معا لغد افضل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
معا لغد افضل

+9
هاشم
ايهاب عزمي
مصري قديم
احمد غنيم
نهر العطاء
الساهر
الجبرتي
rosy
عادل
13 مشترك

    الرحيق المختوم (سيرة افضل الخلق اجمعين)

    الرحيق المختوم  (سيرة افضل الخلق اجمعين) - صفحة 2 Empty رد: الرحيق المختوم (سيرة افضل الخلق اجمعين)

    مُساهمة من طرف عادل الإثنين 30 مارس - 5:14

    رابعا: اللغة العربية


    الحكمة الرابعة في نزول الرسالة في هذا المكان هو أنه يتحدث العربية،

    فاللغة العربية هي أشرف اللغات، وبها نزل القرآن الكريم، وهي لغة أهل الجنة، والقرآن كلام الله عز وجل، ولم ينزله الله سبحانه وتعالى بهذه اللغة لأجل أهل الجزيرة العربية فقط، بل أنزله للعالم بأسره، في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد زمانه إلى يوم القيامة.

    كان هناك الكثير من اللغات، واستحدث غيرها من اللغات على مر التاريخ، وستكون هناك لغات أخرى إلى يوم القيامة، ومع ذلك فإن الله عز وجل أراد لهذا القرآن وهذا المنهج أن يكون باللغة العربية.

    والله سبحانه يعلم أنّ اللغة العربية قد تكون أقل انتشارًا من اللغة الإنجليزية مثلاً أو الصينية، وقد تكون هناك شعوب كثيرة تتحدث الفرنسية وأخرى كثيرة تتحدث الأردية، وثالثة تتحدث الأسبانية، لكن مع علم الله عز وجل هذا إلا أنه أنزل القرآن باللغة العربية، فلماذا؟!

    إنّ الحكمة الكاملة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، ولكن من المعلوم والواضح أنّ اللغة العربية ثرية جدًا، بل هي أثرى لغة عُرفت في الأرض، الشيء الواحد له أكثر من اسم في هذه اللغة العظيمة:

    فالعسل له ثمانون اسمًا، والثعلب له مائتا اسمٍ، والأسد له خمسمائة اسمٍ، والسيف له ألف اسمٍ.

    وإذا أردت أن تصف أحدًا بأنه داهية فلديك أربعة آلاف اسم يمكنك أن تسميه به.

    كما أن الكلمة الواحدة وبنفس ضبطها قد يكون لها معانٍ كثيرة لا تحصى.

    كل هذا أعطى اللغة العربية إمكانات هائلة، فتنزل الآية بكلمات قليلة محدودةً ومع ذلك فإنها تحمل من المعاني ما لا يتخيل حصره، وكلما نظر مفسِّر في الآية استخرج منها معاني معينة، وقد ينظر المفسر الواحد في الآية أكثر من مرة، فيخرج منها كل مرة بمعنى جديد إضافي، وتمّر الأزمان والأزمان ويأتي مفسرون يستخرجون معاني جديدة، وصدق عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه عندما وصف القرآن بأنه: لا يخلق (أي لايبلى) من كثرة الرَّدِّ.

    أي من كثرة الترديد والقراءة.

    وكانت كلمات الرسول صلى الله عليه وسلم أيضًا باللغة العربية، وآتاه الله عز وجل جوامع الكلم، فكان يقول الحديث من الكلمات القليلة جدًا، فإذا به يحوي أحكامًا لا تنتهي. فهي لغة عجيبة جدًا.

    وما دام الله سبحانه وتعالى قد اختار أن ينزل القرآن باللغة العربية، فلا بد أن ينزله إلى قوم يتحدثون العربية، بل وصلوا فيها إلى أعظم درجات الإعجاز البشري، فصار لديهم إتقان عجيب للغة، والتصرف فيها كما يشاءون.

    اللغة في ألسنتهم سهلة لينة طيعة، والشعر عندهم أمره عجيب، فالمعلقات الهائلة كانت تعلق في الكعبة، وهم يقولون الشعر في كل الظروف؛ في الفرح والحزن، في الحرب والسلم، حتى قبل الموت والسيوف على الرقاب يقولون الشعر، والمعارضة بالشعر فنُّ أصيل لديهم، يقول الواحد منهم بيتًا، فيرد عليه آخر فورًا ببيت على نفس الوزن ونفس القافية، وفي نفس المعنى.

