لقد كان عمر الفاروق رضي الله عنه مثالا فريدا من بين كل الذين وصلوا لسدة الحكم ليس في عصره فقط ، وإنما في كل العصور والأزمان التي مرت بها البشرية ، وقد تنبأ له النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بتلك المنزلة التي سيصل إليها بقوله : " فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه " ( رواه مسلم في صحيحه)..
وقد ظهرت تلك العبقرية عنده رضي الله عنه في توسطه واعتداله الكامل في كل أمور حكمه ، فلم يجنح أو يميل يمنة أو يسرة .. نعم لم يجنح يمنة قيد أنملة فيحابي حتى ابنه الذي ترك يوما ماشيته ترعى في الكلأ الذي كان محميا لأموال الصدقات فأنبه وحال بينه وبين ذلك ، ولم يجنح يسرة قيد أنملة فيعاقب الرجل الذي قتل أخاه ضرار بن الخطاب ثم تاب وأسلم قبل أن يقدر عليه ، ولم يفعل سوى أن قال لهذا الرجل : والله لأحبك أبدا ، فرد عليه بجفاء الأعراب الذي نشأ عليه وقال : أبغضك إياي يمنعني حقا من حقوقي ؟! فقال عمر : لا ، فأجابه : إنه ليس محتاجا لحبه ، وإنما يبكي على الحب النساء .
ومن يتابع سيرته رضي الله عنه سيجد أن تلك المعاملة القائمة على التوسط والاعتدال شملت كل الناس ، ولكني سأقصر حديثي في هذه السطور المعدودة على توسطه واعتداله مع غير المسلمين من أبناء رعيته ، وأخصها بالذكر لأني لاحظت شططا من الحديث عنها ، ورأيت من بالغ في نظرته لهؤلاء تحت المؤثرات النفسية فجعل منهم (أي غير المسلمين في المجتمعات المسلمة ) أعداء على السواء ، لا فرق بينهم وبين الأعداء الذين يحاربون أمتنا ويسيلون دماءها ليل نهار ، ورأيت من بالغ تحت تأثير من الفكر الانهزامي الذي حل بأمتنا الإسلامية فادّعى لهم من الامتيازات ما لا يقره لهم أي شرع بشري أو إلهي ؛ حتى صار يطالب من أجلهم المسلمين بالانخلاع عن ثوابت دينهم إرضاء لهؤلاء تحت مسمى " الوطنية "وغيرها من المسميات التي لا يُدرى مغزاها ..
وكلا الفريقين (المتنطع في حكمه ، والداعي للتنازل عن ثوابت دينه ) غير رشيد ، والأول مردود عليه بقول الله سبحانه وتعالى : " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " ( المائدة : 8) والثاني مردود عليه بقول الله سبحانه وتعالى : " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ " ( البقرة : 120 ) .
ولذلك كانت سياسة الفاروق عمر رضي الله عنه معهم قائمة على منحهم الحقوق كاملة في تدينهم، فيتعبدون بالدين الذي يختارونه ؛ لكن دون تناول الإسلام بسوء ولو على سبيل التعريض ، ومنحهم من حقوق الرعية في أمور المعاش ما يتساوون فيه تماما مع سائر المسلمين ، كما لم يسمح لأحد من المسلمين مهما علت درجته في الإمارة أن يسيء لأحد منهم ..
وكان يبعث لأهل كل الأمصار التي فتحت في عصره رسالة مفادها أيها الناس: " إني بعثت عمالي هؤلاء ولاة بالحق عليكم، ولم أستعملهم ليصيبوا من أبشاركم ، ولا من دمائكم، ولا من أموالكم ، فمن كانت له مظلمة عند أحد منهم فليأت إلينا " فاستجاب الناس لذلك ، وقصة المصري الذي شكا من تطاول ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه عليه فأنصفه مشهورة عند العامة والخاصة .
