معا لغد افضل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
معا لغد افضل

4 مشترك

    نبذه عن الامام احمد بن حنبل (بتوسع فى الشرح)

    ام احمد
    ام احمد
    عضو جديد
    عضو جديد


    عدد المساهمات : 24
    رقم العضوية : 149
    تاريخ التسجيل : 21/10/2008
    نقاط التميز : 50
    معدل تقييم الاداء : 2

    نبذه عن الامام احمد بن حنبل  (بتوسع فى الشرح) Empty نبذه عن الامام احمد بن حنبل (بتوسع فى الشرح)

    مُساهمة من طرف ام احمد السبت 27 ديسمبر - 9:47

    الإمام أحمد بن حنبل

    نسبه

    هو أحمد بن حنبل بن هلال الذهلي الشيباني المزوزي ولد في بغداد وتنقّل بين الحجاز واليمن ودمشق. سمع من كبار المحدثين ونال قسطاً وافراً من العلم والمعرفة، حتى قال فيه الإمام الشافعي: "خرجت من بغداد فما خلّفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقَهَ من ابن حنبل".

    فهو إذن، إمام أئمة الإسلام

    وعن إبراهيم الحربي، قال: "رأيت أحمد ابن حنبل، فرأيت كأنّ الله جمع له علم الأوّلين والآخرين من كل صنف يقول ما يشاء ويمسك عمّا يشاء". ولم يكن ابن حنبل يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا.

    مذهبه

    مذهب ابن حنبل من أكثر المذاهب السنية محافظة على النصوص وابتعاداً عن الرأي. لذا تمسّك بالنص القرآني ثم بالبيّنة ثم بإجماع الصحابة، ولم يقبل بالقياس إلا في حالات نادرة.

    محنته

    اعتقد المأمون برأي المعتزلة في مسألة خلق القرآن، وطلب من ولاته في الأمصار عزل القضاة الذين لا يقولون برأيهم.

    وقد رأى أحمد بن حنبل ان رأي المعتزلة يحوِّل الله سبحانه وتعالى إلى فكرة مجرّدة لا يمكن تعقُّلُها فدافع ابن حنبل عن الذات الإلهية ورفض قبول رأي المعتزلة، فيما أكثر العلماء والأئمة أظهروا قبولهم برأي المعتزلة خوفاً من المأمون وولاته.

    وألقي القبض على الإمام ابن حنبل ليؤخذ إلى الخليفة المأمون. وطلب الإمام من الله أن لا يلقاه ، لأنّ المأمون توعّد بقتل الإمام أحمد.

    وفي طريقه إليه، وصل خبر وفاة المأمون، فتم ردّ الإمام أحمد إلى بغداد وحُبس ووَلِيَ الخلافة المعتصم، الذي امتحن الإمام، وتمّ تعرضه للضرب بين يديه.

    وقد ظل الإمام محبوساً طيلة ثمانية وعشرين شهراً . ولما تولى الخلافة الواثق، وهو أبو جعفر هارون بن المعتصم، أمر الإمام أن يختفي، فاختفى إلى أن توفّي الواثق .

    وحين وصل المتوكّل ابن الواثق إلى السلطة، خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقاد بخلق القرآن، ونهى عن الجدل في ذلك. وأكرم المتوكل الإمام أحمد ابن حنبل، وأرسل إليه العطايا، ولكنّ الإمام رفض قبول عطايا الخليفة.

    الإمام ابن حنبل بين فكّي التاريخ

    كانت وقفة الإمام احمد بن حنبل في وجه الظلم وفي وجه حملة تحريف الدين الإسلامي وفي وجه هرطقة المعتزلة وتخبّطهم في علوم وخفايا الدين وقفة عظيمة. وقد صمد الإمام بالرغم من التعذيب والضرب بالسياط والحبس والملاحقة والإغراء.

