لقد كان عمر الفاروق رضي الله عنه مثالا فريدا من بين كل الذين وصلوا لسدة الحكم ليس في عصره فقط ، وإنما في كل العصور والأزمان التي مرت بها البشرية ، وقد تنبأ له النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بتلك المنزلة التي سيصل إليها بقوله : " فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه " ( رواه مسلم في صحيحه)..
وقد ظهرت تلك العبقرية عنده رضي الله عنه في توسطه واعتداله الكامل في كل أمور حكمه ، فلم يجنح أو يميل يمنة أو يسرة .. نعم لم يجنح يمنة قيد أنملة فيحابي حتى ابنه الذي ترك يوما ماشيته ترعى في الكلأ الذي كان محميا لأموال الصدقات فأنبه وحال بينه وبين ذلك ، ولم يجنح يسرة قيد أنملة فيعاقب الرجل الذي قتل أخاه ضرار بن الخطاب ثم تاب وأسلم قبل أن يقدر عليه ، ولم يفعل سوى أن قال لهذا الرجل : والله لأحبك أبدا ، فرد عليه بجفاء الأعراب الذي نشأ عليه وقال : أبغضك إياي يمنعني حقا من حقوقي ؟! فقال عمر : لا ، فأجابه : إنه ليس محتاجا لحبه ، وإنما يبكي على الحب النساء .
ومن يتابع سيرته رضي الله عنه سيجد أن تلك المعاملة القائمة على التوسط والاعتدال شملت كل الناس ، ولكني سأقصر حديثي في هذه السطور المعدودة على توسطه واعتداله مع غير المسلمين من أبناء رعيته ، وأخصها بالذكر لأني لاحظت شططا من الحديث عنها ، ورأيت من بالغ في نظرته لهؤلاء تحت المؤثرات النفسية فجعل منهم (أي غير المسلمين في المجتمعات المسلمة ) أعداء على السواء ، لا فرق بينهم وبين الأعداء الذين يحاربون أمتنا ويسيلون دماءها ليل نهار ، ورأيت من بالغ تحت تأثير من الفكر الانهزامي الذي حل بأمتنا الإسلامية فادّعى لهم من الامتيازات ما لا يقره لهم أي شرع بشري أو إلهي ؛ حتى صار يطالب من أجلهم المسلمين بالانخلاع عن ثوابت دينهم إرضاء لهؤلاء تحت مسمى " الوطنية "وغيرها من المسميات التي لا يُدرى مغزاها ..
وكلا الفريقين (المتنطع في حكمه ، والداعي للتنازل عن ثوابت دينه ) غير رشيد ، والأول مردود عليه بقول الله سبحانه وتعالى : " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " ( المائدة : 8) والثاني مردود عليه بقول الله سبحانه وتعالى : " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ " ( البقرة : 120 ) .
ولذلك كانت سياسة الفاروق عمر رضي الله عنه معهم قائمة على منحهم الحقوق كاملة في تدينهم، فيتعبدون بالدين الذي يختارونه ؛ لكن دون تناول الإسلام بسوء ولو على سبيل التعريض ، ومنحهم من حقوق الرعية في أمور المعاش ما يتساوون فيه تماما مع سائر المسلمين ، كما لم يسمح لأحد من المسلمين مهما علت درجته في الإمارة أن يسيء لأحد منهم ..
وكان يبعث لأهل كل الأمصار التي فتحت في عصره رسالة مفادها أيها الناس: " إني بعثت عمالي هؤلاء ولاة بالحق عليكم، ولم أستعملهم ليصيبوا من أبشاركم ، ولا من دمائكم، ولا من أموالكم ، فمن كانت له مظلمة عند أحد منهم فليأت إلينا " فاستجاب الناس لذلك ، وقصة المصري الذي شكا من تطاول ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه عليه فأنصفه مشهورة عند العامة والخاصة .