ولم يكتف بذلك وينتظر حتى يأتي إليه الناس بشكواهم ، وإنما هَمّ بأن يذهب ليتلقاها منهم بنفسه ، وقال : لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية حولاً فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني ، أما عمالهم فلا يرفعونها إلي، وأما هم فلا يصلون إلي، فأسير إلى الشام فأقيم شهرين، وبالجزيرة ( الفراتية ) شهرين، وبمصر شهرين، وبالبحرين شهرين، وبالكوفة شهرين، وبالبصرة شهرين " لولا أن أبا لؤلؤة المجوسي الذي سمح له عمر من قبل أن يتكسب بحرفته في المدينة ـ رغم كونه غير مسلم ـ عاجله فقتله غدرا وهو يؤم الناس في صلاة الصبح .
ولم يرض عمر بمنع الإيذاء عن غير المسلمين من أبناء رعيته فقط ، وإنما اقتضت وسطيته واعتداله معهم أن يوجب لفقرائهم مصدر الرزق كما وجب على أثريائهم دفع ضريبة الجزية ، فقد مر رضي الله عنه يوما بشيخ كبير يسأل الناس الصدقة ، فقال : ما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن ، فأخذ بيده ، وذهب به إلى منزله ، وأمر له بعطاء من ماله الخاص ، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال :" انظر هذا وضرباءه ، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم ، إنما الصدقات للفقراء والمساكين ، والفقراء هم المسلمون ، وهذا من المساكين من أهل الكتاب " وعمم ذلك في أنحاء الدولة الإسلامية ..
ولما أحس عرب تغلب من النصارى أن مُسمّى الجزية فيه نقصان لكبريائهم وطلبوا دفع مثل الصدقة ( الزكاة ) مضاعفة أقرهم على ذلك ، ولم يتشدد عليهم ورضي منهم بضعف الصدقة لأن المسلم يدفع صدقته ويجاهد ويدافع عن حمى الوطن ، ويوفر الأمن لسكانه على اختلاف أديانهم ، أما هؤلاء فلم يجبروا على الخدمة في الجيش ، فمن العدل أن يدفعوا بدل الإعفاء من تلك الخدمة .
وكذلك لما نزح بعض عرب الشام من النصارى أثناء الفتح إلى بلاد الروم ، وكانوا من قبل يعينونهم على المسلمين ، ويقاتلون في صفهم أرسل رضي الله عنه إلى ملك الروم يأمره بأن يعيدهم إلى موطنهم بالشام مرة أخرى فعاشوا بأموالهم وأولادهم منعمين .
ولكن هذه المعاملة الحسنة معهم لم يتبعها أي تنازل يمس ثوابت الإسلام أو أن يخالف فيهم ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما اقتدت سياسة العدل والوسط أن يوفي إلى غير المسلمين حقهم ، ويجري عليهم حكم الله فيهم ، فقد بعث بعد توليه الخلافة يعلي بن أمية إلى اليمن وأمره بإجلاء غير المسلمين من أهل نجران، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه بذلك ، حيث قال : " لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ " (موطأ مالك ) ولوصية أبي بكر رحمه الله بذلك في مرضه، وقال: ائتهم ولا تفتنهم عن دينهم، ثم أجلهم ؛ من أقام منهم على دينه، وأقرر المسلم ، وامسح أرض كل من تجلى منهم ، ثم خيرهم أي البلدان لينزلوا فيها ، وأعلمهم أنا نجليهم بأمر الله ورسوله ؛ ألا يترك بجزيرة العرب دينان ؛ فليخرجوا ؛ من أقام على دينه منهم ؛ ثم نعطيهم أرضاً كأرضهم، إقراراً لهم بالحق على أنفسنا، ووفاء بذمتهم فيما أمر الله من ذلك ، بدلاً بينهم وبين جيرانهم من أهل اليمن وغيرهم فيما صار لجيرانهم بالريف (تاريخ الطبري ج 2 / ص 228) .
فعل ذلك بأهل نجران في حين أنه رفض أن يصلي بإحدى كنائس بيت المقدس لما حضرته الصلاة ؛ حفاظا على حقوقهم ، وقال لهم : خشيت أن يغالبكم عليها المسلمون من بعدي ، وهذه من وسطيته واعتداله ؛ تلك الوسطية المعتمدة على كتاب الله وسنة رسوله ..