    الإعجاز القرآني الفريد

    ونحن قد رأينا نجاح التجربة الإسلامية في الجزيرة العربية، ولا بد أنّ من عوامل نجاحها إتقان أهل هذه البقاع للغة العربية، وذلك لأنه أولا:

    كان أدعى لإيمان الناس بكلام الله عز وجل، وبإدراك الإعجاز الإلهي في كل سورة وفي كل آية قال تعالى: [وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ(198)فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ] {الشعراء:198، 199} .

    العرب المتقنون للغة أدركوا من اليوم الأول ومن اللحظة الأولى أن هذا كلام معجز.

    لم ينقدوا آية واحدة من آيات القرآن الكريم، ولم يعارضوا القرآن بمثله أبدًا، لم يجتمع شعراؤهم وأدباؤهم وحكماؤهم ليؤلفوا آية واحدةً مع تحدي القرآن لهم بتأليف قرآن مثله أو عشر سور أو حتى سورة واحدة، فلم يستطيعوا ولا حاولوا، إنهم في حالهم هذه كرجل قويٍّ طلبت منه حمل عمارة سكينة، إنه قويُّ فعلاً، ولكنّ حمل العمارة بالنسبة له حلم كالمعجزات، إذن معرفة العربية أدعى لفهم الإعجاز العجيب في كتاب الله.

    وليس هذا مقصورًا فقط على الإعجاز اللغوي، بل أي نوع من أنواع الإعجاز في القرآن يحتاج فهمًا دقيقًا للغة، وإتقانًا بارعًا لها، حتى الإعجاز العلمي الذي نتكلم فيه في عصرنا هذا، كيف لنا أن نستخرج الإعجاز العلمي الذي نتكلم فيه في عصرنا هذا من القرآن دون فقه اللغة ومعرفة معنى الكلمات والآيات، والمقصود من ورائها.

    والذي يقرأ تراجم معاني القرآن بأي لغة يدرك تمامًا أن كثيرًا من الإعجاز يختفي عند ترجمة المعاني للغة الأخرى، ويدرك بوضوح قصور أي لغة عن الوصول إلى ما وصلت إليه اللغة العربية ويدرك كذلك أنّ الذي يحمل هذه الأمانة أمانة إقامة أمة إسلامية قوية لا بد أن يكون متقنًا للغة العربية، معظمًا لها، مربيًا أولاده ومجتمعه على احترامها وتقديرها ودراستها دراسة متعمقة تقرب إليه معاني القرآن الكريم، ومعاني الحديث الشريف، فيستطيع أن يفهم مصادر التشريع، ثم يستطيع بعد ذلك أن يتحرك بهذه الرسالة.

    أخبرني كيف يمكنك أن تترجم قول الله عز وجل: [وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ] {هود:44} .

    إن تسعين بالمائة أو أكثر من جمال الآية وإعجازها يضيع إذا ترجمت إلى لغة أخرى، ويمكنكم أن تراجعوا ترجمات معاني القرآن الموجودة بأي لغة لتتأكدوا مما أقول.

    وكذلك الحديث الشريف لا يمكن لأحدٍ أن يستمتع به ويفهمه وينقله لغيره لو ترجم لغير اللغة العربية.

    إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكتفي في كثير من الأوقات بقراءة القرآن على الناس فيؤمنوا به، أو على الأقل يقتنعون أنه الحق، لأنهم يعلمون أنَّ هذا الكلام لا يمكن أن يكون من كلام البشر.

    أمّا الآن فإن اللغة العربية بالنسبة لكثير من أبناء هذا الجيل أصبحت طلاسم، وقد صارت طوائف كثيرة من المسلمين كالأعجمين الذي قال الله عز وجل في حقهم كما ذكرنا منذ قليل:

    [وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ(198)فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ] {الشعراء:198، 199} .

    نريد أن نتأثر بالقرآن مثلما كان الأولون يتأثرون به، ولن يكون هذا بغير لغة.

    سيمر علينا في السيرة إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد كان بسماع بضع آيات من صدر سورة طه.

