معا لغد افضل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
معا لغد افضل

3 مشترك

    الحكم العطائية(3)

    avatar
    openminnd
    عضو مساهم
    عضو مساهم


    عدد المساهمات : 32
    رقم العضوية : 21
    تاريخ التسجيل : 06/06/2008
    نقاط التميز : 65
    معدل تقييم الاداء : 3

    الحكم العطائية(3) Empty الحكم العطائية(3)

    مُساهمة من طرف openminnd الأربعاء 18 يونيو - 1:50

    أيها الأخوة الكرام ؛ انطلاقاً من قول الله عز وجل :
    ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا
    (سورة البقرة)


    الحكمة أن تعرف الحقيقة ! والحكمة أن تعرف سرّ وجودك وأن تعرف لماذا أنت في الدنيا ، وأن تتاجر مع الله ، وأن تكسب الدار الآخرة ، وأن تزكي نفسك ، وأن تسعد بربك ، كلمة جامعة مانعة ، ولأن خالق الأكوان يقول لنا :


    ولأن خالق الأكوان يقول لنا :
    قل متاع الدنيا قليل
    (سورة النساء)


    فلو ملكت البلاد وجاءك ملك الموت فلابد من مفارقة الدنيا .


    ولذلك فإنَّ الأنبياء كُتِب عليهم الموت ، وإنّ المؤمنين والكفار كتب عليهم الموت ، لأن الموت مغادرة ، فالبطولة أن يكون لك عند الله ما بعد الموت حظٌ كبير، فمن يؤتى الحكمة يعمل للدار الآخرة ، والكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .

    لقد اشتهر في العالم الإسلامي الحكم العطائية ، وهي في الحقيقة من أجَلِّ الحِكَم ، وقد درّستها قبل سنوات عديدة ، وأخ كريم تمنى علي أن نقف وقفة عند بعض حكم ابن عطاء الله السكندري ، الحقيقة أنّي تصفحت هذه الحكم ، واخترت لكم بعضها ، وبعض قوله :

    "هذه الحكم بَسَطَكَ كي لا يبقيك مع القبض ، وقَبَضَك كي لا يتركك مع البسط ، وأخرجك عنهما كي لا تكون لشيء دونه ".

    فالإنسان تعتريه أحوال ، وفي بعض الأحيان يشعر بانشراح وامتداد وسرور وطمأنينة ، والحديث عن المؤمنين ، وعن طلاب العلم ، عمن يطلب ويرجو الله واليوم الآخر ، فأنا أخاطب طلاب علم ، وأخاطب رواد مسجد ، و أخاطب أناسًا إن شاء الله لهم باع طويل في معرفة الله ، فالحديث ليس عاماً ، بل هو خاص بالمؤمنين ، ففي بعض الأحيان تشعر بانشراح وامتداد وتألق وطمأنينة وسعادة ، وأنتَ أنتْ ، وأنت مستقيم ، وتؤدِّي عباداتك كلها ، وأنت وقّاف عند كتاب الله، وأنت مطبق لمنهج الله تشعر بالقبض فما الذي حصل ؟ الذي حصل هو أن الله سبحانه وتعالى ربّ العالمين ، فلو أن هذا الانبساط استمر ، فالانبساط من لوازمه أن تضعف عبادة الإنسان ، وأن تضعف همته ، وأن يكسل عن بعض الطاعات ، ويأتي الانقباض .

    فالله عز وجل يتجلَّى تارة باسم الجليل فتنقبض ، ويتجلى تارة باسم الجميل فتنشرح ، فقد يأتي القبض ، وقد يأتي البسط ، والحقيقة أن الله عز وجل يريدك أن تكون معه ، لا أن تكون عبدًا للأحوال ، فيجب أن تقدم له الأعمال ، أمّا الأحوال فمرَغِّبة معينة أحياناً ، ولكن ليست مقياساً ، والعلم حَكَم على الحال ، فبسطك كي لا يبقيك مع القبض ، فالله حكيم ، ولو استمر القبضُ لضجر الإنسانُ ، يأتي القبض فيضيق الإنسانُ به ذرعاً ، فيأتي البسط فيرتاح ، ولو استمر البسط نحن لسنا كالصادقين والأنبياء المقربين لا ، فنحن حينما نرتاح نضعف ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يصلي الليل حتى تتورم قدماه ‍! ويمضي النهار في الدعوة إلى الله .

    فَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، صَلَّى حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ ، فَقِيلَ لَهُ : أَتَكَلَّفُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ فَقَالَ : أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا * (صحيح مسلم)


    فأحدنا إذا عمل عملاً صالحاً ، أولاً يعلن عنه كثيراً ، ويملأ الدنيا صخباً ، ثم يرتاح بعدها راحة عفوية ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يجهد النهار ويجهد الليل ويقول : " أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا " فربنا عز وجل يعالجنا بالقبض والبسط ، فإذا تبحبحنا يأتي القبض ، وإذا كدنا نيأس يأتي البسط ، أنت ما مهمتك ؟ مهمتك أن تعبده وأن تدع أمر القبض والبسط إليه ، والدليل على ذلك أن الله عز وجل يقول :
    بل الله فاعبد وكن من الشاكرين
    (سورة الزمر)


    فهذه مهمتك ، ارتَحْ وأَرِحْ ، فأنا عليّ أن أطيعه ، وهو ليفعل بي ما يشاء ، فهو رحيم وحكيم وعليم وقدير ، وأنا علي أن أطيعه ، وتمثلوا قول النبي عليه الصلاة والسلام في الطائف :

    اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، لمن تكلني إلى عبد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك من أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك "(الطبراني في الكبير عن عبد الله بن جعفر )


    ولا يوجد كلام أروع ولا أدق ولا أجمل ولا أعبق ولا أكثر أدبًا مع الله عز وجل من هذا الكلام ! إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى ، ولكن عافيتك أوسع لي"

    فإذا أعطاك فالحمد لله ، وإذا منعك فالحمد لله ، وإذا بسطك فالحمد لله ، وإذا قبضك فالحمد لله ، وإذا رفعك فالحمد لله ، وإذا خفضك فالحمد لله ، وإذا ضيّق عليك فالحمد لله ، فهذا المؤمن الصادق ، والله عز وجل الذي تحبه وتعبده وتؤثره وتشتاق إليه ، فهذا الذي أنت فيه هو قراره ، وقل مع الإمام الغزالي رحمه الله تعالى : ليس في الإمكان أبدع مما كان ، ولو كشف الغطاء لاخترتم الواقع ، ولو أن كل إنسان انزعج من شيء ساقه الله إليه ، ثم كشف الله له علم الغيب لمَا تمنَّى إلا أن يكون كما هو .

    ومرة قرأت مثلاً دقيقًا ؛ أب عنده بنت جميلة ، عمرها اثنتا عشرة سنة ، قطعة من الجمال والحيوية ، تملأ البيت حبوراً ، لو أنها ماتت فموتُها شيء لا يحتمل ، وشيء مؤلم ، لا سمح الله ولا قدر ، ولو أن الله كشف له أن هذه إذا عاشت عمرًا مديداً كانت زانية ، والأب صاحب دين ومؤمن ماذا يسأل الله ؟ يا رب اقبضها ! لو أن الله كشف لك ما سيكون لما أردت إلا ما هو كائن ، ولا تمنيت إلا ما هو كائن ، ولذلك استسلمْ دائماً، وعندنا حالة اسمها القبول ، فالمؤمن يقبل واقعه ، وهذا القبول مسعد ، عبَّر عنه علماء القلوب بالرضا ، فهو راضٍ عن الله ، قال له : يا رب هل أنت راض عني ؟ وكان وراءه الإمام الشافعي فقال له : هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له : يا سبحان الله من أنت ؟ فقال : أنا محمد بن إدريس ، قال : كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه ؟ قال له : إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله .

    إذا كنتَ تستقبل مكروه القضاء بالرضا فأنت تعرف الله ، فأنا لا أحب أن ينشغل المؤمن بالأحوال ، فأحياناً تجد إنسانًا مشروحًا مسرورًا منبسطًا ممتدًّا ، يتكلم بطلاقة ، وفي عينيه تألق ، عينان زئبقيتان ، وخده متورّد ، وكلامه دقيق ، ومرتاح ، وأحياناً تجده كابتًا ، فإذا اعتمر الإنسان، فربنا عز وجل لحكمة بالغة يذيقه أحياناً الانقباض ، وهناك أمام رسول الله ، وأمام سيد الخلق لا شيء أبداً ، مثل الحائط ، لقد كان قادمًا من باب عالٍ ، ويقول في نفسه : أنا وأنا ، وأنا لي أعمال صالحة ، وأنا مؤمن ، والآن سأبكي أمام رسول الله ، ثم لا يبكي أبداً ، بل ينكسر ، يأتي في اليوم الثاني منكسرًا ، يفتح الله عليه ، فيقول لك : ذقت لقاء مع رسول الله لا أنساه حتى الموت ، فأول يوم لم يتحقق اللقاء ، فكان فيه اعتداد وانبساط ، ومع الانبساط يوجد اعتداد ، وفي اليوم الثاني أصيب بانقباض ، ومع الانقباض وُجِدَ تذلل ، فالله فتح عليه .

    ولذلك الأحوال مسعدة ، والانقباض صعب ، ولكن الله يربِّينا عن طريق الانبساط والانقباض ، وعن طريق البسط والقبض ، والله عز وجل من أسمائه الباسط والقابض ، يفهمون هذين الاسمين على أنهما بمعنى مادي ، أي يعطي المال أو يأخذه ، وهذا معنى مقبول ، لكن هناك معنى أرقى فهو قابض ، أي يقبض نفسك ، فإذا هي تضجر ، وباسط ، أي يبسطها ، فإذا هي تتألق ، لقد بَسَطك كي لا يبقيك مع القبض ، وقبضك كي لا يتركك مع البسط ، وأنت له ، أنت عبد الفتاح ، لا عبد الفتح ، وأنت عبد الله ، لا عبد الأحوال ، فإذا قام إنسان بخدمة كبيرة للمسلمين ، وليس عنده أحوال ، فسيدنا خالد كان يحارب ويفتح البلاد ، وهو في أثناء الفتح منهمكٌ بوضع الخطط ، ورسم الطرائق الناجعة لكسب المعارك ، ويهتم لضعف العدد وقلة العُدد ، فلا توجد الأحوال ، ولكن توجد الهموم ، وهذه الهموم مقدسة ، أي أنت فوق الأحوال ! والأحوال يستمتع بها الأشخاص الذين ليس عندهم غير الأحوال ، وهي مسعدة ممتعة ، وبالتقريب إذا جلس إنسان في حمام وملأ الحوض ماًء فاترًا ، واستلقى ، فارتاح ، فهو شيء مريح ، ولكنه لا يصبح تاجرًا عقب هذه الاستلقاءات ، ولو أمضى كل يوم ثماني ساعات لا يكون عالمًا ، والاستمتاع ليس له أيّة ثمرة، فلو أنّ إنسانًا كان هدفه الأحوال فقط دون الأعمال فلا يرقى عند الله ، والذي يرفعك عند الله هو العمل ، قال تعالى :
    والعمل الصالح يرفعة
    (سورة فاطر)


    ولكن لا مانع من أن الله عز وجل يربِّي هذا الإنسان عن طريق الأحوال ؛ عن طريق القبض تارة وعن طريق البسط تارة أخرى ، والإمام علي كرم الله وجهه يقول : النفس لها إدبار ولها إقبال ، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل ، وإذا أدبرت فاحملوها على الفرائض " ، وفي حالة القبض يجب أن تحافظ على الفرائض ، وفي حالة الانبساط ينبغي أن تسعى إلى النوافل ، لكن هناك أشخاص إيمانهم ضعيف ، فما دام في بسط فهو مرتاح ، فإذا أصيب بالقبض تجده يقصّر ، وحينما تقصر مع القبض فهذه بادرة غير طيبة إطلاقاً .

