معا لغد افضل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
معا لغد افضل

    نظرية ولاية الفقيه عند الشيعة الاثني عشرية

    avatar
    صلاح محمود
    عضو مشارك
    عضو مشارك


    عدد المساهمات : 60
    تاريخ التسجيل : 23/05/2009
    نقاط التميز : 103
    معدل تقييم الاداء : 7

    نظرية ولاية الفقيه عند الشيعة الاثني عشرية Empty نظرية ولاية الفقيه عند الشيعة الاثني عشرية

    مُساهمة من طرف صلاح محمود السبت 7 نوفمبر - 5:10

    حاول فقهاء الإمامية إقامة الأدلة على صحة نظرية ولاية الفقيه وأكثروا من إيراد الأدلة وبعد الاستقراء وجدت أنها محصورة في قسمين:

    أولا: الدليل العقلي.

    نظرا لضرورة وجود الحكومة من أجل تلبية حاجات المجتمع ومنع وقوع الفوضى والفساد واضطراب النظام. وبما أن أحكام الإسلام لا تختص بعهد الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يجب تطبيقها في كل العصور، من هنا يمكن إثبات ولاية الفقيه بدليلين هما:

    أولا: عندما يتعذر تحقيق المصلحة بشكلها المثالي المطلوب، يجب حينذاك إحراز المرتبة الأدنى من الحد المطلوب. وفي المسألة المعروضة أمامنا حينما يحرم الناس من المصالح التي توفرها لهم حكومة الإمام المعصوم يجب عليهم السعي لنيل المرتبة التالية لها ـ أي ـ يجب عليهم تبنى حكومة من هو أقرب إلى الإمام المعصوم.

    و هذا القرب يتبلور في ثلاثة أمور أصلية، هي:

    1. العلم بأحكام الإسلام العامة، وتلك هي الفقاهة.

    2. الجدارة الروحية والأخلاقية بحيث لا يقع تحت تأثير الأهواء النفسية و الترغيب والترهيب، و تلك هي التقوى.

    3. الكفاءة و القدرة على تدبير شؤون المجتمع، و هذا يستلزم توافر خصال فرعية من قبيل الوعي السياسي والاجتماعي، و فهم القضايا الدولية، و الشجاعة في التصدي للأعداء والمفسدين، والحدس الصائب في تحديد الأولويات و الشؤون الأكثر أهمية، و ما شابه ذلك.

    إذن يجب أن يتصدى لزعامة المجتمع من تتوافر فيه هذه الشروط أكثر من غيره من الناس، و هو الذي يخلق الانسجام بين أركان الحكومة و يسوقها نحو الكمال المنشود.

    و تعيين مثل هذا الشخص يقع طبعا على عاتق ذوى الخبرة، كما هو الحال في سائر جوانب الحياة الاجتماعية.

    ثانيا: إن الولاية على أموال وأعراض و نفوس الناس من شأن الله تعالى، و تتخذ صيغتها الشرعية بتنصيب وإذن منه.

    و نحن نؤمن أنه منح هذه السلطة القانونية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وللائمة المعصومين عليهم السلام، ولكن عندما يحرم الناس من القائد المعصوم، فإما أن يكون الباري تعالى قد أذن للناس بالانصراف عن تطبيق الأحكام الاجتماعية للإسلام، أو إنه أجاز لأصلح الناس تطبيقها لكي لا يستلزم ذلك ترجيح المرجوح عليه ونقض الغرض المطلوب وما هو مخالف للحكمة.

    ونظرا لبطلان الفرض الأول، يثبت لدينا الفرض الثاني ـ أي أننا نستشف عن طريق العقل أن مثل هذا الإذن قد صدر من الله تعالى ومن الأولياء المعصومين وإن لم يصلنا دليل نقلي واضح في هذا الخصوص.

    والفقيه الجامع للشرائط هو ذلك الفرد الأصلح الذي يعرف أحكام الإسلام أكثر من غيره، ويتصف أيضا بضمانة أخلاقية أكثر من أجل تطبيق تلك الأحكام أكثر كفاءة من غيره في ضمان مصالح المجتمع و تدبير شؤونه.

    إذن نستشف شرعية ولايته عن طريق العقل، مثلما الحال في الكثير من الأحكام الفقهية الأخرى و خاصة في الشؤون الاجتماعية التي تثبت لدينا صحتها عن هذا الطريق ـ أي طريق الدليل العقلي .

    ثانيا:الدليل النقلي.

    وهي عبارة عن الروايات الدالة على إرجاع الأمة إلى الفقهاء للنظر في متطلباتهم الحكومية وخاصة الشؤون القضائية والمنازعات، أو تلك الروايات التي تسمي الفقهاء بصفة(الأمنـــاء) أو(الخلفاء) أو(ورثة الأنبياء) ومن بأيديهم زمام الأمور.

    ومن بين تلك الروايات مقبولة عمر بن حنظلة، ومشهورة أبى خديجة، والتوقيع الشريف للمهدي، وهى ذات سند معتبر، ومن غير المسوغ التشكيك في سند أمثال هذه الروايات التي تتسم بشهرة الراوية والفتوى، ودلالتها واضحة على تنصيب الفقهاء كنواب عن الإمام المقبوض اليد في تصريف الأمور، وإن لم تكن الحاجة لمثل هذا التنصيب في زمن الغيبة أكثر، فهو لا يقل عنه.

    ونذكر أدناه هذه الأدلة:

    الدليل الأول: التوقيع المشهور الذي رواه إسحاق بن يعقوب عن المهدي: قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي، فورد التوقيع بخط المهدي: أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك ـ إلى أن قال ـ وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله.

    وجه الدلالة

    1. يستفاد من لفظ الحوادث الوقائع والأمور الخارجية، وقد ألزم الإمام الشيعة الرجوع فيها إلى الراوي للنظر فيها، أي أن هذه الفقرة غير ناظرة إلى الحكم الشرعي، ولزوم الرجوع في معرفته إلى الراوي، بل مختصة في إرجاع الشيعة في معالجة القضايا الخارجية من مسائل الأموال والأمور العامة المرتبطة بالمسلمين أو بالشيعة إلى الراوي أي الفقيه.

    2. أن يقال: بانعقاد عموم للفظ(الحوادث) يشمل الأمور والأحكام على حد سواء، فالسائل يسأل عن حكم المسائل المستحدثة، والتي لم يعرف حكمها، كما يسأل عن المرجع فيها في ظرف غياب الإمام، وبعبارة مختصرة:«أن عموم الحوادث ـ لكونها جمعا محلى باللام ـ يقتضي أن يكون الفقيه مرجعا في كل حادثة ترجع فيها الرعية إلى رئيسهم سواء تعلقت بالسياسات أو الشرعيات، دون خصوص الشبهات الحكمية، والمسائل الشرعية بإرادة الفروع المتجددة في الحوادث الواقعية».

    الدليل الثاني: رواية تحف العقول عن الإمام الحسين عليه السلام : مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه.

    وجه الدلالة

    1. إن جريان الأمور بيد العلماء بمعنى جعل حسم الأمور للعالم وإرجاعها إليه ووقوعها تحت نظره، وهذا هو معنى الولاية.

    الدليل الثالث: عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين عن محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا، بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان، وإلى القضاة أيحل ذلك؟ قال: "من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً، وإن كان حقاً ثابتاً له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وما أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى:﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ قلت: فكيف يصنعان؟ قال: "ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، وينظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله، وعلينا رد، والراد علينا راد على الله وهو على حد الشرك بالله".قال: فإن كان كل واحد اختار رجلاً من أصحابنا، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما، فاختلفا فيما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم؟.فقال: " الحكم ما حكم به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما في الحديث، وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.. الحديث".

    وجه الدلالة

    1. ما ذكره الشيخ الأنصاري قدس سره في مقام الاستدلال على ثبوت الولاية بهذه الرواية حيث كتب: إن ما يدل على ولايته «يستفاد من جعله حاكما كما في مقبولة عمر بن حنظلة الظاهر في كونه كسائر الحكام المنصوبين في زمان النبي صلى الله عليه و آله وسلم والصحابة في إلزام الناس بإرجاع الأمور المذكورة إليه والانتهاء فيها إلى نظره، بل المتبادر عرفا من نصب السلطان حاكما وجوب الرجوع في الأمور العامة المطلوبة للسلطان إليه».

