قصر البارون

تولدت فكرة مصر الجديدة فى مطلع القرن العشرين لدى البارون امبان، المهندس والمصرفى البلجيكى الذى كان قد بنى شبكة القطارات فى باريس وحصل عام 1894 من الحكومة المصرية على امتياز لمد اول شبكة لخطوط الترام فى القاهرة. امبان كان مقربا من البلاط البلجيكى وحصل فى بلاده على لقب الجنرال الفخرى والبارون لمساهمته فى الجهود الحربية لبلجيكا وفى مصر توثقت علاقاته سريعا بالاسرة المالكة والطبقة الصناعية. احد اصدقائه كان بوغوص نوبار الارمنى، وهو مدير السكك الحديدية المصرية وابن نوبار نوباريان، اول رئيس وزراء لمصر.

فى 20 مايو 1905، نجح امبان وبوغوص نوبار فى الحصول على امتيازان من الحكومة المصرية، احدهما بشراء 2500 هكتار من الارض الصحراوية (6000 فدان تقريبا) بسعر جنيه واحد للفدان، والاخر بانشاء خط مكهرب للقطارات يصل ما بين وسط القاهرة ومنطقة التعمير الجديدة. يظهر الجانب الحالم من شخصية امبان فى اختياره لاسم المنطقة الجديدة اسماها "بواحات الشمس" او "اوسيس هليوبوليس" تيمنا بمدينة اون (مدينة الشمس) المصرية القديمة التى كانت موجودة فى المطرية المجاورة، تلك المدينة التى كان يأتى لها اليونانيون للتعلم قبل مجىء الاسكندر الى مصر بقرون.

بدأ العمل فى الواحة عام 1906. وبحلول عام 1913 كانت اغلب معالمها الرئيسية قد ظهرت الى النور: كنيسة البازيليك والجامع الموجود بشارع هارون الرشيد (سان استيفانو وقتها). فندق هليوبوليس بالاس (القصر الرئاسى حالياً) ونادى هليوبوليس الرياضى فى مواجهته. قصر البارون بطرازه الهندوسى وقصر الامير (السلطان لاحقاً) حسين كمال المقابل له. حلبة السباق (المريلاند حاليا) والملاهى المجاورة (الفسقية ومحطة البنزين فى اول روكسى حاليا).

العمل لم يكن سهلا، ففى البداية كانت الجمال والبغال تستخدم لاحضار الماء والعمال ومواد البناء من القاهرة. ولكن الخط الحديدى السريع (المترو) الذى تم انشاؤه عام 1910 قرب المسافة بين العاصمة والواحة الجديدة. اثنتا عشرة دقيقة كانت كافية لتوصيل الركاب من شارع فؤاد (26يوليو حاليا) بوسط البلد الى شارع عباس (ابراهيم اللقانى حاليا).

حتى بداية الحرب العالمية الاولى، كان الاقبال على سكنى الواحة ضعيفا لدرجة اقلقت البارون والمساهمين الاخرين فى الشركة، ولكن الرواج الذى سببته الحرب ادى الى انتعاش ارتفع بعدد سكان الواحة الى عشرة الاف فى منتصف العشرينيات، نصفهم تقريبا من الاجانب والشوام.

كانت فكرة البارون هى انشاء مجموعة من الواحات السكنية المتتالية، تصلها القطارات وتفصل بينها رمال الصحراء. الواحة الثانية التى كان البارون يود انشاؤها بعد واحة هليوبوليس كانت واحة الماظة، وتم توصيل المترو لها ولكن الشركة عدلت عن تعميرها لارتفاع التكلفة، وفضلت الاستمرار فى تنمية الواحة الاولى.





