معا لغد افضل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
معا لغد افضل

2 مشترك

    المد الاسلامي عبر التاريخ (6)

    المد الاسلامي عبر التاريخ (6) Empty المد الاسلامي عبر التاريخ (6)

    مُساهمة من طرف الجبرتي الجمعة 6 يونيو - 0:52

    المد الاسلامي عبر التاريخ (6)



    انتهى بنا الحديث في الحلقة الخامسة عند خروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة مهاجرا ليواصل من هنالك مسيرة المد الإسلامي ، وتحدثنا عن سعي المشركين بمكة لإيقاف هذا المد بمحاولة اغتياله صلى الله عليه وسلم ، والأسباب التي أخذ بها للنجاة من كيدهم ، ونكمل حديثنا بعون من الله فنقول : إن رسول الله صلى الله نزل قبيل دخوله المدينة المنورة ببلدة " قباء " حيث أقام بها بضعة عشرة ليلة، شيد خلالها مسجدا متواضع البناء، يعرف إلى الآن بمسجد قباء ليكون بقعة للمد الإسلامي من حوله.

    ثم أتبع صلى الله عليه وسلم سيره فأدركته صلاة الجمعة في منازل لقبيلة "بني سالم بن عوف" وقد انتشر الإسلام بين أهلها فأقام بها مسجدا آخر، وصلى فيه الجمعة بمن معه، وخطب فيهم خطبة حمد الله فيها وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد أيها الناس !! فقدموا لأنفسكم، تعلمنّ والله ليصعقنّ أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع، ثم ليقولن له ربه ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه: ألم يأتك رسولي فبلغك ؟ وآتيتك مالا وأفضلت عليك ؟ فما قدمت لنفسك ؟ فينظر يمينا وشمالا فلا يرى شيئا، ثم ينظر قدامه فلا يرى غير جهنم، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة، فإن بها تجزي الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسلام على رسول الله ورحمة الله وبركاته (1).

    ثم خطبهم صلى الله عليه وسلم الخطبة الثانية، فقال: إن الحمد لله أحمده وأستعينه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إن أحسن الحديث كتاب الله، قد أفلح من زينه الله في قلبه، وأدخله في الإسلام بعد الكفر، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس، إنه أحسن الحديث وأبلغه.

    أحبوا من أحبَّ الله ، أحبوا الله من كل قلوبكم، ولا تملوا كلام الله وذكره، ولا تقس عنه قلوبكم، فإنه من يختار الله ويصطفي فقد سماه خيرته من الأعمال، وخيرته من العباد، والصالح من الحديث، ومن كل ما أوتي الناس من الحلال والحرام، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، واتقوه حق تقاته، واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم، وتحابوا بروح الله بينكم، إن الله يغضب أن ينكث عهده، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (2).

    ثم سار صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الجمعة حتى وصل إلى وسط المدينة، وكان لا يمر بدار من دور الأنصار ألا ودعاه أهلها للنزول عندهم، إلا أنه نزل عند أخواله من بني النجار في المكان الذي أوحى الله إليه ببناء مسجده فيه، ثم قال ‏:‏ أي بيوت أهلنا أقرب ‏؟‏‏‏ فقال أبو أيوب‏:‏ أنا يا رسول الله، هذه داري، وهذا بابي‏،‏ فقال‏‏ صلى الله عليه وسلم: ‏‏فانطلق فهيئ لنا مقيلا ‏(مكانا نقيل فيه) فعاد أبو أيوب وقال: على بركة الله، فمشي معه وأقام عنده حتى فرغ من بناء مسكنه بجوار المسجد، وانتقل إليه(3).

    وكان بالمدينة كثير من دور الأثرياء من أهل يثرب تليق بأن ينزل فيها العظام، فكيف برسول الله !! وما كان أسعد أهلها بأن يشرفهم رسول الله بالنزول عندهم، لكن رسول الله رفض أن ينزل إلا في أقرب بيت من مكان نزوله، وآثر أن تكون بداية دولته التي ستكون مشعلا للمد الإسلامي بعيدة عن مظاهر الأبهة.