    2. إن الرواية تحتف بقرائن لفظية تجعل لفظ الحاكم ينصرف إلى معنى ولاية الأمر الأعم من معنى القضاء، وهذه القرائن هي:

    أ. أن الآية التي أوردها الإمام عليه السلام أو التي أشار إليها في كلامه، ولم يذكرها نصا «مفادها اعم من التحاكم إلى القضاة والى الولاة لو لم نقل بأن الطاغوت عبارة عن خصوص السلاطين والأمراء، ولأن الطغيان والمبالغة فيه مناسب لهم لا للقضاة، ولو أطلق على القضاة يكون لضرب من التأويل أو بتبع السلاطين الذين هم الأصل في الطغيان ويظهر من المقبولة التعميم بالنسبة إليهما».

    ب. إن قول السائل(في دين أو ميراث) ينطوي على نوعين من النزاعات:

    أحدهما: التنازع في أصل دعوى الدين، أو دعوى إنه وارث، وهذا النوع من التنازع مرجعه القاضي.

    والثاني: نزاع في استيفاء الدين من الغريم بعد اعتراف الأخير به، أو نزاع في مماطلة الوارث في دفع استحقاق الوارث الآخر من تركة المتوفى، وهذا النزاع يرجع في حسمه إلى الحاكم، والمستفاد من الرواية هو السؤال عن المرجع في مطلق المنازعات لا خصوص النزاعات من النوع الأول، اللهم إلا أن يقال أن هذا النزاع أيضا مرجعه إلى القاضي.

    ج. إن لفظ «عليكم» في قوله عليه السلام: «فاني قد جعلته عليكم حاكما» ظاهر في إرادة معنى الولاية العامة من لفظ الحاكم لا معنى الولاية في القضاء في النزاعات، إذ لو كان المراد بالحاكم هو القاضي في الخصومات لكان ينبغي أن يقول: «فاني قد جعلته بينكم حاكما» لأن الحكم بمعنى القضاء يكون بين المتنازعين لا على المتنازعين.

    3. إن السائل يسأل عن المرجع الذي يرجع إليه بعد أن حكم الإمام عليه السلام بحرمة الرجوع إلى السلطان أو القاضي، وذكر الدين أو الميراث إنما هو من باب المثال، وحيث أن السؤال عن مطلق المرجع لاعن خصوص المرجع في حسم الخصومات القضائية ذكر السائل السلطان والقاضي، إذ لو كان السؤال عن المرجع في حسم قضايا الخصومات فقط لا معنى لذكر السلطان بل يكتفي السائل بذكر القاضي. صحيح أن السلطان قد يفصل بين الخصومات، إلا أن العادة جارية بأن القاضي هو الفاصل بين الخصومات الواقعة بين الناس.

    وذات النكتة يمكن استفادتها من ذكر الدين والميراث، إذ أن هذا التردد شاهد على أن السائل لا يسأل عن قضايا خارجية واقعة يستفتي الإمام فيها، وإنما يسأل عن قضايا كلية وذكر منها اثنين للمثال والإمام عليه السلام جعل الفقيه الشيعي مرجعا مطلقا في جميع المنازعات التي تقع بين الشيعة، وهذا يعني ثبوت الولاية العامة للفقيه.

    4. إن لفظ الحاكم يدل على طبيعة الولاية، فيندرج تحتها ولاية فصل الخصومة وولاية شؤون الناس، وحيث لم يذكر الإمام عليه السلام ولاية خاصة، فلا محالة يدل اللفظ على ثبوت مطلق الولاية للفقيه.

    قال الميرزا النائيني: «فإن الحكومة بإطلاقها يشمل كلتا الوظيفتين، ولا ينافيه كون مورد الرواية مسألة القضاء، فإن خصوصية المورد لا توجب تخصيص العموم في الجواب .

    5. لو سلم أن الرواية دالة على جعل خصوص ولاية القضاء للفقيه لأنها القدر المتيقن أو لعدم جريان الإطلاق في المحمول ـ كما قيل ـ فإنه مع ذلك يمكن التعميم إلى مطلق الولاية للمناسبات المغروسة في الأذهان من الحاجة إلى الرجوع إلى الحاكم، وفساد مذهب السلطان والقاضي المنصوب من قبله المانع عن الرجوع إليه، والباعث على السؤال عن المرجع.

    6. ما ذكره بعض الفقهاء من دعوى ظهور لفظ الحاكم لمعنى الولاية على الأمور، فيكون مترادفا مع لفظ الوالي والسلطان.

    قال السيد البروجردي قدس سره: «يظهر أن مراده عليه السلام بقوله في المقبولة(حاكما) هو الذي يرجع إليه في جميع الأمور العامة الاجتماعية التي لا تكون من وظائف الأفراد ولا يرضى الشارع أيضا بإهمالها، ومنها القضاء وفصل الخصومات، ولم يرد به خصوص القاضي».

    7. إن القضاة المنصوبين من قبل الخلفاء في العصر الأموي والعباسي كانوا يمارسون مثل هذه الأعمال، وكانت تخولهم السلطة الحاكمة المركزية في ذلك الوقت ممارسة هذه المهام، فكان القاضي قيما على أموال الأيتام والقصر وكان يأمر بتنفيذ العقوبات ومطاردة المجرمين، ويتولى الأمور الحسبية.

    وطبيعة المقابلة بين قضاة البلاط والقضاة المنصوبين من قبل أهل البيت عليهم السلام من الفقهاء، والمنع عن مراجعة أولئك وإرجاع الناس إلى هؤلاء تقتضي أن القضاة المنصوبين من قبلهم عليهم السلام ـ قضاء عاما، أو خاصا ـ عليهم نفس المسؤوليات التي كانت تناط بقضاء البلاط، وذلك حتى يتأتى لهؤلاء القضاة أن يسدوا الحاجات التي كان يسدها أولئك القضاة».

    الدليل الرابع: ما نقله العلامة الحلي في التحرير مرسلا عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: قال صلى الله عليه و آله وسلم: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل».

    وجه الدلالة

    1. حيث حذف مورد التشبيه، فلا محالة يثبت إطلاق في تشبيه الفقيه في جميع منازل النبي من بني إسرائيل، كما لو قيل(زيد كالقمر) فانه يراد به تشبيه زيد في منازل القمر الكمالية كالإشراق ودائرية الوجه، وما شاكل ذلك. وفي مورد بحثنا ثبت لبعض أنبياء بني إسرائيل كموسى وداود وسليمان عليهما السلام، ولعله لغيرهم أيضا الولاية والحكومة على قومهم، فلا محالة أن يثبت هذا المقام لفقهاء الإسلام.

    الدليل الخامس: عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن أبي البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهما أو دينارا وإنما ورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشي‏ء منها أخذ بحظ وافر، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه، فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين».

    وجه الدلالة

    1. إن الولاية على الناس، والأموال الثابتة للنبي تنتقل إلى الفقيه بالوراثة كما ينتقل علمه إليهم لأنهم ـ حسب مفاد الحديث ـ ورثته.

    2. إن تعبير(ورثة الأنبياء) لسان أراد به الإمام الصادق عليه السلام جعل مقام النبي للفقيه في باب الولاية، فهو وارث لها كما أن الوارث المادي يرث مال النبي صلى الله عليه و آله وسلم، فالوارث المادي يختص بإرث المال، والفقيه وارث جعلي يرث مقامات النبي صلى الله عليه و آله وسلم ومنها الولاية، وإطلاق المقابلة بين إرث الدينار والدرهم الذي هو رمز للإرث المادي وبين الإرث المعنوي والذي ذكر له الإمام مثالا له العلم والرواية، يفيد ذلك أي يفيد أن الفقيه يرث الميراث المعنوي دون المادي.

    الدليل السادس: ما أورده الفقيه عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال: «اللهم ارحم خلفائي قيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك ؟ قال: الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي» وزاد في المجالس: «ثم يعلمونها» وفي صحيفة الرضا عليه السلام زيادة هي: «فيعلمونها الناس من بعدي».

    وجه الدلالة

    1. إن لفظ الخليفة يطلق على الشخص الذي يستخلف آخرا مطلقا أو في جهة خاصة (فزيد خليفة محمد) مثلا، أي قائم مقامه وممثله في مناصبه القابلة للاستخلاف. فإذا قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم رواة الحديث خلفائي يعني أنه صلى الله عليه و آله وسلم جعلهم في مقامه ومناصبه والتي منها ولايته على الناس والأموال.

    الدليل السابع: ما رواه في الكافي عن علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: « قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا ؟ قال: اتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم».

