معا لغد افضل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
معا لغد افضل

3 مشترك

    هارون الرشيد

    ابو عمر
    ابو عمر
    عضو مبدع
    عضو مبدع


    عدد المساهمات : 537
    رقم العضوية : 17
    تاريخ التسجيل : 02/06/2008
    نقاط التميز : 1019
    معدل تقييم الاداء : 11

    هارون الرشيد Empty هارون الرشيد

    مُساهمة من طرف ابو عمر السبت 19 يوليو - 9:46

    هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن العباس و يلقب بهارون الرشيد (حوالي 763م - 24 مارس 809م) هو الخليفة العباسي الخامس ،وهو أشهر الخلفاء العباسيين. حكم بين 786 و 809 م.

    نشأته
    ولد هارون فى 148 هـ ، كان مولده بالري حين كان أبوه أميرا عليها وعلى خراسان. نشأ الرشيد في بيت ملك، وأُعد ليتولى المناصب القيادية في الخلافة، وعهد به أبوه، الخليفة أبو عبد الله محمد المهدي بن جعفر المنصور، إلى من يقوم على أمره تهذيبًا وتعليمًا وتثقيفًا، ومنهم "الكسائي"، والمفضل الضبي، حتى إذا اشتد عوده واستقام أمره، ألقى به أبوه في ميادين الجهاد، وجعل حوله القادة الأكفاء، يتأسى بهم، ويتعلم من تجاربهم وخبراتهم، فخرج في عام (165 هـ= 781م) على رأس حملة عسكرية ضد الروم، وعاد محملاً بأكاليل النصر، فكوفئ على ذلك بأن اختاره أبوه ولياً ثانياً للعهد بعد أخيه أبو محمد موسى الهادي.

    وكانت الفترة التي سبقت خلافته يحوطه في أثنائها عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية، من أمثال "يحيى بن خالد البرمكي"، و"الربيع بن يونس"، و"يزيد بن مزيد الشيباني" و"الحسن بن قحطبة الطائي"، و"يزيد بن أسيد السلمي"، وهذه الكوكبة من الأعلام كانت أركان دولته حين آلت إليه الخلافة، ونهضوا معه بدولته حتى بلغت ما بلغت من التألق والازدهار.
    ابو عمر
    ابو عمر
    عضو مبدع
    عضو مبدع


    عدد المساهمات : 537
    رقم العضوية : 17
    تاريخ التسجيل : 02/06/2008
    نقاط التميز : 1019
    معدل تقييم الاداء : 11

    هارون الرشيد Empty رد: هارون الرشيد

    مُساهمة من طرف ابو عمر السبت 19 يوليو - 9:46

    توليه الخلافة

    الدولة العباسية في عهد هارون الرشيد ح 800 متمت البيعة للرشيد بالخلافة في (14 ربيع الأول 170هـ/14 سبتمبر 786م)، بعد وفاة أخيه موسى الهادي،وكانت الدولة العباسية حين آلت خلافتها إليه مترامية الأطراف تمتد من وسط أسيا حتى المحيط الأطلنطي، معرضة لظهور الفتن والثورات، تحتاج إلى قيادة حكيمة وحازمة يفرض سلطانها الأمن والسلام، وتنهض سياستها بالبلاد، وكان الرشيد أهلاً لهذه المهمة الصعبة في وقت كانت فيه وسائل الاتصال شاقة، ومتابعة الأمور مجهدة.

    استقرار الدولة
    ولم تكن الفترة التي قضاها الرشيد في خلافة الدولة العباسية هادئة ناعمة، وإنما كانت مليئة بجلائل الأعمال في داخل الدولة وخارجها، ولم يكن الرشيد بالمنصرف إلى اللهو واللعب المنشغل عن دولته العظيمة إلى المتع والملذات، وإنما كان "يحج سنة ويغزو كذلك سنة".