    من أشعاره وهو في السجن

    لعمرك ما يهوى لأحمد نكبـة

    من الناس إلاّ ناقص العقل مُغْـوِرُ

    هو المحنة اليوم الذي يُبتلى بـه

    فيعتبـر السنِّـي فينـا ويسبُـرُ

    شجىً في حلوق الملحدين وقرَّةٌ

    لأعين أهل النسك عفٌّ مشـمِّـرُ

    لريحانة القرَّاء تبغون عـثـرة

    وكلِّكُمُ من جيفـة الكلب أقـذرُ

    فيا أيها الساعي ليدرك شأوه

    رويدك عـن إدراكـه ستقصِّـرُ

    وقال عنه الأمام الشافعي

    أضحى ابن حنبل حجَّةً مبرورةً

    وبِحُبِّ أحمدَ يُعـرَفُ المـتنسِّكُ

    وإذا رأيت لأحمـد متنقِّصـاً

    فاعلم بـأنَّ سُتـورَهُ ستُهَتَّـكُ

    مؤلفاته

    - المسند. ويحوي أكثر من أربعين ألف حديث.

    - الناسخ والمنسوخ.

    - العلل.

    - السنن في الفقه.

    خلاصة

    كان الإمام أحمد عليماً بالأحاديث الأمر الذي وفّر له ثروة هائلة في العلم مكّنته من الاستنباط. وقد وسّع باب القياس مما

    جعل الأحكام أقرب إلى مرامي الشارع ومقاصده المستوحاة من أعمال الرسول وأقواله. وكانت هناك حاجة ماسة إلى أحكامه، لأنّ العرب تفرّقوا بين الأمصار التي فتحوها وفيها أمم وشعوب مختلفة. وقد قدّم الإمام أحمد الحديث على الرأي والقياس ولو كان ضعيفاً . كما انه أكمل مشوار الشافعي من ناحية تعظيم دور السنة في البناء الفقهي.

    وكانت شخصية الإمام أحمد رمزاً للصمود والثبات على الإيمان الراسخ ورفض الأفكار الدخيلة على الإسلام والعقيدة الإسلامية

    وفاته

    توفي الإمام يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومائتين للهجرة ، وله من العمر سبع وسبعون سنة. وقد اجتمع الناس يوم جنازته حتى ملأوا الشوارع. وحضر جنازته من الرجال مائة ألف ومن النساء ستين ألفاً، غير من كان في الطرق وعلى السطوح. وقيل أكثر من ذلك.

    وقد دفن الإمام أحمد بن حنبل في بغداد. وقيل انه أسلم يوم مماته عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس ، وأنّ جميع الطوائف حزنت عليه، وأنه كانت له كرامات كثيرة وواضحة.

    فعن ابنه عبد الله، قال: رأيت أبي حرّج على النمل أن تخرج من داره، ثم رأيت النمل قد خرجت نملاً أسود، فلم أرها بعد ذلك.

    وعن الإمام أبي الفرج الجوزي ، قال: لما وقع الغريق ببغداد سنة أربع وخمسين وخمسمائة وغرقت كتبي ، سلم لي مجلد فيه ورقات من خط الإمام أحمد بن حنبل.
    avatar
    سمير فتحي
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    عدد المساهمات : 103
    رقم العضوية : 147
    تاريخ التسجيل : 19/10/2008
    نقاط التميز : 105
    معدل تقييم الاداء : 2

    نبذه عن الامام احمد بن حنبل  (بتوسع فى الشرح) Empty رد: نبذه عن الامام احمد بن حنبل (بتوسع فى الشرح)

    مُساهمة من طرف سمير فتحي الأحد 28 ديسمبر - 12:14

    رحمة الله ونفعنا بعلمة وشكرا لصاحبة الموضوع
    ومازال السؤال لماذا هذا الموضوع هنا في الصحابة رغم ان الامام ليس صحابيا
    avatar
    علاء سعيد
    عضو مبدع
    عضو مبدع


    عدد المساهمات : 568
    رقم العضوية : 82
    تاريخ التسجيل : 29/08/2008
    نقاط التميز : 1171
    معدل تقييم الاداء : 8

    نبذه عن الامام احمد بن حنبل  (بتوسع فى الشرح) Empty رد: نبذه عن الامام احمد بن حنبل (بتوسع فى الشرح)

    مُساهمة من طرف علاء سعيد الأربعاء 7 يناير - 12:05

    قال عنه بعض العلماء إنه جمع الفقه كله وقال آخرون إنه ليس من الفقه في شيء وقال عنه الإمام الشافعي من غادر بغداد إلي مصر تركت بغداد ومافيها أفقه ولا أعلم من أحمد بن حنبل.