ولذلك أقول : إن ما نراه الآن من السماح لغير المسلمين من اليهود والنصارى الذين هاجروا للعمل بدول الخليج ببناء الكنائس ليس من الوسطية والاعتدال في شيء ، ولا يدخل تحت مفهوم السماحة التي يدعيها الناس في شيء ، وإنما السماحة في أن توفي إليهم حقوقهم المادية غير منقوصة ، ولا يساء إلى آدميتهم ، ولا تزدرى جنسياتهم ، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأن نبين لهم أن هذا أمر الله ورسوله كما قال عمر ليعلي بن أمية رضي الله عنهما ..
وأخيرا أذكر أن سياسة التوسط والاعتدال عند عمر الفاروق رضي الله عنه مع غير المسلمين لم يكن معناها أن يتسامح مع أحد منهم في التطاول على الإسلام وشرعه بقول أو فعل ، أو يتسبب في إيذاء مسلم أو مسلمة ، فقد جاء إليه وهو في طريقه إلى القدس الشريف رجل نبطيّ يهودي مضروب مشجّج يشكو له أحد المسلمين ، فلما شاهد ما به من آثار الضرب غضب غضباً شديداً، وقال لصهيب الرومي وكان يرافقه : انظر من فعل به ذلك فأتني به، فانطلق صهيب فإذا الذي ضربه هو الصحابي عوف بن مالك الأشجعيّ ، فقال له صهيب : إن أمير المؤمنين قد غضب غضباً شديداً، فلو أتيت معاذ بن جبل ( وكان قاضيا ) فمشي معك إلى أمير المؤمنين ، فإني أخاف عليك بادرته ، فجاء معه معاذ ..
وكان عمر قد أقبل على صلاته بعد بعث صهيب فلّما انصرف من الصّلاة قال: أين صهيب؟ قال: أنا هذا ، ... يا أمير المؤمنين إنه عوف بن مالك، فاسمع منه ولا تعجل عليه... فخرج عمر إلى عوف فقال له : مالك ولهذا ؟ فقال عوف : يا أمير المؤمنين، رأيته يسوق لامرأة مسلمة ( خارج العمران ) فنخس الحمار ليصرعها ، فلم تصرع؛ فدفعها فخرّت عن الحمار، فغشيها ففعلت به ما ترى...
واقتدت سياسة عمر رضي الله عنه ألا يسمع له ويصدقه دون بينة ، وإنما قال : ائتني بالمرأة لتصدّقك ، فأتى عوف المرأة ، فذكر الذي قاله عمر ، فقال أبوها وزوجها : ما أردت بهذا ؟ فضحتنا ، فقالت المرأة : والله لأذهبنّ معه إلى أمير المؤمنين...
فلّما عزمت على ذلك قال أبوها وزوجها : نحن نبلّغ عنك أمير المؤمنين ، فأتياه فصدّقا عوف بن مالك بما قال ، فقال عمر لليهوديّ : والله ما على هذا عاهدناكم ، فأمر به فصلب، ثم قال: يا أيّها النّاس، فوا بذمّة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن فعل هذا فلا ذمّة له.
هذه سياسة التوسط والاعتدال عند عمر رضي الله عنه ، ولو لم يفعل ذلك لَلِحق بالمسلمين على أيدي غيرهم من الإيذاءات ما لا يحصى ، وصفحات التاريخ مليئة بما لا وقت لذكره من تجاوزات الذميين بعد أن تخلى الأمراء والحكام عن سياسته رضي الله عنه ... فاعتبروا يا أولي الألباب !!.
وقد ظهرت تلك العبقرية عنده رضي الله عنه في توسطه واعتداله الكامل في كل أمور حكمه ، فلم يجنح أو يميل يمنة أو يسرة .. نعم لم يجنح يمنة قيد أنملة فيحابي حتى ابنه الذي ترك يوما ماشيته ترعى في الكلأ الذي كان محميا لأموال الصدقات فأنبه وحال بينه وبين ذلك ، ولم يجنح يسرة قيد أنملة فيعاقب الرجل الذي قتل أخاه ضرار بن الخطاب ثم تاب وأسلم قبل أن يقدر عليه ، ولم يفعل سوى أن قال لهذا الرجل : والله لأحبك أبدا ، فرد عليه بجفاء الأعراب الذي نشأ عليه وقال : أبغضك إياي يمنعني حقا من حقوقي ؟! فقال عمر : لا ، فأجابه : إنه ليس محتاجا لحبه ، وإنما يبكي على الحب النساء .