    وجه الدلالة

    1. إن الأمين هو الحافظ، فالفقيه حافظ في جميع الأمور المرتبطة بالرسول، وحيث لم يقيد الأمانة بشي‏ء إذ لم يقل أمناء الرسل في تبليغ الأحكام أو أمناء الرسل في شؤون العقيدة، فلا محالة ينعقد إطلاق يشمل جميع مقامات النبي صلى الله عليه و آله وسلم ومناصبه، فيكون الفقيه واليا على الناس وحافظا لشؤون الناس كما كان كذلك.

    الدليل الثامن: ما رواه في التهذيب بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد ابن محمد عن الحسين بن سعيد عن أبي الجهم عن أبي خديجة قال: بعثني أبو عبد الله عليه السلام إلى أصحابنا فقال: قل لهم: «إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداري في شي‏ء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق، اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضيا، وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر».

    وجه الدلالة

    1. إن نظر الإمام عليه السلام إلى جعل أصل الولاية لمن عرف حلال وحرام أهل البيت عليهم السلام وسلب الولاية عن المقابل، وهذا وجه متين تعضده الرواية السابقة عن عمر بن حنظلة. والقرينة على ذلك ذكر السلطان الجائر، فإنه الذي يقابل السلطان العادل وان لم يبسط نفوذه.

    2. إن الإمام عليه السلام في مقام جعل الولاية للفقيه المقابلة لولاية السلطان الجائر بقرينة تحريم الرجوع إليه بعنوانه، وليس بعنوان قاضي الجور، والولاية للسلطان الجائر ولاية عامة وإن كان يمارسها ظلما وعدوانا، فتكون الولاية للفقيه ولاية عامة أيضا.

    3. ما أشار إليه الإمام الخميني قدس سره من أنه لا يبعد أن يكون القضاء أعم من القضاء المربوط بالقاضي ومن القضاء المربوط بالسلطان، قال تعالى:(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) .

    الدليل التاسع: ما رواه صاحب الكافي عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن علي بن أسباط عن عمه يعقوب بن سالم عن داوود بن فرقد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «إن أبي كان يقول: إن الله عز وجل لا يقبض العلم بعد ما يهبطه، ولكن يموت العالم فيذهب بما يعلم فتليهم الجفاة فيضلون ويضلون، ولا خير في شي‏ء ليس له أصل».

    وجه الدلالة

    1. إن الإمام الباقر عليه السلام فرض تولي الظلمة الجفاة للحكم بعد موت الفقيه، وهذا يعني أن الفقيه حال حياته له الولاية على الأمة وله أن يمارسها شرعا، فلا يستطيع الظالم شرعا تولي أمور الناس.

    الدليل العاشر: ما رواه صاحب الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد ابن محمد عن ابن محبوب عن علي بن حمزة قال: سمعت أبا الحسن موسى ابن جعفر عليه السلام يقول: «إذا مات المؤمن بكت عليه ملائكة السماء وبقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها، وأبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله، وثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شي‏ء؛ لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها».

    وجه الدلالة

    1. أن قوله عليه السلام: «لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام» شبه فيه الفقيه بالحصن للمدينة والحصن للمدينة يحفظها من هجوم الأعداء، وحفظ الإسلام يكون بتطبيقه وبسط الحق بين الناس، واستيفاء الحقوق؛ إذ مع فقدان ذلك سوف يتيه الناس. وتضيع الأمة، وذلك معناه ثبوت الولاية للفقيه؛ إذ ليس الولاية إلا ذلك.

    الدليل الحادي عشر: ما رواه الصدوق قدس سره عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد الأصفهاني عن سليمان بن داود المنقري عن جعفر بن غياث قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: من يقيم الحدود السلطان أو القاضي؟ فقال:«إقامة الحدود إلى من إليه الحكم».

    وجه الدلالة

    1. إن الإمام عليه السلام جمع بين إقامة الحدود والولاية، وحصرهما بشخص واحد، فالذي يقيم الحدود هو الولي، وحيث ثبت أن إقامة الحدود إنما هي للفقيه، فلا محالة يكون حاكما بنص هذه الرواية ؛ إذ الذي يقيم الحدود هو الحاكم، والفقيه يقيم الحدود فهو الحاكم، إذ لو قلنا بثبوت إقامة الحدود للفقيه دون إقامة الحكم لزم الفصل بين المنصبين المنفي في الرواية.

    وتدل الرواية بمفهومها على عدم ولاية الفاسق بنفس التقريب السابق، أي حيث دل النص والإجماع على حرمة الرجوع إلى السلطان الجائر وخاصة في المنازعات والحدود دل ذلك على عدم ولايته أيضا؛ إذ الشخص الذي لا يجوز له إقامة الحدود لا يكون له الحكم.
    avatar
    صلاح محمود
    عضو مشارك
    عضو مشارك


    عدد المساهمات : 60
    تاريخ التسجيل : 23/05/2009
    نقاط التميز : 103
    معدل تقييم الاداء : 7

    نظرية ولاية الفقيه عند الشيعة الاثني عشرية Empty رد: نظرية ولاية الفقيه عند الشيعة الاثني عشرية

    مُساهمة من طرف صلاح محمود السبت 7 نوفمبر - 5:11

    العلماء القائلون بنظرية ولاية الفقيه والمعارضون لها

    أبرز القائلين بنظرية ولاية الفقيه

    على العكس من المتكلمين القدماء الإخباريين الذين كانوا يبررون الغيبة بأن الإمام موجود كالشمس وراء السحاب، شعر العلماء المتأخرون الأصوليون بحاجة الأمة إلى إمام حي ظاهر متفاعل يقود الشيعة ويطبق أحكام الدين، ولذلك قاموا بثورة كبرى في التخلي عن الشروط المثالية المستحيلة وقالوا بولاية الفقيه العادل، تلك النظرية التي أدت إلى قيام الجمهورية الإسلامية في إيران وتغيير التاريخ الشيعي، ومن أبرز علماء الشيعة القائلون بنظرية ولاية الفقيه:

    1. "محمد بن مكي الجزيني العاملي"(ت 786هـ) صاحب أول تطوير حقيقي في الفقه الشيعي فيما يتعلق بنظرية ولاية الفقيه، فبعدما كانت علاقة رجال الدين بالمجتمع قاصرة على الفتاوى الفقهية، وعلى ما يحصلونه من نسبة الخمس، وسع الجزيني نطاق عمل الفقهاء ووسع تأثيرهم في حياة الشيعة مستندا إلى ما يسمى "نيابة الفقهاء العامة" عن "المهدي المنتظر"، وشملت هذه النيابة القضاء والحدود وإقامة صلاة الجمعة. ورأى في كتابه "اللمعة الدمشقية" أن الفقيه هو نائب الإمام، فكان الجزيني أول من تحدث عن نيابة الفقهاء للأئمة عند المسلمين الشيعة، لكن مضمون الفكرة يقوم على تحسين شروط الانتظار حتى يعود "المهدي المنتظر"، ومن ثم ظهر لأول مرة مصطلح "نائب الإمام".

    2. الشيخ أبو الحسن علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي العاملي، المعروف بالمحقّق الثاني(ت940هـ): نقل نظرية(النيابة العامة) إلى مرحلة سياسية متقدمة في القرن العاشر الهجري، بإعطائه الشاه طهماسب بن إسماعيل الصفوي وكالة للحكم باسم(نائب الإمام: الفقيه العادل).

    3. "أحمد بن محمد مهدي نراقي كاشاني"(1245هـ) والذي بين في كتابه "عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام" صلاحيات الفقهاء مستخدما مصطلح "ولاية الفقيه" لأول مرة رافضا "التقية" و"عصر الانتظار"، داعيا الفقهاء إلى تولي زمام الأمور والحكم لجماهير الشيعة، واقترح أيضا منصب الإمامة الكبرى.

    4. الشيخ "مرتضى بن محمد أمين الأنصاري" الملقب بـ"خاتم المجتهدين"(ت1281هـ) حيث أفتى بوجوب تقليد الشيعة المرجع الديني أو الفقيه في كل أمورهم الحياتية والمذهبية، فتكرست مرجعية الفقهاء ودورهم كنواب للإمام الغائب الثاني عشر، وهو ما أدى لتحويل وظيفة الفقيه من مجرد ناقل للأحاديث إلى مجتهد، ثم إلى مرجع يجب تقليده، وبشكل ينزله منزلة المنصب الشرعي، أو ما يطلق عليه في الفقه الشيعي "النيابة العامة" التي صعدت إلى مصاف الولاية المستمدة من الله، وقد أسس ذلك فيما بعد لظهور نظرية "ولاية الفقيه" التي سعت لإثبات حقيقة أن العلماء والفقهاء هم ورثة الأنبياء والأئمة المعصومين استنادا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء"، ومقولة الإمام الرضا " الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك".

