عبدالوهاب المسيري: إسرائيل دولة وظيفية.. وأمريكا تعتبرها حاملة طائرات ثابتة

يحيي الفلسطينيون هذه الأيام ما يعرف بيوم النكبة في الوقت الذي تحتفل فيه إسرائيل بمرور ٦٠ عاما علي تأسيسها. فبعد انسحاب بريطانيا من فلسطين في ١٤ من مايو عام ١٩٤٨، أعلن ديفيد بن جوريون قيام إسرائيل وعودة الشعب اليهودي إلي ما أسماه «أرضه التاريخية».

«المصري اليوم» تحاور د. عبد الوهاب المسيري الباحث والمفكر المصري وصاحب موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية» التي تعتبر المرجع العربي الأول في هذا الموضوع.

* في البداية، هل أنت موافق علي مسمي «النكبة»؟

- أنا أسمي هذا اليوم يوم «التطهير العرقي» وهذا اقتراح «آلان بابيه» أحد المؤرخين الجدد الذي وصل إلي رفض الصهيونية , ورؤيته أن كلمة «النكبة» تستخدم نموذج الحرب يعني أنه حصل أن أناساً قتلت في حرب، لكن هو يري أن ما حدث كان تطهيرًا عرقيا .إذن هي ليست «نكبة» بمعني ضحايا حرب وخلاص. لا لقد كان هناك مخطط بالإبادة والتطهير العرقي ونحن حينما نستخدم مصطلح "نكبة" نخبئ جوهر المشكلة. من المؤتمر الصهيوني الأول كان هناك إحساس بضرورة إما إبادة العرب أو التهجير، وهو كلام منطقي.

* منطقي بمعني إيه؟

- أنك إذا أردت أن تنشئ دولة لليهود لابد من القضاء علي العرب وإلا أصبح العرب أغلبية.

في مفاوضات الشيخ رشيد رضا وهو مفكر إسلامي وكان ديمقراطيا لدرجة أنه قال لحاييم وايزمان أول رئيس للدولة الصهيونية "نحن مدركون تماما قيمة الرأسمال اليهودي والخبرات اليهودية ولا يوجد عندنا مانع من تأسيس دولة مشتركة علي شرط أن تكون صوت لكل رجل من أبنائها ولكن ممثل الديمقراطية الغربية حاييم وايزمان، رفض ورجع وعاد يكتب أن رشيد رضا يقترح علينا سلامًا ولكنه سلام القبور.

* ما الذي يدفع بعض اليهود الآن للكلام عن قبول حل يقضي بوجود دولتين؟

- بعد ضم الضفة الغربية وغزة إلي جانب الأقلية العربية أصبحت إسرائيل تواجه الخطر الديموغرافي الذي يعني أنه في خلال ١٠ سنوات ستكون هناك أغلبية عربية. أدي ذلك إلي ظهور نوعين من الصهيونية : صهيونية الأراضي والصهيونية الديموغرافية. صهيونية الأراضي تقول يجب أن نحتفظ بكل الأراضي ومن خلال القوة سنقنع العرب بالهجرة الطوعية وهذا يدل علي جهلهم بالنفس البشرية. والنوع الآخر هو «الإشكناز» يطالبون بالانسحاب من الضفة الغربية وغزة للاحتفاظ بالتوازن الديموغرافي. من هنا يأتي الحديث عن دولتين.

و لأن العرب أيضا يتكاثرون بطريقة سريعة جدا. في كتاب النكت هناك نكتة دالة جدا علي مدي خصوبة المرأة الفلسطينية، وهي «أن واحد فلسطيني يسأل آخر عندك كام طفل؟ فقال له ٤ أطفال فنظر إليه الأول وسأله بانزعاج: «العيب منك ولا من المدام»؟ الانثي الفلسطينية أكثر الإناث خصوبة في العالم وهذا علي عكس الأنثي الأمريكية اليهودية، وهذا ما يسميه اليهود "صراع الأرحام «ويسمون الأنثي الفلسطينية "قنبلة ياسر عرفات البيولوجية».

