسف
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    عدد المساهمات : 112
    رقم العضوية : 33
    تاريخ التسجيل : 02/07/2008
    نقاط التميز : 152
    معدل تقييم الاداء : 15

    عيسى عليه السلام Empty رد: عيسى عليه السلام

    مُساهمة من طرف يوسف الأحد 4 يناير - 8:23

    كانت مريم ابنة عمران امرأة صالحة تقية .. واجتهدت في العبادة حتى لم يكن لها نظير في النسك والعبادة .. فبشرتها الملائكة باصطفاء الله لها .. ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين - يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ) آل عمران / 42 - 43 .

    - ثم بشرت الملائكة مريم بأن الله سيهب لها ولداً يخلقه بكلمة كن فيكون وهذا الولد اسمه المسيح عيسى ابن مريم .. وسيكون وجيهاً في الدنيا والآخرة ورسولاً إلى بني إسرائيل .. ويعلم الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل .. وله من الصفات والمعجزات ما ليس لغيره .. كما قال تعالى : ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين - ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين - قالت رب أنى يكون لي ولدٌ ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) آل عمران /45-47.

    - ثم أخبر الله تعالى عن تمام بشارة الملائكة لمريم بابنها عيسى عليه السلام فقال عن تشريف عيسى , وتأييده بالمعجزات .. ( ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل - ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين - ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ) آل عمران/ 48 - 51 .

    - والله سبحانه له الكمال المطلق في الخلق .. يخلق ما يشاء كيف يشاء .. فقد خلق آدم من تراب بلا أب ولا أم .. وخلق حواء من ضلع آدم من أب بلا أم .. و جعل نسل بني آدم من أب وأم .. و خلق عيسى من أم بلا أب .. فسبحان الخلاق العليم .

    - و قد بين الله في القرآن كيفية ولادة عيسى بياناً شافياً فقال سبحانه ( واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً - فاتخذت من دونهم حجاباً فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً - قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً - قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً - قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً - قال كذلك قال ربك هو عليّ هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضياً ) مريم/16 - 21.

    - فلما قال لها جبريل ذلك استسلمت لقضاء الله فنفخ جبريل في جيب درعها .. ( فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً - فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا ) مريم /22 - 23 .

    - ثم ساق الله لمريم الماء والطعام .. وأمرها أن لا تكلم أحداً .. ( فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً - وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً - فكلي واشربي وقرِّي عيناً فإما ترين من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً ) مريم /24 - 26.

    - ثم جاءت مريم إلى قومها تحمل ولدها عيسى .. فلما رأوها أعظموا أمرها جداً واستنكروه .. فلم تجبهم .. وأشارت لهم اسألوا هذا المولود يخبركم .. قال تعالى .. ( فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً - يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً - فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً ) مريم/27 - 29.

    - فأجابهم عيسى على الفور وهو طفل في المهد .. ( قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً - وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً - وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً - والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً ) مريم/30 -33 .

    ذلك خبر عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله .. ولكن أهل الكتاب اختلفوا فيه فمنهم من قال هو ابن الله .. ومنهم من قال هو ثالث ثلاثة .. ومنهم من قال هو الله .. ومنهم من قال هو عبد الله ورسوله وهذا الأخير هو القول الحق قال تعالى .. ( ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون - ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون - وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم - فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ) مريم/34 -37.

    - ولما انحرف بنو إسرائيل عن الصراط المستقيم .. وتجاوزوا حدود الله .. فظلمو ا , وأفسدوا في الأرض وأنكر فريق منهم البعث والحساب والعقاب .. وانغمسوا في الشهوات والملذات غير متوقعين حساباً .. حينئذ بعث الله إليهم عيسى ابن مريم رسولاً وعلمه التوراة والإنجيل كما قال سبحانه عنه ( ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولاً إلى بني إسرائيل ) آل عمران/48 .

    - وقد أنزل الله على عيسى ابن مريم الإنجيل هدى ونوراً .. ومصدقاً لما في التوراة .. ( وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين ) المائدة/46 .

    - وعيسى عليه السلام قد بشر بمجيء رسول من الله يأتي من بعده اسمه أحمد وهو محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى .. ( وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة و مبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ) الصف/6.

    - قام عيسى عليه السلام بدعوة بني إسرائيل إلى عبادة الله وحده .. والعمل بأحكام التوراة والإنجيل .. وأخذ يجادلهم ويبين فساد مسلكهم .. فلما رأى عنادهم وظهرت بوادر الكفر فيهم .. وقف في قومه قائلاً من أنصاري إلى الله ؟ فآمن به الحواريون وعددهم اثنا عشر قال تعالى ( فلما أحس عيسى منكم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون - ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ) آل عمران /52 -53 .

    - أيد الله عيسى بمعجزات عظيمة تذكر بقدرة الله .. وتربي الروح .. وتبعث الإيمان بالله واليوم الآخر .. فكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله .. وكان يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله ، ويخبر الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم .. فقام اليهود الذين أرسل الله إليهم عيسى بمعاداته وصرف الناس عنه .. وتكذيبه ، وقذف أمه بالفاحشة .