    واستهل الرشيد عهده بأن قلد "يحيى بن خالد البرمكي" الوزارة، وكان من أكفأ الرجال وأمهرهم، وفوّض إليه أمور دولته، فنهض بأعباء الدولة، وضاعف من ماليتها، وبلغت أموال الخراج الذروة، وكان أعلى ما عرفته الدولة الإسلامية من خراج، وقدره بعض المؤرخين بنحو 400 مليون درهم، وكان يدخل خزينة الدولة بعد أن تقضي جميع الأقاليم الإسلامية حاجتها.

    وكانت هذه الأموال تحصل بطريقة شرعية، لا ظلم فيها ولا اعتداء على الحقوق، بعد أن وضع القاضي "أبو يوسف" نظامًا شاملاً للخراج باعتباره واحدًا من أهم موارد الدولة، يتفق مع مبادئ الشرع الحنيف، وذلك في كتابه الخراج.

    وكان الرشيد حين تولى الخلافة يرغب في تخفيف بعض الأعباء المالية عن الرعية، وإقامة العدل، ورد المظالم، فوضع له "أبو يوسف" هذا الكتاب استجابة لرغبته، وكان لهذا الفائض المالي أثره في انتعاش الحياة الاقتصادية، وزيادة العمران، وازدهار العلوم، والفنون، وتمتع الناس بالرخاء والرفاهية.

    وأُنفقت هذه الأموال في النهوض بالدولة، وتنافس كبار رجال الدولة في إقامة المشروعات كحفر الترع والأنهار، وبناء الحياض، وتشييد المساجد، وإقامة القصور، وتعبيد الطرق، وكان لبغداد نصيب وافر من العناية والاهتمام من قبل الخليفة الرشيد وكبار رجال دولته، حتى بلغت في عهده قمة مجدها وتألقها؛ فاتسع عمرانها، وزاد عدد سكانها حتى بلغ نحو مليون نسمة، وبُنيت فيها القصور الفخمة، والأبنية الرائعة التي امتدت على جانبي دجلة، وأصبحت بغداد من اتساعها كأنها مدن متلاصقة، وصارت أكبر مركز للتجارة في الشرق، حيث كانت تأتيها البضائع من كل مكان.

    وغدت بغداد قبلة طلاب العلم من جميع البلاد، يرحلون إليها حيث كبار الفقهاء والمحدثين والقراء واللغويين، وكانت المساجد الجامعة تحتضن دروسهم وحلقاتهم العلمية التي كان كثير منها أشبه بالمدارس العليا، من حيث غزارة العلم، ودقة التخصص، وحرية الرأس والمناقشة، وثراء الجدل والحوار. كما جذبت المدينة الأطباء والمهندسين وسائر الصناع.

    وكان الرشيد وكبار رجال دولته يقفون وراء هذه النهضة، يصلون أهل العلم والدين بالصلات الواسعة، ويبذلون لهم الأموال تشجيعًا لهم، وكان الرشيد نفسه يميل إلى أهل الأدب والفقه والعلم، ويتواضع لهم حتى إنه كان يصب الماء في مجالسه على أيديهم بعد الأكل.

    وأنشأ الرشيد "بيت الحكمة" وزودها بأعداد كبيرة من الكتب والمؤلفات من مختلف بقاع الأرض كالهند وفارس والأناضول واليونان، وعهد إلى "يوحنا بن ماسويه" بالإشراف عليها، وكانت تضم غرفًا عديدة تمتد بينها أروقة طويلة، وخُصصت بعضها للكتب، وبعضها للمحاضرات، وبعضها الآخر للناسخين والمترجمين والمجلدين.
    ابو عمر
    ابو عمر
    عضو مبدع
    عضو مبدع


    عدد المساهمات : 537
    رقم العضوية : 17
    تاريخ التسجيل : 02/06/2008
    نقاط التميز : 1019
    معدل تقييم الاداء : 11

    هارون الرشيد Empty رد: هارون الرشيد

    مُساهمة من طرف ابو عمر السبت 19 يوليو - 9:47

    الرشيد والبرامكة
    أحاط الرشيد نفسه بكبار القادة والرجال من ذوي القدرة والكفاءة وخاصةً من البرامكة أمثال يحيى بن خالد البرمكي حتى حدث نزاع بين الخليفة الرشيد والبرامكة ونتج عن ذلك أن الرشيد حبس البرامكة وعلى رأسهم كبيرهم وأميرهم يحي بن خالد البرمكي.