ولم يكتف بذلك وينتظر حتى يأتي إليه الناس بشكواهم ، وإنما هَمّ بأن يذهب ليتلقاها منهم بنفسه ، وقال : لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية حولاً فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني ، أما عمالهم فلا يرفعونها إلي، وأما هم فلا يصلون إلي، فأسير إلى الشام فأقيم شهرين، وبالجزيرة ( الفراتية ) شهرين، وبمصر شهرين، وبالبحرين شهرين، وبالكوفة شهرين، وبالبصرة شهرين " لولا أن أبا لؤلؤة المجوسي الذي سمح له عمر من قبل أن يتكسب بحرفته في المدينة ـ رغم كونه غير مسلم ـ عاجله فقتله غدرا وهو يؤم الناس في صلاة الصبح .
ولم يرض عمر بمنع الإيذاء عن غير المسلمين من أبناء رعيته فقط ، وإنما اقتضت وسطيته واعتداله معهم أن يوجب لفقرائهم مصدر الرزق كما وجب على أثريائهم دفع ضريبة الجزية ، فقد مر رضي الله عنه يوما بشيخ كبير يسأل الناس الصدقة ، فقال : ما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن ، فأخذ بيده ، وذهب به إلى منزله ، وأمر له بعطاء من ماله الخاص ، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال :" انظر هذا وضرباءه ، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم ، إنما الصدقات للفقراء والمساكين ، والفقراء هم المسلمون ، وهذا من المساكين من أهل الكتاب " وعمم ذلك في أنحاء الدولة الإسلامية ..
ولما أحس عرب تغلب من النصارى أن مُسمّى الجزية فيه نقصان لكبريائهم وطلبوا دفع مثل الصدقة ( الزكاة ) مضاعفة أقرهم على ذلك ، ولم يتشدد عليهم ورضي منهم بضعف الصدقة لأن المسلم يدفع صدقته ويجاهد ويدافع عن حمى الوطن ، ويوفر الأمن لسكانه على اختلاف أديانهم ، أما هؤلاء فلم يجبروا على الخدمة في الجيش ، فمن العدل أن يدفعوا بدل الإعفاء من تلك الخدمة .
وكذلك لما نزح بعض عرب الشام من النصارى أثناء الفتح إلى بلاد الروم ، وكانوا من قبل يعينونهم على المسلمين ، ويقاتلون في صفهم أرسل رضي الله عنه إلى ملك الروم يأمره بأن يعيدهم إلى موطنهم بالشام مرة أخرى فعاشوا بأموالهم وأولادهم منعمين .
ولكن هذه المعاملة الحسنة معهم لم يتبعها أي تنازل يمس ثوابت الإسلام أو أن يخالف فيهم ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما اقتدت سياسة العدل والوسط أن يوفي إلى غير المسلمين حقهم ، ويجري عليهم حكم الله فيهم ، فقد بعث بعد توليه الخلافة يعلي بن أمية إلى اليمن وأمره بإجلاء غير المسلمين من أهل نجران، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه بذلك ، حيث قال : " لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ " (موطأ مالك ) ولوصية أبي بكر رحمه الله بذلك في مرضه، وقال: ائتهم ولا تفتنهم عن دينهم، ثم أجلهم ؛ من أقام منهم على دينه، وأقرر المسلم ، وامسح أرض كل من تجلى منهم ، ثم خيرهم أي البلدان لينزلوا فيها ، وأعلمهم أنا نجليهم بأمر الله ورسوله ؛ ألا يترك بجزيرة العرب دينان ؛ فليخرجوا ؛ من أقام على دينه منهم ؛ ثم نعطيهم أرضاً كأرضهم، إقراراً لهم بالحق على أنفسنا، ووفاء بذمتهم فيما أمر الله من ذلك ، بدلاً بينهم وبين جيرانهم من أهل اليمن وغيرهم فيما صار لجيرانهم بالريف (تاريخ الطبري ج 2 / ص 228) .