    كانت حياته قتالاً متصلاً ضد الفقر وضد عاديات عصره.. وفي شبابه وجد الدنيا من حوله تطغي فيها البدعة علي السنة، ويشي فيها عالم الأمر بجاهله تكتظ خزائن البعض بما يزيد ويفيض عن أكثر مستوي للحاجة والرفاهية والأغدان والترف وعلي مقربة منهم يسقط البعض جوعاً وشغفاً..

    وأصوات تجيب الناس في الانصراف عن طيبات الحياة مما أهل لهم باسم الورع والزهد وتحضهم علي ترك الحقوق وغاصبيها فأعلن انكاره ضد هذه البدع ونذر نفسه لمقاومتها وإحياء سنة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فاتهم بالتزمت. لم يعرف عنه تعصباً لرأي بل كان يحاور ويرجع عن رأيه أن تبين له ما هو أصح.. كان أعمق العلماء إدراكاًَ لروح الشريعة وتحريرها من الجمود.

    ولد في بغداد عام 164 هـ في عهد الخليفة هارون الرشيد وأدرك منذ شبابه أن الدعوة إلي الفقر ليست زهداً وإنما هي تمكين للأغنياء من المال.. وأن الزهد الحق هو ما سنه الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وتابعه فيها أئمة الصحابة من بعده، وتحمل المشقة والأسفار بحثاً عن الأحاديث الصحاح يواجه بها ألوان البدع وكان يري الجهاد فريضة علي كل قادر بها بالنفس أوالمال أو بهما معاً.

    اتصلت المودة بينه وبين الإمام الشافعي منذ لقبه لأول مرة في المسجد الحرام عاش أزهي عصور بغداد ملكاً وثراء وغني واحتشدت لها عند المفكرين والعلماء واحتفظت بطيات المعارف الإنسانية والحضارات المصرية والهندية واليونانية والفارسية، لكنها كانت تفتقد للعدل.

    بل إنها في ذلك الحين سمحت لنفسها تقبل أكبر شعرائها بشار بن برد لأنه انتقد الخليفة المهدي وسمحت لأمراء الرشيد بالتدخل في القضاء.

    وكان ابن حنبل يري مصدر الفساد ويفكر كيف يواجهه فالحكام يسرقون وفي نفس الوقت يقطعون يد السارق.. والعلماء منهم من نهي عن المنكر ويقترفه، ووجد أنه لا خلاص إلا باللجوء إلي السنة واتباعها.

    انشق العلماء والفقهاء في العديد من القضايا المنتهية مثل الجبر والاختيار وصفات الله، وعلوم الكلام وكانوا متمرسين في الجدال والحوار، وكان بن حنبل عازفاً عن الدخول في هذه الحوارات، وكانت له آراؤه فيما يخص الكبائر والقضاء والقدر، وصفات الله وأسمائه دون انشغالها باعتبارها ترفاً في وقت يحتاج إلي جهد لإسراء السنة والعمل بها وإقامة العدل، وآراؤه كانت في أكثرها إجابات عن مسائل وهي إجابات كان فيها منبع للسنة وكان الصحابة والسنة عنده تبيان القرآن.. وكان متشرداً في كل ما يتعلق والعبادات والحدود التي هي قوام الدين، وأفتي بعدم جواز قبول القاضي للهدية.

    وأيضاً أنه إذ هلك أحد من الجوع والعطش في بلاد المسلمين فكل أثرياء المسلمين آثمون وعليهم الدية، وولي الأمر مسئول وعليه الديه، وهي دية المقتول عمداً، نفس بغير نفس أو فساد في الأرض، وإن من تسبب في القتل وإن لم يقتل بيده، وإن لم يقصد القتل وأنه لا احتكار. فالمحتكر ملعون . وفي دولة بني العباس ظهر المعتزلة بفكرهم بعد أن كانوا مطاردين في عهد الأمويين واحتدم الصراع حول خلق القرآن بين المعتزلة وأهل السنة، وكان المأمون يدين بآراء المعتزلة، ورفض أهل السنة القول بخلق القرآن، وحاولا بن حنبل ألا يستدرج في هذه الحوارات والانشغال بجمع الأحاديث والرد علي تساؤلات الناس في الأمور الحياتية، وأذعن كثير من علماء السنة لرأي المعتزلة ليس من باب الاقتناع ولكن من باب التقية خشية التنكيل، ما عدا أحمد بن حنبل وتلميذه محمد بن نوح، ووضعت الأغلال والأصفاد علي الإمام أحمد وتلميذه واستشهد بمقولة «إن يقتلك الحق مت شهيداً وإن عشت عشت حميداً».

