الحكمة من عدم فرض الجهاد بمكة
قال تعالى : " ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا ً أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ".
يعجب الله سبحانه من أمر هؤلاء الناس ; الذين كانوا يتدافعون حماسة إلى القتال ، ويستعجلونه وهم في مكة يتلقون الأذى والاضطهاد والفتنة من المشركين ، حين لم يكن مأذونا لهم في القتال للحكمة التي يريدها الله ، فلما أن جاء الوقت المناسب الذي قدره الله ; وتهيأت الظروف المناسبة ، وكتب عليهم القتال في سبيل الله إذا فريق منهم شديد الجزع ، شديد الفزع ، حتى ليخشى الناس الذين أمروا بقتالهم ـ وهم ناس من البشر ـ كخشية الله ; القهار الجبار الذي لا يعذب عذابه أحد ، ولا يوثق وثاقه أحد ، أو أشد خشية .
وإذا هم يقولون في حسرة وخوف وجزع : ربنا لم كتبت علينا القتال ؟ وهو سؤال غريب من مؤمن ، وهو دلالة على عدم وضوح تصوره لتكاليف هذا الدين ; ولوظيفة هذا الدين أيضا ، ويتبعون ذلك التساؤل بأمنية حسيرة مسكينة " لولا أخرتنا إلى أجل قريب "وأمهلتنا بعض الوقت قبل ملاقاة هذا التكليف الثقيل المخيف .
إن أشد الناس حماسة واندفاعا وتهورا قد يكونون هم أشد الناس جزعا وانهيارا وهزيمة عندما يجد الجد ، وتقع الواقعة ، بل إن هذه قد تكون القاعدة ، ذلك أن الاندفاع والتهور والحماسة الفائقة غالبا ما تكون منبعثة عن عدم التقدير لحقيقة التكاليف ، لا عن شجاعة واحتمال وإصرار، كما أنها قد تكون منبعثة عن قلة الاحتمال ، قلة احتمال الضيق والأذى والهزيمة ; فتدفعهم قلة الاحتمال إلى طلب الحركة والدفع والانتصار بأي شكل ، دون تقدير لتكاليف الحركة والدفع والانتصار ، حتى إذا ووجهوا بهذه التكاليف كانت أثقل مما قدروا ، وأشق مما تصوروا ، فكانوا أول الصف جزعا ونكولا وانهيارا ، على حين يثبت أولئك الذين كانوا يمسكون أنفسهم ، ويحتملون الضيق والأذى بعض الوقت ; ويعدون للأمر عدته ، ويعرفون حقيقة تكاليف الحركة ، ومدى احتمال النفوس لهذه التكاليف ، فيصبرون ويتمهلون ، ويعدون للأمر عدته .
والمتهورون المندفعون المتحمسون يحسبونهم إذ ذاك ضعافا ، ولا يعجبهم تمهلهم ووزنهم للأمور ، وفي المعركة يتبين أي الفريقين أكثر احتمالا ; وأي الفريقين أبعد نظرا كذلك ، وأغلب الظن أن هذا الفريق الذي تعنيه هذه الآيات كان من ذلك الصنف الذي يلذعه ( يلسعه ) الأذى في مكة فلا يطيقه ; ولا يطيق الهوان وهو ذو عزة ، فيندفع يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأذن له بدفع الأذى أو حفظ الكرامة ، والرسول صلى الله عليه وسلم يتبع في هذا أمر ربه بالتريث والانتظار والتربية والإعداد ، وارتقاب الأمر في الوقت المقدر المناسب ، فلما أن أمن هذا الفريق في المدينة ; ولم يعد هناك أذى ولا إذلال ، وبعد لسع الحوادث عن الذوات والأشخاص ; لم يعد يرى للقتال مبررا ; أو على الأقل لم يعد يرى للمسارعة به ضرورة " فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب ".