    - فلما رأوا أن الضعفاء والفقراء يؤمنون به .. ويلتفون حوله حينئذ دبروا له مكيدة ليقتلوه فحرضوا الرومان عليه .. وأوهموا الحاكم الروماني أن في دعوة عيسى زوالاً لملكه فأصدر أمره بالقبض على عيسى وصلبه .. فألقى الله شبه عيسى على الرجل المنافق الذي وشى به فقبض عليه الجنود يظنونه عيسى فصلبوه .. ونجى الله عيسى من الصلب والقتل كما حكى الله عن اليهود .. (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلاّ اتباع الظن وما قتلوه يقينا - بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً ) النساء/157 - 158

    - فعيسى عليه السلام لم يمت بل رفعه الله إليه .. وسينزل قبل يوم القيامة ويتبع محمداً صلى الله عليه وسلم .. وسيكذب اليهود الذين زعموا قتل عيسى وصلبه .. والنصارى الذين غلوا فيه وقالوا هو الله .. أو ابن الله .. أو ثالث ثلاثة .قال النبي عليه الصلاة والسلام .. (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما ًمقسطاً فيكسر الصليب و يقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ) . متفق عليه أخرجه مسلم برقم 155.

    - فإذا نزل عيسى قبل يوم القيامة آمن به أهل الكتاب كما قال تعالى .. ( و إن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً ) النساء/159 .

    - وعيسى ابن مريم عبد الله ورسوله .. أرسله الله لهداية بني إسرائيل والدعوة إلى عبادة الله وحده كما قال سبحانه لليهود والنصارى .. ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلاّ الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً ) النساء/ 171 .

    - والقول بأن عيسى ابن الله قول عظيم ومنكر كبير .. ( وقالوا اتخذ الرحمن ولداً - لقد جئتم شيئاً إداً - تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً - أن دعوا للرحمن ولداً - وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداًً - إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً ) مريم/88- 93.

    - وعيسى ابن مريم بشر وهو عبد الله ورسوله فمن اعتقد أن المسيح عيسى ابن مريم هو الله فقد كفر .. ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) المائدة/72.

    - ومن قال إن المسيح ابن الله أو ثالث ثلاثة فقد كفر .. ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ) المائدة /73.

    - فالمسيح ابن مريم بشر .. ولد من أم .. يأكل ويشرب .. ويقوم وينام .. ويتألم ويبكي .. والإله منزه عن ذلك .. فكيف يكون إلهاً .. بل هو عبد الله ورسوله (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون ) المائدة/75.

    - وقد أفسد اليهود والنصارى والصليبيون وأتباعهم دين المسيح وحرفوا فيه وبدلوا وقالوا لعنهم الله إن الله قدم ابنه المسيح للقتل والصلب فداءً للبشرية .. فلا حرج على أحد أن يعمل ما شاء فقد تحمل عنه عيسى كل الذنوب .. ونشروا ذلك بين طوائف النصارى حتى جعلوه جزءاً من عقيدتهم .. وهذا كله من الباطل والكذب على الله والقول عليه بغير علم .. بل كل نفس بما كسبت رهينة .. وحياة الناس لا تصلح ولا تستقيم إن لم يكن لهم منهج يسيرون عليه .. وحدود يقفون عندها .

    - فانظر كيف يفترون على الله الكذب , ويقولون على الله غير الحق .. (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) البقرة/79.

    - وقد أخذ الله على النصارى الأخذ على عيسى والعمل بما جاء به , فبدلوا وحرفوا فاختلفوا ثم أعرضوا .. فعاقبهم الله بالعداوة والبغضاء في الدنيا .. وبالعذاب في الآخرة كما قال تعالى : (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ) المائدة / 14.

    - وسيقف عيسى عليه السلام يوم القيامة أمام رب العالمين فيسأله على رؤوس الأشهاد ماذا قال لبني إسرائيل كما قال سبحانه : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب - ما قلت لهم إلاّ ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد - إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) المائدة / 116 -118 .

    - وقد جعل الله في أتباع عيسى والمؤمنين رأفة ورحمة .. وهم أقرب مودة لأتباع محمد من غيرهم كما قال تعالى : (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون ) المائدة/82 .

    - وعيسى ابن مريم هو آخر أنبياء بني إسرائيل .. ثم بعث الله بعده محمداً صلى الله عليه وسلم من نسل إسماعيل إلى الناس كافة ، وهو آخر الأنبياء والمرسلين .



    من كتاب أصول الدين الإسلامي : تأليف فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم التويجري.