    وفور استقراره صلى الله عليه وسلم في المدينة شرع في تأسيس دولته الإسلامية، ووضع القواعد اللازمة لها، وسن بوحي الله الدساتير التي ستقوم عليها بصورة تدريجية كالبناء الذي يعلو شيئا فشيئا، وبدأ بتشييد المسجد؛ لأنه كان من أولويات الدولة، إذ كانت تقام فيه الصلاة، وتُلقى فيه دروس العلم لكل المسلمين ( الرجال والنساء والأطفال) ويستقبل فيه صلى الله عليه وسلم الوافدين عليه والراغبين في الإسلام، ويبعث منه سفراءه ويستقبلهم، ويلتقي فيه بأصحاب المشورة والرأي من أصحابه لبحث ودراسة الأمور التي تهم المسلمين، وإيواء المهاجرين العزاب الذين لم تستوعبهم بيوت الأنصار، وتنطلق منه السرايا والغزوات قبل زحفهم، وتعلن فيه التعليمات الطارئة، حتى الحفلات والأفراح كانت غالبا ما تقام بهذا المسجد.

    وكان صلى الله عليه وسلم في مقدمة من عمل في بناء هذا المسجد ‏‏رغم أن سنه قد جاوز الثالثة والخمسين، حيث كان ينقل مع أصحابه التراب والحجارة، وينشد هو ومن معه:

    اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة *** فارحم الأنصار والمهاجرة

    وغير ذلك من الكلام الذي يتسلى به العمال؛ ليذهبوا ما يجدونه من سأم وتعب، ولما أراد بعض الصحابة أن يحملوا عنه قال لهم: لست أغنى عن الثواب منك، مما جعل من حوله يقبلون على العمل بشغف ويرددون ‏‏:‏‏

    ‏لئن قعدنا والنبي يعمل *** لذاك منا العمل المضلّل

    حتى أتم بنيانه في فترة وجيزة، وكان غاية من البساطة، جدرانه بالطوب النيئ (اللبن)، وسقفه بالجريد، وجعل له أعمدة من خشب النخيل، وفرشت أرضه بالحصباء، وجعل في ناحية القبلة جزع نخلة يخطب عليه صلى الله عليه وسلم، حتى يكون صوته مسموعا وواضحا، وتم البناء دون أن يكلف المسلمين دينار ولا درهما باستثناء ثمن الأرض ، حيث كانت ملكا ليتامى رفض رسول الله أن يهضمهم حقهم رغم أنهم كانوا يرفضون في البداية أن يأخذوا ثمنها ، ويجعلوها تبرعا للمسلمين.

    وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتمع وأصحابه في هذا المسجد خمس مرات في اليوم والليلة؛ لأداء الصلوات الخمس التي فرضها الله عليهم، وشرع الله لهم في هذه الفترة الأذان، وهو إعلام المسلمين بدخول وقت الصلاة ونداؤهم لأقامتها، وذلك بكلمات تشهد لله بالوحدانية، ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة.

    وبعد فراغه من المسجد بعث صلى الله عليه وسلم مولاه زيد بن حارثة وبعض أصابه ليجيئوه بأولاده وزوجته، وأبناء أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ليجمع شمل المسلمين في المدينة؛ حتى يأمن عليهم، ثم لحق به من هاجروا من قبل إلى الحبشة ما عدا من أبقوا لحاجة الدعوة ونشر الإسلام بها، كما أحضر مسلمي القبائل العربية الذين كانوا مستضعفين بين قومهم، أو خاف أن ينالهم مكروه إذا نشبت حرب بينه وبين أحد من المشركين، وحتى الذين حبسوا بمكة اجتهد في فك أسرهم وإخراجهم إليه (4).

    ولم يقصد رسول الله بفعله ذلك أن يكدس المسلمين في مكان واحد، يضيق بهم فيما بعد؛ إذ كان يعلم تماما ما لذلك من أضرار اقتصادية، إنما كان هدفه هو الناحية الأمنية فقط، لأنه فيما بعد كان يأمر الوفود الإسلامية بالعودة إلى ديارها بعد استتباب الأمن في الجزيرة العربية، يؤكد ذلك ما ذكره الواقدي أنه وفد عليه صلى الله عليه وسلم أربعمائة من مزينة، وذاك في رجب سنة خمس، فجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة في دارهم، وقال: أنتم مهاجرون حيث كنتم، فارجعوا إلى أموالكم (5).

    نقول ذلك ليعلم إخواننا من أبناء الأقليات الإسلامية في البلدان غير المسلمة أنه لا يضيرهم البقاء في مجتمعاتهم خارج العالم الإسلامي ما داموا يأمنون على دمائهم وأموالهم، ويستطيعون ممارسة شعائر دينهم، ويصونون أبناءهم وبناتهم، وسيكون وجودهم إن شاء الله امتدادا للإسلام خارج أرضه.