وقد يكون هذا الفريق مؤمنا فعلا ، بدليل اتجاههم إلى الله في ضراعة وأسى ، وهذه الصورة ينبغي أن تكون في حسابنا ، فالإيمان الذي لم ينضج بعد ; والتصور الذي لم تتضح معالمه ; ولم يتبين صاحبه وظيفة هذا الدين في الأرض ، وأنها أكبر من حماية الأشخاص ، وحماية الأقوام ، وحماية الأوطان ، إذ إنها في صميمها إقرار منهج الله في الأرض ، وإقامة نظامه العادل في ربوع العالم ; وإنشاء قوة عليا في هذه الأرض ، ذات سلطان يمنع أن تغلق الحدود دون دعوة الله ; ويمنع أن يحال بين الأفراد والاستماع للدعوة في أي مكان على سطح الأرض ، ويمنع أن يفتن أحد من الأفراد عن دينه إذا هو اختاره بكامل حريته بأي لون من ألوان الفتنة ، ومنها أن يطارد في رزقه أو في نشاطه حيث هو ، وهذه كلها مهام خارجة عن وقوع أذى على أشخاص بعينهم أو عدم وقوعه .
وإذن فلم يكن الأمن في المدينة حتى على فرض وجوده كاملا غير مهدد لينهي مهمة المسلمين هناك ; وينهى عن الجهاد الإيمان الذي لم ينضج بعد ؛ ليبلغ بالنفس إلى إخراج ذاتها من الأمر ; والاستماع فقط إلى أمر الله ، واعتباره هو العلة والمعلول ، والسبب والمسبب ، والكلمة الأخيرة سواء عرف المكلف حكمتها أم لم تتضح له ، والتصور الذي لم تتضح معالمه بعد ؛ ليعرف المؤمن مهمة هذا الدين في الأرض ، ومهمته هو المؤمن بوصفه قدرا من قدر الله ، ينفذ به الله ما يشاؤه في هذه الحياة ، لا جرم ينشأ عنه ، مثل هذا الموقف الذي يصوره السياق القرآني هذا التصوير ; ويعجب منه هذا التعجب ، وينفر منه هذا التنفير ، فأما لماذا لم يأذن الله للمسلمين في مكة بالانتصار من الظلم ; والرد على العدوان ; ودفع الأذى بالقوة ، وكثيرون منهم كان يملك هذا ; فلم يكن ضعيفا ولا مستضعفا ، ولم يكن عاجزا عن رد الصاع صاعين ، مهما يكن المسلمون في ذلك الوقت قلة ..
أما حكمة هذا والأمر بالكف عن القتال ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والصبر والاحتمال، حتى وبعض المسلمين يلقى من الأذى والعذاب ما لا يطاق ، وبعضهم يتجاوز العذاب طاقته ; فيفتن عن دينه ، وبعضهم لا يحتمل الاستمرار في العذاب فيموت تحت وطأته ، أما حكمة هذا فلسنا في حل من الجزم بها ؛ لأننا حينئذ نتألى على الله ما لم يبين لنا من حكمة ; ونفرض على أوامره أسبابا وعللا قد لا تكون هي الأسباب والعلل الحقيقية ، أو قد تكون ، ولكن يكون وراءها أسباب وعلل أخرى لم يكشف لنا عنها ، ويعلم سبحانه أن فيها الخير والمصلحة ..
وهذا هو شأن المؤمن أمام أي تكليف ، أو أي حكم في شريعة الله لم يبين الله سببه محددا جازما حاسما ، فمهما خطر له من الأسباب والعلل لهذا الحكم أو لذلك التكليف ; أو لكيفية تنفيذ هذا الحكم أو طريقة أداء ذلك التكليف ، مما يدركه عقله ويحسن فيه ، فينبغي أن يعتبر هذا كله مجرد احتمال ، ولا يجزم مهما بلغت ثقته بعلمه وعقله وتدبره لأحكام الله بأن ما رآه هو حكمة ; هو الحكمة التي أرادها الله نصا ، وليس وراءها شيء ، وليس من دونها شيء ، فذلك التحرج هو مقتضى الأدب الواجب مع الله ، ومقتضى ما بين علم الله ومعرفة الإنسان من اختلاف في الطبيعة والحقيقة .
وبهذا الأدب الواجب نتناول حكمة عدم فرض الجهاد في مكة وفرضيته في المدينة ، نذكر ما يتراءى لنا من حكمة وسبب على أنه مجرد احتمال ، وندع ما وراءه لله ، لا نفرض على أمره أسبابا وعللا لا يعلمها إلا هو ، ولم يحددها هو لنا ، ويطلعنا عليها بنص صريح ، إنها أسباب اجتهادية تخطئ وتصيب ، وتنقص وتزيد ، ولا نبغي بها إلا مجرد تدبر أحكام الله وفق ما تظهره لنا الأحداث في مجرى الزمان ، ربما كان ذلك لأن الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد ; في بيئة معينة ، لقوم معينين ، وسط ظروف معينة .