    عيسى عليه السلام Empty رد: عيسى عليه السلام

    مُساهمة من طرف نهر العطاء الإثنين 5 يناير - 19:53

    الجبرتي طبعا مش محتاج شكر لانة صاحب بيت
    اتلشكر ليوسف اللي طفش مننا ورجع لنا تاني بالسلامة
    مرحبا بعودتك ونتمني انك تعوض اللي فاتك
    بالتوفيق
    avatar
    sheref
    عضو مجتهد
    عضو  مجتهد


    عدد المساهمات : 243
    رقم العضوية : 220
    تاريخ التسجيل : 26/01/2009
    نقاط التميز : 389
    معدل تقييم الاداء : 36

    عيسى عليه السلام Empty رد: عيسى عليه السلام

    مُساهمة من طرف sheref الخميس 3 سبتمبر - 3:50

    جهد اكتر من ممتاز شكرا لكم
    avatar
    صابر
    عضو متميز
    عضو متميز


    عدد المساهمات : 419
    رقم العضوية : 187
    تاريخ التسجيل : 28/11/2008
    نقاط التميز : 820
    معدل تقييم الاداء : 137

    عيسى عليه السلام Empty رد: عيسى عليه السلام

    مُساهمة من طرف صابر السبت 7 نوفمبر - 4:02

    قال الله تعالى في سورة آل عمران التي أنزل صدرها وهو ثلاث وثمانون آية منها في الرد على النصارى، عليهم لعائن الله، الذين زعموا أن لله ولداً، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. قال أبو القاسم بن عساكر: مريم بنت عمران بن ماثان بن العازر بن اليود بن أخير بن صادوق بن عيازرو بن الياقيم بن أبيود بن زربابيل بن شالتال بن يوحينا بن برشا بن أمون بن ميشا بن حزقيا بن أحاز بن موثام بم عزريا بن يورام بن يوشافاط بن إيشا بن إيبا بن رخيعم بن سليمان بن داود عليه السلام، وفيه مخالفة لما ذكره محمد ابن إسحاق. ولا خلاف أنها من سلالة داود عليه السلام، وكان أبوها عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه، وكانت أمها هي حنة بنت فاقود بن قبيل من العابدات، وكان زكريا نبي ذلك الزمان زوج أخت مريم أشياع في قول الجمهور، وقيل زوج خالتها أشياع، فالله أعلم.

    وقد ذكر محمد بن إسحاق وغيره أن أم مريم كانت لا تحبل، فرأت يوماً طائراً يزق فرخاً له، فاشتهت الولد، فنذرت لله إن حملت لتجعلن ولدها محرراً، أي: حبيساً في خدمة بيت المقدس. قالوا: فحاضت من فورها، فلما طهرت واقعها بعلها: فحملت بمريم عليها السلام (فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت) وقرئ بضم التاء (وليس الذكر كالأنثى) أي: في خدمة بيت المقدس، وكانوا في ذلك الزمان ينذرون لبيت المقدس خداماً من أولادهم. وقولها: (وإني سميتها مريم) استدل به على تسمية المولود يوم يولد. وكما ثبت في الصحيحين عن أنس في ذهابه بأخيه إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنك أخاه وسماه عبد الله.

    وقولها: (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) قد استجيب لها في هذا كما تقبل منها نذرها،
    فقال الإمام احمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مولود إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخاً من مسه الشيطان إلا مريم وابنها"

    وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود من بني آدم يمسه الشيطان بإصبعه إلا مريم بنت عمران وابنها عيسى"

    وقوله:

    {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } (سورة آل عمران :37) .

    ذكر كثير من المفسرين أن أمها حين وضعتها لفتها في خروقها. ثم خرجت بها إلي المسجد فسلمتها إلي العباد الذين هم مقيمون به، وكانت ابنة إمامهم وصاحب صلاتهم، فتنازعوا فيها، والظاهر أنها إنما سلمتها إليهم بعد رضاعها وكفالة مثلها في صغرها. ثم لما دفعتها إليهم تنازعوا في أيهم يكفلها، وكان زكريا نبيهم في ذلك الزمان، وقد أراد أن يستبد بها دونهم من أجل زوجته أختها أو خالتها على القولين، فشاحوه في ذلك، وطلبوا أن يقترع معهم، فساعدته المقادير فخرجت قرعته غالبة لهم، وذلك أن الخالة بمنزلة الأم.

    وقالوا: وذلك أن كلاً منهم ألقى قلمه معروفاً به، ثم حملوها ووضعوها في موضع، وأمروا غلاماً لم يبلغ الحنث فأخرج واحداً منها، وظهر قلم زكريا عليه السلام، فطلبوا أن يقترعوا مرة ثانية، وأن يكون ذلك بأن يلقوا أقلامهم في النهر فأيهم جرى قلمه على خلاف جرية الماء فهو الغالب ففعلوا، فكان قلم زكريا هو الذي جرى على خلاف جرية الماء، وسارت أقلامهم مع الماء، ثم طلبوا منه أن يتقرعوا ثالثة فأيهم جرى قلمه مع الماء ويكون بقية الأقلام قد انعكس سيرها صعداً فهو الغالب ففعلوا، فكان زكريا هو الغالب لهم، فكفلها إذ كان أحق بها شرعاً وقدراً لوجوه عديدة.

    قال الله تعالى:

    {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } (سورة آل عمران:37) .