    كذلك آمن الطفيل بن عمرو الدوسي لسماع آيات الله تتلى، وهكذا آمن أسيد بن حضير وسعد بن معاذ رضي الله عنهم جميعًا.

    كما روى البخاري عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، وكان جبير في ذلك الوقت مشركًا يزور المدينة، يقول جبير: فلما بلغ الآية: [أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ(35)أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ(36)أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ] {الطُّور:35، 36، 37} قال: كاد قلبي أن يطير.

    ثم مال جبير إلى الإسلام وأسلم.

    بل كان هذا الأثر يحدث عندما يتلى القرآن على الكفار، وسيأتي موقف عتبة بن ربيعة، وموقف الوليد بن المغيرة، وموقف زعماء بني شيبان، وموقف زعماء بني عامر.

    كلهم كان يتأثر بالقرآن لمعرفتهم الكاملة باللغة العربية، وإن كانوا لا يتبعونه لأسباب أخرى، سنذكرها إن شاء الله.

    جهود أعداء الأمة في مقاومة اللغة العربية

    إذن من أهم عوامل نجاح الرسالة الإسلامية في هذا المكان الذي نزلت فيه هو إتقان الدعاة للغة، وكذلك إتقان المدعوِّين لها، ولذلك كان من همِّ المحاربين للإسلام الذين فقهوا هذه النقطة جيدًا أن يضربوا اللغة العربية في أعماقها، وهم يدركون أنه لو وقعت اللغة العربية سيقع ما بعدها من الشرع.

    لذا فإن من أول أعمال (أتاتورك) عندما بدأ في علمنة تركيا هو إلغاء اللغة العربية.

    - اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر إبَّان احتلال بريطانيا لمصر أراد أن يضرب الأزهر والمدارس الدينية، فماذا فعل؟ لم يغلقها حتى لا يثير الناس، ولكنه أنشأ مدارس علمانية بجوار الأزهر تكون الإنجليزية هي لغتها الأساسية، ثمَّ فتح لخريجي هذه المدارس فرص عمل في البلد بأجور أعلى من فرص العمل المتاحة لأبناء الأزهر والمدارس الدينية، ومن ثمَّ توجه الناس لإدخال أبنائهم مدارس اللغات بحثًا عن فرص عمل أفضل، وزهد الناس في الأزهر، وزهدوا في اللغة، ثمَّ زهدوا بعد ذلك في الشرع.

    - إنَّ اليهود عندما أرادوا أن ينشئوا دولتهم على أرض فلسطين، وجمعوا شتاتهم من بقاع الأرض، ماذا فعلوا ؟ لقد علموا أبناءهم اللغة العِبرِية إلى درجة الإتقان قبل أن يأتوا بهم إلى أرض فلسطين، ثمَّ أنشأوا الجامعة العبرية أول نزولهم الأرض فلسطين، ودّرَّسوا مناهجهم باللغة العبرية كلغة أولى وليست ثانية، وهم بذلك حققوا أكثر من هدف:

    1ـ زرعوا العز في قلوب اليهود للغتهم ومن ثّمَّ لدينهم.

    2ـ حدث التواصل بين اليهود الذين جاءوا من بلاد شتَّى.

    أضرار فقدان اللغة المشتركة بين المسلمين

    مأساة ضخمة أن يفقد المسلمون التواصل بينهم لعدم وجود لغة مشتركة، فالأمة الإسلامية تتحدث عشرات اللغات، أليس عيبًا أن يضطر المصري أن يتكلم مع الباكستاني- مثلا- باللغة الإنجليزية ليفهم أحدهما الآخر رغم كون الاثنين مسلميْن؟!

    فوق ذلك فداخل البلاد التي تتكلم العربية عشرات اللغات العامية، وأقول اللغات وليس اللهجات، فكل كلمة أصبح لها بدائل لا تمتُّ للغة العربية بصلة، وأصبح من الصعب جدًّا على مسلمي قطر عربي أن يفهموا مسلمي قطر عربيٍّ آخر، وهذا من العجب.