فعل ذلك بأهل نجران في حين أنه رفض أن يصلي بإحدى كنائس بيت المقدس لما حضرته الصلاة ؛ حفاظا على حقوقهم ، وقال لهم : خشيت أن يغالبكم عليها المسلمون من بعدي ، وهذه من وسطيته واعتداله ؛ تلك الوسطية المعتمدة على كتاب الله وسنة رسوله ..
ولذلك أقول : إن ما نراه الآن من السماح لغير المسلمين من اليهود والنصارى الذين هاجروا للعمل بدول الخليج ببناء الكنائس ليس من الوسطية والاعتدال في شيء ، ولا يدخل تحت مفهوم السماحة التي يدعيها الناس في شيء ، وإنما السماحة في أن توفي إليهم حقوقهم المادية غير منقوصة ، ولا يساء إلى آدميتهم ، ولا تزدرى جنسياتهم ، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأن نبين لهم أن هذا أمر الله ورسوله كما قال عمر ليعلي بن أمية رضي الله عنهما ..
وأخيرا أذكر أن سياسة التوسط والاعتدال عند عمر الفاروق رضي الله عنه مع غير المسلمين لم يكن معناها أن يتسامح مع أحد منهم في التطاول على الإسلام وشرعه بقول أو فعل ، أو يتسبب في إيذاء مسلم أو مسلمة ، فقد جاء إليه وهو في طريقه إلى القدس الشريف رجل نبطيّ يهودي مضروب مشجّج يشكو له أحد المسلمين ، فلما شاهد ما به من آثار الضرب غضب غضباً شديداً، وقال لصهيب الرومي وكان يرافقه : انظر من فعل به ذلك فأتني به، فانطلق صهيب فإذا الذي ضربه هو الصحابي عوف بن مالك الأشجعيّ ، فقال له صهيب : إن أمير المؤمنين قد غضب غضباً شديداً، فلو أتيت معاذ بن جبل ( وكان قاضيا ) فمشي معك إلى أمير المؤمنين ، فإني أخاف عليك بادرته ، فجاء معه معاذ ..
وكان عمر قد أقبل على صلاته بعد بعث صهيب فلّما انصرف من الصّلاة قال: أين صهيب؟ قال: أنا هذا ، ... يا أمير المؤمنين إنه عوف بن مالك، فاسمع منه ولا تعجل عليه... فخرج عمر إلى عوف فقال له : مالك ولهذا ؟ فقال عوف : يا أمير المؤمنين، رأيته يسوق لامرأة مسلمة ( خارج العمران ) فنخس الحمار ليصرعها ، فلم تصرع؛ فدفعها فخرّت عن الحمار، فغشيها ففعلت به ما ترى...
واقتدت سياسة عمر رضي الله عنه ألا يسمع له ويصدقه دون بينة ، وإنما قال : ائتني بالمرأة لتصدّقك ، فأتى عوف المرأة ، فذكر الذي قاله عمر ، فقال أبوها وزوجها : ما أردت بهذا ؟ فضحتنا ، فقالت المرأة : والله لأذهبنّ معه إلى أمير المؤمنين...
فلّما عزمت على ذلك قال أبوها وزوجها : نحن نبلّغ عنك أمير المؤمنين ، فأتياه فصدّقا عوف بن مالك بما قال ، فقال عمر لليهوديّ : والله ما على هذا عاهدناكم ، فأمر به فصلب، ثم قال: يا أيّها النّاس، فوا بذمّة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن فعل هذا فلا ذمّة له.
هذه سياسة التوسط والاعتدال عند عمر رضي الله عنه ، ولو لم يفعل ذلك لَلِحق بالمسلمين على أيدي غيرهم من الإيذاءات ما لا يحصى ، وصفحات التاريخ مليئة بما لا وقت لذكره من تجاوزات الذميين بعد أن تخلى الأمراء والحكام عن سياسته رضي الله عنه ... فاعتبروا يا أولي الألباب !!.