    لدينا حكمة أخرى متعلقة بهذه الحكمة الأولى ، " العارفون إذا بُسِطوا أخوف منهم إذا قُبِضوا " فمع الانبساط مزل القدم ، وهذا الشيء يستنبط من أن النبي عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن نفسه : جاءه جبريل قال : يا محمد أتريد أن تكون نبياً ملكاً ؟ أم نبياً عبداً ؟ فقال : بل نبياً عبداً ، أجوع يوماً فأذكره ، وأشبع يوماً فأشكره " ، ويبدو أن تلوين حياة المؤمن أكثر صلاحاً له من ثباتها على حال عالٍ ، أجوع يوماً فأذكره ، وأشبع يوماً فأشكره .

    والآن القوي والضعيف ، فالقوي إذا كان إيمانه عاليًا بقوة يصالح المسلمين ، ولكن مع القوة توجد المزالق ، ومع الغنى توجد المزالق ، فإذا كان احتمال الانزلاق كبيرًا فالضعف أفضل من القوة ، وإذا كان الانزلاق كبيرًا مع الغنى فالفقر أقرب إلى السلامة من الغنى ، قال له : أتريد أن تكون نبياً ملكاً ؟ أم نبياً عبداً ؟ قال : بل نبياً عبداً ، أجوع يوماً فأذكره ، وأشبع يوماً فأشكره، فالعارفون إذا بُسِطوا أخوف منهم إذا قُبِضوا ، وأكثر الناس يتوهمون أن الصبر للفقير ! لا ، بل الصبر للغني ! وكيف ؟ فالفقير ما الذي هو متاح أمامه ؟ الدخل المحدود والبيت والعمل ، فلو أنّ غنيًّا سافر إلى بلد غربي ، ومعه الملايين فيتُاح له أن يفعل كل شيء ، وأن يرتاد أي مكان ، وأن يجلس في أي متنزه ، وأن يدخل أي ملهى ، وأن يلتقي مع أية امرأة في أي فندق متاح له ، فإذا اكتفى بغرفته في الفندق ، إلى مكتب العمل ، وعاد إلى بلده وذكر الله كثيراً ، فمن هو الذي يحتاج إلى الصبر أكثر ؟ هو الغني ، لأنّ المال قوة ، والمال يتيح له أن يفعل كل شيء ، وأن يأكل ما يشاء ، وأن يلتقي مع مَن يشاء ، وأن يسكن في أي مكان شاء ، وهذه الحرية التي يتيحها المال تحتاج إلى صبر ، فالقوي بإمكانه أن يظلم ، ولو استفزه رجل لبطش به فوراً ، لأنه قوي ، فالقوي في أمس الحاجة إلى الصبر أكثر من الضعيف ، وقد تجد أخًا مؤمًنا ملتزمًا تماماً متألقًا مرتاحًا ، فإذا ازداد الحال معه ، تجده إن رأى رجلاً مقصرًا يقول له : ماذا حصل لك ؟ فهو يصاب بنوع من الاستعلاء ، فهذا الحال فيه اعتداد ، وغفلة عن الله عز وجل ، فمع الغفلة أحياناً يأتي الانقباض، انقباض بحجمك .

    قال لي أخ - وأنا أظنه صالحاً - والله اعتمرتُ عمرة وظننت أنني سأقف أمام النبي فأفنى من البكاء ، واللهِ كنتُ كالحائط تماماً ! في اليوم الثاني كُسِرَ كسرًا شديدًا ! فالله فتحها بوجهي ، فالإنسان تحت رعاية الله فلا تقل : أنا ، وتعتد باستقامتك ، ومرة قال لي أخ : أنا لا أنتبه للفتيات، ولا أنظر إليهن و الحمد لله عندي قوة إرادة ، قلت له : واللهِ هذا الكلام ليس فيه أدب مع الله ، والذي فيه أدب هو الكلام الذي قاله سيدنا يوسف قال :



    قال ربي السجن احب الي مما يدعونني اليةوالا تصرف عني كيدهن اصبو اليهن
    (سورة يوسف)


