مدن في الذاكرة.. فلسطين التي يحكي عنها الكبار ولم يرها الأبناء والأحفاد

المؤرخ والباحث الفلسطيني سلمان أبو ستة يشدد دوما في حواراته وكتاباته علي أحد أهداف الصهيونية الذي لا يذكر كثيرا وهو محو تاريخ الفلسطينيين وآثارهم، ولذلك بعدما انتهي توقيع اتفاقية الهدنة مع سوريا يوم ٢٠ يوليو١٩٤٩، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بن جوريون في نفس الأسبوع بتكوين لجنة من مسّاحين ومؤرخين وعلماء توراة كي يمسحوا كل اسم في فلسطين -عربيا كان أو إسلاميا أو كنعانيا أو غير ذلك- ويغيروه بأسماء عبرية.

وقد حاولوا كثيرا كي يخترعوا تسميات عبرية لكنهم لم ينجحوا في أكثر من ٥% منها، لأن التاريخ بقي في قلوب الفلسطينيين رغم أن الجغرافيا نزعت منهم وتشردوا في البلاد. لذلك عندما يتحدث الفلسطيني إلي أبنائه أو أحفاده فإنه ينقل إليهم بالتفصيل اسم بلدته ومكانها وتفاصيل دروبها ومسالكها. ويؤرخ هذا التاريخ الذي تتناقله الأجيال لنحو ١٣٠٠ مدينة و١٠ آلاف معلم تاريخي وحضاري وديني.

ومن هنا كان حرص «المصري اليوم» علي إلقاء الضوء علي عدد من المدن الفلسطينية سواء التي أزيلت تماما وظل مكانها فارغا إلا من قواعد عسكرية إسرائيلية، أو تلك التي استبدلوا بسكانها مستوطنين يهودًا، أو القري والمدن التي يعمل الاحتلال حاليا علي تهويدها.

الخليل .. مدينة الأشباح

من أهم المدن التي يسير فيها التهويد علي قدم وساق، ويعمل الإسرائيليون علي طمس كل معالمها وهويتها العربية ودفع سكانها للهجرة عنها. ومؤخرا أفاد تقرير صادر عن منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية (بتسيلم) وجمعية الحقوق المدنية أن السياسة الإسرائيلية في وسط مدينة الخليل قد دفعت بالعديد من الفلسطينيين إلي مغادرة ديارهم وإقفال حوالي ١,٨٢٩ مشروعاً تجاريا وصناعيا منذ عام ١٩٩٤ وحتي الآن. ويصف التقرير المدينة بأنها «مدينة الأشباح»

ووفقاً للاتفاق الذي أبرمته إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية سنة ١٩٩٧، تم تقسيم مدينة الخليل إلي قسمين، يكون الأول منهما (هـ ١) الذي يشكل ٨٠% من المدينة، تحت سيطرة السلطة الفلسطينية في حين تحتفظ إسرائيل بالسيطرة علي القسم الثاني (هـ ٢) الذي يضم أجزاءً من المركز التجاري للمدينة بالإضافة إلي المستوطنات الإسرائيلية.

ويجبر الإسرائيلون بسياساتهم الفلسطينيين المقيمين في الجزء (هـ٢) من الخليل علي النزوح إلي منطقة (هـ١)، فالعنف والإحساس بالعزلة بالإضافة إلي القيود المفروضة علي الحركة تدفع بالمواطنين لترك منازلهم والبحث عن مكان جديد.

ويمنع الفلسطينيون في أجزاء كثيرة من (هـ ٢) من قيادة السيارات، وفي مناطق أخري من فتح محال تجارية. بل يمنعون من السير في بعض الطرقات نهائيا مثل شارع الشهداء الرئيسي وبعض الطرقات القريبة منه.

وتتخذ إسرائيل من الحفاظ علي أمن ٨٠٠ مستوطن ذريعة لفرض قيود قاسية علي ٣٥,٠٠٠ فلسطيني يعيشون في القسم (هـ ٢) من المدينة، وأيضا ١١٥,٠٠٠ يعيشون في القسم (هـ ١).