ومن يتابع سيرته رضي الله عنه سيجد أن تلك المعاملة القائمة على التوسط والاعتدال شملت كل الناس ، ولكني سأقصر حديثي في هذه السطور المعدودة على توسطه واعتداله مع غير المسلمين من أبناء رعيته ، وأخصها بالذكر لأني لاحظت شططا من الحديث عنها ، ورأيت من بالغ في نظرته لهؤلاء تحت المؤثرات النفسية فجعل منهم (أي غير المسلمين في المجتمعات المسلمة ) أعداء على السواء ، لا فرق بينهم وبين الأعداء الذين يحاربون أمتنا ويسيلون دماءها ليل نهار ، ورأيت من بالغ تحت تأثير من الفكر الانهزامي الذي حل بأمتنا الإسلامية فادّعى لهم من الامتيازات ما لا يقره لهم أي شرع بشري أو إلهي ؛ حتى صار يطالب من أجلهم المسلمين بالانخلاع عن ثوابت دينهم إرضاء لهؤلاء تحت مسمى " الوطنية "وغيرها من المسميات التي لا يُدرى مغزاها ..
وكلا الفريقين (المتنطع في حكمه ، والداعي للتنازل عن ثوابت دينه ) غير رشيد ، والأول مردود عليه بقول الله سبحانه وتعالى : " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " ( المائدة : 8) والثاني مردود عليه بقول الله سبحانه وتعالى : " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ " ( البقرة : 120 ) .
ولذلك كانت سياسة الفاروق عمر رضي الله عنه معهم قائمة على منحهم الحقوق كاملة في تدينهم، فيتعبدون بالدين الذي يختارونه ؛ لكن دون تناول الإسلام بسوء ولو على سبيل التعريض ، ومنحهم من حقوق الرعية في أمور المعاش ما يتساوون فيه تماما مع سائر المسلمين ، كما لم يسمح لأحد من المسلمين مهما علت درجته في الإمارة أن يسيء لأحد منهم ..
وكان يبعث لأهل كل الأمصار التي فتحت في عصره رسالة مفادها أيها الناس: " إني بعثت عمالي هؤلاء ولاة بالحق عليكم، ولم أستعملهم ليصيبوا من أبشاركم ، ولا من دمائكم، ولا من أموالكم ، فمن كانت له مظلمة عند أحد منهم فليأت إلينا " فاستجاب الناس لذلك ، وقصة المصري الذي شكا من تطاول ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه عليه فأنصفه مشهورة عند العامة والخاصة .
ولم يكتف بذلك وينتظر حتى يأتي إليه الناس بشكواهم ، وإنما هَمّ بأن يذهب ليتلقاها منهم بنفسه ، وقال : لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية حولاً فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني ، أما عمالهم فلا يرفعونها إلي، وأما هم فلا يصلون إلي، فأسير إلى الشام فأقيم شهرين، وبالجزيرة ( الفراتية ) شهرين، وبمصر شهرين، وبالبحرين شهرين، وبالكوفة شهرين، وبالبصرة شهرين " لولا أن أبا لؤلؤة المجوسي الذي سمح له عمر من قبل أن يتكسب بحرفته في المدينة ـ رغم كونه غير مسلم ـ عاجله فقتله غدرا وهو يؤم الناس في صلاة الصبح .
ولم يرض عمر بمنع الإيذاء عن غير المسلمين من أبناء رعيته فقط ، وإنما اقتضت وسطيته واعتداله معهم أن يوجب لفقرائهم مصدر الرزق كما وجب على أثريائهم دفع ضريبة الجزية ، فقد مر رضي الله عنه يوما بشيخ كبير يسأل الناس الصدقة ، فقال : ما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن ، فأخذ بيده ، وذهب به إلى منزله ، وأمر له بعطاء من ماله الخاص ، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال :" انظر هذا وضرباءه ، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم ، إنما الصدقات للفقراء والمساكين ، والفقراء هم المسلمون ، وهذا من المساكين من أهل الكتاب " وعمم ذلك في أنحاء الدولة الإسلامية ..