    واتهموه بالزندقة افتراء عليه ولكنه ازداد تمسكاً، إذ كان يدرك أنه مسئول أمام الله عن الدفاع عما يؤمن بأنه حق، فإن مات في سبيله فهو شهيد، وسيناضل عما يؤمن به لكيلا تسقط رايات الحقيقة ولكي تظل الفضيلة شامخة أبداً.. ورداً علي نصيحة أن يستجيب تقية، فقد رأي أن التقية لا تجوز في زمن غاشم ليعلم الناس فيه الحقيقة.

    وسير الإمام أحمدوهو في سن الكهولة وتلميذه الشاب محمد بن نوح في الأغلال والأصفاد تحت الإهانة وهما علي بعير واحد مسوقين إلي السجن. وفي السجن ترك الإمام أحمد بن حنبل تحت الأصفاد شهوراً طوالاً وخوفوه وأرهبوه بالتعذيب والضرب بالسياط. ومرت الشهور وهو في سجنه بين الترغيب والترهيب، وأحبه السجانون والسجناء فحاطوا به يسألونه ويعلمهم مما علم رشداً ازداد تسمكاً بحديث الرسول الله «صلي الله عليه وسلم» «من أرادكم علي معصية الله.. فلا تطيعوه» وحسدوه علي ما هو فيه داخل السجن، فنقلوه إلي سجن آخر ليكون وحده وضاعفوا له القيود والأغلال وأقاموا عليه سجانين فيهم غلظة وغباء، وحملوه إلي دار الخلافة وهو في الأغلال والقيود التي يزيدون من حجمها كل يوم عليه وأحضروه لمناظرة مع العلماء المخالفين له في الرأي، ورضوا علي أنفسهم أن ينظاروه وهو مقيد، وأعادوه بعد أن أعيتهم الحيل ولم يستسلم ولم تلين له عريكة، أوشكت الثورة أن تشتعل في بغداد وهاجت الجموع تعاطفاً معه واتباعاً له وإيماناً بعلمه وفقهه. فأطلق سراحه.

    إنه واحد من أولئك العلماء العظام الذين اجتهدوا بعد عصر الصحابة والتابعين.

    جاهد الظلم والقهر ودافع عن حق الإنسان في الحرية والعدل وقاوم النفاق والكذب الزيف.
    avatar
    صلاح محمود
    عضو مشارك
    عضو مشارك


    عدد المساهمات : 60
    تاريخ التسجيل : 23/05/2009
    نقاط التميز : 103
    معدل تقييم الاداء : 7

    نبذه عن الامام احمد بن حنبل  (بتوسع فى الشرح) Empty رد: نبذه عن الامام احمد بن حنبل (بتوسع فى الشرح)

    مُساهمة من طرف صلاح محمود الأربعاء 11 نوفمبر - 23:55

    نبذة تاريخية عن الإمام أحمد بن حنبل *

    عصره – بيئته – أسرته – حياته – شخصيته - ثقافته

    (1)

    عصره


    --------------------------------------------------------------------------------

    سبع وسبعوه عاماً هجرياً هي حياة الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- عاشها في عصر من أزهى عصور الإسلام سلطاناً، وحضارة وثقافة، عاصر فيها ثمانية من الخلفاء العباسيين: المهدي، والهادي، والرشيد، والأمين، والمأمون، والمعتصم، والواثق، والمتوكل. وشاهد الإمامُ عظمة الخلافة العباسية، فقد ثبّتت قواعدها، وامتد سلطانها في أيام المهدي، وتألقت حضارتها، وعظمت هيبتها في زمن الرشيد والمأمون، وتوالت انتصاراتها في خلافة المعتصم، وظلت في قوة وازدهار في عصري الواثق والمتوكل.

    وكان النفوذ السياسي في هذا العهد للعنصر الفارسي –في الغالب- لأنه الذي ساعد على قيام الدولة العباسية، ونشر دعوتها، وثلّ عرش الأمويين. وإنْ كان للخليفة العباسي الرأي الأخير والكلمة النافذة. وربما أوجس في نفسه خيفة من معاونيه الفرس، فبطش بهم، كما فعل المنصور بأبي مسلم الخراساني، وكما فعل الرشيد بالبرامكة، والمأمون بالفضل بن سهل.