* كيف تنظر إلي واقع إسرائيل في ذكري احتفالها بمرور ٦٠ عاما علي قيامها؟

- الواقع متدهور جدا ومصادري في ذلك صحفهم الإسرائيلية التي تعكس مدي الفوضي الموجودة داخل إسرائيل.

* ما هي أهم المشكلات في رأيك التي تواجه إسرائيل الآن؟

- أولا: سقوط الإجماع الصهيوني، يعني كان هناك إجماع بأن فلسطين أرض بلا شعب وإن كان فيها شعب فيمكن تهميشه وأن اليهود شعب، لكن ثبت أن فلسطين بها شعب متماسك ومقاوم وأن اليهود لا يشكلون شعبا بدليل أن الأغلبية منهم لم يهاجروا وما زالوا خارج إسرائيل. ثانيا: فشل التصور الصهيوني في أنه من الممكن أن يأتي المهاجرون من الخارج فيتم صهرهم في المواطن الإسرائيلي. ثالثا: الانقسام الديني العلماني الذي يزداد تطرفا وانقساما لدرجة أن بعض الحاخامات يقولون بأنه يوجد الآن يهوديتان وليس يهودية واحدة.

* وأين كان العرب وقت أقامة اسرائيل؟

- العقل العربي كان غير مدرك، الأغلبية من الناس تتبني فكرة أو نظرية أن اللوبي اليهودي مسيطر علي الغرب وعلي الإعلام إلي أخره لكن أنت تري غير ذلك.

- هناك نمط إمبريالي أمريكي وهو إبادة اليهود الحمر، استغلال السود، استعمار أمريكا اللاتينية. يعني لديهم نمط . إسرائيل جزء من هذا النمط .الجزء الإسرائيلي نجح في أن يجعل إسرائيل ذات فائدة للإستعمار الغربي. يعني مصدر قوة اسرائيل ليس في قوتها الذاتية وإنما في مقدرتها علي خدمة الاستعمار الغربي وهذا ما أسميه الدولة الوظيفية. إسرائيل دولة دخلت في تعاقد مع الغرب تقوم فيه بمهام قتالية واستخباراتية في مقابل أن يدعمها الغرب ماليا وسياسيا وعسكريا.

* من نظرياتك أيضا أن أمريكا تعتبر إسرائيل حاملة طائرات ثابتة؟

- هذا المنطق يستخدمه حتي المتحدثون الرسميون الإسرائيليون حينما يذهبون إلي أمريكا. يقولون إن لو أمريكا أرادت أن تحافظ علي أمنها القومي في الشرق الأوسط لاضطرت إلي استخدام عشر حاملات طائرات وكل حاملة طائرات ثابتة تكلف أمريكا ٥ بلايين دولار. إسرائيل تكلف الولايات المتحدة ٣ بلايين دولار فقط . حتي إن شارون حينما عرف بهذه الإحصائيات ضحك وقال أين الباقي إذن!!

* لهذا تشبه إسرائيل في كتاباتك بالموظف الذي يعرف ما يريده مديره فيتواءم مع أجندته، وبالتالي تتحقق المصلحة؟

- أنا أيضا أقول ما هو أكثر من ذلك، أنا أشبه إسرائيل بالغانية الجميلة الصغيرة التي تسعد سيدها وهو رجل عجوز ولكن لديه من النقود والنفوذ الكثير وبالتالي هناك مصلحة مشتركة. ولكن إذا عجزت هذه الغانية في يوم من الأيام عن إمتاع سيدها قد يرمي بها إلي سلة النفايات وبالتالي أري أن الاستراتيجية العربية يجب أن تركز في جعل إسرائيل "مكلفة" وغير نافعة لأمريكا.

* كيف تري زيارة بوش لإسرائيل يوم ١٤ مايو القادم في ذكري احتفالهم بمرور ٦٠ عاما علي تأسيس إسرائيل تتبعها زيارتان لمصر والسعودية؟

- إسرائيل مليئة بالأزمات وهي أزمات كفيلة بسقوط وانهيار أي مجتمع، لكن لماذا لا ينهار المجتمع الإسرائيلي من الداخل؟ لسبب بسيط وهو أن مقومات حياتها أمران:الدعم الأمريكي والغياب العربي.