    الرشيد محارباً
    كانت شهرة هارون الرشيد قبل الخلافة تعود إلى حروبه وجهاده مع الروم، فلما ولي الخلافة استمرت الحروب بينهما، وأصبحت تقوم كل عام تقريبًا، حتى إنه اتخذ قلنسوة مكتوبًا عليها: غاز وحاج.

    وقام الرشيد بتنظيم الثغور المطلة على بلاد الروم على نحو لم يعرف من قبل، وعمرها بالجند وزاد في تحصيناتها، وعزل الجزيرة وقنسرين عن الثغور، وجعلها منطقة واحدة، وجعل عاصمتها أنطاكية، وأطلق عليها العواصم، لتكون الخط الثاني للثغور الملاصقة للروم، ولأهميتها كان لا يولي عليها إلا كبار القادة أو أقرب الأقربين إليه، مثل "عبد الملك بن صالح" ابن عم أبي جعفر المنصور أو ابنه "المعتصم".

    وعمّر الرشيد بعض مدن الثغور، وأحاط كثيرًا منها بالقلاع والحصون والأسوار والأبواب الحديدية، مثل: قلطية، وسميساط، ومرعش، وكان الروم قد هدموها وأحرقوها فأعاد الرشيد بناءها، وأقام بها حامية كبيرة، وأنشأ الرشيد مدينة جديدة عرفت باسم "الهارونية" على الثغور.

    وأعاد الرشيد إلى الأسطول الإسلامي نشاطه وحيويته، ليواصل ويدعم جهاده مع الروم ويسيطر على الملاحة في البحر المتوسط، وأقام دارًا لصناعة السفن، وفكّر في ربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، وعاد المسلمون إلى غزو سواحل بحر الشام ومصر، ففتحوا بعض الجزر واتخذوها قاعدة لهم، مثلما كان الحال من قبل، فأعادوا فتح "رودس" سنة (175هـ= 791م)، وأغاروا على أقريطش "كريت" وقبرص سنة (190هـ= 806م).
    ابو عمر
    ابو عمر
    عضو مبدع
    عضو مبدع


    عدد المساهمات : 537
    رقم العضوية : 17
    تاريخ التسجيل : 02/06/2008
    نقاط التميز : 1019
    معدل تقييم الاداء : 11

    هارون الرشيد Empty رد: هارون الرشيد

    مُساهمة من طرف ابو عمر السبت 19 يوليو - 9:50

    واضطرت دولة الروم أمام ضربات الرشيد المتلاحقة إلى طلب الهدنة والمصالحة، فعقدت "إيريني" ملكة الروم صلحًا مع الرشيد، مقابل دفع الجزية السنوية له في سنة (181هـ= 797م)، وظلت المعاهدة سارية حتى نقضها إمبراطور الروم، نقفور، الذي خلف إيريني في سنة (186هـ = 802م)، وكتب إلى هارون: "من نقفور ملك الروم إلى ملك العرب، أما بعد فإن الملكة إيريني التي كانت قبلي أقامتك مقام الأخ، فحملت إليك من أموالها، لكن ذاك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وافتد نفسك، وإلا فالحرب بيننا وبينك".

    فلما قرأ هارون هذه الرسالة ثارت ثائرته، وغضب غضبًا شديدًا، وكتب على ظهر رسالة الإمبراطور: "من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام".