ومن أهداف التربية والإعداد في مثل هذه البيئة بالذات تربية نفس الفرد العربي على الصبر على ما لا يصبر عليه عادة من الضيم يقع على شخصه ، أو على من يلوذون به ؛ ليخلص من شخصه ، ويتجرد من ذاته ، ولا تعود ذاته ولا من يلوذون به محورا لحياة في نظره ، ودافع الحركة في حياته وتربيته كذلك على ضبط أعصابه ; فلا يندفع لأول مؤثر كما هي طبيعته ، ولا يهتاج لأول مهيج ؛ ليتم الاعتدال في طبيعته وحركته .
وتربيته على أن يتبع مجتمعا منظما له قيادة ، يرجع إليها في كل أمر من أمور حياته ; ولا يتصرف إلا وفق ما تأمره ، مهما يكن مخالفا لمألوفه وعادته ، وقد كان هذا هو حجر الأساس في إعداد شخصية العربي لإنشاء المجتمع المسلم الخاضع لقيادة موجهة ; المترقي المتحضر غير الهمجي أو القبلي ، وربما كان ذلك أيضا لأن الدعوة السلمية أشد أثرا وأنفذ في مثل بيئة قريش ; ذات العنجهية والشرف ; والتي قد يدفعها القتال معها في مثل هذه الفترة إلى زيادة العناد ، وإلى نشأة ثارات دموية جديدة كثارات العرب المعروفة التي أثارت حرب داحس والغبراء وحرب البسوس أعواما طويلة ، تفانت فيها قبائل برمتها .
وتكون هذه الثارات الجديدة مرتبطة في أذهانهم وذكرياتهم بالإسلام ، فلا تهدأ بعد ذلك أبدا ، ويتحول الإسلام من دعوة إلى ثارات وذحول تنسى معها فكرته الأساسية وهو في مبدئه ، فلا تذكر أبدا ، وربما كان ذلك أيضا اجتنابا لإنشاء معركة ومقتلة في داخل كل بيت ، فلم تكن هناك سلطة نظامية عامة هي التي تعذب المؤمنين وتفتنهم ، إنما كان ذلك موكولا إلى أولياء كل فرد يعذبونه هم ويفتنونه و يؤدبونه .
قال تعالى : " ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا ً أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ".
يعجب الله سبحانه من أمر هؤلاء الناس ; الذين كانوا يتدافعون حماسة إلى القتال ، ويستعجلونه وهم في مكة يتلقون الأذى والاضطهاد والفتنة من المشركين ، حين لم يكن مأذونا لهم في القتال للحكمة التي يريدها الله ، فلما أن جاء الوقت المناسب الذي قدره الله ; وتهيأت الظروف المناسبة ، وكتب عليهم القتال في سبيل الله إذا فريق منهم شديد الجزع ، شديد الفزع ، حتى ليخشى الناس الذين أمروا بقتالهم ـ وهم ناس من البشر ـ كخشية الله ; القهار الجبار الذي لا يعذب عذابه أحد ، ولا يوثق وثاقه أحد ، أو أشد خشية .
وإذا هم يقولون في حسرة وخوف وجزع : ربنا لم كتبت علينا القتال ؟ وهو سؤال غريب من مؤمن ، وهو دلالة على عدم وضوح تصوره لتكاليف هذا الدين ; ولوظيفة هذا الدين أيضا ، ويتبعون ذلك التساؤل بأمنية حسيرة مسكينة " لولا أخرتنا إلى أجل قريب "وأمهلتنا بعض الوقت قبل ملاقاة هذا التكليف الثقيل المخيف .
إن أشد الناس حماسة واندفاعا وتهورا قد يكونون هم أشد الناس جزعا وانهيارا وهزيمة عندما يجد الجد ، وتقع الواقعة ، بل إن هذه قد تكون القاعدة ، ذلك أن الاندفاع والتهور والحماسة الفائقة غالبا ما تكون منبعثة عن عدم التقدير لحقيقة التكاليف ، لا عن شجاعة واحتمال وإصرار، كما أنها قد تكون منبعثة عن قلة الاحتمال ، قلة احتمال الضيق والأذى والهزيمة ; فتدفعهم قلة الاحتمال إلى طلب الحركة والدفع والانتصار بأي شكل ، دون تقدير لتكاليف الحركة والدفع والانتصار ، حتى إذا ووجهوا بهذه التكاليف كانت أثقل مما قدروا ، وأشق مما تصوروا ، فكانوا أول الصف جزعا ونكولا وانهيارا ، على حين يثبت أولئك الذين كانوا يمسكون أنفسهم ، ويحتملون الضيق والأذى بعض الوقت ; ويعدون للأمر عدته ، ويعرفون حقيقة تكاليف الحركة ، ومدى احتمال النفوس لهذه التكاليف ، فيصبرون ويتمهلون ، ويعدون للأمر عدته .