    5. الشيخ رضا الهمداني(1310هـ) قال: في(مصباح الفقيه) في معرض تأييده لنظرية ولاية الفقيه التي أسماها بالقائمقامية: إن الذي يظهر بالتدبر في(التوقيع) المروي عن إمام العصر الذي هو عمدة دليل النصب: إنما هو إقامة الفقيه المتمسك برواياتهم مقامه بإرجاع عوام الشيعة إليه في كل ما يكون مرجعا فيه كي لا يبقى شيعته متحيرين في أزمنة الغيبة. ومن تدبر في هذا(التوقيع) الشريف يرى انه(ع) قد أراد بهذا التوقيع إتمام الحجة على شيعته في زمان غيبته بجعل الرواة حجة عليهم لا يسع لأحد أن يتخطى عما فرضه إليه معتذرا بغيبة الإمام، لا مجرد حجية قولهم في نقل الرواية أو الفتوى... وملخص الكلام: دلالة هذا التوقيع على ثبوت منصب الرياسة والولاية للفقيه، وكون الفقيه في زمان الغيبة بمنزلة الولاة المنصوبين من قبل السلاطين على رعاياهم في الرجوع إليه، وإطاعته فيما شأنه الرجوع فيه إلى الرئيس.

    6. الشيخ محمد حسين النائيني(1355هـ) صاحب كتاب: تنبيه الأمة وتنزيه الملة، حيث يقول: استحالة التفاف الأمة حول الإمام المهدي المنتظر الغائب و عدم وجود الأئمة المعصومين، وحاجة الأمة إلى قيادة مشروطة بمجلس منتخب.

    7. الشيخ حسن الفريد(توفي سنة 1417 هـ) شيد نظرية(ولاية الفقيه) على أساس:(الحسبة) واعترف في(رسالة في الخمس) بعدم استفادة نظرية الولاية من الكتاب والسنة، بل من دليل الحسبة والضرورة.

    8. السيد محمد رضا الكلبايكاني(ت1993م): نظّر لولاية الفقيه بالأدلة الفلسفية التي توجب إقامة(الإمامة) في كل عصر، وعدم جواز بقاء الأمة بدون قيادة. ولم يطرح نظرية(نيابة الفقهاء العامة) وإنما طرح نظريته حول(ولاية الفقيه) بصورة مستقلة، واعتمادا على الأدلة العقلية العامة التي توجب إقامة الدولة وتطبيق أحكام الدين، والأدلة النقلية العامة التي تعتبر العلماء ورثة الأنبياء، والأدلة المثبتة للأحكام مثل قوله تعالى(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)(البقرة: من الآية179) (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا)،(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)(النور: من الآية2) بضميمة العلم بأن الشارع أراد تحققها في الخارج.

    9. الخميني (ت1990م) لعب دورا هاما في تطوير الفقه السياسي الشيعي حيث حمل راية فكرة "ولاية الفقيه" من بعد الشيخ "مرتضى الأنصاري"، وكانت الظروف السياسية التي تمر بها إيران -الشاه والدور الذي لعبه الخميني في تحريك الاحتجاجات منذ عام 1963م، ثم نفيه إلى الخارج حيث استقر بالنجف فرصة كبيرة له لتطوير وصوغ أفكاره فيما يتعلق بإطاحة سلطة الشاه الدنيوية، وإقامة جمهورية إيران الإسلامية على أساس ولاية الفقيه، والتي يقابلها أن الحكومة تجسد خلافة الله على الأرض.

    أبرز المعارضين لولاية الفقيه:

    1. آية الله(شريعتمداري):

    قال الدكتور موسى الموسوي:(( وكاد الإمام الشريعتمداري الزعيم الروحي الكبير والذي ساهم في الثورة الإيرانية مساهمة عظمية في أحر أيامها أن يدفع حياته ثمناً لمعارضته هذه الفكرة.

    وعندما أصر الإمام الشريعتمداري على موقفه المعارض أرسل الخميني عشرة الآف شخص من جلاوزته يحملون العصي والهراوات إلى دار الإمام يردون قتله وقتل أتباعه وهم ينادون بصوت واحد ويشيرون إلى دار الإمام( وكر التجسس هذا لابد من حرقه) ودافع حرس الإمام شريعتمداري دفاع الأبطال عن دار الإمام واستشهد رجلين من أتباعه في ذلك الهجوم البربري الذي شنه إمام قائم على إمام قاعد.

    وهكذا أعطى الإمام الخميني درساً بليغاً للائمة الآخرين الذين أردوا الوقوف ضد ولايته ليعملوا أن مصير الإمام الشريعتمداري سيكون مصيرهم إذا ما أردوا الوقوف ضد رغبته.

    2. الشيخ(محمد جواد مغنية):

    حيث استنكر على الخميني ولاية الفقيه فقال:(قول المعصوم وأمره تماماً كالتنزيل من الله العزيز العليم) {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم 3].

    ومعنى هذا أن للمعصوم حق الطاعة والولاية على الراشد والقاصر والعالم والجاهل، وأن السلطة الروحية والزمنية - مع وجوده - تنحصر به وحده لا شريك له، وإلا كانت الولاية عليه وليست له، علماً بأنه لا أحد فوق المعصوم عن الخطأ والخطيئة إلا من له الخلق والأمر جل وعز.. أبعد هذا يقال: إذا غاب المعصوم انتقلت ولايته بالكامل إلى الفقيه؟" [الخميني والدولة الإسلامية: ص59]

    فهذا في نظره غاية الغلو، إذ كيف يجعل حكم الفقيه كحكم المعصوم؟ ثم يوضح ذلك بقوله: "حكم المعصوم منزه عن الشك والشهبات؛ لأنه دليل لا مدلول، وواقعي لا ظاهري.. أما الفقيه فحكمه مدلول يعتمد على الظاهر، وليس هذا فقط، بل هو عرضة للنسيان وغلبة الزهو والغرور، والعواطف الشخصية، والتأثير المحيط والبيئة، وتعيير الظروف الاقتصادية والمكانة الاجتماعية، وقد عاينت وعانيت الكثير من الأحكام الجائرة، ولا يتسع المجال للشواهد والأمثال سوى أني عرفت فقيهاً بالزهد والتقوى قبل الرياسة، وبعدها تحدث الناس عن ميله مع الأولاد والأصهار. [الخميني والدولة الإسلامية: ص59-60]

    3. آية الله(حسن طبطبائي القمي):

    في مقال لجريدة كيهان اللندنية بتاريخ 21 أبان 1366هـ.

    قال الدكتور( موسى الموسوي):(( ولم يكن نصيب الإمام الطبطبائي القمي في خراسان من المحن والبلاء اقل من نظيره الإمام الشريعتمداري في قم عندما عارض ولاية الفقية معارضة الأبطال.

    لقد تقبل الإمام القمي ما لاقاه من الاضطهاد من زميله القديم في السجن والجهاد الإمام الخميني صابراً محتسباً في سبيله))[ الثورة البائسة ص 51 ]

    4. العلامة الدكتور(موسى الموسوي):

    (( وموضوع ولاية الفقيه من البدع التي ابتدعها الخميني في الدين الإسلامي واتخذ منه أساساً للاستبداد المطلق باسم الدين))[الثورة البائسة ص49]

    راجع كتابه الشيعة والتصحيح ووصفها في كتابة الثورة البائسة بأنها بدعة في الدين ص 50.

    5. ومن أشد المعارضين لها في إيران هو أية الله العظمى مرعشي النجفي.

    6. ومن علماء الشيعة المعارضين لنظرية ولاية الفقيه هو أية الله العظمى محمد محمد صادق الصدر.

    7. ومن أشهر من اعترض على نظرية ولاية الفقيه في عهد الخميني من المرجعيات الدينية الشيعية السيد الخوئي(المتوفى عام 1412هـ) بعد ثلاث سنوات من نجاح ثورة الإمام الخميني الإسلامية وإقامة نظامها الإسلامي في إيران. وقد جاء انتقاد الخوئي لنظرية ولاية الفقيه في كتابه: الاجتهاد والتقليد حيث جاء قوله: إن ما أستدل به على الولاية المطلقة للفقيه -يقصد قول الخميني بها وتطبيقه إياها- غير قابل للاعتماد عليه. ومن هنا قلنا(يعني فتواه): بعدم ثبوت الولاية المطلقة للفقيه- يقصد التي جاء بها الإمام الخميني قاصرة السند والدلالة-.