    وإذا كانت الدولة الأموية لم يتمكن فيها الأعاجمُ، فإن دولة بني العباس أصبحت أعجمية خراسانية كما يقول الجاحظ، فالفرس أكثرُ من تولى الأعمال للمنصور، واتخذ الخلفاء ذلك سنة. وفي عصر الرشيد زاد نفوذ الفرس في الدولة لمكانة البرامكة، وأصبح منصب الوزارة فيهم، وظل نفوذهم في ازدياد بتوالي السنين.

    واتخذ الفضلُ بن يحيى البرمكي الوزير جنداً من العجم سماهم: العباسية، بلغ عددهم نحو خمس مئة ألف رجل، وجعل ولائهم للعباسيين.

    وأقام الرشيد وغيره من الخلفاء علاقات بينه وبين ملوك غربي أوروبا، ومن بينهم شارلمان، ودفع ملوك الدولة الرومانية الشرقية الضرائب للخلفاء.

    وفي عهد المعتصم كوّن الخليفة فرقة عسكرية كبيرة في جيش الخلافة من الأتراك بلغ عددها نحو سبعين ألفاً. ولما ضاقت بهم بغداد، وكثرت الخصومات بينهم وبين الفرس، وبينهم وبين العامة، أتى المعتصم (سامراء فاتخذها معسكراً لجيشه وحاضرة ملكه منذ عام 221 هـ، وأصبحت مدينة عظيمة في مدة قليلة، وظلت عاصمة الخلافة حتى عام 289 هـ.

    وكانت أم المعتصم (ماردة) تركية من السغد، ولاطمئنانه إلى الأتراك صاروا موضع ثقته وإيثاره، وقد أثر ذلك على العناصر الأخرى، وأخذ النفوذ في الخلافة ينتقل منذ عهد المعتصم رويداً رويداً إلى الأتراك، وقد أساء بعضُهم التصرف، وأضر بالناس، وانتهك هيبة الخلافة، فكرههم الناسُ. وقد هجا (دعبل) الشاعرُ المعتصمَ بسبب ذلك، فقال:

    وهمُّك تركيّ عليه مهانة*فأنت له أمّ وأنتَ له أبُ

    وكان الفتح بن خاقان –المقتول عام 247 هـ- وزير المتوكل تركياً، وقد عهد إلى الجاحظ أن يكتب رسالة عن مناقب الأتراك وعامة جند الخلافة ليخفف بها من كراهية الناس لهم، ولكن ذلك لم يُجْدِ.

    وقد حفل عصرُ الإمام أحمد بكثرة ثورات العلويين، وخروجهم على الخلافة لاضطهاد العباسيين لهم، وبخاصة في عهدي الرشيد والمتوكل.

    ولم تخلُ البلادُ في عصر الإمام من الفتن والحروب والثورات، كثورة الراوندية –أتباع ابن الراوندي الرافضي- والزنادقة في فارس والعراق، والخرّمية أتباع بابك الخرمي الذي ملك الجبل أكثر من عشرين عاماً (201-223 هـ) حتى قضى المعتصم على ثورته.

    وكانت غزوات الصيف والشتاء مستمرة، وأكثر ما كانت موجهة إلى الإمبارطورية الرومانية الشرقية في سهول آسيا الصغرى –وخاصة في زمن الرشيد والمعتصم-.

    وقامت إمارات مستقلة في نواحي دولة الخلافة، كالدولة الطاهرية في خراسان –وهي فارسية- والدولة الدلفية بكردستان –وهي عربية- وسواهما.

    وقد كان للفقهاء والمجتهدين سلطانهم في الخلافة، ومكانتهم في الدولة، وكان الإمام أحمد –الذي كان جده من المجاهدين في سبيل قيام الدولة، وكان أبوه قائداً صغيراً من قوادها – يدعو للدولة بالاستقامة، وللناس بالرشد، ومع غضبه من أمور الخلافة فلم يحرض الناس على الخلفاء، والخروج عليهم، لمخالفة ذلك لأحكام الشريعة، وما ينتج عنه من المفاسد العظيمة.