وقد ظهرت تلك العبقرية عنده رضي الله عنه في توسطه واعتداله الكامل في كل أمور حكمه ، فلم يجنح أو يميل يمنة أو يسرة .. نعم لم يجنح يمنة قيد أنملة فيحابي حتى ابنه الذي ترك يوما ماشيته ترعى في الكلأ الذي كان محميا لأموال الصدقات فأنبه وحال بينه وبين ذلك ، ولم يجنح يسرة قيد أنملة فيعاقب الرجل الذي قتل أخاه ضرار بن الخطاب ثم تاب وأسلم قبل أن يقدر عليه ، ولم يفعل سوى أن قال لهذا الرجل : والله لأحبك أبدا ، فرد عليه بجفاء الأعراب الذي نشأ عليه وقال : أبغضك إياي يمنعني حقا من حقوقي ؟! فقال عمر : لا ، فأجابه : إنه ليس محتاجا لحبه ، وإنما يبكي على الحب النساء .
ومن يتابع سيرته رضي الله عنه سيجد أن تلك المعاملة القائمة على التوسط والاعتدال شملت كل الناس ، ولكني سأقصر حديثي في هذه السطور المعدودة على توسطه واعتداله مع غير المسلمين من أبناء رعيته ، وأخصها بالذكر لأني لاحظت شططا من الحديث عنها ، ورأيت من بالغ في نظرته لهؤلاء تحت المؤثرات النفسية فجعل منهم (أي غير المسلمين في المجتمعات المسلمة ) أعداء على السواء ، لا فرق بينهم وبين الأعداء الذين يحاربون أمتنا ويسيلون دماءها ليل نهار ، ورأيت من بالغ تحت تأثير من الفكر الانهزامي الذي حل بأمتنا الإسلامية فادّعى لهم من الامتيازات ما لا يقره لهم أي شرع بشري أو إلهي ؛ حتى صار يطالب من أجلهم المسلمين بالانخلاع عن ثوابت دينهم إرضاء لهؤلاء تحت مسمى " الوطنية "وغيرها من المسميات التي لا يُدرى مغزاها ..
وكلا الفريقين (المتنطع في حكمه ، والداعي للتنازل عن ثوابت دينه ) غير رشيد ، والأول مردود عليه بقول الله سبحانه وتعالى : " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " ( المائدة : 8) والثاني مردود عليه بقول الله سبحانه وتعالى : " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ " ( البقرة : 120 ) .
ولذلك كانت سياسة الفاروق عمر رضي الله عنه معهم قائمة على منحهم الحقوق كاملة في تدينهم، فيتعبدون بالدين الذي يختارونه ؛ لكن دون تناول الإسلام بسوء ولو على سبيل التعريض ، ومنحهم من حقوق الرعية في أمور المعاش ما يتساوون فيه تماما مع سائر المسلمين ، كما لم يسمح لأحد من المسلمين مهما علت درجته في الإمارة أن يسيء لأحد منهم ..
وكان يبعث لأهل كل الأمصار التي فتحت في عصره رسالة مفادها أيها الناس: " إني بعثت عمالي هؤلاء ولاة بالحق عليكم، ولم أستعملهم ليصيبوا من أبشاركم ، ولا من دمائكم، ولا من أموالكم ، فمن كانت له مظلمة عند أحد منهم فليأت إلينا " فاستجاب الناس لذلك ، وقصة المصري الذي شكا من تطاول ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه عليه فأنصفه مشهورة عند العامة والخاصة .