    8. الشيخ حسين علي المنتظري: نفي الولاية المطلقة للفقيه لا يستدعي دليلاً إذ الأصل الأولي يقتضي عدم ولاية أحد على أحد، بل إثباتها يستدعى ‏دليلا قاطعا، ولم اعثر على ذلك في الكتاب والسنّة ولا في حكم العقل.
    avatar
    صلاح محمود
    عضو مشارك
    عضو مشارك


    عدد المساهمات : 60
    تاريخ التسجيل : 23/05/2009
    نقاط التميز : 103
    معدل تقييم الاداء : 7

    نظرية ولاية الفقيه عند الشيعة الاثني عشرية Empty رد: نظرية ولاية الفقيه عند الشيعة الاثني عشرية

    مُساهمة من طرف صلاح محمود السبت 7 نوفمبر - 5:12

    نقد نظرية ولاية الفقيه

    نقسم هذا المبحث على ثلاثة مطالب، نتحدث في الأول: نقد نظرية النيابة العامة للفقهاء، وفي الثاني: نقد نظرية ولاية الفقيه،على اعتبار أنها نتيجة القول بنيابة الفقهاء، وفي الثالث نتحدث عن إلغاء الدور السياسي للأمة.

    المطلب الأول: نقد نظرية (النيابة العامة)

    إن الحديث عن(النيابة العامة للفقهاء عن الإمام المهدي) في(الغيبة الكبرى) هو فرع لثبوت(النيابة الخاصة) التي ادعاها(الوكلاء) في فترة(الغيبة الصغرى).

    وإن القول بذلك يبتنى على القول بوجود وولادة(الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري) ووجود غيبتين له، وإذا لم نستطع التأكد من وجود هذا(الإمام) فان تلك النظرية تتلاشى بالطبع من باب الأولى، ومع ذلك فان من المفيد بحث أسس نظرية(النيابة العامة) ومعرفة كيفية نشوئها وتطورها، وهل كانت معروفة لدى الشيعة الإمامية في بداية(الغيبة الكبرى) التي يقال أنها ابتدأت بعد وفاة(النائب الرابع: علي بن محمد السمري ت329هـ)؟ أم إنها نظرية ظنية استنبطها بعض العلماء في وقت لاحق وطوروها عبر التاريخ، ولم يكن لها وجود في القرن الرابع الهجري؟..

    الأول: لقد توفي النائب الخاص الرابع: علي بن محمد السمري سنة 329هـ ولم يتحدث عن نيابة الفقهاء، حيث يقول الطوسي: إن الإمام المهدي اخبر السمري بقرب رحيله وأمره بعدم الوصية إلى أحد ووقوع الغيبة التامة وعندما سئل السمري عن الوصي بعده قال: لله أمر هو بالغه وقضى.

    ولو كان لنظرية(النيابة العامة) أي رصيد من الواقع لتحدث عنها(الإمام المهدي) -على فرض وجوده- أو(النائب الرابع) بدلا من أن يترك الشيعة يتخبطون قرونا طويلة في ظلمات الحيرة.

    الثاني: لم يعرف الشيخ الصدوق نظرية النيابة العامة، ولم يشر إليها أبدا بالرغم من روايته لتوقيع إسحاق بن يعقوب عن العمري عن المهدي:( وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) وذلك إما للشك بصحة التوقيع المروي عن مجهول هو(إسحاق بن يعقوب) وإما لعدم دلالته على(النيابة العامة) خاصة وانه يتحدث عن الرجوع إلى الرواة في ظل(النيابة الخاصة).

    الثالث: في أيام( السفير الثاني: محمد بن عثمان العمري) وإذا كانت النيابة الخاصة المتصلة - حسب الفرض - بالإمام المهدي محدودة وغير سياسية، فكيف يمكن أن يفهم من(التوقيع) معنى اكبر وأوسع منها ؟

    وربما كانت الحوادث الواقعة المقصودة في(التوقيع) تعني حوادث معهودة خارجية أحال التوقيع السائل للاستفسار عنها إلى رواة الأحاديث. وقد فهم بعض العلماء المتأخرين من هذه الجملة ضرورة الرجوع إلى الرواة(الفقهاء) القادرين على استنباط الأحكام(الحوادث الواقعة) بمعنى المسائل المستجدة. ويبدو أن هذا المفهوم أيضا كان بعيدا عن أفهام العلماء السابقين في العصر الإخباري الأول، حيث كان الاجتهاد بمختلف أشكاله ممنوعا ومحرما لدى الإمامية.

    الرابع: أما مقبولة عمر بن حنظلة ومشهورة أبى خديجة فبالرغم من ضعف سنديهما، فان دلالتهما أيضا قاصرة عن إثبات(النيابة العامة). وكل ما يمكن الاستفادة منهما هو ضرورة اختيار الشيعة للحكام(القضاة) العدول ممن روى شيئا من أحاديث أهل البيت، وموافقة الإمام الصادق على اختيار الشيعة بتلك الصورة وإمضائه.. وليس في ذلك أي جعل أو نصب أو تعيين من الإمام الصادق لكل فقيه أو راوٍ وإعطاؤه(النيابة العامة) للحكم بدلا عنه. إذ لم يفهم أحد من الشيعة في عهد الإمام الصادق وفي بقية عهود الأئمة وفي فترة(الغيبة الصغرى) وفي القرون الأولى من(الغيبة الكبرى) مفهوم(النيابة العامة) منها.

    الخامس: إن جميع الروايات تتحدث عن(الرواة) وليس عن(الفقهاء) بالمعنى الحديث للكلمة الذي ولد في القرن الخامس الهجري وهو(المجتهدين الأصوليين) فهل يمكن لأحد أن يقول: إن كل من روى شيئا من أحاديث أهل البيت هو نائب عن الإمام المعصوم ومنصوب ومجعول ومعين من قبله على الناس ؟

    السادس: لم تتحدث الرسائل الثلاث التي يقال إن( الإمام المهدي) قد أرسلها إلى الشيخ المفيد، عن(النيابة العامة للفقهاء) وخلت من الإشارة إلى تفويضه أو تفويض الفقهاء بأي منصب قيادي في(عصر الغيبة الكبرى).

    وبالرغم من ذلك فقد كان الشيخ المفيد أول من تحدث في(المقنعة) عن تفويض الأئمة للفقهاء إقامة الحدود في عصر الغيبة، وتحدث عن(الإمارة الحقيقية عن صاحب الأمر) لمن تأمر على الناس من أهل الحق بتمكين ظالم له.

    وكان ذلك منه افتراضا أكثر منه قولا بيقين، وقد انطلق في محاولته استنباط نظرية(النيابة العامة) من الأحاديث السابقة(مقبولة عمر بن حنظلة ومشهورة أبى خديجة وتوقيع إسحاق بن يعقوب) التي تعطي الإذن لرواة أحاديث أهل البيت بممارسة القضاء من دون الحاجة إلى إذن خاص من الأئمة.

    السابع: تحدث السيد المرتضى(ت436 هـ) والشيخ الطوسي(ت 460هـ) وسلار(ت 463هـ) عن فرضية تفويض الأئمة العام للفقهاء في مجال الحدود والقضاء. وكان أول من استخدم مصطلح(النيابة عن ولي الأمر) هو أبو الصلاح الحلبي( توفي سنة 447هـ) وقد حاول أن يسحب موضوع(النيابة) إلى أبواب الزكاة والفطرة والخمس والأنفال، ولكنه لم يعزز محاولته بأي دليل.

    وكرر القاضي ابن براج(توفي سنة 481هـ) الآراء السابقة وأوصى بتسليم الخمس إلى الفقهاء لكي يحتفظوا به إلى خروج المهدي، وقد التقط ابن حمزة هذا التطور لكي يتقدم خطوة إلى الأمام فيقول بتولي الفقيه لتقسيم سهم الإمام بدلا من الاحتفاظ به إلى ظهور المهدي، دون أن يوجب ذلك أو يسنده إلى رواية معينة.
    avatar
    صلاح محمود
    عضو مشارك
    عضو مشارك


    عدد المساهمات : 60
    تاريخ التسجيل : 23/05/2009
    نقاط التميز : 103
    معدل تقييم الاداء : 7

    نظرية ولاية الفقيه عند الشيعة الاثني عشرية Empty رد: نظرية ولاية الفقيه عند الشيعة الاثني عشرية

    مُساهمة من طرف صلاح محمود السبت 7 نوفمبر - 5:13

    المطلب الثاني: نقد نظرية(ولاية الفقيه)

    لقد اعتمد الخميني في قوله بنظرية(ولاية الفقيه) على ما يلي:

    1. التوقيع المروي عن(الإمام المهدي):(وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله).