    وبعد ذلك بدأ صلى الله عليه وسلم في تنظيم شأن دولته، وتمثل عمله فيما يأتي:

    1ـ المؤاخاة بين المسلمين (مهاجرين وأنصارا) على المواساة في كل شيء حتى في التوارث بعد الموت، وذلك للقضاء على العصبية الجاهلية التي سادت الجزيرة العربية وقتها، ولتحقيق مبدأ التكافل بين المسلمين، والتكامل الاقتصادي، حيث كان صلى الله عليه وسلم يختار للمزارع من المهاجرين صاحب أرض من الأنصار، ويختار لصاحب الصنعة من المهاجرين صاحب مال من الأنصار.

    وغرس المحبة بين الأفراد المسلمين، والحيلولة دون حدوث الشحناء التي غالبا ما تحدث داخل المجتمع الذي يتكون من أجناس مختلفة، وإسقاط فوارق النسب واللون والوطن، فلا يكون أساس الولاء والبراء إلا الإسلام‏، وكان عمله هذا هو السبيل ليحافظ به على مجتمعه المسلم الصغير، وسط عالم من الشرك، يحيط به من كل مكان.

    وحرص صلى الله عليه وسلم بعد ذلك على تعهد أفراد هذا المجتمع بالتعليم والتربية، وتزكية النفوس، والحث على مكارم الأخلاق، فالنفس البشرية كثيرا ما يطرأ عليها ما يغيرها أو يضعف همتها، وكم من أمة وضعت من القوانين الحسنة ما يوصف بالحسن والمثالية، لكن هذه القوانين لم تنتقل إلى حيز التنفيذ؛ لأن أهلها لم يجدوا من يتعهدهم بالتربية على احترامها، أو لم يجدوا من يرغبهم في احترامها ‏.‏

    المد الاسلامي عبر التاريخ (6) Empty رد: المد الاسلامي عبر التاريخ (6)

    مُساهمة من طرف الجبرتي الجمعة 6 يونيو - 0:53

    2 ـ وضع الدستور والقوانين التي سيسير عليها هذا المجتمع المسلم، وهذه القوانين اشترط فيها أن يكون مرجعها الله ورسوله، فقال صلى لله عليه وسلم: وإنكم مهما اختلفـتم فيه من شيء، فإن مرده إلى الله ـ عز وجل ـ وإلى محمـد صلى الله عليه وسلم (6) فلا إسلام لمن لم يكن مرده في التحاكم إلى الله؛ لأن نص القرآن ـ بالإضافة إلى قول النبي ـ واضح لا يحتاجان إلى تأويل من أحد، يقول سبحانه وتعالى:)فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا( [النساء: 65].

    وهذه القوانين كانت محدودة ثم توسعت بتوسع الدولة الإسلامية وازدياد حاجتها، واعتمد صلى الله عليه وسلم في تطبيقه لهذه القوانين على التذكير بمبادئ الأخوة السابقة، ثم بإثارة الوازع الداخلي داخل النفس البشرية، فذلك أفضل طريق للوصول بها إلى الحق، وجعلها تسلم به وإن خالف مزاجها.

    فقد جاءه اثنان يختصمان في ميراث، وقبل أن يحكم بينهما قال: " إنكم تختصمون إليّ، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار، يأتي بها انتظاما في عنقه يوم القيامة"(7).

    فبكى الرجلان وقال كل منهما: حقي لأخي، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما، ثم توخيا الحق بينكما ثم استهما، ثم ليحلل كل منكما صاحبه" (8) وقال في موطن آخر: "من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه "(9).

    3 ـ تنظيم علاقة المسلمين بغيرهم، وكان قصده بذلك توفير الأمن والسلام والسعادة والخير لمن عاش معه مسلما أو غير مسلم، مع تنظيم المنطقة التي يحيى بها في وفاق واحد، وسن في ذلك قوانين تقوم على السماحة وحسن المعاشرة ‏.‏

    وأقرب من كان يجاوره من غير المسلمين هم اليهود، وكانوا يعلمون صدق رسالته، كما قال تعالى )الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( [البقرة : 146]. وأسلم بعض علمائهم فور دخوله صلى الله عليه وسلم المدينة، مثل أُبي بن كعب ومخيرق، وعبد الله بن سلام الذي جاء إليه وقال: اشهد أنك نبي الله حقا، وإنك جئت بحق، ولقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فسلهم.

    فدعاهم صلى الله عليه وسلم فلما دخلوا عليه قال لهم: يا معشر اليهود ويلكم !! اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا، وأني جئت بحق ، أسلموا، فقالوا: ما نعلمه (أي ما تقوله ) فكرر رسول الله كلامه ثلاثا، فقالوا: ما نعلمه، قال رسول الله: فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا.

    قال: أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم، قال: يا ابن سلام اخرج عليهم، فخرج فقال: يا معشر يهود اتقوا الله ! فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بالحق، فقالوا: كذبت وأصروا على جحودهم إلا قليلا منهم(10).

