معا لغد افضل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
معا لغد افضل

    ابن حزم الأندلسي.. العالم المجدد.. الحالم باستعادة مجد الإسلام في الأندلس

    avatar
    علاء سعيد
    عضو مبدع
    عضو مبدع


    عدد المساهمات : 568
    رقم العضوية : 82
    تاريخ التسجيل : 29/08/2008
    نقاط التميز : 1171
    معدل تقييم الاداء : 8

    ابن حزم الأندلسي.. العالم المجدد.. الحالم باستعادة مجد الإسلام في الأندلس Empty ابن حزم الأندلسي.. العالم المجدد.. الحالم باستعادة مجد الإسلام في الأندلس

    مُساهمة من طرف علاء سعيد الثلاثاء 23 سبتمبر - 2:33

    بالعذوبة والرقة والصراحة نسج وغزل حروفه وكلماته في الحب والعشق، وكالسيف والخنجر كانت حدته وعنفه وصراحته في الجدال مع الفقهاء وامتزج دون فاصل بينهما لينه وسعة أفقه وعذوبة نفسه مع ما يتفق وقناعاته وآرائه.. وسرعة الرد والتشدد والانفعال لما يعتقد أنه حق ورفضه لما عداه.

    أحبه البعض ودافعوا عنه وتحمسوا له وأخذوا منه.. وكرهه آخرون وحاولوا دون كلل الإيقاع به لدي الحكام.




    في 384 هجرية ولد وعاش بعدها في الأندلس ثم شمال أفريقيا في شر وأسوأ فترة الدولة الإسلامية في الأندلس.. وقت أن مزقتها الصراعات والخلافات إلي دويلات صغيرة.. في زمن كان حكامه من والفاسدين الذين أضاعوا الدولة وهيبتها.. وتآمروا علي بعضهم البعض واستعانوا بأعداء الدين للاستقواء بهم وانتشر فيهم الفساد والترف والمجون وساد الباطل وتفككت الجيوش ووهنت وسقطت الرايات.

    ذاك هو الجو الذي نشأ فيه ابن حزم لأب من أصول عربية ويمت بصلة القربي لمعاوية بن أبي سفيان.. وعين الأب وزيرًا للخليفة الأموي علي الأندلس «هشام المؤيد» في نهايات دولة الأمويين في الأندلس. وفي سن الخامسة عشرة سقط الخليفة هشام وعزل الأب وصودرت الممتلكات ونهبت الثروات وانتهكت الحرمات واغتصبت النساء.. ومات الأب من الحسرة بعدها بأربع سنوات. واستقبل ابن حزم عامه العشرين في الدنيا ثائرًا متمردًا رافضًا لهذا العالم الفوضوي الظالم وقد عقد العزم علي محاربته ومحاولة تغييره. وكان في طفولته قد حفظ القرآن وبعض الشعر.. وعندما بلغ السادسة عشرة تتلمذ علي يد عالم يتصف بالزهد والنسك والتقوي والورع.. وصحبه شيخه إلي حلقات علماء التفسير والحديث واللغة.. وتفوق ابن حزم علي أقرانه بسرعة استيعابه وقوة حفظه ودقة فهمه وبعدها انتقل إلي حلقات الفقه. وفي العشرين انتقل إلي دراسة النحو وعلوم اللغة والفلك والفلسفة والمنطق، وسائر المعارف الإنسانية المعروفة في تلك الفترة.. كما درس الكتب المترجمة في الأدب والفلسفة والخطابة. وبطبيعة الصلة والقرابة مع الحكام الأمويين وطبيعة شخصية ابن حزم خاض غمار الصراعات السياسية بل شارك في أكثر من معركة ومغامرة عسكرية، وعصفت الحرب بين الجماعات المتصارعة في قرطبة بالأهالي حتي قتل أكثر من عشرين ألفًا من أهلها وفيهم علماء وفقهاء وشيوخ فرحل عنها مع من رحلوا حزينًا ينزف وجدًا علي أهله وذويه ودينه وعلي الإسلام، وفي مدينة المرية حيث استقر كان هناك الكثير من الشيوخ الذين فروا أو هاجروا ابتعادًا عن رائحة الموت والعفن.. وداوم هو الدراسة والاطلاع. وإذ بلغ الخامسة والعشرين اتهم بالتآمر ضد والي المدينة واعتقل سجينًا لمدة شهر أبعد بعدها مطرودًا منها. وتعاطفًا منه مع أبناء عمومته في صراعهم مع العلويين للاستيلاء علي العرش أملاً أن يعود مجد عبدالرحمن الناصر ويعاد توحيد الأندلس مرة أخري وأن يعود مجد الإسلام اندفع ابن حزم في نشاطه السياسي والعسكري في صفوف جيش المرتضي الأموي إلي أن اغتيل المرتضي وهزم الجيش ووقع ابن حزم أسيرًا.. وبعد فترة في السجن والتعذيب.. أفرج عنه علي ألا يعود للسياسة مرة أخري. وتفرغ ابن حزم للتعمق في الفقه والدرس الجاد في علوم الدين واختلف مع أتباع المذهب الشافعي وساير الذي تأثروا بآراء داود الأصبهاني وهاجم بضراوة المتعصبين من اليهود والنصاري الذين استغلوا مرحلة الضمور والتفكك التي أشاعها انهيار الدولة وانقسامها.. ووصف هذه المرحلة بأنها محنة الإسلام.