    وخرج هارون بنفسه في (187 هـ= 803م)، حتى وصل "هرقلة" وهي مدينة بالقرب من القسطنطينية، واضطر نقفور إلى الصلح والموادعة، وحمل مال الجزية إلى الخليفة كما كانت تفعل "إيريني" من قبل، ولكنه نقض المعاهدة بعد عودة الرشيد، فعاد الرشيد إلى قتاله في عام (188هـ= 804م) وهزمه هزيمة منكرة، وقتل من جيشه أربعين ألفا، وجُرح نقفور نفسه، وقبل الموادعة، وفي العام التالي (189هـ=805م) حدث الفداء بين المسلمين والروم، ولم يبق مسلم في الأسر، فابتهج الناس لذلك.
    ابو عمر
    ابو عمر
    عضو مبدع
    عضو مبدع


    عدد المساهمات : 537
    رقم العضوية : 17
    تاريخ التسجيل : 02/06/2008
    نقاط التميز : 1019
    معدل تقييم الاداء : 11

    هارون الرشيد Empty رد: هارون الرشيد

    مُساهمة من طرف ابو عمر السبت 19 يوليو - 9:50

    غير أن أهم غزوات الرشيد ضد الروم كانت في سنة ( 190 هـ= 806م)، حين قاد جيشًا ضخماً عدته 135 ألف جندي ضد نقفور الذي هاجم حدود الدولة العباسية، فاستولى المسلمون على حصون كثيرة، كانت قد فقدت من أيام الدولة الأموية، مثل "طوانة" بثغر "المصيصة"، وحاصر "هرقلة" وضربها بالمنجنيق، حتى استسلمت، وعاد نقفور إلى طلب الهدنة، وخاطبه بأمير المؤمنين، ودفع الجزية عن نفسه وقادته وسائر أهل بلده، واتفق على ألا يعمر هرقلة مرة أخرى.

    بلاط الرشيد محط أنظار العالم
    ذاع صيت الرشيد وطبق الآفاق ذكره، وأرسلت بلاد الهند والصين وأوروبا رسلها إلى بلاطه تخطب وده، وتطلب صداقته، وكانت سفارة "شارلمان" ملك الفرنجة من أشهر تلك السفارات، وجاءت لتوثيق العلاقات بين الدولتين، وذلك في سنة ( 183هـ= 779م)؛ فأحسن الرشيد استقبال الوفد، وأرسل معهم عند عودتهم هدايا قيمة، كانت تتألف من حيوانات نادرة، منها فيل عظيم، اعتبر في أوروبا من الغرائب، وأقمشة فاخرة وعطور، وشمعدانات، وساعة كبيرة من البرونز المطلي بالذهب مصنوعة في بغداد، وحينما تدق ساعة الظهيرة، يخرج منها اثنا عشر فارسًا من اثنتي عشرة نافذة تغلق من خلفهم، وقد تملك العجب شارلمان وحاشيته من رؤية هذه الساعة العجيبة، وظنوها من أمور السحر.
    ابو عمر
    ابو عمر
    عضو مبدع
    عضو مبدع


    عدد المساهمات : 537
    رقم العضوية : 17
    تاريخ التسجيل : 02/06/2008
    نقاط التميز : 1019
    معدل تقييم الاداء : 11

    هارون الرشيد Empty رد: هارون الرشيد

    مُساهمة من طرف ابو عمر السبت 19 يوليو - 9:51

    الرشيد وأعمال الحج
    نظم العباسيون طرق الوصول إلى الحجاز، فبنوا المنازل والقصور على طول الطريق إلى مكة، طلبًا لراحة الحجاج، وعُني الرشيد ببناء السرادقات وفرشها بالأثاث وزودها بأنواع الطعام والشراب، وبارته زوجته "زبيدة" في إقامة الأعمال التي تيسر على الحجيج حياتهم ومعيشتهم، فعملت على إيصال الماء إلى مكة من عين تبعد عن مكة بنحو ثلاثين ميلاً، وحددت معالم الطريق بالأميال، ليعرف الحجاج المسافات التي قطعوها، وحفرت على طولها الآبار والعيون.

