"مصبح".. فشل الاحتلال باغتياله ونالته "يد الغدر"

غزة-رشا بركة-الشبكة الإعلامية الفلسطينية

مثَل رحيل الشهيد عمار مصبح لدى جيرانه وأهله وأصدقائه "الفاجعة الكبرى" التي حلت بهم، لما ناله هذا الشاب المجاهد من مكانة كبيرة في قلوبهم، حتى احتضن أصدقائه وشباب حارته صورته داخل بيت العزاء يقبلونها ويتمنون اللحاق به لتبرد حرقة قلوبهم عليه.

وكان الشهيد عمار خط الدفاع الحصين بالنسبة لأهل منطقته فى وجه قوات الاحتلال الاسرائيلى التي لم تكن تكف عن اجتياح المنطقة الشرقية فى الشجاعية، وكان يذيقها الشهيد علقم القذائف حتى أثناء إصابته.

وظلت السرية والهدوء، الابتسامة، التقوى، والإيمان بالجهاد في سبيل الله"، جميعها صفات يتحلى بها الشهيد عمار مصبح "أبو مسلمة" أحد قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة "حماس" والذي ولد في حي الشجاعية شرق غزة في أيار/مايو عام 1981 .

وشيع آلاف الفلسطينيين في مدينة غزة جثمان عمار وأربعة من نشطاء كتائب القسام وطفلة ظهر السبت، وعلامات الحزن والألم كانت جلية على ملامحهم لفقدان خمسة مقاومين لطالما لقنوا قوات الاحتلال دروساً في فنون القتال.

واستشهد "أبو مسلمة" وأصدقائه، وأصيب آخرون إثر انفجار عبوة "شديدة الانفجار" وضعت قرب سيارة كانت قرب خيمتهم على شاطئ بحر مدينة غزة.




قلوب محترقة

ووسط بيت العزاء المكتظ بالشباب الذين يبكون الشهيد مصبح بحرقة، جلس "أبو صهيب" أحد أصدقاء عمار وابن حارته محتضنا صورته ويبكى مردداً "لماذا رحلت قبلي ياعمار..قلت له ليت يومي قبل يومك ياعمار، لكنه سبقني وتركني أحترق عليه".

وكما يقول صديق الشهيد "كنا جميعا أبنائه، كل المنطقة الشرقية أبناء عمار، وكان ملجأنا جميعا، ويحبنا ولم يكن يؤذى أحدا، لقد تربينا معا فى المسجد ولم يكن يفارقه منذ صغره، وأنا واحدا من تلاميذه رغم أنى أكبر منه سنا".

وأبهر عمار بحياته الجهادية كافة أهالي المنطقة الذين كان شغلهم الشاغل بعد أن دوخ جنود الاحتلال والقوات الخاصة.

واستذكرت "أم نذار" والدة الشهيد عمار البالغة خمسون عاما، حادثة اصابة الشهيد قبل أشهر من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلى، قائلةً "والله هزم اليهود ولم يقدروا عليه، وكان يرميهم بالقذائف حتى وهو مصاب وفاجأ الجميع يومها".

وتابعت "جاءت الطائرة قبل أشهر وأصابته بكاتم صوت فى قدمه وصدره، ونزل الجنود يريدون أن يعتقلوه حيا، فتفاجئنا بعمار يرمى بالقذائف عليهم وهو مصاب ويعطى تعليماته للمجاهدين بالجهاز الخلوى ودمائه تسيل من قدميه، وحينها انسحب الجنود دون أن يأخذوه".

والشهيد عمار الذي تزوج في العام 2002 هو أب لثلاثة أطفال هم التوأم مسلمة وسجى أربعة أعوام، وعز الدين عام ونصف.

والتحق أبو مسلمة في صفوف كتائب القسام في العام 2003، وكان آنذاك جنديا يبلغ (22 عاماً) ونظرا لتميزه وشجاعته ودماثة خلقة، صعد عمار حتى تولى قيادة سرية كتائب القسام في منطقة "الجديدة".

ونجا "أبو مسلمة" من محاولة اغتيال إسرائيلية في الذكرى العشرين لانطلاقة حركة حماس، عندما استهدفته القوات الخاصة وطائرات الاحتلال بالنيران والصواريخ أثناء "رباطه" شرق مدينة غزة.