ولم يكتف بذلك وينتظر حتى يأتي إليه الناس بشكواهم ، وإنما هَمّ بأن يذهب ليتلقاها منهم بنفسه ، وقال : لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية حولاً فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني ، أما عمالهم فلا يرفعونها إلي، وأما هم فلا يصلون إلي، فأسير إلى الشام فأقيم شهرين، وبالجزيرة ( الفراتية ) شهرين، وبمصر شهرين، وبالبحرين شهرين، وبالكوفة شهرين، وبالبصرة شهرين " لولا أن أبا لؤلؤة المجوسي الذي سمح له عمر من قبل أن يتكسب بحرفته في المدينة ـ رغم كونه غير مسلم ـ عاجله فقتله غدرا وهو يؤم الناس في صلاة الصبح .
ولم يرض عمر بمنع الإيذاء عن غير المسلمين من أبناء رعيته فقط ، وإنما اقتضت وسطيته واعتداله معهم أن يوجب لفقرائهم مصدر الرزق كما وجب على أثريائهم دفع ضريبة الجزية ، فقد مر رضي الله عنه يوما بشيخ كبير يسأل الناس الصدقة ، فقال : ما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن ، فأخذ بيده ، وذهب به إلى منزله ، وأمر له بعطاء من ماله الخاص ، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال :" انظر هذا وضرباءه ، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم ، إنما الصدقات للفقراء والمساكين ، والفقراء هم المسلمون ، وهذا من المساكين من أهل الكتاب " وعمم ذلك في أنحاء الدولة الإسلامية ..
ولما أحس عرب تغلب من النصارى أن مُسمّى الجزية فيه نقصان لكبريائهم وطلبوا دفع مثل الصدقة ( الزكاة ) مضاعفة أقرهم على ذلك ، ولم يتشدد عليهم ورضي منهم بضعف الصدقة لأن المسلم يدفع صدقته ويجاهد ويدافع عن حمى الوطن ، ويوفر الأمن لسكانه على اختلاف أديانهم ، أما هؤلاء فلم يجبروا على الخدمة في الجيش ، فمن العدل أن يدفعوا بدل الإعفاء من تلك الخدمة .
وكذلك لما نزح بعض عرب الشام من النصارى أثناء الفتح إلى بلاد الروم ، وكانوا من قبل يعينونهم على المسلمين ، ويقاتلون في صفهم أرسل رضي الله عنه إلى ملك الروم يأمره بأن يعيدهم إلى موطنهم بالشام مرة أخرى فعاشوا بأموالهم وأولادهم منعمين .
ولكن هذه المعاملة الحسنة معهم لم يتبعها أي تنازل يمس ثوابت الإسلام أو أن يخالف فيهم ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما اقتدت سياسة العدل والوسط أن يوفي إلى غير المسلمين حقهم ، ويجري عليهم حكم الله فيهم ، فقد بعث بعد توليه الخلافة يعلي بن أمية إلى اليمن وأمره بإجلاء غير المسلمين من أهل نجران، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه بذلك ، حيث قال : " لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ " (موطأ مالك ) ولوصية أبي بكر رحمه الله بذلك في مرضه، وقال: ائتهم ولا تفتنهم عن دينهم، ثم أجلهم ؛ من أقام منهم على دينه، وأقرر المسلم ، وامسح أرض كل من تجلى منهم ، ثم خيرهم أي البلدان لينزلوا فيها ، وأعلمهم أنا نجليهم بأمر الله ورسوله ؛ ألا يترك بجزيرة العرب دينان ؛ فليخرجوا ؛ من أقام على دينه منهم ؛ ثم نعطيهم أرضاً كأرضهم، إقراراً لهم بالحق على أنفسنا، ووفاء بذمتهم فيما أمر الله من ذلك ، بدلاً بينهم وبين جيرانهم من أهل اليمن وغيرهم فيما صار لجيرانهم بالريف (تاريخ الطبري ج 2 / ص 228) .
فعل ذلك بأهل نجران في حين أنه رفض أن يصلي بإحدى كنائس بيت المقدس لما حضرته الصلاة ؛ حفاظا على حقوقهم ، وقال لهم : خشيت أن يغالبكم عليها المسلمون من بعدي ، وهذه من وسطيته واعتداله ؛ تلك الوسطية المعتمدة على كتاب الله وسنة رسوله ..