    والطامة الكبرى أن يظهر جيل يفتخر بأنه لا يحسن العربية، ويفتخر الأب، وتفتخر الأم أن الابن يتكلم الإنجليزية بطلاقة، ولا يفقه شيئًا من العربية.

    تَعَلُّم اللغات الأجنبية

    ومن الجدير بالذكر أن أشير هنا إلى أنني لست ضد تعلم اللغات الأجنبية. أبدًا بل أحبِّذ ذلك وبشدة، ولكن ليس على حساب اللغة العربية.

    إننا يجب أن نصل باللغة العربية إلى جميع آفاق الأرض لنعلم الناس القرآن، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كنا لا نستطيع ذلك الآن، فليس أقل من أن نحافظ على اللغة العربية في ديارنا.

    وليعلم المسلمون أنّ من أهم وسائل إعادة بناء الأمة الإسلامية:

    الاهتمام باللغة العربية، وتعليمها لغيرنا، وتجميلها في عيون أبنائنا.

    إذ هنا قاعدة مهمة نخرج بها من هذه النقطة، وهي: الجيل الذي يُرجَى على يده إصلاح شأن الأمة جيل يتقن العربية ويعظمها، وليس هذا من منطلقٍ قوميٍّ، أبدًا، فلا فضل لعربيٍّ على أعجمي إلا بالتقوى، ولكن من منطلق أنّ من تكلم العربية فهو عربي، ولو كان من عرق مختلف، فالباكستاني الذي يجيد العربية عربيّ، والإندونيسي الذي يتقنها عربيُّ، والأمريكي الذي يحسنها عربي، إنما العربية اللسان.


    خامسا: إيمان أهل مكة والجزيرة العربية بالله

    الحكمة الخامسة وراء نزول الرسالة في هذا المكان أنّ أهل هذه البقعة من الأرض كانوا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، ويعلمون أنه خالق، ولكنهم حكموا غيره في حياتهم، واتخذو إليه شفعاء، قال الله عز وجل في كتابه الكريم:

    [وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ] {الزُّخرف:87} .

    [وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ] {لقمان:25} .

    [وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى] {الزُّمر:3}.

    فالذي يؤمن بالله، ولكن هناك اضطراب في فهمه، وقصور في إدراكه أقرب من الذي يؤمن بإله آخر، أو لا يؤمن بوجود إله أصلا.

    لم يكن في الأرض وقت البعثة النبوية الشريفة من يفقه هذه الحقائق إلا أقل القليل:

    كان هناك من يعبد المسيح عليه السلام، وهناك من يعبد النار، وهناك من يعبد بوذا، وفي الهند كان هناك من يعبد بقرةً أو شجرةً أو فأرًا أو قردًا.

    أولويات اختيار المدعو

    لكنّ الله عز وجل يعلمنا أن ندعو الأقرب فالأقرب:

    - فندعو الذي يؤمن بوجود الله قبل الذي ينكر وجوده.

    - وندعو الذي يعظم الله عز وجل قبل الذي لا يعظمه.

    - كما ندعو الذي يحب الدين ولكن لا يتبعه قبل الذي لا يحب الدين أصلا.

    وأولى الناس بدعوتنا في هذا الزمان هم المسلمون.

    وأنا لست ضد دعوة اليهود والنصارى، بل على العكس هذا أمر عظيم وعظيم جدًا، ولكن ابدأ بالأقرب فالأقرب: لا تترك جارك في السكن أو في العمل أو في النادي أو في غيره دون دعوة وهو مسلم وتتجه إلى دعوة غيره من غير المسلمين.

    أَمَّا إن انتهيت من الدائرة الأولى حولك، فانطلق منها إلى غيرها مع مراعاة الأولويات.

    الرحيق المختوم  (سيرة افضل الخلق اجمعين) - صفحة 2 Empty رد: الرحيق المختوم (سيرة افضل الخلق اجمعين)

    مُساهمة من طرف عادل الإثنين 30 مارس - 5:17

    سادسا: صفات العرب وأخلاقهم


    الحكمة السادسة من نزول الرسالة في هذا المكان، وهي حكمة مهمة جدًا ولها تفريعات كثيرة، فرغم ما وجد في البيئة العربية من أدواء كالظلم والقهر والعصبية، فقد وجد أيضًا صفات أصيلة في فطرة ساكني هذه المنطقة تساعد على حمل الدعوة ونشر الرسالة، جُبِلُوا عليها وأحبٌُّوها.