ولما أحس عرب تغلب من النصارى أن مُسمّى الجزية فيه نقصان لكبريائهم وطلبوا دفع مثل الصدقة ( الزكاة ) مضاعفة أقرهم على ذلك ، ولم يتشدد عليهم ورضي منهم بضعف الصدقة لأن المسلم يدفع صدقته ويجاهد ويدافع عن حمى الوطن ، ويوفر الأمن لسكانه على اختلاف أديانهم ، أما هؤلاء فلم يجبروا على الخدمة في الجيش ، فمن العدل أن يدفعوا بدل الإعفاء من تلك الخدمة .
وكذلك لما نزح بعض عرب الشام من النصارى أثناء الفتح إلى بلاد الروم ، وكانوا من قبل يعينونهم على المسلمين ، ويقاتلون في صفهم أرسل رضي الله عنه إلى ملك الروم يأمره بأن يعيدهم إلى موطنهم بالشام مرة أخرى فعاشوا بأموالهم وأولادهم منعمين .
ولكن هذه المعاملة الحسنة معهم لم يتبعها أي تنازل يمس ثوابت الإسلام أو أن يخالف فيهم ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما اقتدت سياسة العدل والوسط أن يوفي إلى غير المسلمين حقهم ، ويجري عليهم حكم الله فيهم ، فقد بعث بعد توليه الخلافة يعلي بن أمية إلى اليمن وأمره بإجلاء غير المسلمين من أهل نجران، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه بذلك ، حيث قال : " لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ " (موطأ مالك ) ولوصية أبي بكر رحمه الله بذلك في مرضه، وقال: ائتهم ولا تفتنهم عن دينهم، ثم أجلهم ؛ من أقام منهم على دينه، وأقرر المسلم ، وامسح أرض كل من تجلى منهم ، ثم خيرهم أي البلدان لينزلوا فيها ، وأعلمهم أنا نجليهم بأمر الله ورسوله ؛ ألا يترك بجزيرة العرب دينان ؛ فليخرجوا ؛ من أقام على دينه منهم ؛ ثم نعطيهم أرضاً كأرضهم، إقراراً لهم بالحق على أنفسنا، ووفاء بذمتهم فيما أمر الله من ذلك ، بدلاً بينهم وبين جيرانهم من أهل اليمن وغيرهم فيما صار لجيرانهم بالريف (تاريخ الطبري ج 2 / ص 228) .
فعل ذلك بأهل نجران في حين أنه رفض أن يصلي بإحدى كنائس بيت المقدس لما حضرته الصلاة ؛ حفاظا على حقوقهم ، وقال لهم : خشيت أن يغالبكم عليها المسلمون من بعدي ، وهذه من وسطيته واعتداله ؛ تلك الوسطية المعتمدة على كتاب الله وسنة رسوله ..
ولذلك أقول : إن ما نراه الآن من السماح لغير المسلمين من اليهود والنصارى الذين هاجروا للعمل بدول الخليج ببناء الكنائس ليس من الوسطية والاعتدال في شيء ، ولا يدخل تحت مفهوم السماحة التي يدعيها الناس في شيء ، وإنما السماحة في أن توفي إليهم حقوقهم المادية غير منقوصة ، ولا يساء إلى آدميتهم ، ولا تزدرى جنسياتهم ، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأن نبين لهم أن هذا أمر الله ورسوله كما قال عمر ليعلي بن أمية رضي الله عنهما ..
وأخيرا أذكر أن سياسة التوسط والاعتدال عند عمر الفاروق رضي الله عنه مع غير المسلمين لم يكن معناها أن يتسامح مع أحد منهم في التطاول على الإسلام وشرعه بقول أو فعل ، أو يتسبب في إيذاء مسلم أو مسلمة ، فقد جاء إليه وهو في طريقه إلى القدس الشريف رجل نبطيّ يهودي مضروب مشجّج يشكو له أحد المسلمين ، فلما شاهد ما به من آثار الضرب غضب غضباً شديداً، وقال لصهيب الرومي وكان يرافقه : انظر من فعل به ذلك فأتني به، فانطلق صهيب فإذا الذي ضربه هو الصحابي عوف بن مالك الأشجعيّ ، فقال له صهيب : إن أمير المؤمنين قد غضب غضباً شديداً، فلو أتيت معاذ بن جبل ( وكان قاضيا ) فمشي معك إلى أمير المؤمنين ، فإني أخاف عليك بادرته ، فجاء معه معاذ ..