    وقد نأى عن الخلافة واعتزلها، وامتنع عن أخذ الأعطيات، وابتعد عن السياسة إلى العلم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يشايع الولاة ولم يحرض عليهم. وعاش راغباً عن العطاء، منصرفاً للعلم انصرافاً تاماً. ومع ذلك فقد قاوم مذاهبهم المنحرفة من مثل القول بخلق القرآن، ووقف كالطود الشامخ في تلك المحنة التي ابتلي فيها المسلمون، ولم يثبت فيها إلا القلة. فرحمه الله وجميع الصابرين.

    وتميزت الحياة الاجتماعية في هذا العصر بتعدد العناصر التي يتألف منها المجتمع: من عرب وفرس وترك وروم وهنود وزنوج.. وغير ذلك من الأجناس التي يربط بينها رابط الإسلام وتجتمع تحت كلمة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

    وكان النفوذ في الخلافة ينتقل بين أيدي القواد والوزراء من الفرس والترك، وكان الثراء والترف يشمل طبقة كبيرة من المجتمع –كبار رجال الدولة، وبعض رجال التجارة والصناعة- وقد مظاهر ذلك الثراء والترف في عمران المدن وبناء القصور وما أنفق فيها. فروايات التاريخ –وإن كانت فيها مبالغة- تروي أن المعتصم أنفق على بناء (سامراء) أموالاً طائلة، وكذلك فعل المتوكل في بناء قصره الجعفري، وتنقل أيضاً: أن محمد بن سليمان الهاشمي أهدى إلى الخيزران –زوجة المهدي- مئة وصيفة، في يد كل واحدة جام من ذهب، وزنه ألف مثقال، مملوء مسكاً.

    وكان في المجتمع كثير من الفقراء ومتوسطي الحال من عامة الناس، وقد صوّر أبو العتاهية حياة هؤلاء في قصيدة تحدث فيها عن الغلاء، فقال للرشيد:

    مَ نصائحاً متواليَه
    مَن مبلغ عني الإما

    ــــــعارَ الرعية عاليَه
    إني أرى الأسعارَ أســـــ

    تِ وللجسومِ العاريه
    مَن للبطونِ الجائعا


    ولتعدد عناصر المجتمع، وتنوع الحياة الاجتماعية واختلاف الوجهات والآراء كانت البلاد معرضة للنِّحَل، ومجالاً للمذاهب السرية، وأصحاب الدعوات المختلفة. فكان فيها أهل السنة والحديث، وكان فيها التشيع برجالاته، والاعتزال بطوائفه، وكانت فيها الفلسفة بمختلف مذاهبها، والعلوم الحديثة بشتى أنواعها. وكان لأهل السنة والجماعة دور كبير في مكافحة الشك في الدين والفساد في المجتمع والدعوة إلى الاعتصام بالكتاب والسنة. وكان بين جميع هذه الطوائف جدل شديد ومناقشات وخصومات. وهكذا عاش الناس في امتزاج وتوليد بين مختلف العناصر والأجناس، وفي صراع شديد بين الآراء والمذاهب: بين دعوة الإسلام الخالصة، ودعوات الشعوبية الجامحة، وبين حياة الإيمان وحياة الزندقة، وبين عيشة الجد وعيشة اللهو، مما أثر في الحياة الاجتماعية في هذا العصر.

    ولم يكن الإمام أحمد رحمه الله بعيداً عن ذلك كله، بل كان له أثره في حياته كأي عالم يهتم بمشكلات أمته ويسعى لصلاحها.

    وصاحب ذلك ازدهارُ بغداد وحضارتها، وازدهار العواصم الإسلامية الكبرى في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

    وازدهرت الحياة العقلية والعلوم الإسلامية في عصر الإمام أحمد رحمه الله، وأخذ الخلفاء يشجعون الحركة العلمية في شتى نواحيها، ويضفون عليها ظلال رعايتهم، وكانوا يبالغون في إكرام العلماء والفقهاء والمحدثين والأدباء ويجالسونهم ويقربونهم إليهم.

    وصار العلم والأدب مما يؤهل للمناصب العالية، وتنافس العظماء في تكريم العلماء والأدباء، وكما تنافسوا في إنشاء دور العلم، وترجمة الكتب إلى العربية من مختلف اللغات.

