إصرار علماني على فهم مغلوط لنقصان العقل والدين

يحلو للكثيرين من العلمانيين وأعداء الإسلام الاحتجاج بحديث "ناقصات عقل ودين" لإثبات أن للإسلام موقف سلبي من المرأة، وأنه لا يعترف بقدراتها العقلية والذهنية وبذكائها وبأنها مثل الرجل في هذا الأمر، وهكذا فإنَّ الإسلام بنص الحديث النبوي يجعل النساء ناقصات عقل ودين، وهو بذلك يقنن ويشرع انعدام أهلية المرأة ويحول دون مساواتها بالرجل.



والغريب أن قطاعًا غير قليل من المسلمين أنفسهم وجدت هذه المقولات الخاطئة طريقًا إلى قلوبهم وعقولهم، ولم ينظر من يرددون هذا الكلام إلى واقع المرأة في عصر النبوة وصدر الإسلام ثم في واقعها في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية، ولكنهم نظروا إلى واقع المرأة في عصر هزيمة المسلمين وتخلفهم وتحكم أعدائهم فيهم.



ففي الصدر الأول علم العالم أجمع قيمة وقدر المرأة المسلمة، التي كانت حاضرة وفاعلة في كل الميادين، فكانت تبايع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتستفتيه وتحضر مجالس العلم وتشارك في المعارك وتحتسب في الأسواق ... الخ.
فكيف بمن حالها كذلك، نقول عنها إن الإسلام يقلل من شأنها وفي قدراتها العقلية؟


وكيف يستقيم ذلك مع حديث الرسول الأكرم ، صلى الله عليه وسلم، الذي يقول فيه (خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء) يقصد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؟


وكيف يستقيم ذلك أيضًا وللسيدة خديجة هذه المنزلة العظيمة في قلب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفي قلب الأمة كلها من بعده، ومثلها كانت السيدة فاطمة .. وغيرهن الكثيرات؟

إذا كان الأمر كذلك، فإنه يتوجب علينا أن نتوقف لنتأمل الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه في باب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا مَعْشرَ النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن الاستغفار، فإني رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار. فقالت امرأة منهن جَزْلة: وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال: تُكْثِرْنَ اللَّعن، وتَكْفُرْنَ العشير، وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن. قالت يا رسول الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال: أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل، فهذا نقصان العقل، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي، وتُفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين).



وواضح أن كلام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان على سبيل المداعبة والممازحة، وهو ليس به ما يعيب المرأة أو ينتقص من إنسانيتها.



ونقصان عقل المرأة الوارد في الحديث إنما هو من جهة ضعف حفظها وأن شهادتها تجبر بشهادة امرأة أخرى؛ وذلك لضبط الشهادة بسبب أنها قد تنسى فتزيد في الشهادة أو تنقصها كما قال سبحانه: {وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مّن رّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأخْرَىٰ} [البقرة:282].



ونقصان الدين في الحديث أن المرأة في حال الحيض والنفاس تدع الصلاة وتدع الصوم ولا تقضي الصلاة، فهذا من نقصان الدين، ولكن هذا النقص ليست مؤاخذة عليه، وإنما هو نقص حاصل بشرع الله عز وجل، رفقًا بها وتيسيرًا عليها، ولا يلزم من هذا أن يكون نقص عقلها في كل شيء ونقص دينها في كل شيء، وإنما بين الرسول الأكرم، صلى الله عليه وسلم، أن نقص دينها من جهة ما يحصل لها من هذا الترك، ولا يلزم من هذا أن تكون دون الرجل في كل شيء وأن يكون الرجل أفضل منها في كل شيء، فالمرأة قد تفوق الرجل في بعض الأحيان في أشياء كثيرة، وقد تكثر من المرأة الأعمال الصالحة فتفضل الكثير من الرجال في عملها الصالح وفي تقواها لله عز وجل وفي منزلتها في الآخرة، وقد تكون لها عناية في بعض الأمور فتضبطها ضبطًا كثيرًا أكثر من ضبط بعض الرجال في كثير من المسائل التي تعنى بها وتجتهد في حفظها وضبطها، فتكون مرجعًا في التاريخ الإسلامي وفي أمور كثيرة، وهذا واضح لمن تأمّل أحاول النساء في الصدر الأول وفي تاريخ ازدهار الحضارة الإسلامية.