والمتهورون المندفعون المتحمسون يحسبونهم إذ ذاك ضعافا ، ولا يعجبهم تمهلهم ووزنهم للأمور ، وفي المعركة يتبين أي الفريقين أكثر احتمالا ; وأي الفريقين أبعد نظرا كذلك ، وأغلب الظن أن هذا الفريق الذي تعنيه هذه الآيات كان من ذلك الصنف الذي يلذعه ( يلسعه ) الأذى في مكة فلا يطيقه ; ولا يطيق الهوان وهو ذو عزة ، فيندفع يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأذن له بدفع الأذى أو حفظ الكرامة ، والرسول صلى الله عليه وسلم يتبع في هذا أمر ربه بالتريث والانتظار والتربية والإعداد ، وارتقاب الأمر في الوقت المقدر المناسب ، فلما أن أمن هذا الفريق في المدينة ; ولم يعد هناك أذى ولا إذلال ، وبعد لسع الحوادث عن الذوات والأشخاص ; لم يعد يرى للقتال مبررا ; أو على الأقل لم يعد يرى للمسارعة به ضرورة " فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب ".
وقد يكون هذا الفريق مؤمنا فعلا ، بدليل اتجاههم إلى الله في ضراعة وأسى ، وهذه الصورة ينبغي أن تكون في حسابنا ، فالإيمان الذي لم ينضج بعد ; والتصور الذي لم تتضح معالمه ; ولم يتبين صاحبه وظيفة هذا الدين في الأرض ، وأنها أكبر من حماية الأشخاص ، وحماية الأقوام ، وحماية الأوطان ، إذ إنها في صميمها إقرار منهج الله في الأرض ، وإقامة نظامه العادل في ربوع العالم ; وإنشاء قوة عليا في هذه الأرض ، ذات سلطان يمنع أن تغلق الحدود دون دعوة الله ; ويمنع أن يحال بين الأفراد والاستماع للدعوة في أي مكان على سطح الأرض ، ويمنع أن يفتن أحد من الأفراد عن دينه إذا هو اختاره بكامل حريته بأي لون من ألوان الفتنة ، ومنها أن يطارد في رزقه أو في نشاطه حيث هو ، وهذه كلها مهام خارجة عن وقوع أذى على أشخاص بعينهم أو عدم وقوعه .
وإذن فلم يكن الأمن في المدينة حتى على فرض وجوده كاملا غير مهدد لينهي مهمة المسلمين هناك ; وينهى عن الجهاد الإيمان الذي لم ينضج بعد ؛ ليبلغ بالنفس إلى إخراج ذاتها من الأمر ; والاستماع فقط إلى أمر الله ، واعتباره هو العلة والمعلول ، والسبب والمسبب ، والكلمة الأخيرة سواء عرف المكلف حكمتها أم لم تتضح له ، والتصور الذي لم تتضح معالمه بعد ؛ ليعرف المؤمن مهمة هذا الدين في الأرض ، ومهمته هو المؤمن بوصفه قدرا من قدر الله ، ينفذ به الله ما يشاؤه في هذه الحياة ، لا جرم ينشأ عنه ، مثل هذا الموقف الذي يصوره السياق القرآني هذا التصوير ; ويعجب منه هذا التعجب ، وينفر منه هذا التنفير ، فأما لماذا لم يأذن الله للمسلمين في مكة بالانتصار من الظلم ; والرد على العدوان ; ودفع الأذى بالقوة ، وكثيرون منهم كان يملك هذا ; فلم يكن ضعيفا ولا مستضعفا ، ولم يكن عاجزا عن رد الصاع صاعين ، مهما يكن المسلمون في ذلك الوقت قلة ..