    واتخذ زكريا لها محراباً، وهو المكان الشريف من المسجد لا يدخله أحد عليها سواه، وأنها لما بلغت اجتهدت في العبادة، فلم يكن في ذلك الزمان نظيرها في فنون العبادات، وظهر عليها من الأحوال ما غبطها به زكريا عليه السلام، وأنها خاطبتها الملائكة بالبشارة لها باصطفاء الله لها، وبأنه سيهب لها ولداً زكيا يكون نبياً كريماً طاهراً مكرماً مؤيداً بالمعجزات، فتعجبت من وجود ولد من غير والد لأنها لا زوج لها، ولا هي ممن تتزوج، فأخبرتها الملائكة بأن الله قادر على ما يشاء، إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون، فاستكانت لذلك وأنابت وسلمت الأمر لله، وعلمت أن هذا فيه محنة عظيمة لها، فإن الناس يتكلمون فيها بسببه، لأنهم لا يعلمون حقيقة الأمر، وإنما ينظرون إلي ظاهر الحال من غير تدبر ولا تعقل.

    وكانت إنما تخرج من المسجد في زمن حيضها أو لحاجة ضرورية لابد منها أن استقاء ماء أو تحصيل غذاء، فبينما هي يوماً قد خرجت لبعض شئونها وانفردت وحدها في شرقي المسجد الأقصى، إذ بعث الله إليها الروح الأمين جبريل عليه السلام (فتمثل لها بشراً سوياً) فلما رأته (قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا). (قال إنما أنا رسول ربك) أي: خاطبها الملك قال: إنما أنا رسول ربك أي: لست ببشر، ولكنني ملك بعثني الله إليك؛ (لأهب لك غلاماً زكياً) أي: ولداً زكياً (قالت أني يكون لي غلام) أي: كيف يكون لي غلام أو يوجد لي ولد (ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً) أي: ولست ذات زوج وما أنا ممن يفعل الفاحشة، (قال كذلك قال ربك هو على هين) أي: فأجابها الملك عن تعجبها من وجود ولد منها والحالة هذه قائلاً هذا سهل عليه ويسير لديه، فإنه على ما يشاء قدير.

    وقوله: (ولنجعله آية للناس) أي: ولنجعل خلقه والحالة هذه دليلاً على كمال قدرتنا على أنواع الخلق، فإنه تعالى خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق بقية الخلق من ذكر وأنثى. وقوله (ورحمة منا)، أي: نرحم به العباد بأن يدعوهم إلي الله في صغره وكبره في طفولته وكهولته، بأن يفردوا الله بالعبادة وحده لا شريك له، وينزهوه عن اتخاذ الصاحبة والأولاد والشركاء والنظراء والأضداد والأنداد. وقوله: (وكان أمراً مقضياً) يحتمل أن يكون هذا من تمام كلام جبريل معها يعني: أن هذا أمر قضاه الله وحتمه وقدره وقرره، وهذا معنى قول محمد بن إسحاق، واختاره ابن جرير ولم يحك سواه، والله أعلم.

    قال محمد بن إسحاق: شاع واشتهر في بني إسرائيل أنها حامل، فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل بيت زكريا. قال: واتهمها بعض الزنادقة بيوسف الذي كان يتعبد معها في المسجد، وتوارت عنهم مريم، واعتزلتهم، وانتبذت مكاناً قصياً، وقوله: (فأجاءها المخاض إلي جذع النخلة) أي: فألجأها واضطر الطلق إلي جذع النخلة، (قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً) فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتن، وذلك أنها علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها، بل يكذبونها حين تأتيهم بغلام على يدها، مع أنها قد كانت عندهم من العابدات الناسكات المجاورات في المسجد المنقطعات إليه المعتكفات فيه، ومن بيت النبوة والديانة، فحملت بسبب ذلك من الهم ما تمنت أن لو كانت ماتت قبل هذا الحال، أو كانت (نسياً منسياً) أي: لم تخلق بالكلية.

    وقوله: (فنادها من تحتها)، وقوله: (ألا تخزني قد جعل ربك تحتك سرياً) (وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً) فذكر الطعام والشراب، ولهذا قال:(فكلي واشربي وقري عيناً).

    قال عمرو بن ميمون: ليس شيء أجود للنفساء من التمر والرطب، ثم تلا هذه الآية.

    وقال ابن أبي حاتم: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم وليس من الشجر شيء يلقح غيرها"

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أطعموا نساءكم الولد الرطب، فإن لم يكن رطب فتمر، وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران"


    وقوله:

    {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } (سورة مريم :26) .

    وهذا من تمام كلام الذي نادها من تحتها قال:

    {فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً } (سورة مريم :26) .

    أي: فإن رأيت أحداً من الناس (فقولي) له أي: بلسان الحال والإشارة (إني نذرت للرحمن صوماً) أي: صمتاً، وكان من صومهم في شريعتهم ترك الكلام والطعام، ويدل على ذلك قوله: (فلن أكلم اليوم إنسياً) فأما في شريعتنا فيكره للصائم صمت يوم إلي الليل.