وكان عمر قد أقبل على صلاته بعد بعث صهيب فلّما انصرف من الصّلاة قال: أين صهيب؟ قال: أنا هذا ، ... يا أمير المؤمنين إنه عوف بن مالك، فاسمع منه ولا تعجل عليه... فخرج عمر إلى عوف فقال له : مالك ولهذا ؟ فقال عوف : يا أمير المؤمنين، رأيته يسوق لامرأة مسلمة ( خارج العمران ) فنخس الحمار ليصرعها ، فلم تصرع؛ فدفعها فخرّت عن الحمار، فغشيها ففعلت به ما ترى...
واقتدت سياسة عمر رضي الله عنه ألا يسمع له ويصدقه دون بينة ، وإنما قال : ائتني بالمرأة لتصدّقك ، فأتى عوف المرأة ، فذكر الذي قاله عمر ، فقال أبوها وزوجها : ما أردت بهذا ؟ فضحتنا ، فقالت المرأة : والله لأذهبنّ معه إلى أمير المؤمنين...
فلّما عزمت على ذلك قال أبوها وزوجها : نحن نبلّغ عنك أمير المؤمنين ، فأتياه فصدّقا عوف بن مالك بما قال ، فقال عمر لليهوديّ : والله ما على هذا عاهدناكم ، فأمر به فصلب، ثم قال: يا أيّها النّاس، فوا بذمّة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن فعل هذا فلا ذمّة له.
هذه سياسة التوسط والاعتدال عند عمر رضي الله عنه ، ولو لم يفعل ذلك لَلِحق بالمسلمين على أيدي غيرهم من الإيذاءات ما لا يحصى ، وصفحات التاريخ مليئة بما لا وقت لذكره من تجاوزات الذميين بعد أن تخلى الأمراء والحكام عن سياسته رضي الله عنه ... فاعتبروا يا أولي الألباب !!.
الأحد 16 مارس - 16:45 من طرف love for ever
» عالم مصريات ألماني يضع نظرية جديدة عن أصل الاهرام
الثلاثاء 24 ديسمبر - 9:08 من طرف adel.ebied.14
» فرح جامد آخر حاجه
الأحد 11 مارس - 7:46 من طرف عمرو سليم
» ملحمة الثورة في السويس
الأربعاء 27 أبريل - 3:54 من طرف عادل
» موقعة الجمل 2-2-2011
الأحد 24 أبريل - 10:28 من طرف عادل
» معركة قصر النيل في يوم جمعة الشهداء (الغضب) 28 -1 - 2011
السبت 23 أبريل - 3:10 من طرف عادل
» احداث يوم 25 يناير في ميدان المطرية
السبت 23 أبريل - 1:24 من طرف عادل
» تفاصيل يوم الغضب "25 يناير" لحظة بلحظة
السبت 23 أبريل - 1:20 من طرف عادل
» كتاب حقيقة البهائية لدكتور مصطفى محمود
الجمعة 22 أبريل - 8:01 من طرف هشام الصفطي
» لماذا قامت الثورة ؟
الخميس 21 أبريل - 7:51 من طرف Marwan(Mark71)
» مواهب خرجت من رحم الثورة
الخميس 21 أبريل - 2:55 من طرف سعاد خليل
» تفاصيل يوم الغضب الثالث "27 يناير" لحظة بلحظة
الأربعاء 20 أبريل - 3:52 من طرف صبري محمود
» تفاصيل يوم الغضب الثاني "26 يناير" لحظة بلحظة
الأربعاء 20 أبريل - 3:39 من طرف صبري محمود
» مصابي موقعة الجمل في يوم 2-2- 2011
الثلاثاء 19 أبريل - 13:24 من طرف عادل
» الثورة المصرية بالطريقة الهتلرية
الثلاثاء 19 أبريل - 13:19 من طرف عادل
» المتحولون
الثلاثاء 19 أبريل - 10:28 من طرف عادل
» دعوات للنزول للمشاركة في يوم 25
الإثنين 18 أبريل - 20:51 من طرف عادل
» لقاءات مع بعض الثوار بعيدا عن برامج التوك شو
الإثنين 18 أبريل - 0:15 من طرف عادل
» الثورة الضاحكة ( مواقف وطرائف )
الأحد 17 أبريل - 23:20 من طرف عادل