ويفيد والده وعدد من زملائه في كتائب القسام، أن أبو مسلمة أصيب في رأسه وقدمه في هذه المحاولة، لكنه بقى صامداً في الميدان حتى تركت تلك القوات أسلحتها وهربت وهي تحمل جرحاها في المعركة إلى الحدود.

وبألم عبر "نزار" الشقيق الأكبر لعمار عن فاجعته برحيل شقيقه قائلاً "وكأننا ضعنا بعد عمار، عجزت وستعجز أي أم أن تلد مثله، لقد كان محبوبا وشعبيا يحب الجميع، وفى نفس الوقت جديا فى جهاده ولا يخشى أحدا فى اليهود".

ولم يكن أي مانع يمنع الشهيد عمار عن عمله الجهادي الذي لم يتوقف للحظات، حتى حينما رقد فى المستشفى بعد إصابته الحرجة من قبل قوات الاحتلال.

وكما يفيد شقيقه نزار "كان غريبا بكل المقاييس، حينما أصيب جئنا لنطمئن عليه وإذا به يجمع الشباب ويقول لهم :الآن يجب أن نجعل اليهود فى المرات القادمة مصيدة لنا يجب أن نفكر كيف نحمى أبناءنا منهم..لا أريد أي سكون".

وقال أحد أقران الشهيد بصوت يكاد يختنق من شدة الحزن والبكاء: "عمار كان المثل الأعلى لنا.. إنه كان أحد المسئولين عن عملية (السهم الثاقب)، والتي تم خلالها استدراج القوات الخاصة إلى كمين محكم وتفجير نفق مفخخ بهم، ما أدى إلى قتل وجرح العديد من جنود الاحتلال".

قلب عمار

ومنذ ولادته وبعد استشهاده كان "قلب عمار" حديث أهله والأطباء فى المستشفى، والذي اعتبره الأطباء حين ولادته حالة فريدة حينما وجدوا أن قلبه على ناحية اليمين من جسده،

ومعتبرا أن هذا كرامة من الله لزوجها الذي تعلق قلبه بالمسجد وساحات الجهاد، قال شقيقه نادر "منذ ولادته استغرب الأطباء بأن قلبه على يمين جسده وليس على الشمال، وأخي دون مبالغة من أهل اليمين فقد امتلأ قلبه حبا لله والجهاد وهذه كرامة له".

أما زوجته أم مسملة فتقول "ربى شرفني بعمار وبقلبه الحنون، كان حنونا ويعاملنا فى كل لحظة وكأنه يودعنا شهيدا، ويلازم الصوم والقران، وأنا رضيت بطريقه وسأربى أبنائه كما أوصاني"

وتابعت أم مسلمة التي تحمل بطفل كان زوجها سيسميه محمد، قائلة "سأحقق له كل شيء إلا هذا، سأسمى طفلي عندما ألد عمار وسيكون لقبه محمد"

أما والد الشهيد عمار "محمد مصبح" فقد اعتبر أن ابنه كان "الطيب المثابر الذي كان يرفد العائلة بالصبر أمام استمرار آلة الحرب الإسرائيلية في قتل الفلسطينيين وتدمير ممتلكاتهم ومساجدهم وحقولهم".

ويضيف الأب "أبو نزار"، وهو رجل مسن في العقد الخامس من عمره: "عرفت أن نجلي عمار في صفوف تنظيم يقاتل الاحتلال قبل عامين فقط (..) لقد كان يحافظ على سرية عمله هادئاً مبتسماً تقياً ومؤمناً بالجهاد في سبيل الله.

واستذكر أبو نزار حادث استشهاد شقيقه بنيران الاحتلال في العام 1988 عندما أجاب الشهيد عمار -كان عمره ستة أعوام آنذاك- بعض الصحفيين الذين حضروا إلى بيت عزاء عمه بالقول: "عندما اكبر سوف أصبح مجاهداً وأقتل اليهود".

نظرة كان قد نظرها عمار إلى شقيقه نذار أثناء إصابته من جنود الاحتلال، كانت كنظرة الوداع ردد خلالها الشهادة ثلاث مرات، ورغم أنه لم يستشهد حينها إلا أن عبارات رددها عمار فى أذان شقيقه قائلاً له "أريد أن أستشهد..احذر أن يأخذوني اليهود حيا، سأحرقهم بحياتي أو شهادتي".

رحمة الله علية