    2. واعتمد بصورة رئيسية على روايات عامة عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم مثل(الفقهاء ورثة الأنبياء) و(وحصون الأمة وخلفاء الرسول).

    3. روايات خاصة عن الإمام الصادق مثل(اتقوا الحكومة فأنها لنبي أو وصي نبي).

    4. استنتج من هذه الأحاديث العامة والخاصة معنى الوراثة والخلافة السياسية والولاية التامة للفقهاء كما كانت للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم والأئمة من أهل البيت حسب النظرية الإمامية، وقال: كما أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم جعل الأئمة خلفاء ونصبهم للخلافة على الخلق أجمعين، جعل الفقهاء ونصبهم للخلافة الجزئية... وتحصل مما مر ثبوت الولاية للفقهاء من قبل المعصومين في جميع ما ثبت لهم الولاية فيه من جهة كونهم سلطانا على الأمة.

    5. اعتبر الإمام الخميني الفقهاء أكثر من( نواب للإمام المهدي الغائب) وإنما أيضا: أوصياء للرسول صلى الله عليه وسلم من بعد الأئمة، وفي حال غيابهم، وقد كلفوا بجميع ما كلف به الأئمة بالقيام به.

    6. استخرج نظرية الجعل والنصب والتعيين للفقهاء من قبل الإمام الصادق من مقبولة عمر بن حنظلة: فاني قد جعلته عليكم حاكما.

    7. اعتبر الخميني - بناء على ذلك - ولاية الفقهاء على الناس مجعولة من قبل الله كولاية الرسول والأئمة من أهل البيت، وإنها ولاية دينية إلهية.

    8. رفض الإمام الخميني الأدلة العقلية والنقلية التي قدمها ويقدمها علماء الكلام الإماميون السابقون الذين كانوا يشترطون العصمة والنص والسلالة العلوية الحسينية في الإمام.

    9. استخدم العقل في رفض نظرية الانتظار السلبية المخدرة التي تحرم إقامة الدولة في(عصر الغيبة) إلا للإمام المعصوم الغائب، وتساءل: هل تبقى أحكام الإسلام معطلة حتى قدوم الإمام المنتظر؟.. ألا يلزم من ذلك الهرج والمرج ؟ وهل ينبغي أن يخسر الإسلام من بعد(الغيبة الصغرى) كل شيء؟.

    10. ضعّف عقليا الأحاديث المتواترة و التي كان يجمع عليها الإمامية في السابق، والتي تقول: إن كل راية ترفع قبل راية المهدي فهي راية ضلالة وصاحبها طاغوت يعبد من دون الله.

    11. استخدم المقدمة الإمامية الأولى في( ضرورة وجود إمام في الأرض) لينطلق منها إلى إثبات(ضرورة الإمامة في هذا العصر) وقال: إن مطلوبية النظام معلومة لا ينبغي لذي مسكة عقل إنكارها.

    ولذلك فان الدليل الأول على نقض هذه النظرية هو من نفس طروحات القائلين بها:

    1. أنه لم يدع أحد من أنصار ولاية الفقيه قوة سند تلك الروايات، وإنما حاولوا تعضيدها بالعقل وعدم إمكانية بقاء الحكومة بلا والٍ، وقالوا إن الفقيه هو القدر المتيقن المسموح به على قاعدة اختصاص الولاية بالله والرسول والأئمة الاثني عشر.

    2. قيام النراقي في الاستدلال على ضرورة إقامة الدولة في عصر الغيبة بالأدلة العقلية ثم حصر الجواز في الفقهاء فقط، بناء على تلك الأخبار الضعيفة، والتي قد تعطي معنى النيابة والخلافة عن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم وليس الأئمة من أهل البيت، كحديث:( اللهم ارحم خلفائي) وحديث( العلماء ورثة الأنبياء) وما شابه، ولم يطرح(النيابة العامة عن الإمام المهدي) بصراحة و بقوة. ولذلك استعان بالإطلاقات المستفادة من مثل قوله تعالى(اقطعوا) و(أجلدوا) واستدل بالإجماع المركب القاضي بعدم جواز ترك الحدود وإهمالها ومسئولية الأمة في تنفيذها على ثبوت الولاية للفقهاء وحصرها فيهم. كما استعان ب(الضرورة) و(الإجماع) و( الأخبار المستفيضة) العامة لتكوين نظريته في(ولاية الفقهاء).

    3.نتيجة لضعف الأدلة النقلية وعجزها عن إثبات الولاية للفقيه بالنيابة العامة عن الإمام المهدي، فقد حاول الشيخ حسن الفريد(توفي سنة 1417 هـ) أن يشيد نظرية(ولاية الفقيه) على أساس:(الحسبة) واعترف في( رسالة في الخمس) بعدم استفادة نظرية الولاية من الكتاب والسنة، بل من دليل الحسبة والضرورة.

    4. اعتبر السيد البروجردي مقبولة عمر بن حنظلة شاهدا على نظرية(النيابة العامة) بعد أن استدل عليها بالمنطق القياسي وقال: إن الأئمة إما إنهم لم ينصبوا أحدا للأمور العامة وأهملوها، وإما إنهم نصبوا الفقيه لها، لكن الأول باطل فثبت الثاني، وهذا قياس استثنائي مؤلف من قضية منفصلة حقيقية وحملية دلت على رفع المقدم فينتج وضع التالي وهو المطلوب.

    5. حاول السيد محمد رضا الكلبايكاني أن ينظّر لولاية الفقيه بالأدلة الفلسفية التي توجب إقامة(الإمامة) في كل عصر، وعدم جواز بقاء الأمة بدون قيادة.

    ولم يطرح نظرية(نيابة الفقهاء العامة) وإنما طرح نظريته حول(ولاية الفقيه) بصورة مستقلة، واعتمادا على الأدلة العقلية العامة التي توجب إقامة الدولة وتطبيق أحكام الدين، والأدلة النقلية العامة التي تعتبر العلماء ورثة الأنبياء، والأدلة المثبتة للأحكام مثل قوله تعالى(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)(البقرة: من الآية179) (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا)،(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)(النور: من الآية2) بضميمة العلم بأن الشارع أراد تحققها في الخارج.

    6. الخميني الذي نظر عقليا لوجوب إقامة الدولة في عصر الغيبة. وأكد في(الحكومة الإسلامية): عدم وجود النص على شخص من ينوب عن الإمام المهدي حال غيبته.

    أما الدليل الثاني على نقض نظرية ولاية الفقيه:

    1. كانت نظرية(ولاية الفقيه) التي تحصر الحق في ممارسة السلطة في(الفقهاء) محل نقاش كبير بين العلماء.

    • لأن تلك الروايات الخاصة والعامة التي اعتمدت عليها كانت هي الأخرى، ولا تزال، محل نقاش كبير في سندها ودلالتها، مما يضعف الاستدلال على حصر حق الحكم في الفقهاء، إذ أن مناط الفقه غير مناط الحكم والقدرة على إدارة البلاد.

    • قد يستحسن أن يكون الحاكم فقيها، ولكن لا علاقة للفقه بالحكومة، إذ قد يستعين الحاكم بالفقهاء ويكوّن منهم مجلسا للشورى، وربما يقال: إن الحاكم يجب أن يكون فقيها بما يحتاج إليه من أمور الإدارة والسياسة والاقتصاد، ولا يجب أن يكون فقيها بمسائل الحلال والحرام الأخرى. وهناك أمور تتعلق بالقوة والأمانة، كالإشراف على أموال اليتامى والمجانين ولا علاقة لها بالفقه والاجتهاد.

    والدليل الثالث على نقض نظرية ولاية الفقيه رفض بعض العلماء لها:

    • وقد رفضها بعض العلماء المحققين كالشيخ مرتضى الأنصاري(1281هـ) الذي ناقش في(المكاسب) أدلة القائلين بالولاية العامة، حيث استعرض الروايات العامة التي يتشبثون بها.