    وقوله تعالى:

    {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } * {يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } (سورة مريم:27ـ28) .

    ذكر كثير من السلف ممن ينقل عن أهل الكتاب أنهم لما افتقدوها من بين أظهرهم ذهبوا في طلبها، فمروا على محلتها والأنوار حولها، فلما واجهوها وجدوا معها ولد فقالوا له: (لقد جئت شيئاً فريا) أي: أمراً عظيماً منكراً، وفي هذا الذي قالوه نظر، مع أنه كلام ينقض أوله آخره، وذلك لأن ظاهر سياق القرآن العظيم يدل على أنها حملته بنفسها وأتت به قومها وهي تحمله، قال ابن عباس: وذلك بعد ما تعالت من نفاسها بعد أربعين يوماً. والمقصود أنهم لما رأوها تحمل معها ولدها (قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فريا) والفرية: هي الفعلة المنكرة العظيمة من الفعال والمقال.

    ثم قالوا لها: (يا أخت هارون) قيل: شبهوها بعابد من عباد زمانهم كانت تسامية في العبادة، وكان اسمه هارون، قاله سعيد بن جبير، وقيل: أرادوا بهارون أخا موسى شبهوها به في العبادة، وأخطأ محمد كعب القرظي في زعمه أنها أخت موسى وهارون نسباً، فإن بينهما من الدهور الطويلة ما لا يخفي على أدنى من عنده من العلم ما يرده عن هذا القول الفظيع، وكأنه غره أن في التوراة أن مريم أخت موسى وهارون ضربت بالدف يوم نجى الله موسى وقومه وأغرق فرعون وملأه، فاعتقد أن هذه هي هذه.

    وهذا في غاية البطلان والمخالفة للحديث الصحيح مع نص القرآن، كما قررناه في التفسير مطولاً، ولله الحمد والمنة. وقد ورد في الحديث الصحيح الدال على أنه قد كان لها أخ اسمه هارون، وليس في ذكر قصة ولادتها وتحرير أمها لها ما يدل على أنها ليس لها أخ سواها، والله أعلم. قالوا: (ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) أي: لست من بيت هذه شيمتهم ولا سجيتهم ولا أخوك ولا أمك ولا أبوك، فاتهموها بالفاحشة العظمى ورموها بالداهية الدهياء. فذكر ابن جرير في تاريخه أنهم اتهموا بها زكريا وأرادوا قتله ففر منهم فلحقوه، وقد انشقت له الشجرة فدخلها، وأمسك إبليس بطرف ردائه فنشروه فيها كما قدمنا ومن المنافقين من اتهمها بابن خالها يوسف بن يعقوب النجار.
    فلما ضاق الحال وانحصر المجال وامتنع المقال، عظم التوكل على ذي الجلال، ولم يبق إلا الإخلاص والاتكال،

    (فأشارت إليه) أي: خاطبوه وكلموه، فإن جوابكم عليه وما تبغون من الكلام لديه، فعندها: (قالوا) من كان منهم جباراً شقياً: (كيف نكلم من كان في المهد صبياً) أي: كيف تحيليننا في الجواب على صبي صغير لا يقبل الخطاب، وهو مع ذلك رضيع في مهده، ولا يميز بين مخض المخض وزبده، وما هذا منك إلا على سبيل التهكم بنا والاستهزاء والتنقص والازدراء إذ لا تردين علينا قولاً منطقيا، بل تحيلين في الجواب على من كان في المهد صبياً فعندها:

    {قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } * {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } * {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } * {وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً } (سورة مريم:30ـ33) .

    هذه أول كلام تفوه به عيسى ابن مريم، فكان أول ما تكلم به أن (قال إني عبد الله) اعترف لربه تعالى بالعبودية، وأن الله ربه، فنزه جناب الله عن قول الظالمين في زعمهم أنه ابن الله، بل هو عبده ورسوله وابن أمته، ثم برأ أمه مما نسبه إليها الجاهلون وقذفوها به ورموها بسببه بقوله: (آتاني الكتاب وجعلني نبياً) فإن الله لا يعطي النبوة من هو كما زعموا، لعنهم الله وقبحهم، كما قال تعالى:

    { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } (سورة النساء:156) .

    وذلك أن طائفة من اليهود في ذلك الزمان قالوا: إنها حملت به من زني في زمن الحيض، لعنهم الله، فبرأها الله من ذلك، وأخبر عنها أنها صديقة، واتخذ ولدها نبياً مرسلاً أحد أولى العزم الخمسة الكبار، ولهذا قال: (وجعلني مباركاً أين ما كنت) وذلك أنه حيث كان دعا إلي عبادة الله وحده لا شريك له، ونزه جنابه عن النقص والعيب من اتخاذ الولد والصاحبة تعالى وتقدس: (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً)، وهذه وظيفة العبيد في القيام بحق العزيز الحميد بالصلاة، والإحساس إلي الخليقة بالزكاة، وهي تشتمل على طهارة النفوس من الأخلاق الرذيلة وتطهير الأموال الجزيلة بالعطية للمحاويج على اختلاف الأصناف، وقرى الأضياف، والنفقات على الزوجات والأرقاء والقرابات، وسائر وجوه الطاعات وأنواع القربات.