ولذلك أقول : إن ما نراه الآن من السماح لغير المسلمين من اليهود والنصارى الذين هاجروا للعمل بدول الخليج ببناء الكنائس ليس من الوسطية والاعتدال في شيء ، ولا يدخل تحت مفهوم السماحة التي يدعيها الناس في شيء ، وإنما السماحة في أن توفي إليهم حقوقهم المادية غير منقوصة ، ولا يساء إلى آدميتهم ، ولا تزدرى جنسياتهم ، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأن نبين لهم أن هذا أمر الله ورسوله كما قال عمر ليعلي بن أمية رضي الله عنهما ..
وأخيرا أذكر أن سياسة التوسط والاعتدال عند عمر الفاروق رضي الله عنه مع غير المسلمين لم يكن معناها أن يتسامح مع أحد منهم في التطاول على الإسلام وشرعه بقول أو فعل ، أو يتسبب في إيذاء مسلم أو مسلمة ، فقد جاء إليه وهو في طريقه إلى القدس الشريف رجل نبطيّ يهودي مضروب مشجّج يشكو له أحد المسلمين ، فلما شاهد ما به من آثار الضرب غضب غضباً شديداً، وقال لصهيب الرومي وكان يرافقه : انظر من فعل به ذلك فأتني به، فانطلق صهيب فإذا الذي ضربه هو الصحابي عوف بن مالك الأشجعيّ ، فقال له صهيب : إن أمير المؤمنين قد غضب غضباً شديداً، فلو أتيت معاذ بن جبل ( وكان قاضيا ) فمشي معك إلى أمير المؤمنين ، فإني أخاف عليك بادرته ، فجاء معه معاذ ..
وكان عمر قد أقبل على صلاته بعد بعث صهيب فلّما انصرف من الصّلاة قال: أين صهيب؟ قال: أنا هذا ، ... يا أمير المؤمنين إنه عوف بن مالك، فاسمع منه ولا تعجل عليه... فخرج عمر إلى عوف فقال له : مالك ولهذا ؟ فقال عوف : يا أمير المؤمنين، رأيته يسوق لامرأة مسلمة ( خارج العمران ) فنخس الحمار ليصرعها ، فلم تصرع؛ فدفعها فخرّت عن الحمار، فغشيها ففعلت به ما ترى...
واقتدت سياسة عمر رضي الله عنه ألا يسمع له ويصدقه دون بينة ، وإنما قال : ائتني بالمرأة لتصدّقك ، فأتى عوف المرأة ، فذكر الذي قاله عمر ، فقال أبوها وزوجها : ما أردت بهذا ؟ فضحتنا ، فقالت المرأة : والله لأذهبنّ معه إلى أمير المؤمنين...
فلّما عزمت على ذلك قال أبوها وزوجها : نحن نبلّغ عنك أمير المؤمنين ، فأتياه فصدّقا عوف بن مالك بما قال ، فقال عمر لليهوديّ : والله ما على هذا عاهدناكم ، فأمر به فصلب، ثم قال: يا أيّها النّاس، فوا بذمّة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن فعل هذا فلا ذمّة له.
هذه سياسة التوسط والاعتدال عند عمر رضي الله عنه ، ولو لم يفعل ذلك لَلِحق بالمسلمين على أيدي غيرهم من الإيذاءات ما لا يحصى ، وصفحات التاريخ مليئة بما لا وقت لذكره من تجاوزات الذميين بعد أن تخلى الأمراء والحكام عن سياسته رضي الله عنه ... فاعتبروا يا أولي الألباب !!.