    1. أنكر دلالتها على موضوع ولاية الفقيه.

    2. حدد دلالتها في موضوع الفتيا والقضاء فقط.

    3. شكك في صحتها ودلالتها وقال: لكن الإنصاف بعد ملاحظة سياقها(الروايات) أو صدرها أو ذيلها يقتضي الجزم بأنها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية لا كونهم كالأنبياء أو الأئمة في كونهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم... وإن إقامة الدليل على وجوب إطاعة الفقيه كالإمام - إلا ما خرج بالدليل - دونه خرط القتاد.

    • رفض السيد أبو القاسم الخوئي في(التنقيح في شرح العروة الوثقى / كتاب الاجتهاد والتقليد) نظرية ولاية الفقيه المبتنية على نظرية(النيابة العامة) وقال: إن ما استدل به على الولاية المطلقة في(عصر الغيبة) غير قابل للاعتماد عليه، ومن هنا قلنا بعدم ثبوت الولاية له إلا في موردين هما الفتوى والقضاء.

    وتفصيل الكلام في ذلك: أن ما يمكن الاستدلال به على الولاية المطلقة للفقيه الجامع للشرائط في(عصر الغيبة) أمور:

    1. الروايات، كالتوقيع المروي عن(كمال الدين) والشيخ(الطوسي) في كتاب(الغيبة) والطبرسي في(الاحتجاج): وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله، نظرا إلى أن المراد برواة حديثنا هو الفقهاء دون من ينقل الحديث فحسب. وقوله: مجاري الأمور والأحكام بيد العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه وقوله صلى الله عليه وسلم: الفقهاء أمناء الرسل، وقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم ارحم خلفائي - ثلاثا - قيل: يا رسول الله: ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون بعدي يروون حديثي وسنتي وغيرها من الروايات.

    وقد ذكرنا في الكلام على ولاية الفقيه من كتاب المكاسب: أن الأخبار المستدل بها على الولاية المطلقة قاصرة السند والدلالة , نعم يستفاد من الأخبار المعتبرة: أن للفقيه ولاية في موردين هما: الفتوى والقضاء، وأما ولايته في سائر الموارد فلم يدلنا عليها رواية تامة الدلالة والسند.

    2. أن الولاية المطلقة للفقهاء في(عصر الغيبة) إنما يستفاد من عموم التنزيل وإطلاقه، حيث لا كلام من أحد في أن الشارع قد جعل الفقيه الجامع للشرائط قاضيا وحاكما... وأما كونه متمكنا من نصب القيّم والمتولي وغيرهما: اعني ثبوت الولاية له، فهو أمر خارج عن مفهوم القضاء كلية... و لا دلالة لصحيحة(أبى خديجة) بوجه على أن له الولاية على نصب القيم والحكم بثبوت الهلال ونحوه... ودعوى: أن الولاية من شؤون القضاء عرفا، ممنوعة بتاتا، بل الصحيح: أنهما أمران، ويتعلق الجعل بكل منهما مستقلا.

    3. يورد الخوئي دليل من أدلة نظرية ولاية الفقيه( إن الأمور الراجعة إلى الولاية مما لا مناص من أن تتحقق في الخارج... ومعه لا مناص من أن ترجع الأمور إلى الفقيه الجامع للشرائط، لأنه القدر المتيقن ممن يحتمل أن يكون له الولاية في تلك الأمور لعدم احتمال أن يرخص الشارع فيها لغير الفقيه، كما لا يحتمل أن يهملها، لأنها لا بد من أن تقع في الخارج، فمع التمكن من القضية لا يحتمل الرجوع فيها إلى الغير... والمتحصل: إن للفقيه الولاية المطلقة في(عصر الغيبة) لأنه القدر المتيقن). والجواب عن ذلك: إن الأمور المذكورة وان كانت حتمية التحقق في الخارج وهي المعبر عنها بالأمور الحسبية التي لا مناص من تحققها خارجا، كما أن الفقيه هو القدر المتيقن، كما مر، إلا أنه لا يستكشف بذلك: أن الفقيه له الولاية المطلقة في(عصر الغيبة) كالولاية الثابتة للنبي والأئمة عليهم السلام، حتى يتمكن من التصرف في غير مورد الضرورة وعدم مساس الحاجة إلى وقوعها.

    4. لم يبحث السيد الخوئي البديل عن سقوط نظرية ولاية الفقيه، وقد سكت عن موضوع الولاية والحكم بصورة عامة، ويبدو من كلامه إنه لا يعتبر الولاية من الأمور الحسبية الضرورية التي لا بد من وقوعها في الخارج، وإلا لكان قد أعطاها للفقيه، بالرغم من إنه لم يجد في تلك الروايات الخاصة والعامة من القوة سندا ودلالة للقول بولاية الفقيه.

    والدليل الرابع هو: تناقض ولاية الفقيه مع نظرية الإمامة الإلهية:

    1. إن فهم معنى الولاية المطلقة للفقهاء، من تلك الروايات الخاصة والعامة يتناقض مع نظرية(الإمامة الإلهية) التي تحصر الحق في الحكم في( الأئمة المعصومين المعينين من قبل الله)، ولذلك لم يفهم أحد من العلماء الشيعة الإمامية السابقين الذين رووا تلك الروايات معنى الولاية منها، وآثروا الالتزام بنظرية الانتظار على استنباط معنى الولاية العامة منها.

    2. إن الفقه بمعنى الاجتهاد، مفهوم حادث متأخر في الفكر الشيعي الإمامي الذي كان يحرم الاجتهاد في القرون الأربعة الأولى، ويعتبره من ملامح المذاهب السنية، وهو ما يقول به الإخباريون(الإماميون الأوائل) حتى اليوم.

    3. إن إعطاء الفقيه العادل، وهو بشر غير معصوم ومعرض للخطأ والانحراف، صلاحيات الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم المطلقة وولايته العامة على النفوس والأموال، والتطرف في ذلك إلى حد السماح للفقيه بتجميد القوانين الإسلامية الجزئية(الشريعة) - كما يقول الإمام الخميني والآذري القمي وبعض أنصار ولاية الفقيه في إيران - يعتبر محاولة لإلغاء الفوارق الضرورية بين النبي المعصوم المرتبط بالسماء وبين الفقيه الإنسان العادي المعرض للجهل والهوى والانحراف، وهذا ما يتناقض تماما مع الفكر الإمامي القديم الذي رفض مساواة أولي الأمر(الحكام العاديين) في وجوب الطاعة لهم كوجوب الطاعة لله والرسول، وذلك خوفا من أمرهم بمعصية والوقوع في التناقض بين طاعتهم وطاعة الله.. ومن هنا ابتدع الفكر الأمامي واشترط العصمة كشرط في(الإمام) - مطلق الإمام - ثم قال بوجوب النص، وانحصار النص في أهل البيت وفي سلالة علي والحسين إلى يوم القيامة.

    4. إذا أعطينا الفقيه الصلاحيات المطلقة والواسعة التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأوجبنا على الناس طاعته، وهو غير معصوم، فماذا يبقى من الفرق بينه وبين الرسول؟.. ولماذا إذن أوجبنا العصمة والنص في الإمامة وخالفنا بقية المسلمين وشجبنا اختيار الصحابة لأبي بكر مع إنه كان أفقه من الفقهاء المعاصرين ؟

    5. مادام الفقيه إنسانا غير معصوم فإنه معرض كغيره للهوى وحب الرئاسة والحسد والتجاوز والطغيان، بل إنه معرض أكثر من غيره للتحول إلى أخطر دكتاتور يجمع بيديه القوة والمال والدين، وهو ما يدعونا إلى تحديد وتفكيك وتوزيع صلاحياته أكثر من غيره، لا أن نجعله كالرسول أو الأئمة المعصومين، فإنه عندئذ سيتحول إلى ظل الله في الأرض، ويمارس هيمنة مطلقة على الأمة كما كان يفعل الباباوات في القرون الوسطى.

    6. وهذا ما حدث في الجمهورية الإسلامية الإيرانية عندما قال الإمام الخميني في رسالته إلى السيد علي الخامنائي: إن الحكومة تستطيع أن تلغي من طرف واحد الاتفاقيات الشرعية التي تعقدها مع الشعب إذا رأت أنها مخالفة لمصالح البلد أو الإسلام، وتستطيع أن تقف أمام أي أمر عبادي أو غير عبادي إذا كان مضرا بمصالح الإسلام، ما دام كذلك. إن الحكومة تستطيع أن تمنع وفي ظروف التناقض مع مصالح البلد الإسلامي إذا رأت ذلك أن تمنع من الحج الذي يعتبر من الفرائض المهمة الإلهية، وان باستطاعة الحاكم أن يعطل المساجد عند الضرورة، وأن يخرب المسجد الذي يصبح كمسجد ضرار ولا يستطيع أن يعالجه بدون التخريب!.