    ثم قال: (وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً) أي: وجعلني برا بوالدتي، وذلك أنه تأكد حقها عليه لتمحض جهتها إذ لا والد له سواها، فسبحان من خلق الخليقة، وبرأها، وأعطى كل نفس هداها (ولم يجعلني جباراً شقياً) أي: لست بفظ ولا غليظ، ولا يصدر مني قول ولا فعل ينافي أمر الله وطاعته. (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً) وهذه المواطن الثلاثة التي تقدم الكلام عليها في قصة يحيى بن زكريا عليهما السلام.

    ثم لما ذكر تعالى قصته على الجلية وبين أمره ووضحه وشرحه قال:

    { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } * { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ }( سورة مريم :34-35) .
    avatar
    صابر
    عضو متميز
    عضو متميز


    عدد المساهمات : 419
    رقم العضوية : 187
    تاريخ التسجيل : 28/11/2008
    نقاط التميز : 820
    معدل تقييم الاداء : 137

    عيسى عليه السلام Empty رد: عيسى عليه السلام

    مُساهمة من طرف صابر السبت 7 نوفمبر - 4:05

    كما قال تعالى بعد ذكر قصته وما كان من أمره في آل عمران:

    { ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ } * { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ } * { فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ } (سورة آل عمران:58ـ63) .

    ولهذا لما قدم وفد نجران وكانوا ستين راكباً يرجع أمرهم إلي أربعة عشر منهم ويثول أمر الجميع إلي ثلاثة هم أشرافهم وساداتهم، وهم العاقب والسيد وأبو حارثة بن علقمة، فجعلوا يناظرون في أمر المسيح، فأنزل الله صدر سورة آل عمران في ذلك، وبين أمر المسيح ابتداء من خلقه وخلق أمه من قبله، وأمر رسوله بأن يباهلهم إن لم يستجيبوا له ويتبعوه، فلما رأوا عينيها وأذنيها نكلوا ونكصوا، وامتنعوا عن المباهلة، وعدلوا إلي المسالمة والموادعة، وقال قائلهم وهو العاقب عبد المسيح: يا معشر النصارى لقد علمتم أن محمداً لنبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم أنه ما لا عن قوم نبياً قط فبقى كبيرهم ولا نبت صغيرهم، وإنها للاستئصال منكم إن فعلتم، فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلي بلادكم، فطلبوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يضرب عليهم جزية وأن يبعث معهم رجلاً أميناً، فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح.

    والمقصود أن الله تعالى بين أمر المسيح فقال لرسوله:

    { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } (سورة مريم : 34 ).

    يعني: من أنه عبد مخلوق من امرأة من عباد الله، ولهذا قال:

    { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ }( سورة مريم :35) .

    أي: لا يعجزه شيء ولا يكترثه ولا يئوده، بل هو القدير الفعال لما يشاء

    { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } (سورة يس: 82) .

    وقوله:

    { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } (سورة مريم: 36) .

    هو من تمام كلام عيسى لهم في المهد، أخبرهم أن الله ربه وربهم وإلهه وإلههم، وأن هذا هو الصراط المستقيم قال الله تعالى:

    { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } (سورة مريم: 37) .

    أي: فاختلف أهل ذلك الزمان ومن بعدهم فيه. فمن قائل من اليهود: إنه ولد زنية، واستمروا على كفرهم وعنادهم. وقابلهم آخرون في الكفر فقالوا: هو الله، وقال آخرون: هو ابن الله.

    وقال المؤمنون: هو عبد الله ورسوله وابن أمته وكلمته ألقاها إلي مريم وروح منه، وهؤلاء هم الناجون المثابون، والمؤيدون المنصورون، ومن خالفهم في شيء من هذه القيود فهم الكافرون الضالون الجاهلون، وقد توعدهم العلي العظيم الحكيم العليم بقوله:

    { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } (سورة مريم:37) .

    قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، وأنبأنا الوليد، حدثنا الأوزاعي، حدثني عمير بن هانئ، حدثني جنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلي مريم وروح منه، والجنة الحق، والنار حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل"

    منشأ عيسى ابن مريم عليهما السلام

    ولد ببيت لحم قريباً من بيت المقدس. وزعم وهب بن منبه أنه ولد بمصر، وأمه مريم سافرت هي ويوسف بن يعقوب النجار وهي راكبة على حمار ليس بينهما وبين الإكاف شيء. وهذا لا يصح،والحديث الذي تقدم ذكره دليل على أن مولده كان ببيت لحم، كما ذكرناه، ومهما عارضه فباطل.