قصر البارون... أشهر بيت أشباح في الشرق يتحول إلى أشهر متحف في مصر الجديدة
القاهرة - من وليد طوغان: لا يعلم أحد سبب الأقاويل حول قصر «البارون» امبان في ضاحية مصر الجديدة «شرق العاصمة المصرية» التي أخرجته من مجرد قصر «تحفة» وأدخلته خانة الجن والعفاريت والصرخات التي يقال أنها تصل لأسماع سكان المنطقة، «عادة» بعد منتصف الليل,, ومع هذا تبدو في الأفق ملامح إنقاذه، بعد أن قررت وزارة الإسكان استرجاعه من ملاكه,, وإعادة ترميمه وتحويله إلى متحف قومي برعاية حرم الرئيس المصري السيدة سوزان مبارك,, في مقابلة فكرة كان ينوي ملاكه تنفيذها,, وهو تحويله إلى بيت أشباح,, «الرأي العام» دخلت القصر وتعرفت على قصته وحكاياته.
ربما سمعة «قصر البارون»، وارتباطه في ذهن كل المصريين «بأرواح الموتى التي تعود ليلا للظهور ونقل محتويات القصر من أماكنها لأماكن أخرى بالداخل اضافة للأصوات التي عادة ما تنبعث ليلا من شرفة الغرفة الرئيسية التي كانت غرفة نوم البارون امبان «مؤسس ضاحية مصر الجديدة» هي السبب في محاولات الملاك الحاليين لاستغلال قصر البارون في تأسيس بيت «أشباح» على مستوى عال.
وربما ترتفع تكلفة الزائر لبيت الأشباح المزمع إنشاؤه، خصوصا أنه - في ظل المنتشر من حكايات - سوف يدخل بالفعل مكان «أشباح» حقيقي، وليس بيتا للأشباح مصنوعاً معظمه من المطاط.
المشروع الذي كان ينوي ملاك القصر الحصول على موافقة وزارة الثقافة المصرية كان يتضمن ترميم كامل القصر وغرفه، والإبقاء على محتوياته القديمة، مع اضافة مبان جديدة في حديقة القصر الخارجية، خاصة المشروع الجديد، مع تولي شركة عالمية متخصصة في مدن الملاهي وإقامة بيت الأشباح الذي سوف يشمل أيضا السرداب أسفل القصر والذي يبلغ طول طرقه أكثر من 5،2 كيلو متر تنتهي عند حرم كنيسة البازيليك وسط أهم ميادين مصر الجديدة.
وزارة الثقافة من جهتها لم تقدم ردا حول مشروع ملاك القصر، بالرغم من أن هناك من يرى أن الوزارة لن تستطيع الرفض خصوصا أن أصحابه عرضوا ترميمه بالكامل بشرط الحصول على ترخيص بإقامة مبان ملحقة للمبنى الأساسي والإبقاء على كل قديم، ولكن الفكرة «جمدت»,, بعد إعلان وزارة الإسكان المصرية شراء القصر قبل أيام قليلة!
ليس بعيدا عن محاولات إنقاذ قصر البارون,, ولكن عودة إلى حكايات ارتبط قصر البارون امبان بكل القصص الخرافية وغير الخرافية في المجتمع المصري، ورغم تنوع واختلاف هذه القصص، يظل المؤكد لدى معظم سكان ضاحية مصر الجديدة أن الأنوار الساقطة لابد أن تظهر في الغرفة الخلفية للقصر، وتمتد لتصل حتى الغرفة الرئيسية بعد ذلك تسمع الصرخات النسائية ثم يعود القصر ليغرق في الهدوء من جديد.
وبالرغم من أن المسافة بين القصر والسور الخاص للحديقة يزيد على 800 متر وبالرغم من أن أقرب العمارات التي يوجد بها سكان حاليا لا تمكن سكانها من سماع «الصرخات» المزعومة، فإن مثل هذه الروايات لا توجد حقائق مقنعة يمكن أن تلغيها من أذهان أصحابها.
وربما هذا هو السبب الذي جعل الكثير من الشباب المغامرين يتسللون ليلا للقصر في محاولة لقضاء ليلة واحدة في إحدى غرفه، الأمر الذي غالبا ما ينتهي بخروج هؤلاء فزعين «كما يقول محمد التونسي» «بواب إحدى العمارات المواجهة للقصر» وخصوصا أن الأشباح لا تظهر في القصر إلا ليلا، ولا تتيح الفرصة لأحد أن يظل داخل القصر مهما كان الثمن.
ويكمل «محمد التونسي» الذي يعمل بجوار القصر منذ أكثر من «40» عاما: إن ما يقال عن وجود الأشباح صحيح، وفي عام 82 شاهد كثير من المارة دخانا ينبعث من غرفة القصر الرئيسية ثم دخل في شباك البرج الرئيسي للقصر بعدها ظهر وهج نيران ما لبث أن انطفأ وحده دون أن يعمل على إطفائه أحد.