    وكانت الثقافة الإسلامية بمختلف فروعها هي الثقافة الذائعة، وهي أساس التكوين العقلي للمتعلمين في هذا العصر- وقوامها علوم الدين واللغة والأدب، وما يتصل بكل ذلك من علوم ومعارف- على أنه قد كانت هناك ألوان من الثقافات الأخرى، ولكنها لم يكن لها سلطان كما كان للثقافة الإسلامية، لارتباط الثقافة الإسلام بحياة المسلمين، ومن تلك الثقافات: الثقافة الفارسية، والثقافة اليونانية، والثقافة الفلسفية التي لقيت تشجيعاً من الرشيد والمأمون بصفة خاصة، والثقافة الهندية، وغير ذلك تبعاً لامتداد الحكم الإسلامي وشموله لأمم وعناصر مختلفة.

    فقد أنشأ الرشيد في بغداد (بيت الحكمة) وملأه بكتب الأمم القديمة التي دخل الكثير منها في الإسلام، وشجع ترجمة الكثير منها، فترجمت له الكتب من اليونانية والرومانية والسريانية والفهلوية والهندية، وقد تعددت الثقافات في العراق في عصر الإمام أحمد وحدث بين دعاتها جدل شديد وخلاف كثير.

    وكانت المعتزلة تحمِل ثقافة اليونان وفلسفتهم ومنطقهم إلى العقل العربي فتثير بذلك صخباً شديدأ.

    وكان هذا العصر –على أية حال- أزهى عصور العلم في البلاد الإسلامية، ونبغ أعلام في مختلف فروع الثقافة والعلم، وأدرك الناس قيمة العلم في بناء الأمم ونهضتها، فانكبوا على دراسة العلوم الإسلامية وغيرها. وعهد أهل اليسار إلى المؤدبين بتعليم أبنائهم، وبذلك صار التعليم صناعة، وأصبح التأديب طريقاً إلى المجد. وقد تعددت مراكز العلم في هذا العصر وكثرت. وكان للعلوم المترجمة أثرها، -وبخاصة فلسفة اليونان- في تفكير بعض المسلمين، وكان لها مكانة عندهم. وتعددت مناهج التفكير والبحث، وصار الخلاف بين هذه المناهج على أشده في العراق. وبلغ نفوذ الاعتزال منزلة كبيرة في عصر المأمون والمعتصم والواثق.

    وقد حمل ابن قتيبة (213-276 هـ) في مقدمة كتابه »أدب الكاتب« على الحالة في عصره، حيث أهمل الناسُ علومَ الدين، وعنوا بعلوم الفلسفة والمنطق. وحمل البحتري على الشعراء الذي يعنون بالمنطق اليوناني في شعرهم ويكلفون به، فقال:

    في الشعرِ يكفي عنْ صدقه كذبُهْ
    كلفتمونا حدودَ منطقكم

    ـمنطق ما نوعه وما سببُهْ
    ولم يكن ذو القروح يلهج بالـ


    وقد نبع في عصر الإمام أحمد رحمه الله كثير من العلماء مثل: مالك (179 هـ)، والليث بن سعد (92-175 هـ)، والشافعي (204 هـ)، والكرابيسي (245 هـ)، والزعفراني (260 هـ)، والبويطي المصري (231 هـ)، وعبد الله بن أحمد بن حنبل (213-290 هـ)، ويوسف بن يعقوب القاضي (208-297 هـ)، وإسماعيل بن إسحاق قاضي بغداد.

    ومن مثل: أبي الحسن المديني (135-234 هـ)، والواقدي (130-207 هـ)، ومحمد بن سعد الزهري كاتب الواقدي (230 هـ).

    ومن مثل: ابن السمّاك (183 هـ)، وصالح المري الزاهد واعظ البصرة (172 هـ)، وذي النون المصري (245 هـ)، وسفيان بن عيينة (298 هـ)، وسواهم.

    كما نبغ من علماء اللغة والأدب ومن الشعراء أعلام كثيرون. وعاش في هذا العصر: الخليل من أحمد (100-175 هـ)، وسيبويه (179 هـ)، والأصمعي (122-216 هـ)، والجاحظ (163-255 هـ)، وابن قتيبة (213-276 هـ)، والمبرد (210-285 هـ).

    وظهر من المعتزلة والفلاسفة: النظّام (180-223 هـ)، وأحمد بن أبي دؤاد (160-240 هـ)، وأبو الهذيل العلاف البصري أستاذ المأمون (135-235 هـ)، والفضل بن الربيع (208 هـ)، والكندي الفيلسوف (253 هـ)، وغيرهم.