    وذكر وهب بن منبه أنه لما ولد خرت الأصنام يومئذ في مشارق الأرض ومغاربها، وأن الشياطين حارت في سبب ذلك، حتى كشف لهم إبليس الكبير أمر عيسى، فوجدوه في حجر أمه والملائكة محدقة به، وأنه ظهر نجم عظيم في السماء، وأن ملك الفرس أشفق من ظهوره، فسأل الكهنة عن ذلك فقالوا: هذا لمولد عظيم في الأرض، فبعث رسله ومعهم ذهب ومر ولبان هدية إلي عيسى، فلما قدموا الشام سألهم ملكها عما أقدمهم فذكروا له ذلك، فسأل عن ذلك الوقت فإذا قد ولد فيه عيسى ابن مريم ببيت المقدس، واشتهر أمره بسبب كلامه في المهد، فأرسلهم إليه بما معهم وأرسل معهم من يعرفه له ليتوصل إلي قتله إذا انصرفوا عنه، فلما وصلوا إلي مريم بالهدايا ورجعوا قيل لها: إن رسل ملك الشام إنما جاءوا ليقتلوا ولدك، فاحتملته فذهبت به إلي مصر، فأقامت به حتى بلغ عمره اثنتى عشرة سنة، وظهرت عليه كرامات ومعجزات في حال صغره، فذكر منها أن الدهقان الذي نزلوا عنده افتقد مالاً من داره، وكانت داره لا يسكنها إلا الفقراء والمحاويج فلم يدر من أخذها، وعز ذلك على مريم عليها السلام، وشق على الناس وعلى رب المنزل وأعياهم أمرها، فلما رأى عيسى عليه السلام ذلك عمد إلي رجل أعمى وآخر مقعد من جملة من هو منقطع إليه، فقال للأعمى: احمل هذا المقعد وانهض به، فقال: إني لا أستطيع ذلك، فقال: بلى كما فعلت أنت وهي حين أخذتما هذا المال من تلك الكوة من الدار، فلما قال ذلك صدقاه فيما قال، وأتيا بالمال، فعظم عيسى في عين الناس، وهو صغير جداً.

    ومن ذلك أن ابن الدهقان عمل ضيافة للناس بسبب طهور أولاده، فلما اجتمع الناس وأطعمهم، ثم أراد أن يسقيهم شراباً، يعني خمراً، كما كانوا يصنعون في ذلك الزمان، لم يجد في جراره شيئاً فشق ذلك عليه، فلما رأى عيسى من ذلك منه قام فجعل يمر على تلك الجرار ويمر يده على أفواهها فلا يفعل بجرة منها ذلك إلا امتلأت شراباً من خيار الشراب، فتعجب الناس من ذلك جداً، وعظموه، وعرضوا عليه وعلى أمه مالاً جزيلاً فلم يقبلاه، وارتحلا قاصدين بيت المقدس، والله أعلم

    أن أبي هريرة قال: إن عيسى ابن مريم أول ما أطلق الله لسانه بعد الكلام الذي تكلم به وهو طفل، فمجد الله تمجيداً لم تسمع الآذان بمثله، لم يدع شمساً ولا قمراً ولا جبلاً ولا نهراً ولا عيناً إلا ذكره في تمجيده، فقال:

    اللهم أنت القريب في علوك، المتعالي في دنوك، الرفيع على كل شيء من خلقك، أنت الذي خلقت سبعاً في الهواء بكلماتك مستويات طباقاً، وأجبن وهن دخان من فرقك فأتين طائعات لأمرك، فيهن ملائكتك يسبحون قدسك لتقديسك، وجعلت فيهن نوراً على سواد الظلام، وضياء من ضوء الشمس بالنهار، وجعلت فيهن الرعد المسبح بحمدك، فبعزتك يجلو ضوء ظلمتك، وجعلت فيهم مصابيح يهتدي بهن في الظلمات الحيران.

    فتباركت اللهم في مفطور سماواتك وفيما دحوت من أرضك دحوتها على الماء فمسكتها على تيار الموج الغامر، فأذللتها إذلال المتظاهر، فذل لطاعتك صعبها، واستحيا لأمرك أمرها وخضعت لعزتك أمواجها، ففجرت فيها بعد البحور الأنهار، ومن بعد الأنهار الجداول الصغار، ومن بعد الجداول ينابيع العيون الغزار، ثم أخرجت منها الأنهار والأشجار والثمار، ثم جعلت على ظهرها الجبال فوتدتها أوتاداً على ظهر الماء، فأطاعت أطوادها وجلمودها. فتباركت اللهم فمن يبلغ بنعته نعتك أم من يبلغ بصفته صفتك؟ تنشر السحاب وتفك الرقاب وتقضي الحق وأنت خير الفاصلين، لا إله إلا أنت سبحانك أمرت أن نستغفرك من كل ذنب، لا إله إلا أنت سبحانك سترت بالسماوات عن الناس، لا إله إلا أنت سبحانك إنما يخشاك من عبادك الأكياس، نشهد أنك لست بإنه استحدثناك، ولا رب يبيد ذكره، ولا كان معك شركاء يقضون معك فندعوهم ونذرك، ولا أعانك على خلقنا أحد فنشك فيك، نشهد أنك أحد صمد لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفواً أحد.