    وقد يجوز كل ذلك فعلا عند المصلحة والضرورة.. ولكن المشكلة هي من يحدد المصلحة والضرورة؟ إذ إن كل حاكم يرى أن المصلحة تقف إلى جانبه وإن الصواب هو ما يراه، فإذا أعطيناه القدرة على تخريب المساجد فإنه قد يخرب ويهدم المساجد المعارضة له ويعتبرها كمسجد ضرار، وتبلغ المشكلة قمة الخطورة عندما نعطي للحاكم القدرة على إلغاء أية اتفاقية شرعية يعقدها مع الأمة بحجة إنه رأى بعد ذلك أنها مخالفة لمصلحة البلد أو الإسلام، دون أن نعطي الأمة الحق في تحديد تلك المصلحة أو ذلك التناقض مع الإسلام.

    7. وبالرغم من إن الخميني كان قد التزم مع الشعب الإيراني بالدستور الذي أعده مجلس الخبراء في بداية تأسيس الجمهورية الإسلامية، وحدد فيه صلاحيات الإمام، إلا أنه ألغى الدستور عمليا وتجاوز صلاحياته ليتدخل في أعمال مجلس الشورى ومجلس المحافظة على الدستور ورئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، وذلك انطلاقا من إيمانه بقدرة الفقيه الحاكم على إلغاء أية اتفاقية شرعية يعقدها مع الشعب، إذا رأى بعد ذلك أنها تتناقض مع مصلحة الأمة أو الإسلام، وهو ما عبر عنه للسيد الخامنائي عند احتجاجه على بعض تلك التجاوزات.

    8. إن الخميني الذي يؤمن بنظرية الجعل والنصب للفقهاء من قبل الإمام المهدي، يقع في مشكلة عويصة هي مشكلة التزاحم بين الفقهاء والصراع فيما بينهم على ممارسة السلطة والولاية، ويحاول حلها في كتاب(البيع) بصورة أو بأخرى. ولكنه لا يخرج منها بحل مرضٍ خصوصا وإنه لا يرى أي دور للأمة في تفضيل واحد من الفقهاء على الآخر، أو حصر الحق بالولاية لمن تنتخبه الأمة، كما يرى الشيخ المنتظري في كتاب( دروس في ولاية الفقيه).

    كل هذا يجعلنا نقول: إن الجزء الأول من نظرية( ولاية الفقيه) السياسية معقول جدا، ولكن الجزء الثاني(النيابة العامة) الذي يبتني على أحاديث(نقلية) ضعيفة، يبدو غير منطقي ولا معقول، خاصة وإنه يتسبب في إعطاء الولاية المطلقة العامة للفقهاء، وتجريد الأمة منها.
    avatar
    صلاح محمود
    عضو مشارك
    عضو مشارك


    عدد المساهمات : 60
    تاريخ التسجيل : 23/05/2009
    نقاط التميز : 103
    معدل تقييم الاداء : 7

    نظرية ولاية الفقيه عند الشيعة الاثني عشرية Empty رد: نظرية ولاية الفقيه عند الشيعة الاثني عشرية

    مُساهمة من طرف صلاح محمود السبت 7 نوفمبر - 5:15

    المطلب الثالث: إلغاء الدور السياسي للأمة.

    1. إلغاء دور الأمة: قد كان لتطور نظرية(ولاية الفقيه) على قاعدة نظرية(النيابة العامة عن الإمام المهدي) المرتكزة على نظرية(الإمامة الإلهية) أثر كبير على طبيعة النظرية ونموها في جانب واحد هو جانب السلطة، دون جانب الأمة، حيث أصبح للفقيه من الصلاحيات ما للإمام(المعصوم) وما للنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم وأصبح الفقيه( منصوبا) و(مجعولا) و(معينا) من قبل(الإمام المهدي) و(نائبا) عنه، كما كان(الإمام المعصوم) منصوبا ومجعولا من قبل الله تعالى، وبالتالي فانه قد أصبح في وضع(مقدس) لا يحق للأمة أن تعارضه أو تنتقده أو تعصي أوامره أو تخلع طاعته، أو تنقض حكمه.

    2. إعطاء صفة القداسة لفتوى العلماء: ومن هنا فقد اتخذت فتاوى العلماء وآراؤهم الاجتهادية الظنية صبغة دينية مقدسة، ووجب على عامة الناس غير المجتهدين تقليد الفقهاء والطاعة لهم سواء في التشريع أو التنفيذ أو القضاء، وحرمت عليهم مخالفتهم.

    3. سلب حق الأمة في الاختيار: وبما أن(الأئمة المعصومين) - حسب نظرية الإمامة الإلهية - معينون من قبل الله تعالى، وأن لا دور للأمة في اختيارهم عبر الشورى، ولا حق لها في مناقشة قراراتهم أو معارضتها، وأن الدور الوحيد المتصور للأمة هو الطاعة والتسليم فقط، فقد ذهب أنصار مدرسة(ولاية الفقيه المنصوب والمجعول والنائب عن( الإمام المهدي) إلى ضرورة طاعة الأمة وتسليمها للفقيه، ولم يجدوا بعد ذلك أي حق للأمة في ممارسة الشورى أو النقد أو المعارضة أو القدرة على خلع الفقيه العادل، أو تحديد صلاحياته أو مدة رئاسته.

    وقد ذهب الإمام الخميني في رسالته الشهيرة إلى رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنائي عام(1988م) : إلى قدرة الفقيه الولي على فسخ الاتفاقيات الشرعية التي يعقدها مع الأمة، من طرف واحد، إذا رأى بعد ذلك أن الاتفاقية معارضة لمصلحة الإسلام أو مصلحة البلاد، وأناط بالحاكم وليس بالأمة تحديد المصلحة العامة.

    وذهب الشيخ حسين علي المنتظري في:( دراسات في ولاية الفقيه) إلى: أن الإمام والحاكم الإسلامي قائد ومرجع للشؤون السياسية والدينية معا.. وأن المسئول والمكلف في الحكومة الإسلامية هو الإمام والحاكم، وأن السلطات الثلاث بمراتبها أياديه وأعضاده، وأن طبع الموضوع يقتضي أن يكون انتخاب أعضاء مجلس الشورى بيده وباختياره لينتخب من يساعده في العمل بتكاليفه ومع إنه استثنى من باب الأولوية انتخاب الأمة لأعضاء مجلس الشورى، لأنه ادعى لاحترام القرارات المتخذة والتسليم في قبالها، إلا إنه أكد قدرة الإمام العادل(الفقيه) على تعيين أعضاء مجلس الشورى بنفسه إذا رأى عدم تهيؤ الأمة لانتخاب الأعضاء، أو لم يكن لها رشد ووعي سياسي لانتخاب الرجال الصالحين، أو كانت في معرض التهديدات والتطميعات واشتراء الآراء.

    4. عدم التكامل لطول غيبة المهدي:كان للتطور التدريجي الطويل الذي امتد أكثر من ألف عام أثره أيضا على طبيعة نظرية(ولاية الفقيه) من حيث عدم التكامل والشمول في البحث، واقتصار النظرية على الجانب الرئاسي وإهمال الدور السياسي للأمة.

    الدمج بين نيابة الفقهاء وولاية الفقيه: هذا الدمج بين نظرية(النيابة العامة) المستنبطة من بعض الأدلة الروائية الضعيفة وبين نظرية(ولاية الفقيه) المعتمدة على العقل وعلى ضرورة تشكيل الحكومة في( عصر الغيبة) بعيدا عن شروط العصمة والنص الإلهي والسلالة العلوية الحسينية، وإن الخلط بين هاتين النظريتين، أو تطوير نظرية(النيابة العامة) إلى مستوى إقامة الدولة، أدى إلى جعل الفقيه بمثابة الإمام المعصوم أو النبي الأعظم وإعطائه كامل الصلاحيات المطلقة، وإلغاء الفوارق بين المعصوم وغير المعصوم، بالرغم من قابلية الأخير للجهل والخطأ والانحراف، وهو ما يتناقض مع أساس الفلسفة الإمامية القديمة حول اشتراط العصمة في الإمام.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 26 أبريل - 10:36