وهذا ما سيحدث. بوش سيذهب ويدعم إسرائيل ويعلن أنها دولة يهودية ويأتي ليؤكد الغياب العربي.

* ما رأيك في إعلان بوش إسرائيل دولة يهودية؟

- يعني سقوط حق العودة للاجئين الفلسطينيين مع أن حق العودة حق لا يمكن التنازل عنه.

* لماذا؟

- قانون الدولة يقول ذلك ولا يمكن لأي منظمة حتي ولو كانت منظمة التحرير الفلسطينية أن تتنازل عنه لأنه حق فردي.

* كانت هناك ثلاثة حلول أو أماكن لقيام دولة إسرائيل ثم تم الاستقرار علي فلسطين لماذا؟

- فلسطين أهم موقع استراتيجي في العالم بسبب أنها بوابة مصر. ومصر هي مركز العالم العربي والعالم الإسلامي وتربط بين القارتين آسيا وأفريقيا، وفيها قناة السويس وغيرها من الامتيازات. وأنا دائما أري أن المشروع الصهيوني المستهدف منه مصر وليس فلسطين. كانت مصر حينما يظهر فيها حكام عظام مثل محمد علي وأحمس وعبد الناصر ورمسيس الثاني كانوا دائما يضمون الشام لأن هذه هي بوابات مصرودائما فلسطين تضيع في الرجلين.

* أنفقت ٢٥ عاما من عمرك ومبالغ طائلة علي موسوعتك «اليهود واليهودية والصهيونية» والتي تعد أول مرجع عربي متخصص في الصهيونية. كيف تعاملت إسرائيل والغرب بشكل عام مع هذه الموسوعة؟

- بالتجاهل التام وبمنطق كأن لم يكن. أنا متابع جيد جدا للجرائد الإسرائيلية ولم أجد أي كلام أو ذكر لهذه الموسوعة أبدا. هم لا يريدون لفت الانتباه إليها بأي شكل من الأشكال.

* وكيف تعامل العالم العربي مع الموسوعة؟

- علي العكس تماما. أحرزت شيوعا غير عادي وتساهم بشكل كبير وواضح في تغيير أفكار الجيل الجديد.

* نشرت وكالة الأنباء الفرنسية تقريراً بمناسبة الذكري الـ٦٠ لقيام إسرائيل، قائلة إن نسبة الذين يشعرون بالأمن في إسرائيل لا يزيدون علي ٤% من السكان. ما تعليقك؟

- هذا أحد إنجازات المقاومة التي لانتحدث عنها بما فيه الكفاية. المقاومة أرسلت رسالة مسلحة للمستوطنين الصهاينة تقول: نحن هنا، نحن نقاوم وكلما ازداد البطش ازدادت المقاومة.

* هل المقاومة تحتاج لأيديولوجية أم لا تحتاج؟

- أي مقاومة تحتاج لأيديولوجية وإلا تصبح ضرب نار وخلاص. كلنا ولسنا المقاومة فقط نحتاج لرؤية مؤسسة علي الإسلام وإلا هنجيب المرجعية بتاعتنا منين، من "موزمبيق"؟! علي شرط أن تكون هذه المرجعية الإسلامية ذات طابع إنساني غير إقصائي للآخر.

* لماذا لم تنجح الجهود الدولية لحل هذا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حتي الآن؟

- ولن تنجح أي جهود في ذلك لسبب بسيط: أن إسرائيل قاعدة لهم، والعالم الغربي بأسره تابع للولايات المتحدة بشكل ذيلي ومع ذلك كل هذا يمكن أن يتغير إذا استمرت المقاومة وألحقت خسائر بالدولة الصهيونية.

* كيف يمكن التعامل مع هذه الذكري كل عام؟

- بإحياء المقاومة ومحاولة الفهم. أي هجوم علي إسرائيل أو حتي أي محاولة للفهم هي أيضا سلاح في يد المقاومة.



المصري اليوم
حوار ضحي الزهيري ١٤/٥/٢٠٠٨