أريحا.. قبلة النازحين

أريحا تلك المدينة التي تكاد تلمسها حين تري صورها وتكاد تشعر بدفء الشمس فيها وتسمع صوت الأشجار فيها هي مدينة كنعانية من أقدم مدن فلسطين حيث يرجع تاريخها إلي العصر الحجري ما قبل ٧ آلاف سنة وتقع علي الضفة الغربية لنهر الأردن وعند شمال البحر الميت.

وأريحا عند الكنعانيين تعني القمر. وفي العبرانية (يريحو) أقدم مدينة معروفة في التوراة اليهودية، وأريحا في السريانية معناها الرائحة أو الأريج. ازدهرت أريحا في عهد الرومان ويظهر ذلك في آثار الأبنية التي شقوها فيها والتي تظهر علي نهر القلط وفي هذا العهد صارت تصدر التمر .

وتعتبر أريحا البوابة الشرقية لفلسطين وترتبط بالضفة الشرقية بشبكة طرق معبدة وتتصل بطريق القدس -عمان، وتقع إلي الشمال من مدينة القدس، وتبعد عنها ٣٨كم.

وفي عام ١٩٦٥ بلغ عدد سكانها (٧٥٠٠٠) نسمة، معظمهم من اللاجئين وانخفض عدد سكانها بعد حزيران عام ١٩٦٧ وذلك بفعل الهجرة ليصل إلي (٥٣٠٠) نسمة، ثم وصل إلي (١٥٠٠٠) نسمة عام ١٩٨٧. وتشتهر بالزراعة خصوصاً المحاصيل التي تنمو في المناطق الحارة الرطبة مثل الحمضيات والموز والنخيل والحبوب . وعلي أرض أريحا ٣ مخيمات للاجئين هي «السلطات» ومخيم «عقبة جبر» ومخيم «النويعمة».

وتضم أريحا الكثير من المعالم الأثرية مثل: تل عين السلطان وهي نبع ماء قديم جداً يبعد عن أريحا مسافة ٢ كيلو متر. وقصر هشام، وهو قصر عربي رائع بناه هشام بن عبد الملك. ودير قرنطل أو جبل الأربعين، الذي تأسس سنة ١٨٩٢ وأيضا دير مار يوحنا التابع للطائفة الأرثوذكسية، ويقع علي نهر الأردن. ودير اللاتين وكنيسة الراعي صالح.

«غور الأردن».. نموذج للتضييق علي السكان الأصليين ودفعهم للهجرة

«غور الأردن» منطقة صغيرة شمال شرق الضفة الغربية بها عدد من القري التي تستهدفها القوات الإسرائيلية دائمًا، وتعمد باستمرار إلي استهداف سكانها الذين تعصرهم الأوضاع الاقتصادية السيئة والاحتلال الخانق. ومؤخرا هدمت عددا من البيوت وردمت الآبار في قري «غور الأردن» مما جعل الحياة بالنسبة لسكانها شبه مستحيلة. ووفقا لتقارير الأمم المتحدة فقد تم هدم أكثر من ٣٠٠ منشأة فلسطينية مختلفة منذ عام ٢٠٠٥.

وفي ٨ أغسطس الماضي قامت القوات الإسرائيلية بتدمير بئرين زراعيتين في قريتي «بارديلا» و«فروش بيت دجان». ووجد ٤ فلسطينيين، من بينهم طفل واحد، أنفسهم مشردين بعد أن تعرض مأواهم للهدم في قرية «جفتليك» بدعوي عدم وجود تصريح لبنائه.

كما فقد ٨ أشخاص آخرين من بينهم ٤ أطفال مأواهم بعد مصادرة «الكارافان» الذي كانوا يقيمون فيه بدعوي عدم صحة الوثائق الخاصة به. كما فقد ٤٠ شخصاً آخرون بيوتهم في ١٣ أغسطس عندما أصدرت القوات الإسرائيلية أوامرها بهدم منشأتين شبيهتين بخيمتين كبيرتين يستعملهما البدو كسكن لهم في منطقة الحديدية.

وتوجد معظم القري الفلسطينية الواقعة في غور الأردن في المنطقة ج، مما يعني - حسب اتفاقيات أوسلو لعام ١٩٩٠ - أنها تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل وأنه يتوجب علي سكانها الحصول علي تصاريح من الإدارة المدنية للبناء أو الحفر أو مزاولة أنشطتهم اليومية.



المصري اليوم
نفيسة الصباغ ١٤/٥/٢٠٠٨

شكرا لمرورك