ومن جهة أخرى فإنه لا يمكن فهم هذا الحديث بمعزل عن آية الدَّيْن التي تتضمن نصاب الشهادة في قوله تعالى: [واستَشْهدوا شهيدين من رِجالِكم فإن لم يكونا رَجُلَيْن فرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرضَوْن من الشُّهداء أنْ تَضِلَّ إحداهما فَتُذَكِّرَ إحداهما الأخرى] (البقرة: 282).



ولفظ الحديث يذكر صراحة أن امرأة منهن جزلة ناقشت رسول الله، صلى الله عليه وسلم. والجزلة، هي ذات العقل والرأي والوقار، فكيف تكون هذه ناقصة عقل وذات
عقل ووقار في نفس الوقت؟



لقد تعجب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من قدرات النساء، وأن الواحدة منهن تغلب ذا اللب أي الرجل الذكي جدًّا. فكيف تغلب ناقصة العقل رجلاً ذكيًّا جدًّا؟


التفكير هو عملية ذهنية يتفاعل فيها الإدراك الحِسّي مع الخبرة والذكاء لتحقيق هدف، ويحصل بدوافع وفي غياب الموانع؛ حيث يتكون الإدراك الحسي من الإحساس بالواقع والانتباه إليه. أما الخبرة فهي ما اكتسبه الإنسان من معلومات عن الواقع، ومعايشته له، وما اكتسبه من أدوات التفكير وأساليبه. وأما الذكاء فهو عبارة عن القدرات الذهنية الأساسية التي يتمتع بها الناس بدرجات متفاوتة. ويحتاج التفكير إلى دافع يدفعه، ولا بد من إزالة العقبات التي تصده وتجنب الوقوع في أخطائه بنفسية مؤهلة ومهيأة للقيام به.



إن هذا التصور للتفكير يتعلق بالإنسان بغض النظر عن كونه رجلاً أو امرأة، فهو ينطبق على كل منهما على حد سواء. ولا تَدُل معطيات العلم المتعلقة بأبحاث الدماغ والتفكير والتعلم على أي اختلاف جوهري بين المرأة والرجل من حيث التفكير والتعلم. كما لا تدل على اختلافٍ في قدرات الحواس والذكاء، ولا في تركيب الخلايا العصبية المكونة للدماغ، ولا في طرق اكتساب المعرفة. ومعنى هذا أن المرأة والرجل سواء بالفطرة من حيث عملية التفكير أو آليته، ولا يتميز أحدهما عن الآخر إلا في الفروق الفردية، ونصوص القرآن والسنة لا تفرق بين قدرات المرأة العقلية وقدرات الرجل، ويتجلى ذلك في الخطاب الإيماني العام لكل من الرجل والمرأة. هذا بالإضافة إلى كثير من النصوص التي تتحدث عن ذكاء النساء وقدراتهن وآرائهن السديدة في مواضع متعددة من الكتاب والسنة. فإذا كان لم يثبت علميًّا أي اختلاف في قدرات النساء العقلية عن قدرات الرجال، ونصوص القرآن والسنة لا تعارضان هذا، فمعنى هذا أن نقصان العقل المشار إليه ليس في القدرات العقلية.

وإذا نظرنا إلى الآية نجد أنها عللت الحاجة إلى نصاب الشهادة المذكور بالضلال والتذكير، وهذا أمر متعلق بالإدراك الحسي وبالدوافع والموانع. وهذا ينطبق على كل من الرجل والمرأة، لكن المرأة لها خصوصيتها من حيث إنها تمر في حالات وتتعرض لتغيرات جسدية ونفسية تؤثر على طريقة تفكيرها. وهذا التأثير ينعكس على القرار الذي يمكن أن تتخذه المرأة. زد على ذلك ما تملكه المرأة من عواطف
جياشة تفوق ما يملكه الرجل، وهذا عنصر لا يمكن إغفاله في العقل، ويمكن أن يؤثر بشكل واضح في القرار، كما لو كان الذي ستشهد له المرأة هو ابنها مثلاً.