أما حكمة هذا والأمر بالكف عن القتال ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والصبر والاحتمال، حتى وبعض المسلمين يلقى من الأذى والعذاب ما لا يطاق ، وبعضهم يتجاوز العذاب طاقته ; فيفتن عن دينه ، وبعضهم لا يحتمل الاستمرار في العذاب فيموت تحت وطأته ، أما حكمة هذا فلسنا في حل من الجزم بها ؛ لأننا حينئذ نتألى على الله ما لم يبين لنا من حكمة ; ونفرض على أوامره أسبابا وعللا قد لا تكون هي الأسباب والعلل الحقيقية ، أو قد تكون ، ولكن يكون وراءها أسباب وعلل أخرى لم يكشف لنا عنها ، ويعلم سبحانه أن فيها الخير والمصلحة ..
وهذا هو شأن المؤمن أمام أي تكليف ، أو أي حكم في شريعة الله لم يبين الله سببه محددا جازما حاسما ، فمهما خطر له من الأسباب والعلل لهذا الحكم أو لذلك التكليف ; أو لكيفية تنفيذ هذا الحكم أو طريقة أداء ذلك التكليف ، مما يدركه عقله ويحسن فيه ، فينبغي أن يعتبر هذا كله مجرد احتمال ، ولا يجزم مهما بلغت ثقته بعلمه وعقله وتدبره لأحكام الله بأن ما رآه هو حكمة ; هو الحكمة التي أرادها الله نصا ، وليس وراءها شيء ، وليس من دونها شيء ، فذلك التحرج هو مقتضى الأدب الواجب مع الله ، ومقتضى ما بين علم الله ومعرفة الإنسان من اختلاف في الطبيعة والحقيقة .
وبهذا الأدب الواجب نتناول حكمة عدم فرض الجهاد في مكة وفرضيته في المدينة ، نذكر ما يتراءى لنا من حكمة وسبب على أنه مجرد احتمال ، وندع ما وراءه لله ، لا نفرض على أمره أسبابا وعللا لا يعلمها إلا هو ، ولم يحددها هو لنا ، ويطلعنا عليها بنص صريح ، إنها أسباب اجتهادية تخطئ وتصيب ، وتنقص وتزيد ، ولا نبغي بها إلا مجرد تدبر أحكام الله وفق ما تظهره لنا الأحداث في مجرى الزمان ، ربما كان ذلك لأن الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد ; في بيئة معينة ، لقوم معينين ، وسط ظروف معينة .
ومن أهداف التربية والإعداد في مثل هذه البيئة بالذات تربية نفس الفرد العربي على الصبر على ما لا يصبر عليه عادة من الضيم يقع على شخصه ، أو على من يلوذون به ؛ ليخلص من شخصه ، ويتجرد من ذاته ، ولا تعود ذاته ولا من يلوذون به محورا لحياة في نظره ، ودافع الحركة في حياته وتربيته كذلك على ضبط أعصابه ; فلا يندفع لأول مؤثر كما هي طبيعته ، ولا يهتاج لأول مهيج ؛ ليتم الاعتدال في طبيعته وحركته .
وتربيته على أن يتبع مجتمعا منظما له قيادة ، يرجع إليها في كل أمر من أمور حياته ; ولا يتصرف إلا وفق ما تأمره ، مهما يكن مخالفا لمألوفه وعادته ، وقد كان هذا هو حجر الأساس في إعداد شخصية العربي لإنشاء المجتمع المسلم الخاضع لقيادة موجهة ; المترقي المتحضر غير الهمجي أو القبلي ، وربما كان ذلك أيضا لأن الدعوة السلمية أشد أثرا وأنفذ في مثل بيئة قريش ; ذات العنجهية والشرف ; والتي قد يدفعها القتال معها في مثل هذه الفترة إلى زيادة العناد ، وإلى نشأة ثارات دموية جديدة كثارات العرب المعروفة التي أثارت حرب داحس والغبراء وحرب البسوس أعواما طويلة ، تفانت فيها قبائل برمتها .
وتكون هذه الثارات الجديدة مرتبطة في أذهانهم وذكرياتهم بالإسلام ، فلا تهدأ بعد ذلك أبدا ، ويتحول الإسلام من دعوة إلى ثارات وذحول تنسى معها فكرته الأساسية وهو في مبدئه ، فلا تذكر أبدا ، وربما كان ذلك أيضا اجتنابا لإنشاء معركة ومقتلة في داخل كل بيت ، فلم تكن هناك سلطة نظامية عامة هي التي تعذب المؤمنين وتفتنهم ، إنما كان ذلك موكولا إلى أولياء كل فرد يعذبونه هم ويفتنونه و يؤدبونه .