    وفاة الرشيد
    كان الرشيد على غير ما تصوره بعض كتب الأدب، دينا محافظًا على تكاليف الاسلام، وصفه مؤرخوه أنه كان يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا، وينفق على الفقراء من ماله الخاص، ولا يتخلف عن الحج إلا إذا كان مشغولاً بالغزو والجهاد، وكان إذا حج صحبه الفقهاء والمحدثون.

    وظل عهده مزاوجة بين جهاد وحج، حتى إذا جاء عام 192 هـ فخرج إلى خرسان لإخماد بعض الفتن والثورات التي اشتعلت ضد الدولة، فلما بلغ مدينة طوس اشتدت به العلة، وتُوفي في 3 جمادى الآخر 193هـ/4 إبريل 809م بعد أن قضى في الخلافة أكثر من ثلاث وعشرين سنة، عدت العصر الذهبي للدولة العباسية.
    قلب جرئ
    قلب جرئ
    عضو مشارك
    عضو مشارك


    عدد المساهمات : 68
    رقم العضوية : 99
    تاريخ التسجيل : 21/09/2008
    نقاط التميز : 105
    معدل تقييم الاداء : 1

    هارون الرشيد Empty رد: هارون الرشيد

    مُساهمة من طرف قلب جرئ الأربعاء 5 نوفمبر - 0:52

    هارون الرشيد 319326
    avatar
    صابر
    عضو متميز
    عضو متميز


    عدد المساهمات : 419
    رقم العضوية : 187
    تاريخ التسجيل : 28/11/2008
    نقاط التميز : 820
    معدل تقييم الاداء : 137