    ورغم ذلك تركهم صلى الله عليه وسلم وما هم عليه، وعقد معهم معاهدة تضمن له ولهم حسن الجوار، وتتيح للجميع حرية المعيشة وحرية الاعتقاد داخل المدينة، والتعاون على ما يفيده ويفيدهم.

    وهذا جزء من نص المعاهدة ".. وإن يهود بني عوف ( القبيلة الأولى التي عقد المعاهدة باسمها ) أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ (يهلك) إلا نفسه، وأهل بيته، وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف.

    وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ ( يهلك ) إلا نفسه وأهل بيته، وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم، وإن لبني الشّطيبة مثل ما ليهود بني عوف، وإن البر دون الإثم، وإن موالي ثعلبة كأنفسهم، وإن بطانة يهود كأنفسهم.

    وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم، وإنه لا ينحجز على نار جرح، وإنه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته، إلا من ظلم، وإن الله على أبر هذا، وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم؛ وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.

    وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره، وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها، وإن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين النصرة، إلا من حارب في الدين، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.

    وإن يهود الأوس، مواليهم وأنفسهم، على مثل ما لأهل هذه الصحيفة، مع البر المحض؛ وأن البر دون الإثم، لا يكتسب كاسب إلا على نفسه، وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره، وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم، وإنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم أو أثم؛ وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم(11).

    ويلاحظ على هذه الوثيقة أنها ساوت في الحقوق تماما بين المسلمين واليهود في المدينة، وأنها جعلت التعامل بين المسلمين وغيرهم في كل المعاملات مرده فقط إلى الله ورسوله أيضا ـ أي لا يخالف حكما من أحكام الله ـ وما سار على اليهود سار على غيرهم ممن لم يسلم من أهل يثرب.

    وقد التزم رسول الله ومن معه من المؤمنين بما اتفق عليه خير التزام، وكيف لا؟!! وقد حثهم القرآن الكريم على الوفاء بالعهود والمواثيق، وحفظ العقود التي يعقدها حتى أدنى المسلمين، فهم يد على من يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم

    ولم يقف رسول الله في ذلك عند المواعظ النظرية فقط كما نرى ممن يسنون القوانين، بل إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عاش هذه الأوامر وطبقها في حياته كما عاشها أصحابه من بعده، والذي يطالع سيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين من بعده ومن تبعهم بإحسان يرى أن هذه الآيات وتلك الأحاديث قد اختلطت بقلوبهم وجوارحهم، فلا يتعاملون إلا بها ولا يرجعون إلا إليها.

    فقد جاء عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: ما منعني أن أشهد بدرا إلا أنني خرجت أنا وأبي (حسيل) قال: فأخذنا كفار قريش، وقالوا: إنكم تريدون محمدا، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه: لننصرفن إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه الخبر. فقال: "انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين بالله عليهم".(12)....

    وإلى اللقاء في الحلقة السابعة إن شاء الله .

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    الهوامش :

    (1) ابن هشام : السيرة ج3 ص30 وابن كثير : البداية ج3 ص214

    (2) ابن كثير : البداية ج3 ص214

    (3) الذهبي : تاريخ الإسلام ج1 ص 97

    (4) عيون الأثر ج1 ص 286

    (5) سيرة ابن كثير ( ج 4 - ص 77 ) والحديث في مسند أحمد بن حنبل ( ج 4 - ص 55 )

    (6) ابن كثير : البداية ج3 ص225

    (7) رواه البخاري

    (8) رواه أبو داود

    (9) رواه البخاري

    (10) والخبر مصدره البخاري

    (11) ابن كثير : السيرة ج2 320 وما بعدها

    (12) رواه مسلم في الجهاد (1787/98).

    المصدر : موقع التاريخ
    عبد الله
    عبد الله
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    عدد المساهمات : 109
    رقم العضوية : 145
    تاريخ التسجيل : 17/10/2008
    نقاط التميز : 109
    معدل تقييم الاداء : 0

    المد الاسلامي عبر التاريخ (6) Empty رد: المد الاسلامي عبر التاريخ (6)

    مُساهمة من طرف عبد الله الخميس 12 فبراير - 1:44

    المد الاسلامي عبر التاريخ (6) 146903

    المد الاسلامي عبر التاريخ (6) Empty رد: المد الاسلامي عبر التاريخ (6)

    مُساهمة من طرف الجبرتي الإثنين 14 ديسمبر - 1:55

    جزانا الله واياك

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء 7 مايو - 18:40