» يوميات الثورة فيلم وثائقي من انتاج bbc
الأحد 17 أبريل - 20:21 من طرف عادل
» احداث ثلاثاء الصمود 8-2-2011 في سوهاج
الأحد 17 أبريل - 20:07 من طرف عادل
» احداث ثلاثاء الصمود 8-2-2011 في مدينة جرجا بسوهاج
الأحد 17 أبريل - 19:54 من طرف عادل
» احداث يوم الغضب 25 يناير في محطة الرمل بالاسكندرية
الأحد 17 أبريل - 4:00 من طرف عادل
» احداث يوم الغضب 25 يناير في شبرا
الأحد 17 أبريل - 2:12 من طرف عادل
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في شبرا
الأحد 17 أبريل - 1:36 من طرف عادل
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في حدائق القبة
الأحد 17 أبريل - 0:44 من طرف عادل
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في ميدان المطرية
الأحد 17 أبريل - 0:10 من طرف عادل
» يوم 24 يناير ما قبل ساعة الصفر
الخميس 14 أبريل - 21:45 من طرف عادل
» اول ساعة ثورة
الخميس 14 أبريل - 20:47 من طرف عادل
» ثم ماذا بعد ؟
الخميس 14 أبريل - 19:18 من طرف عادل
» ذكريات اول ايام الثورة
الخميس 14 أبريل - 19:13 من طرف عادل
» ندااااااااء
الخميس 23 ديسمبر - 13:58 من طرف love for ever
» دحمبيش الغربيه
الخميس 23 ديسمبر - 13:53 من طرف love for ever
» الحجاب والنقاب في مصر
الخميس 23 ديسمبر - 13:52 من طرف love for ever
» كل سنه وكلكوا طيبيبن
الإثنين 15 نوفمبر - 13:44 من طرف love for ever
» لماذا الصمت والسكوت عن هؤلاء
الأحد 31 أكتوبر - 5:57 من طرف هادي
» شخصيات خلبية وهزلية
الأحد 31 أكتوبر - 5:47 من طرف هادي
» msakr2006
السبت 30 أكتوبر - 5:49 من طرف marmar
» ente7ar007
السبت 30 أكتوبر - 5:46 من طرف marmar
» Nancy
السبت 30 أكتوبر - 5:44 من طرف marmar
» waleed ali
السبت 30 أكتوبر - 5:42 من طرف marmar
» hamedadelali
السبت 30 أكتوبر - 5:41 من طرف marmar
» ياسر عشماوى عبدالفتاح
السبت 30 أكتوبر - 5:39 من طرف marmar
» علي عبد الله رحاحلة
السبت 30 أكتوبر - 5:38 من طرف marmar
» sheriefadel
السبت 30 أكتوبر - 5:36 من طرف marmar
» خالد احمد عدوى
السبت 30 أكتوبر - 5:33 من طرف marmar
» khaled
السبت 30 أكتوبر - 5:29 من طرف marmar
» yasser attia
السبت 30 أكتوبر - 5:28 من طرف marmar
» abohmaid
السبت 30 أكتوبر - 5:26 من طرف marmar
» ملك الجبل
السبت 30 أكتوبر - 5:24 من طرف marmar
» elcaptain
السبت 30 أكتوبر - 5:21 من طرف marmar
» حاتم حجازي
السبت 30 أكتوبر - 5:20 من طرف marmar
» aka699
السبت 30 أكتوبر - 5:19 من طرف marmar
» wasseem
السبت 30 أكتوبر - 5:16 من طرف marmar
» mohammedzakarea
السبت 30 أكتوبر - 5:14 من طرف marmar
» حيدر
السبت 30 أكتوبر - 5:12 من طرف marmar
» hamadafouda
السبت 30 أكتوبر - 5:10 من طرف marmar
» كل سنه وألأمه الأسلاميه بخير
الجمعة 24 سبتمبر - 4:02 من طرف love for ever
» same7samir
الأحد 18 يوليو - 9:26 من طرف love for ever
» تامر الباز
الجمعة 9 يوليو - 7:31 من طرف love for ever
» تعالوا نلضم اسمينا الفلة جنب الياسمينا