إذن فنقصان العقل هو إشارة إلى عوامل أخرى غير القدرات العقلية التي قد تتبادر إلى أذهان من يتسرعون في إطلاق الأحكام، وكيل الاتهامات دونما تحقيق أو فهم صحيح.

والحديث ليس معناه حصر نقص العقل والدين في النساء فقط وهذا يتذوّقه من كان ذوّاقاً للّغة العربيّة لأنّ معناه المقدّر: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أشدّ إذهاباً لعقل الرجل القويّ من إحداكنّ. وما الفرق من الناحية اللغويّة – بين هذا وبين من يخاطب الفلسطينيّات فيقول: ما رأيت من قويّات قلب أشدّ نكايةً للعدوّ من إحداكنّ ومعنى هذا أنني رأيت قويات قلب ولكن لم أر أشدّ منكنّ نكاية للعدوّ.



ومن هنا يتبيّن أنّ كلام رسول الله، صلَى الله عليه وسلَم، يفيد تخصيص إذهاب عقول الرجال الأشداء بالنساء. والغرض هو التنبيه والتنبّه.
ولذلك لمّا قال عليه الصلاة والسلام ذلك لم تبادر النساء إلى الاعتراض ولكن سكتن عنه وبادرن إلى السؤال عن ماهيّة نقص العقل والدين فيهنّ.



أضف إلى ذلك أنّ العموم في النساء (كونهنّ ناقصات عقل ودين) يعارضه حديث "كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلاّ مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم" وهو حديث أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء، ورواية الترمذي وأحمد: "أربع: مريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد."



ومن هنا يتبيّن أنّ الحديث التنبيه إلى نقصان العقل والدين وإنّما أراد التنبيه إلى إذهاب عقول الرجال بالافتتان بهنّ.



والمتأمّل في الشطر الأخير من الحديث يجد أن المعنى بخلاف ما يتبادر إلى أذهان الناس وأفهامهم، فهو يدرك أنّ المراد بنقص العقل هو نقص الشهادة تخفيفاً عليها. وأنّ المراد بنقص دينها هو أنها تضع الصلاة أيام حيضها فلا تقضيه وتقضي الصوم فقط كما هو معروف لدى النساء.



ومن ناحية المناسبة، فقد قيل هذا الحديث يوم عيد فطر أو أضحى في موعظة خاصة للنساء، فهل نتوقع من الرسول الأكرم صاحب الخلق العظيم أن ينقص من شأن النساء وقدرهن في مثل هذه المناسبة؟!



ومن ناحية من وُجِّه إليهن هذا الحديث فقد كنَّ بعض نساء المدينة، وغالبهن من الأنصاريات اللاتي قال فيهن عمر بن الخطاب: "وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الأَنْصَارِ". وهذا يبيِّن السبب الذي من أجله قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: "مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ".



ومن ناحية الصياغة فصياغة الحديث ليست صياغة تقرير قاعدة عامة أو حكم شامل، وإنما هي أقرب إلى صيغة التعجب من صفة التناقض القائم في نساء الأنصار، فهن الضعيفات وقد تغلبن على الرجال ذوي الحزم، فالتعجب هنا من حكمة الله، ومن هنا كان استنتاجنا أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في هذه المناسبة قد مهّد بملاطفة النساء ملاطفة عامة، ومهّد تمهيدًا يفتح القلوب والنفوس للعظة القادمة، ولذلك جاءت كلمة "نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ" مرة واحدة ولم تجيء مستقلة في صيغة تقريرية؛ سواء أمام النساء أم الرجال.

ليت قومي يعلمون
شكرا اميرة
وباين عليكي اميرة فعلا زي اسمك
اهلا بيكي في المنتدي

اهلا بيكم انتم وانا سعيدة بالانضمام لكم شكرا

شكرا

شرفت يا صابر وربنا يجعلنا كلنا صابرين

موضوعك مهم جدا يا اميرة وبيثير لغط كتير
شكرا للتوضيح

موضوع في غاية الاهمية الف شكر

اشكرحضوركم وتشريفكم الكريم