» عالم مصريات ألماني يضع نظرية جديدة عن أصل الاهرام
» فرح جامد آخر حاجه
» ملحمة الثورة في السويس
» موقعة الجمل 2-2-2011
» معركة قصر النيل في يوم جمعة الشهداء (الغضب) 28 -1 - 2011
» احداث يوم 25 يناير في ميدان المطرية
» تفاصيل يوم الغضب "25 يناير" لحظة بلحظة
» كتاب حقيقة البهائية لدكتور مصطفى محمود
» لماذا قامت الثورة ؟
» مواهب خرجت من رحم الثورة
» تفاصيل يوم الغضب الثالث "27 يناير" لحظة بلحظة
» تفاصيل يوم الغضب الثاني "26 يناير" لحظة بلحظة
» مصابي موقعة الجمل في يوم 2-2- 2011
» الثورة المصرية بالطريقة الهتلرية
» المتحولون
» دعوات للنزول للمشاركة في يوم 25
» لقاءات مع بعض الثوار بعيدا عن برامج التوك شو
» الثورة الضاحكة ( مواقف وطرائف )
» يوميات الثورة فيلم وثائقي من انتاج bbc
» احداث ثلاثاء الصمود 8-2-2011 في سوهاج
» احداث ثلاثاء الصمود 8-2-2011 في مدينة جرجا بسوهاج
» احداث يوم الغضب 25 يناير في محطة الرمل بالاسكندرية
» احداث يوم الغضب 25 يناير في شبرا
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في شبرا
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في حدائق القبة
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في ميدان المطرية
» يوم 24 يناير ما قبل ساعة الصفر
» اول ساعة ثورة
» ثم ماذا بعد ؟
» ذكريات اول ايام الثورة
» ندااااااااء
» دحمبيش الغربيه
» الحجاب والنقاب في مصر
» كل سنه وكلكوا طيبيبن
» لماذا الصمت والسكوت عن هؤلاء
» شخصيات خلبية وهزلية
» msakr2006
» ente7ar007
» Nancy
» waleed ali
» hamedadelali
» ياسر عشماوى عبدالفتاح
» علي عبد الله رحاحلة
» sheriefadel
» خالد احمد عدوى
» khaled
» yasser attia
» abohmaid
» ملك الجبل
» elcaptain
» حاتم حجازي
» aka699
» wasseem
» mohammedzakarea
» حيدر
» hamadafouda
» كل سنه وألأمه الأسلاميه بخير
» same7samir
» تامر الباز
» تعالوا نلضم اسمينا الفلة جنب الياسمينا
» امجد
» ahmedelmorsi
» محمد امين
» MrMoha12356
» نوسه الحلو
» ibrahem545
» يوسف محمد السيد
» memo
» هاكلن
» لماذا نريد التغيير
» دعوة للتوقيع "فعليا" على بيان الجمعية الوطنية للتغيير
» السياسيون والتغيير السياسي في مصر
» الفساد في مصر بلا حدود 2
» الفساد في مصر بلا حدود
» العمال والتغيير السياسي في مصر
» رجال الأعمال والتغيير السياسي في مصر
» الطلبة و التغيير السياسي في مصر
» الأدباء و التغيير السياسي في مصر
» فلاحون مصر و التغيير السياسي
» علماء مصر و التغيير السياسي
» معا ننقذ فؤادة
» وثيقة المثقفين لتأييد البرادعى
» نوام بالبرطمان يطالبون باطلاق الرصاص علي المطالبين بالاصلاحات الدستورية
» أول مناظرة رئاسية بين أيمن نور وحمدين صباحي
» لقاءقناة العربيه مع الدكتور محمد البرادعي
» مبارك يهنئ إسرائيل بعيد تأسيسها واحتلال فلسطين وهزيمتها لمصر
» حوده
» وليد الروبى
» dr.nasr
» المشير أحمد إسماعيل
» تحية اعزاز وتقدير في يوم العزة والكرامة, الي شهداء 10 رمضان
» wessam
» عذب ابها
» soma
» islam abdou
» رسالة ترحيب
» الحقيقة حول ما حدث يوم 6 ابريل
» اصول العقائد البهائيه