ويؤكد أن الكل يعرفون أن الشرفة الرئيسية والغرفة الخلفية غرفة أخت البارون هي سبب كل المشاكل».
البارون «إمبان» «البلجيكي الجنسية» شيد قصره هذا عام 1907، وقتما جاء لتأسيس ضاحية مصر الجديدة,, وبدأ حياته مهندسا يعمل في إنشاء ومد خطوط السكك الحديدية، ثم قام بتأسيس العديد من الشركات الهندسية في مصر لإنشاء ضاحية «هليوبوليس» «مصر الجديدة»، وقبلها البارون لمهندس فرنسي «مسيو مارسيل» إنشاء القصر على الطراز الهندي المغولي ليكون أول ما يبنيه البارون في مشروع «هليوبوليس».
وعام 1907 تم تشييد القصر على الطراز الهندي، وحملت شرفاته تماثيل مرمرية على شكل «أفيال» وكان برجه الخمري يدور على قاعدة متحركة دورة كاملة كل ساعة ليتيح للجالس به مشاهدة ما حوله في جميع الاتجاهات.
وربما مقتل أخت «البارون» البارونة «هيلانة» بعد سقوطها من شرفة غرفتها الداخلية وقتما كان يدور البارون ببرج القصر ناحية الجنوب، وتوقف القاعدة عن الدوران في تلك اللحظة بعدما هب البارون لاستطلاع صرخات «أخته» كانت الشرارة الأولى لقصص الأشباح التي تخرج من غرفة أخت البارون لغرفته الشخصية.
وهو ما جعل القصص الشعبية تشير إلى أن روح «البارونة» هيلانة سخطت من تأخر البارون في إنقاذها، وهو ما عطل تروس دوران البرج الدائر التي لم تدر منذ ذلك الحين حتى موت البارون نفسه العام 1928. أما الطابق الأخير في القصر، فكان المفضل للبارون إمبان، وظل - بعد موت أخته - يتناول به افطاره ويشرب الشاي وقت الغروب، مستمتعا بحديقة مترامية الأطراف، يقع أسفلها نفق مظلم طويل يصل بين القصر وبين كنيسة «البازيليك» التي دفن فيها البارون بعد وفاته.
حياة البارون التعسة كانت عاملا مهما في العوامل التي زادت من قصص «الأرواح» التي تناقلها المصريون طوال المائة عام الماضية,, فقد ولد البارون امبان بعرج ظاهر في قدميه فيما كان مريضا بالصرع، وكثيرا ما كانت تنتابه النوبات فيقع في حديقة قصره ويطلع عليه الصباح وكلبه يقف بجانبه إلى أن يفيق، فالبارون لصرامته لم يكن يستطيع أحد الخدم الاقتراب منه إلا بأمره,, حتى لو كان ملقيا على الأرض فاقدا الوعي, والغرفة الوحيدة التي لم يكن يصرخ البارون امبان لأي شخص «حتى ابنته وأخته» دخولها هي الغرفة الوردية ببدرون القصر، وهي الغرفة التي كانت تفتح أبوابها على مدخل السرداب الطويل الممتد لكنيسة البازيليك.
وبعد وفاة أخت البارون «عام 1912» كان البارون إمبان يقضي أكثر من «9» ساعات يوميا في الغرفة الوردية، فيما - كما يقال - كان لا يسمح لأحد مهما كان ومهما كان الأمر أن يدخل عليه أو أن يناديه.
فيما كانت - حسب الأقاويل أيضا - تسمع أصوات مختلفة بعضها شجار وبعضها صراخ للبارون وأخته التي كانت قد ماتت بالفعل ودفنت جثتها في مكان ما بصحراء مصر الجديدة، ومنذ ذلك الحين وأهالي حي مصر الجديدة القدامى كانوا يعتقدون أن البارون امبان كان قد نجح «بعد وفاة أخته» في تحضير روحها للاعتذار عن عدم مبادرته «بسرعة» إنقاذها بعد سقوطها من غرفتها وربما عدم قبول «روح أخته» الاعتذار هو الذي أدخله مرحلة اكتئاب فظيعة أدت في النهاية لوفاته عام 1928.
وفي العام 97 اكتشف البوليس المصري ارتياد مجموعة «عبدة الشيطان» لبدرون قصر البارون إمبان بمصر الجديدة، وقال بعضهم: إن تحالف «بنت البارون مع الشيطان» هو الذي يدعم بشدة طقوسهم هناك، وفيما رأى بعض المراقبين أن قصة «عبدة الشيطان» قصة لم تنشر على حقيقتها، وتظل تفاصيل كثيرة منها مهمة فإن «مريام» ابنة البارون إمبان وربط قصتها الشخصية بقصة «عبدة الشيطان» لها الكثير من المعاني والدلالات.