    هارون الرشيد Empty رد: هارون الرشيد

    مُساهمة من طرف صابر الأربعاء 11 نوفمبر - 2:31

    لقد سار الرشيد في إدارته على نهج قويم، وأعاد إلى الخلافة مجدها الذى كان لها على عهد جده المنصور، وما كان مسرفًا ولا بخيلا، وسمى الناس أيامه "أيام العروس" لنضارتها وكثرة خيرها وخصبها، وكانت دولته من أحسن الدول وأكثرها وقارًا ورونقًا وأوسعها مملكة، واتسعت الدولة الإسلامية فى عهد الرشيد، وجاءه الخير من كل مكان، وعين الرشيد يحيى بن خالد البرمكى، وجعله كبير وزرائه، وقال له: قد قلدتك أمر الدولة، وأخرجته من عنقى إليك، فاحكم فى ذلك بما ترى من الصواب، واستعمل من رأيت، واعزل من رأيت، وأمض الأمور على ما ترى. وسلَّم إليه خاتم الخلافة.
    إدارة حكيمة:
    أما الولايات فقد فوضها إلى أمراء جعل لهم الولاية على جميع أهلها، ينظرون فى تدبير الجيوش والأحكام، يعينون القضاة والحكام، ويجْبُون الخراج، ويقبضون الصدقات، ويقلدون العمال فيها، ويحمون الدين، ويقيمون حدوده، ويؤمُّون الناس فى صلاة الجمعة، الصلوات الأخرى أو يستخلفون عليها، فإذا كانت أقاليمهم ثغرًا متاخمًا للعدو تولوا جهاده.
    وما قسمت أعمال الدولة منذ انتقالها إلى بنى العباس تقسيمها فى زمن الرشيد، ولذلك كان للخليفة وقت ليحج، ووقت ليغزو، ووقت ليصطاف فى الرقة، ويترك قصر الخلد فى بغداد.
    لقد كان الرشيد على أشد ما يكون من الانتباه لكل ما صغر وكبر من شئون الملك، ومن أشد الملوك بحثًا عن أسرار رعيته، وأكثرهم بها عناية، وأحزمهم فيها أمرًا؛ لذلك فما اشتعلت فتنة فى أرجاء دولته إلا أطفأها.
    وألغى الرشيد العُشْر الذى كان يؤخذ من الفلاحين والمزارعين بعد النصف، وكان رحمه الله يسدُّ كل خللٍ فى مملكته، ويهتمُّ كل الاهتمام بما يخفف عن الفلاحين.
    وقد ولّى الرشيد رجلا بعض أعمال الخراج، فدخل عليه يودعه، وعنده يحيى بن خالد البرمكى، وابنه جعفر، فقال الرشيد ليحيى وجعفر: أوصياه. فقال له يحيى: وفِّر وعَمِّر. وقال له جعفر: أنصف وانتصف. فقال له الرشيد: اعدل وأَحْسِن.
    وكتب الرشيد إلى أحد عماله: أجْرِ أمورك على ما يكسب الدعاء لنا لا علينا، واعلم أنها مدة تنتهي، وأيام تنقضى، فإما ذكر جميل، وإما خزى طويل. ومما يعد جديدًا فى تعظيم الحكم أن قاضى الرشيد "أبا يوسف" صاحب أبى حنيفة وتلميذه كان أول من دُعى فى الإسلام قاضى القضاة (وزير العدل الآن )، وكان الرشيد لا يبخل بالمال فى سبيل الدولة، وقد خلف من المال -على كثرة بذله- مالم يخلف أحد مثله منذ كانت الخلافة.
    قال ابن الأثير: كان الرشيد يطلب العمل بآثار المنصور إلا فى بذل المال، فإنه لم يُر خليفة قبله كان أعطى منه للمال، وكان لا يضيع عنده إحسان محسن، ولا يؤخر عنده.
    سياسة رشيدة:
    وكذلك كان الرشيد حكيمًا فى سياسته كما كان حكيمًا فى إدارته، لقد بويع للرشيد عند موت أخيه الهادى، وكان أبوهما قد عقد لهما بولاية العهد معًا، ويروى أن الهادى قد حدثته نفسه بخلع الرشيد، وجمع الناس على تقليد ابنه العهد بعده، فأجابوه، وأحضر "هرثمة بن أعين"، فقيل له: تبايع يا هرثمة؟ فقال: يا أمير المؤمنين، يمينى مشغولة ببيعتك، ويسارى مشغولة ببيعة أخيك، فبأى يد أبايع؟
    فقال الهادى لجماعة الحاضرين: شاهت وجوهكم، والله لقد صدقنى مولاى، وكذبتمونى، ونصحنى فغششتمونى، وسلم إلى الرشيد بحقه فى الولاية بعده.
    وكانت سياسة الرشيد سياسة رشيدة فى الداخل والخارج، غزا الروم حتى وصل إلى "إسكدار" من ضواحى "القسطنطينية" أيام ولايته العهد، وتغلغل مرة ثانية فى بلادهم وغزاهم فى خلافته بضع غزوات، وأخذ منهم "هرقلية"، وبعث إليه ملكهم بالجزية عن شعبه، واشترط عليه الرشيد ألا يعمر هرقلية، وأن يحمل إليه فى السنة ثلاثمائة ألف دينار.