الجمعة 11 يونيو - 7:37 من طرف love for ever
» امجد
الأحد 16 مايو - 8:42 من طرف marmar
» ahmedelmorsi
الأحد 16 مايو - 8:40 من طرف marmar
» محمد امين
الأحد 16 مايو - 8:38 من طرف marmar
» MrMoha12356
الأحد 16 مايو - 8:36 من طرف marmar
» نوسه الحلو
الأحد 16 مايو - 8:34 من طرف marmar
» ibrahem545
الأحد 16 مايو - 8:32 من طرف marmar
» يوسف محمد السيد
الأحد 16 مايو - 8:30 من طرف marmar
» memo
الأحد 16 مايو - 8:27 من طرف marmar
» هاكلن
الأحد 16 مايو - 8:25 من طرف marmar
» لماذا نريد التغيير
السبت 15 مايو - 22:02 من طرف نرمين عبد الله
» دعوة للتوقيع "فعليا" على بيان الجمعية الوطنية للتغيير
السبت 15 مايو - 8:13 من طرف طائر الليل الحزين
» السياسيون والتغيير السياسي في مصر
الخميس 13 مايو - 5:40 من طرف osman_hawa
» الفساد في مصر بلا حدود 2
الخميس 13 مايو - 3:07 من طرف osman_hawa
» الفساد في مصر بلا حدود
الخميس 13 مايو - 2:56 من طرف osman_hawa
» العمال والتغيير السياسي في مصر
الخميس 13 مايو - 2:23 من طرف osman_hawa
» رجال الأعمال والتغيير السياسي في مصر
الخميس 13 مايو - 1:43 من طرف osman_hawa
» الطلبة و التغيير السياسي في مصر
الخميس 13 مايو - 1:16 من طرف osman_hawa
» الأدباء و التغيير السياسي في مصر
الخميس 13 مايو - 0:57 من طرف osman_hawa
» فلاحون مصر و التغيير السياسي
الخميس 13 مايو - 0:41 من طرف osman_hawa
» علماء مصر و التغيير السياسي
الخميس 13 مايو - 0:30 من طرف osman_hawa
» معا ننقذ فؤادة
الإثنين 26 أبريل - 21:49 من طرف marmar
» وثيقة المثقفين لتأييد البرادعى
الإثنين 26 أبريل - 5:34 من طرف طائر الليل الحزين
» نوام بالبرطمان يطالبون باطلاق الرصاص علي المطالبين بالاصلاحات الدستورية
الإثنين 26 أبريل - 4:28 من طرف طائر الليل الحزين
» أول مناظرة رئاسية بين أيمن نور وحمدين صباحي
الإثنين 26 أبريل - 4:17 من طرف طائر الليل الحزين
» لقاءقناة العربيه مع الدكتور محمد البرادعي
الإثنين 26 أبريل - 2:31 من طرف طائر الليل الحزين
» مبارك يهنئ إسرائيل بعيد تأسيسها واحتلال فلسطين وهزيمتها لمصر
الجمعة 23 أبريل - 11:33 من طرف love for ever
» حوده
الخميس 22 أبريل - 10:47 من طرف marmar
» وليد الروبى
الخميس 22 أبريل - 7:55 من طرف اشرف
» dr.nasr
الخميس 22 أبريل - 7:52 من طرف اشرف
» المشير أحمد إسماعيل
الإثنين 19 أبريل - 9:44 من طرف osman_hawa
» تحية اعزاز وتقدير في يوم العزة والكرامة, الي شهداء 10 رمضان
الإثنين 19 أبريل - 9:03 من طرف osman_hawa
» wessam
الإثنين 19 أبريل - 7:26 من طرف اشرف
» عذب ابها
الإثنين 19 أبريل - 7:23 من طرف اشرف
» soma
الإثنين 19 أبريل - 7:22 من طرف اشرف
» islam abdou
الإثنين 19 أبريل - 7:18 من طرف اشرف
» رسالة ترحيب
الإثنين 19 أبريل - 7:05 من طرف marmar
» الحقيقة حول ما حدث يوم 6 ابريل
السبت 17 أبريل - 10:44 من طرف marmar
» اصول العقائد البهائيه
السبت 17 أبريل - 10:20 من طرف marmar