    وهذه الصفات لا بد من توافرها في كل داعية، ولو لم توجد فمن المستحيل أن يستطيع ذلك الداعية حمل رسالة الإسلام، ومن هذه الصفات:

    الصدق:

    وهي أهم صفة مميزة للداعية، وهو أيضًا أهم صفة مميزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الصادق الأمين، ومَن أكثر من ساعده في دعوته؟ إنه أبو بكر الصديق، فصفة الصدق أساسية في الذي يحمل هذا الدين.

    فَكِّر معي: ماذا لو أنزلت الرسالة على قوم كَذَّابين؟

    أرأيت ماذا فعل اليهود والنصارى في دينهم؟ إن الله عز وجل يقول عنهم: [وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ] {آل عمران:78} .
    نعم، إنَّ الإسلام يحول الكذاب صادقًا بعد إيمانه، ولكن ليس بالصورة التي فطر الإنسان فيها على الصدق.

    إن العرب كانوا يأنفون من الكذب، ويستنكر أحدهم أن يكون كاذبًا، فيأتي الإسلام بعد ذلك يجمل ويحسن ويعظم قيمة الصدق عند الصادقين، ويربط الصدق بالجنة، وبرضا الله سبحانه، لكن في النهاية كان الصدق مغروسًا بداخلهم، ولم يكن من الممكن للعربي أن يكذب.

    أبو سفيان يصدق عن النبي

    انظر إلى هذا الموقف الذي دار بين أبي سفيان، وهو مشرك بعد صلح الحديبية، وهرقل ملك الروم، كما ورد في صحيح البخاري فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّأْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ،

    فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟

    فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا.

    فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ. ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ.

    فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ (وفي لفظ ابن إسحاق: فوالله لو كذبت ما ردُّوا عليَّ، ولكنِّي كنت امرءًا سيدًا أتكرم على الكذب) ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟

    قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ.

    قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟

    قُلْتُ: لَا.

    قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟

    قُلْتُ: لَا.

    قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟

    فَقُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ.

    قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟

    قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ (إنه يعظم شأن الإسلام بكلامه هذا).

    قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟

    قُلْتُ: لَا.

    قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟

    قُلْتُ: لَا.

    قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟

    قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا. قَالَ وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ (أي لم يستطيع تشويه صورة الرسول الكريم إلا بالإيحاء أنه ربما يغدر رغم إقراره أنَّ النبيّ لم يغدر قبل ذلك )

    قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟

    قُلْتُ: نَعَمْ.

    قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟

    قُلْتُ: الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ يَنَالُ مِنَّا (كغزوة بدر) وَنَنَالُ مِنْهُ (كغزوة أحد)

    قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟

    قُلْتُ (وانتبه هنا لكلام أبي سفيان): يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ. إنه داعية للإسلام بكلامه هذا، لأنه لا يستطيع أن يكذب، لخص لهرقل كل ما قاله النبي في حياته لأنه يكره الكذب.

    إنَّ الرسالة عندما تنزل على قومٍ كهولاء يكرِّمون الصدق، فإنهم سيبلغونها للناس كما هي. إذن فصفة الصدق مهمة جدًا، وكانت موجودة في أهل الجزيرة العربية، ولم تكن موجودة في أهل الأرض في ذلك الزمن.

    الكرم:

    وهو الصفة الثانية العظيمة جدًا، والتي كانت موجودة في العرب، وهي صفة أصيلة فيهم، فقد كان حاتم الطائي ممّن يضرب بهم المثل في الكرم، وقد كان من كرمه أنه يعتق العبد إذا جاءه بضيف، ومن العرب من لم تكن له إلا ناقة واحدة، فيأتيه ضيف فيذبحها له.

    وقد سمَّت العرب العنب كرمًا. فلماذا؟

    لأن العنب تستخرج منه الخمر، والخمر تذهب عقل شاربها، فيبدأ في الإنفاق بلا حساب، لذا سمَّوا العنب كرمًا لحبهم للإنفاق.