    ومن الوزراء المشهورين: الفضل البرمكي (147-192 هـ)، والفضل بن سهل (202 هـ)، والفضل بن الربيع (2008 هـ)، وإبراهيم بن المهدي (224 هـ)، والحسن بن سهل (166-236 هـ)، وسواهم من أعلام العصر.

    وكان عصر الإمام أحمد –رحمه الله- عصر المحدثين والفقهاء. وقد فشل المعتزلة في السيطرة على الفكر الإسلامي، كما فشلوا في فرض منطق أرسطو وفلسفة اليونان على المسلمين.

    وقد وضع الإمام الشافعي أصول استنباط الأحكام الشرعية من القرآن والسنة، ووضع الإمام أحمد أصول علم الحديث بمسنده الكبير الذي صار إماماً وجامعاً، وكان مقدمة لتمييز علوم الحديث عن الفقه. فقد طلب رحمه الله الأحاديث والآثار من ينابيعها، وطلب الفقه من رجاله، ونبغ في الجانبين.

    وعصر الإمام أحمد هو عصر التقاء الثمرات الفقهية والعلوم الإسلامية، وهو عصر المناظرات بما فيها من جدل ونقاش، ويمثل ابن قتيبة معركة التقاء الثقافات في كتابه »اختلاف اللفظ« فيقول:

    »كان المتناظرون في الفقه يتناظرون في الجليل من الواقع، والمستعمل من الواضح، وفيما ينوب الناس، فينفع اللهُ به القائل والسامع، وقد صار أكثر التناظر –أي في عهد ابن قتيبة- فيما دق وخفي، وفيما لا يقع، وصار الغرض منه إخراجَ لطيفة، وغوصاً عن غريبة، ورداً على متقدم، فهذا يرد على أبي حنيف، وهذا يرد على مالك، والآخر على الشافعي، بزخرف من القول،ولطيف من الحيل، كأنه لا يعلم أنه إذا ردّ على الأول صواباً عند الله بتمويهه فقد تقلد المأثم عن العاملين به دهر الداهرين. وهذا يطعن بالرأي على ماضٍ من السلف وهو يرى، وبالابتداع في دين على آخر وهو يبتدع. وكان المتناظرون فيما مضى يتناظرون في معادلة الصبر والشكر وفي تفضيل أحدهما عن الآخر، وفي الوساوس والخطرات، ومجاهدة النفس وقمع الهوى، وقد صار المتناظرون –أي اليوم- يتناظرون في الاستطاعة والتوليد والطفرة والجزء والعرض والجوهر، فهم دائبون يتخبطون في العشوات، فقد تشعبت بهم الطرق، وقادهم الهوى بزمام الردى.

    وكان آخر ما وقع من الاختلاف من الذين لم يزالوا بالسنة ظاهرين، وبالاتباع قاهرين، يداجون بكل بلد ولا يداجون، يستتر منهم بالنحل ولا يستترون، ويصدعون بالحق ولا يستغشون، لا يرتفع بالعلم إلا من رفعوا، ولا تسير الركبان إلا بذكر من ذكروا«.

    وهو يصور بهذا سلطان أهل السنة بعد خذلان المعتزلة والمعتزلين.

    هذه معالم الحياة العقلية في عصر الإمام أحمد بما فيها من مؤثرات وتأثيرات.

    وبما تقدم أخذنا لمحة عن عصر الإمام أحمد –في جانبه السياسي والاجتماعي والعقلي- وما اشتمل عليه من تطورات ونهضات، وكان –رحمه الله- في قمة هذا الطود الشامخ زاهداً، وعالماً، ومقتفياً أثر من سبقه من أهل السنة، لا يزيغ في الدين إلى الآراء والأفكار الوافدة، والفلسفات الطارئة، ولا يتبع مناهج الجدليين ولا منطق المعتزليين.

    ورغم كثرة الفرق والطوائف في عصره، وكثرة الاختلافات والتقلبات، فقد ثبت إماماً وحده، وكان نسيج دهره وعصره.

    رحمه الله رحمه واسعة.

    بيئته


    --------------------------------------------------------------------------------

    * من مقدمة كتاب : "أصول مذهب الإمام أحمد" للدكتور عبد الله بن عبد المحسن عباد .

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت 27 أبريل - 2:29