    هذا كلام نبي كريم ، فقد تجد إنسانًا ذكيًّا ، ولكنه يرتكب حماقة كبيرة ، يُمَرّغ بالوحل من خلال لحظة ضعف ألمت به ! ولذلك : العارفون إذا بُسِطوا أخوفُ منهم إذا قبضوا " ، ولا يقف على حدود الأدب في البسط إلا القليل ، مثلاً : مدير مؤسسة قربّ منه موظفًا زيادة عن غيره ، وسهر معه سهرة ، وذهب معه إلى نزهة وأكرمه ، تجد الموظف يتمدَّد فيدخل من دون إذن أحياناً، ويجلس ويتكلم معه كلامًا فيه وحدة حال ، فهذا الإكرام الزائد لا ينفعه لأنه تجاوز حدوده، ولو كان من المدير العام شدَّة لأخذ حجمه ، وليس كل إنسان بالبسط يكون أديبًا ، وحتى مع الله ، فإذا بسَط اللهُ عز وجل للإنسان متَّعه بأحوال عالية ، فربما اعتدَّ بهذه الأحوال ، وظنَّ نفسه مقربًا ، فاستعلى على الناس قليلاً ، ولذلك قال ابن عطاء الله السكندري : ربّ معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً ، ولو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر ، العُجْبُ العُجْب .

    والآن هناك حكمة مهمة ، يقول ابن عطاء الله السكندري : ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك "، كلام طيب ودقيق ، فقد تجد مثلاً بلادًا تنعم بغنى كبير ، ورفاهية كبيرة ، والأمور ميسرة إلى درجة مذهلة ، وكل شيء متوافر ، فهذه الدنيا العريضة هي في الحقيقة حجاب بين هؤلاء وبين الله ، وقد تجد مجتمعًا آخر في ضائقة ، وهذه المشكلات تكون لهم دافعًا كبيرًا إلى الله ! فالمجتمعات التي فيها قسوة وضعف ، وفقر وشدة تجد مساجدها ممتلئة ، ودروس العلم عامرة ، والناس ملتفتون إلى الله عز وجل ، فمن أدراك أن هذه الشدة التي ساقها الله لهؤلاء الناس هي سبب قربهم من الله ؟

    وهناك رجلٌ عانى من أمراض كثيرةٍ طوال حياته ، فيبدو بساعة مناجاة لله بدأ في نوع من العتاب ، يقول : يا رب أنا لم أرتح يومًا في حياتي ، فما الحكمة من ذلك ؟ هكذا قال لي ، توفي رحمه الله ، قال : وقع في قلبي لولا هذا الحال لما كنت في هذا الحال ! فكل رجل له ظروف نشأ فيها ، وهذه الظروف هي أفضل شيء له ، ولولاها لما كان في هذه الأحوال التي ينعم بها ، وأحياناً ينشأ الولدُ يتيمًا، وليس معه ثمن طعام ، فيدرس ، فيأخذ أعلى شهادة ، فيتألق ويعيش حياة كريمة ، وهناك رجل قوي وغني ، والابن ليس لديه الدافع ليدرس ، وكل شيء موجود ؛ سيارة وبيت ، وطعام ، وشرب ، ومال ، يموت الأب فيصبح ابنَه وراء الناس في المؤخرة ، فبربك هل اليُتم والفقر خيرٌ أم الغنى والدلال ؟ إنّ الغنى والدلال جعله في المؤخرة ، واليتم والفقر جعله في المقدمة ، أليس كذلك ؟ هذا معنى قول بن عطاء الله السكندري : ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ".

    [
    سندباد الشرق
    سندباد الشرق
    عضو متميز
    عضو متميز


    عدد المساهمات : 433
    رقم العضوية : 5
    تاريخ التسجيل : 30/05/2008
    نقاط التميز : 758
    معدل تقييم الاداء : 25

    الحكم العطائية(3) Empty رد: الحكم العطائية(3)

    مُساهمة من طرف سندباد الشرق الخميس 21 أغسطس - 4:11

    ربنا لا علم لنا الا ما علمتنا سبحانك
    شكرا استاذ اوبن مايند علي موضوعك القيم
    مؤمن بالله
    مؤمن بالله
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    عدد المساهمات : 111
    رقم العضوية : 85
    تاريخ التسجيل : 01/09/2008
    نقاط التميز : 114
    معدل تقييم الاداء : 0

    الحكم العطائية(3) Empty رد: الحكم العطائية(3)

    مُساهمة من طرف مؤمن بالله الأحد 1 فبراير - 9:20

    الحكم العطائية(3) 146903

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 10 مايو - 10:29