    بالطبع جاء الإسلام ليهذب هذه الصفة الجميلة، فلا يصل الأمر إلى حدِّ الإسراف والسفه، كما لا يصل إلى حدِّ حُبِّ الخمر لأنها تشجع على الكرم، بل حرم الله عز وجل الخمر، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسمية العنب بالكرم، وقال: إِنَّمَا الْكَرْمُ الْمُؤْمِنُ. ليشجع المسلمين على الكرم، ولكن ليس لدرجة أن تشرب الخمر، أو أن تسرف وتتصف بالسفه.

    وفِيمَ نحتاج الكرم في إنشاء الأمة الإسلامية؟

    إن صفة الكرم مهمة جدًا لجيل التغيير؛ لأن الله عز وجل عندما يتحدث عن صفات الناس الذين سيتحملون مسئولية الدين يجعل نصف الجهاد في سبيله جهادًا بالمال، نصف الجهاد يحتاج الكرم [الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ] {التوبة:20} .

    [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ] {الحجرات:15} .وكثير من آيات القرآن جاءت على هذا المنوال، حيث يقدم الله سبحانه وتعالى الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس.

    نماذج الكرم بين الصحابة

    انظروا إلى أثر هذه الصفة في الدعوة:

    - أبو بكر الصديق الكريم رضي الله عنه أنفق الكثير من ماله بل ماله كله في إعتاق العبيد، وتجهيز الجيوش، والإنفاق على الهجرة من ماله.

    - عثمان بن عفان رضي الله عنه جهّز جيش العسرة على نفقته، واشترى بئر رومة، وتوسعة المسجد النبوي، وإطعام المدينة في زمن القحط، كل ذلك شارك فيه بنفقته.

    - عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه تصدق بقافلة تجارية كاملة مكونة من سبعمائة ناقةٍ في سبيل الله عز وجل.

    - طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنفق سبعمائة ألف درهم في ليلة واحدة على الفقراء.

    هذه النماذج لا يمكن أن توجد لو كان في الناس بُخل فطري، فالرجل الذي يتصف بالبخل من الصعب أن يصل إلى هذه الدرجات، وبناء الأمم يحتاج إلى كرماء، وإلى بذل وإنفاق.

    هذا الدرس تعلمناه من نزول الرسالة في أرض مكة والجزيرة العربية.

    الشجاعة:

    كان العرب قبل نزول الرسالة عليهم يفتخرون بالموت قتلا، ويستهينون بالحياة تمامًا، ليس عند العربي مانع أن يفقد حياته وفاءً لكلمته، أو دفاعا عن صديقه، أو حماية لجواره.

    قال أحدهم لمًا بلغه قتل أخيه: إن يقتل فقد قُتل أبوه وأخوه وعمه، إنا والله لا نموت حتفًا (ميتة طبيعية في فراشه) ولكن قطعًا بأطراف الرماح، وموتا تحت ظلال السيوف.

    وإذا كنا قد ذكرنا أن نِصف الجهاد بالمال، فالنصف الآخر بالروح، وهذا أشق، إن بناء الأمم كما يحتاج إلى أموالٍ وكرم، فهو يحتاج إلى أرواح وهمم.

    إن الجبان قد يقتنع بقضية ما، لكن قلبه لا يقوى على الإقدام عليها، أمّا العرب فكانت شجاعتهم فطرية، وقد ساعد هذا الأمة الإسلامية أن تنشأ وتنمو بسرعة في هذه البيئة.

    ولقد رأينا أثر هذه الشجاعة في بناء الأمة المسلمة.

    نماذج الشجاعة بين الصحابة

    - فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه كان يبدأ المعارك بنفسه ويقول: إذا رأيتموني حملت على العدو فاحملوا. فأول إشارة للقتال ضد العدو أنه تحرك، رغم أنه هو القائد، ويستطيع أن يقف في المؤخرة، ولكنه لم يكن خائفًا من الموت ولا يهتم به.

    - البراء بن مالك رضي الله عنه ألقاه جيش المسلمين في معركة اليمامة داخل حديقة الموت ـ وبها أربعون ألفًا من المرتدين ـ حتى يفتح لهم الباب من الداخل، ولم يهتم لأن قضية بقائه على قيد الحياة لا تهمه.