    وقال إسحاق بن بشر: عن جويبر ومقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس، أن عيسى ابن مريم أمسك عن الكلام بعد أن كلمهم طفلاً حتى بلغ ما يبلغ الغلمان، ثم أنطقه الله بعد ذلك الحكمة والبيان، فأكثر اليهود فيه وفي أمه من القول، وكانوا يسمونه ابن البغية، وذلك قوله تعالى:

    { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } (سورة النساء:156) .

    قال: فلما بلغ سبع سنين أسلمته أمه في الكتاب، فجعل لا يعلمه المعلم شيئاً إلا بدره إليه فعلمه أبا جاد، فقال عيسى: ما أبو جاد؟ فقال المعلم: لا أدري، فقال عيسى: كيف تعلمني ما لا تدري؟ فقال المعلم: إذاً فعلمني، فقال له عيسى: فقم من مجلسك، فقام فجلس عيسى مجلسه، فقال: سلني، فقال المعلم، فما أبو جاد؟ فقال عيسى: الألف آلاء الله، والباء بهاء الله، والجيم بهجة الله وجماله، فتجعب المعلم من ذلك فكان أول من فسر أبا جاد. ثم ذكر أن عثمان سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فاجابه على كل كلمة بحديث طويل موضوع، لا يسأل عنه ولا يتمادى.

    وهكذا روي ابن عدي من حديث إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي مليكة، عمن حدثه، عن ابن مسعود، عن مسعر بن كدام، عن عطية، عن أبي سعيد، رفع الحديث في دخول عيسى إلي الكتاب وتعليمه المعلم معنى حروف أبي جاد، وهو مطول لا يفرح به. ثم قال ابن عدى: وهذا الحديث باطل بهذا الإسناد لا يرويه غير إسماعيل وروي ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة قال: كان عبد الله بن عمر يقول: كان عيسى ابن مريم وهو غلام يلعب مع الصبيان، فكان يقول لأحدهم: تريد أن أخبرك ما خبأت لك أمك؟ فيقول: نعم، فيقول: خبأت لك أمك كذا وكذا، فيذهب الغلام منهم إلي أمه فيقول لها. أطعميني ما خبأت لي، فيقول: وأي شيء خبأت لك؟ فيقول: كذا وكذا، فتقول له: من أخبرك؟ فيقول: عيسى ابن مريم.

    فقالوا: والله لئن تركتم هؤلاء الصبيان مع ابن مريم ليفسدنهم، فجمعوهم في بيت وأغلقوا عليهم، فخرج عيسى يلتمسهم فلم يجدهم، فسمع ضوضاءهم في بيت فسأل عنهم، فقالوا: إنما هؤلاء قردة وخنازير، فقال: اللهم كذلك، فكانوا كذلك. وقال إسحاق بن بشر: عن جويبر ومقاتل، عن ابن عباس قال: وكان عيسى يرى العجائب في صباه إلهاماً من الله، ففشا ذلك في اليهود، وترعرع عيسى، فهمت به بنو إسرائيل، فخافت أمه عليه، فأوحى الله إلي أمه أن تنطلق به إلي أرض مصر، فذلك قوله تعالى:

    { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } (سورة المؤمنون:50) .

    وقد اختلف السلف والمفسرون في المراد بهذه الربوة التي ذكر الله من صفتها أنها ذات قرار ومعين، وهذه صفة غريبة الشكل، وهي أنها: (ربوة) وهو المكان المرتفع من الأرض الذي أعلاه مستو يقر عليه وارتفاعه مستع، ومع علوه فيه عيون ولدت فيه المسيح وهو نخلة بيت المقدس، ولهذا

    { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } (سورة مريم:24) .

    وهو النهر الصغير في قول جمهور السلف. وعن ابن عباس بإسناد جيد أنها أنهار دمشق، فلعله أراد تشبيه ذلك المكان بأنهار دمشق، وقيل ذلك بمصر، كما زعمه من زعمه من أهل الكتاب، ومن تلقاه عنهم، والله أعلم. وقيل: هي الرملة.

    وقال إسحاق بن بشر: قال لنا إدريس عن جده وهب بن منبه، قال: إن عيسى لما بلغ ثلاث عشرة سنة، أمره الله أن يرجع من بلاد مصر إلي بيت إيليا. قال: فقدم عليه يوسف ابن خال أمه، فحملهما على حمار حتى جاء بهما إلي إيليا، وأقام بها، حتى أحدث الله له الإنجيل وعلمه التوراة، وأعطاه إحياء الموتى وإبراء الأسقام، والعلم بالغيوب مما يدخرون في بيوتهم وتحدث الناس بقدومه، فزعوا لما كان يأتي من العجائب، فجعلوا يعجبون منه، فدعاهم إلي الله، ففشا فيهم أمره.

    عيسى عليه السلام Empty رد: عيسى عليه السلام

    مُساهمة من طرف الجبرتي الأربعاء 20 يناير - 21:19

    اشكركم جميعا

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء 7 مايو - 5:03