» عالم مصريات ألماني يضع نظرية جديدة عن أصل الاهرام
» فرح جامد آخر حاجه
» ملحمة الثورة في السويس
» موقعة الجمل 2-2-2011
» معركة قصر النيل في يوم جمعة الشهداء (الغضب) 28 -1 - 2011
» احداث يوم 25 يناير في ميدان المطرية
» تفاصيل يوم الغضب "25 يناير" لحظة بلحظة
» كتاب حقيقة البهائية لدكتور مصطفى محمود
» لماذا قامت الثورة ؟
» مواهب خرجت من رحم الثورة
» تفاصيل يوم الغضب الثالث "27 يناير" لحظة بلحظة
» تفاصيل يوم الغضب الثاني "26 يناير" لحظة بلحظة
» مصابي موقعة الجمل في يوم 2-2- 2011
» الثورة المصرية بالطريقة الهتلرية
» المتحولون
» دعوات للنزول للمشاركة في يوم 25
» لقاءات مع بعض الثوار بعيدا عن برامج التوك شو
» الثورة الضاحكة ( مواقف وطرائف )
» يوميات الثورة فيلم وثائقي من انتاج bbc
» احداث ثلاثاء الصمود 8-2-2011 في سوهاج
» احداث ثلاثاء الصمود 8-2-2011 في مدينة جرجا بسوهاج
» احداث يوم الغضب 25 يناير في محطة الرمل بالاسكندرية
» احداث يوم الغضب 25 يناير في شبرا
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في شبرا
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في حدائق القبة
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في ميدان المطرية
» يوم 24 يناير ما قبل ساعة الصفر
» اول ساعة ثورة
» ثم ماذا بعد ؟
» ذكريات اول ايام الثورة
» ندااااااااء
» دحمبيش الغربيه
» الحجاب والنقاب في مصر
» كل سنه وكلكوا طيبيبن
» لماذا الصمت والسكوت عن هؤلاء
» شخصيات خلبية وهزلية
» msakr2006
» ente7ar007
» Nancy
» waleed ali
» hamedadelali
» ياسر عشماوى عبدالفتاح
» علي عبد الله رحاحلة
» sheriefadel
» خالد احمد عدوى
» khaled
» yasser attia
» abohmaid
» ملك الجبل
» elcaptain
» حاتم حجازي
» aka699
» wasseem
» mohammedzakarea
» حيدر
» hamadafouda
» كل سنه وألأمه الأسلاميه بخير
» same7samir
» تامر الباز
» تعالوا نلضم اسمينا الفلة جنب الياسمينا
» امجد
» ahmedelmorsi
» محمد امين
» MrMoha12356
» نوسه الحلو
» ibrahem545
» يوسف محمد السيد
» memo
» هاكلن
» لماذا نريد التغيير
» دعوة للتوقيع "فعليا" على بيان الجمعية الوطنية للتغيير
» السياسيون والتغيير السياسي في مصر
» الفساد في مصر بلا حدود 2
» الفساد في مصر بلا حدود
» العمال والتغيير السياسي في مصر
» رجال الأعمال والتغيير السياسي في مصر
» الطلبة و التغيير السياسي في مصر
» الأدباء و التغيير السياسي في مصر
» فلاحون مصر و التغيير السياسي
» علماء مصر و التغيير السياسي
» معا ننقذ فؤادة
» وثيقة المثقفين لتأييد البرادعى
» نوام بالبرطمان يطالبون باطلاق الرصاص علي المطالبين بالاصلاحات الدستورية
» أول مناظرة رئاسية بين أيمن نور وحمدين صباحي
» لقاءقناة العربيه مع الدكتور محمد البرادعي
» مبارك يهنئ إسرائيل بعيد تأسيسها واحتلال فلسطين وهزيمتها لمصر
» حوده
» وليد الروبى
» dr.nasr
» المشير أحمد إسماعيل
» تحية اعزاز وتقدير في يوم العزة والكرامة, الي شهداء 10 رمضان
» wessam
» عذب ابها
» soma
» islam abdou
» رسالة ترحيب
» الحقيقة حول ما حدث يوم 6 ابريل
» اصول العقائد البهائيه