    جاء الإسلام ليهذب هذه الصفة ـ الشجاعة ـ ويجعلها خالصةً لله، أي مِت شجاعًا لتدخل الجنة، أما الجبان فمن الصعب جدًا أن تزرع فيه هذه المعاني.

    انظر ماذا فعل الجبن في بني إسرائيل [يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ(21)قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ(22)قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ البَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(23)قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ] {المائدة:21، 22 ،23، 24} .

    وعلى الجانب الآخر انظر إلى قول المقداد يوم بدر: يا رسول الله، إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: [فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ] {المائدة:24}. ولكن امض ونحن معك. فكأنه سُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. البخاري.

    وفي رواية أحمد: ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون. .

    إذن كانت الشجاعة صفة في غاية الأهمية لبناء الأمة الإسلامية.

    العزة:

    وهي صفة أخرى من الصفات المهمة كانت موجودة في العرب، فالعربي بفطرته يأبى أن يعيش ذليلا، يأنف من الذل، يرفض الضيم، يعشق الحرية.

    - استمع إلى قول عنترة، وقد عاش ومات مشركًا قبل نزول الإسلام:

    لَا تَسْقِنِي مَاءَ الْحَيَاةِ بِذِلَّةٍ بَلْ فَاسْقِنِي بِالْعِزِّ كَأْسَ الْحَنْظَلِ

    مَاءُ الْحَيَاةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمَ وَجَهَنَّمُ بِالْعِزِّ أَطْيَبُ مَنْزِلِ

    وبالطبع لم يكن عنترة يؤمن بجهنم، فقد كان مشركًا ولكنّ جهنم بالنسبة إليه هي النار الشديدة.

    - موقف عمرو بن كلثوم

    جلس عمرو بن هند ملك الحيرة مع أصحابه، فقال لهم: هل تعلمون أنّ أحدًا من العرب تأنف أمه خدمة أمي ؟ قالوا: نعم، عمرو بن كلثوم الشاعر التغلبي.

    فدعا الملك عمرو بن كلثوم لزيارته، ودعا أمه لتزور أمه واتفق الملك مع أمه أن تقول لأم عمرو بن كلثوم بعد الطعام: ناوليني الطبق الذي بجانبك، فلما جاءت، قالت لها ذلك، فقالت أم عمرو بن كلثوم: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها. فأعادت عليها الكرَّة، وألحَّت، فصاحت ليلى أم عمرو بن كلثوم : واذُلاَّه ، يالتغلب.

    فمن الذي سمع؟ إنه عمرو بن كلثوم، فاشتد به الغضب، ورأى سيف الملك، معلقًا في الحجرة، فتناوله، وضرب به رأس الملك عمرو بن هند، ونادى بني تغلب، فجاءوا وانتهبوا قصر الملك بالحيرة.

    ودفع الملك حياته جزاء محاولته إذلال عمرو بن كلثوم، وهذا في الجاهلية.

    لا شك أن الأمة التي تنشأ تحتاج إلى هذه الروح وهذه العزة مع توجيهها لله عز وجل [مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَللهِ العِزَّةُ جَمِيعًا] {فاطر:10} .
    لذلك كان قبول المسلمين في مكة بفكرة عدم القتال، وعدم رفع الظلم الواقع عليهم أشقَّ على نفوسهم من قبول فكرة الجهاد في سبيل الله، وبذل الروح في العهد المدني، لأنهم تعودوا على العزة ورفع الرأس، وعدم قبول الظلم، وهذه الصفات لا تنفك عن أولئك الذين يحملون أمانة هذه الأمة.

    الصبر وقوة التحمل: اكتسب العرب هذه الصفة من طبيعة بلادهم الجافة، وظروف المعيشة القاسية، وبُعدهم بصفة عامة عن الترف، فكانت هذه الصفة من الصفات العظيمة التي كفلت للدعوة النجاح، فلا بد من صبر لتحمل مشاق الرسالة الضخمة

    - صبر على الفقر، ولمدد طويلة.

    - صبر على الجوع، فقد يحتاج إلى جهاد طويل، ولا يقيم صلبه سوى تمرات قليلة.