«مريام» أصيبت بشلل أطفال بعد ولادتها بفترة، ونظرا لحزم أبيها الشديد وشراسته أحيانا في معاملتها مع عمتها، أصيبت «مريام» بحالة نفسية معقدة، كانت تجلس «عندما تنتابها النوبات» لساعات هي الأخرى ببعض غرف السرداب الأسفل بالقصر، وبعد فترة كانت تعود «مريام» لغرفتها وهي متحسنة المزاج، وتقول إنها تكلمت مع صديق لها يريحها كثيرا.
وبعد مصرع البارونة «هيلانة» كانت تسمع أصوات «أخت» البارون تارة مع البارون نفسه في «بدرون القصر»، وتارة في حديث هادىء إلى حد ما مع «مريام» ابنة البارون في إحدى غرف مدخل السرداب،لكن مريام بعد فترة وجدت ملقاه على وجهها وميتة «دون أن يعرف أحد السبب» في بئر مصعد الإفطار المؤدى للدور العلوي والذي كان يتناول فيه البارون طعامه.
أما بعد موت البارون نفسه، فقد تحولت «المرايات» المجلدة لحوائط الغرفة الوردية أسفل القصر للون الأحمر الذي يكتشف معظم الزوار «المتسللين» للقصر أنها دماء «!!».
وحين يرجع الكثير من حراس القصر - الذين يترك معظمهم أماكنهم بعد فترة قليلة في الخدمة - الدماء بالحجرة الوردية للخفافيش التي اتخذت من القصر مقرا لها,, يصر الكثيرون على أن الخفاش لا يصطدم بالحوائط، وهو ما يجعل القول بأن دماء الغرفة الوردية ظهرت «بعد أن استراحت روح البارونة هيلانه وابنة البارون مريام» بعد موت البارون القاسي الذي سبب المعناة للأسرة كلها.
ولا توجد أية أسباب ولا إشارات للعوامل التي كان البارون إمبان سببا فيها في معاناة أسرته، لكن قصص «الأرواح» قد تجد ألف رواية ورواية للإشارة إلى ذلك,, لو كان هذا مهما في نسبة الاقناع المجاني بقصص أرواح القصر.
ومن جانبه يؤكد وكيل الملاك الحاليين المحامي هشام إسماعيل أن كل ما يشاع عن القصر ليس له أساس من الصحة، وربما عدم إتمام عملية البيع أكثر من مرة بعد تقدم أحد المشترين للشراء فعلا تعود إلي خوف الهيئات الحكومية من أية أضرار تلحق بالأثر أو تشوهه، لذلك ظل القصر على حالته المهملة بعدما اكتفى مسؤولو المجلس الأعلى للآثار بتسجيل القصر كأثر ووضعوا لافتة مكتوبا عليها «المجلس الأعلى للآثار» دون اتخاذ أية إجراءات لترميمه أو الحفاظ عليه.
ويكمل: «ربما أضافت هيبة القصر وشكله المعماري بعض الخواطر لدى العامة بتأكيد قصص الأشباح وخصوصا أن قصة حياة البارون الحقيقية مجهولة حتى الآن بعض تفاصيلها، وهو ما جعل أية قصة تقال وتتداول بين الناس تجافي بصيرتها.
وخلال الثلاثين عاما الماضية زادت اهتمامات الكثير من المغامرين لمبنى القصر، وبعضهم كان يفضل إقامة حفلات الشواء أعلى برجه الذي كان يدور يوما ما لذلك ارتبطت سيرة القصر غير أي مبنى آخر في القاهرة بكثير من الظروف التي أضافت حوله «هالة» من الإثارة,, والغموض وربما هذا ما يفسر ظهور أكثر من كتاب في السوق المصرية والعربية يتناول «قصة قصر الأشباح الذي كان يملكه البارون إمبان»,, ويفسر أيضا المحاولات المستمرة لشركات الإنتاج الفنية الأجنبية لعرض مبالغ طائلة للدخول إليه وتصوير بعض مشاهد أفلامها في الداخل، الأكثر إثارة أن معظم ما طلبت الشركات الأجنبية تصويره داخل القصر كانت مشاهد رعب لأفلام تشبه إلى حد كبير «كونت درايكولا» و«مصاص الدمار» الأمر الذي يشير إلى أن قصة «قصر الرعب» لم تقتصر على المصريين فقط، ولا مغامريهم المراهقين,, وعموما القصر إلى إنقاذ.


دى مقاله فى جريده الراى العام



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
صورة نادرة لقصر البارون وسط صحراء مصر الجديدة

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]