    وتتلاحق السنوات والانقلابات وعندما بلغ الثانية والثلاثين عاد مرة أخري إلي العمل السياسي وشارك في عزل الخليفة العلوي وتولية عبدالرحمن بن هشام الخليفة الأموي.. الذين عين ابن حزم وزيرًا له.. وما هو إلا شهران فقط وتم عزل الخليفة لقلة خبرته وطيشه وعاد ابن حزم مرة أخري أسيرًا سجينًا وعندما أفرج عنه كان في عزمه ألا يعود إلي السياسة مجددًا. ورحل إلي شمال أفريقيا في المغرب وتونس.. وتفرغ للتفسير والاجتهاد واستقراء القواعد الشرعية وإعادة قراءة النصوص في القرآن والسنة.. واجتهد في العديد من الفتاوي والقضايا ودخل معارك جديدة، منها أنه أبدي رأيه في نظام إيجار الأراضي الزراعية وأفتي بالمزارعة مما أثار عليه الملاك والفقهاء واتهم بالتحريف والابتداع في الدين.. وبادلهم ابن حزم هجومًا شرسًا لاهوادة فيه. وإذ أراد المحارب والمجاهد ابن حزم أن يلتقط أنفاسه قليلاً وأن يتوقف عن الكتابة في الفقه وفي الأصول حتي تخف الحملات ضده قليلاً! عكف علي كتابة رسالته عن الرجال والنساء والحب والتي سماها «طوق الحمامة في الألفة والإيلاف» والذي وصف بأنه من أرقي أساليب النثر الفني حتي استحق أن يطلق عليه «أديب الفقهاء»، وهي رسالة فريدة في تاريخ الأدب العربي ولا مثيل لها في الكتابة عن الحب بمثل هذه الروعة والجمال والبلاغة والصراحة ولا بمثل التحليل النفسي العميق لمحتواها.
    avatar
    علاء سعيد
    عضو مبدع
    عضو مبدع


    عدد المساهمات : 568
    رقم العضوية : 82
    تاريخ التسجيل : 29/08/2008
    نقاط التميز : 1171
    معدل تقييم الاداء : 8

    ابن حزم الأندلسي.. العالم المجدد.. الحالم باستعادة مجد الإسلام في الأندلس Empty رد: ابن حزم الأندلسي.. العالم المجدد.. الحالم باستعادة مجد الإسلام في الأندلس

    مُساهمة من طرف علاء سعيد الثلاثاء 23 سبتمبر - 2:34

    وتعرض ابن حزم وكتابه هذا لهجوم الكثير من الفقهاء متهمين إياه بالتحريض علي الفسق والفجور رغم ما به من وعظ. وتعددت معارك ابن حزم التي لا تتوقف فكان له رأيه في الخلافة وطرق توليها واختيار الخليفة.. وفي رصده لأقدار الصحابة والمفاضلة بينهم.. والموقف من خلاف علي ومعاوية وما إن نشرت آراؤه إلا تقاذفته الاتهامات من كل الاتجاهات وضاقت عليه الأرض فلم يصبح له مكان في شمال أفريقيا.. ولا يستطيع العودة إلي الأندلس. إذ ينتظرونه للفتك به وإيذائه والقصاص منه. ووافق صديق له في جزيرة مايوركا أن يستضيفه بشرط ألا يعمل بالسياسة وألا يكتب ما يثير عليه الناس. وتفرغ ابن حزم لإلقاء الدروس والمحاضرات وأتاحت له هذه الفترة أن يخرج بخلاصة التجربة وهي أن لذة العالم بعمله ولذة الحكيم بحكمته.. ولذة المجتهد لله عز وجل أعظم من كل لذة في الحياة الدنيا.. إذن فليمنح هو ما بقي من العمر للذات العليا وليكن إذا من النفر القلائل الذين يناضلون من أجل الفضائل مهما تكن مستثقلة.

    عاش مستهدفًا لا يهدأ له بال.. يطارده الحكام والفقهاء والملاك الذين عجزوا عن مجاراته.. إلي أن تمكنوا منه وحاكموه محاكمة لم يتح له خلالها الدفاع عن نفسه أو الإعراب عن وجهة نظره وإبداء رأيه.. محاكمة كلها خداع وظلم وأصدروا حكمهم بإحراق كتبه ومكتبته.

    ولكن المقاتل لم يهزم إذ استثارته حماسة الشباب من تلاميذه وأتباعه والمعجبين به وبأدائه.. فأملي عليهم كتاباته مرة أخري.

    وعندما بلغ الثانية والسبعين من عمره كان قد أنهكه العمل الدائب والصراع الذي لا يهدأ والكر والفر والجحود والاضطهاد.. وكتب ورسائل ومقالات تجاوزت الأربعمائة.. وآن للمحارب المجهد أن يستريح.. فتوقفت نبضات القلب.. وسكن الجسد إلا صوته.. فلا يزال حتي الساعة يجلجل ثائرًا مجددًا ضد كل دعاة الجمود وضد كل من يريد إيقاف عجلة الزمن.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 28 أبريل - 7:11