    - صبر على المشقة والحرِّ والتعب والسفر الطويل، والحصار الأطول.

    -صبر على القتال والنزال والجهاد.

    - صبر حَتَّى على تأخر النصر، فلا يستعجل ولا يمل ولا يضجر..

    ومن كانت هذه صفته، وكان بعيدًا عن الترف، كان دعامةً راسخةً للأمة الإسلامية.

    قواعد بناء الأمة الإسلامية


    إذن نستطيع أن نلخص ما ذكرنا بخصوص الحكمة في اختيار هذا المكان بالذات لنزول الرسالة، والمواصفات التي تحليَّ بها أهله، ويسرت نجاح الدعوة، والتي لو تكررت من جديد، فإن الأمة ستقوم بنفس المنهج، ونفس الطريقة ونفس النجاح إن شاء الله.

    مع العلم طبعًا أن الحكمة الكاملة لا يعلمها إلا الله عز وجل، فإننا نستطيع أن نخرج بعشر قواعد لبناء الأمة الإسلامية هي:

    القاعدة الأولى

    لا بد أن تحافظ الأمة على نقاء رسالتها، ووحدة مصدرها، وعدم خلط القرآن والسنة بالمناهج الأخرى.

    القاعدة الثانية

    النصر من عند الله عز وجل، وقد جرت سنة الله عز وجل على أن ينصر القلة المؤمنة على الكثرة المشركة.

    القاعدة الثالثة

    على المسلمين أن يستفيدوا من كل قانون موضوع ما لم يكن هناك تعارض مع الشرع والعقيدة الصحيحة، فإن حدث التعارض، يقدم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    القاعدة الرابعة

    الجيل الذي يستطيع أن يبني هذه الأمة هو جيل يتقن العربية ويعظمها ويتعلم اللغات الأخرى ولكن لا يقدمها على لغة القرآن.

    القاعدة الخامسة

    ابدأ بدعوة الأقرب فالأقرب، وأقرب الناس إلى الاستجابة هم المسلمون أنفسهم، فابدأ بهم.

    القاعدة السادسة

    لا تقوم الأمم إلا على أكتاف الصادقين.

    القاعدة السابعة

    ابدأ بالكريم فإنه أقدر على حمل الدعوة.

    القاعدة الثامنة

    إنّ الجبان قد يقتنع بقضية ما، ولكن لا يقوى قلبه على الدفاع عنها، فعليك بالشجاع.

    القاعدة التاسعة

    لا يحرص على قيام الأمة إلا عزيز النفس، من كان يرضى بالذل رضي أن يكون في ذيل الأمم.

    القاعدة العاشرة

    الترف مهلك، والمعتمد على المترفين كالذي يبني قصرًا من الرمال، فابحث على من كان الصبر صفته، ومن كانت المجاهدة حياته.

    فتلك عشرة كاملة نجعلها نصب أعيننا ونحن نبني أمتنا، والله المستعان

    الرحيق المختوم  (سيرة افضل الخلق اجمعين) - صفحة 2 Empty رد: الرحيق المختوم (سيرة افضل الخلق اجمعين)

    مُساهمة من طرف Marwan(Mark71) الإثنين 30 مارس - 7:54

    سأعود مرة اخرى لقراءة الموضوع نظرا لاهميته القصوى في تفسير حركة التاريخ وما ينتج عن هذه الحركة من تغييرات عالمية, ولكن تبادر الى ذهني سؤال اولي وهو, هل نحن على اعتاب تغيير في العالم؟ هل نحن امام موت حضارات وولادة حضارات اخرى؟
    avatar
    adel7rof
    عضو فعال
    عضو فعال


    عدد المساهمات : 326
    رقم العضوية : 141
    تاريخ التسجيل : 15/10/2008
    نقاط التميز : 572
    معدل تقييم الاداء : 12

    الرحيق المختوم  (سيرة افضل الخلق اجمعين) - صفحة 2 Empty رد: الرحيق المختوم (سيرة افضل الخلق اجمعين)

    مُساهمة من طرف adel7rof السبت 2 مايو - 11:42

    شد حيلك يا عادل شوية وكمل الكتاب شيق جدا

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء 8 مايو - 9:42