    العصر الذهبى:
    وكان "نقفور" قد نقض العهد الذى أعطته الملكة "إرينى"، التى كانت تحكم الروم قبله، وأرسل إلى هارون الرشيد رسالة يهدده فيها: "من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب: أما بعد؛ فإن الملكة التى كانت قبلى أقامتك مقام الرَّخ (طائر خرافى يعرف بالقوة)، وأقامت نفسها مقام البَيْدق (يعنى مقام الضعيف)، فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقًا بحمل أضعافه إليها، لكن ذلك لضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأتَ كتابى هذا، فاردد ما حصل لك من أموالها، وافتدِ نفسك بما تقع به المصادرة لك، وإلا فالسيف بيننا وبينك".
    فلما قرأ الرشيد الرسالة غضب غضبًا شديدًا حتى لم يقدر أحد أن ينظر إليه، فدعا بدواة وكتب إلى نقفور ملك الروم ردّا على رسالته يقول:
    "بسم الله الرحمن الرحيم: من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يابن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام".
    وقاد بنفسه جيوشًا جرارة، ولقّنه درسًا لا يُنسى، فعاد إلى أداء الجزية صاغرًا، بعد أن خضع أمام قوة المسلمين وعزة نفوسهم.
    وجاء فى فتوح البلدان للبلاذرى: "وقد رأينا من اجتهاد أمير المؤمنين هارون فى الغزو، ونفاذ بصيرته فى الجهاد أمرًا عظيمًا، وأقام من الصناعة (الأسطول) مالم يقم قبله، وقسم الأموال فى الثغور والسواحل، وهزم الروم وقمعهم".
    وسمى الرشيد "جبار بنى العباس"؛ لأنه أخرج ابنه القاسم للغزو سنة 181هـ، فهزم الروم هزيمة منكرة، أدخلت الرعب فى قلوبهم، فصالحه الروم على أن يرحل عنهم فى مقابل أن يعيدوا إليه كل من أسروهم من المسلمين قبل ذلك، وكان هذا أول فداء فى الإسلام بين المسلمين والروم.
    وأرسل "على بن عيسى بن ماهان" لغزو بلاد الترك، ففعل بهم مثلما فعل القاسم بن الرشيد بالروم، وسبى عشرة آلاف، وأسر ملكيْن منهم. ثم غزا الرشيد نفسه الروم وافتتح هرقلية، وأخذ الجزية من ملك الروم.
    وتوطدت الصِّلات بينه وبين "شارلمان" ملك فرنسا وجرمانيا وإيطاليا وتبادلا السفراء، والهدايا.
    وفى أيامه، خرج "الوليد بن طريف الحرورى" من رءوس الخوارج سنة 178هـ/ 795م، فَقُتِل بعد أن استفحل أمره.
    لقد كان عصر الرشيد وابنه المأمون أرقى عصور بنى العباس قوة وعظمة وثقافة، وهو العصر الذهبى للدولة العباسية.
    القضاء على البرامكة:
    وقد تحدثت الدنيا عن نكبة "البرامكة" الذين كان منهم وزير الرشيد، وكانت لهم الكلمة العليا فى البلاد على يديه سنة 187هـ/ 803م، بعدما ظهروا ظهورًا غطى أو قارب أن يغطى على سلطة الرشيد ومكانته، وهو الخليفة.
    لقد أصبحوا مركزًا من مراكز القوى فى الدولة العباسية، الأمر أمرهم، والكلمة كلمتهم، والأموال فى أيديهم، فما منعهم ذلك لأن يفسد حالهم، ويسوء سلوك أكثرهم، حتى إن الرشيد كان لا يمر ببلد أو إقليم أو مزرعة أو بستان إلا قيل: هذا لجعفر بن يحيى بن خالد البرمكى. كما قلدوه فى إنفاق الأموال والعطايا والمنح. وضاق الرشيد بالبرامكة، وعزم على أن يقضى عليهم، وتكون نكبتهم على يديه، ونودى فى بغداد: لا أمان للبرامكة إلا محمد بن خالد بن برمك وولده؛ لإخلاصهما للخليفة.
    وكان منهم الوزراء والقادة وأصحاب الرأى، وكانوا من أصل فارسى، فلما حدث منهم ما حدث، امتنع الرشيد عن الوثوق بهم، واختار وزراءه ومستشاريه من العرب، وجعل الفضل بن الربيع الذى كان أبوه حاجبًا للمنصور والمهدى والهادى وزيرًا له.
    وكان الفضل بن الربيع شهمًا خبيرًا بأحوال الملوك وآدابهم، فلما ولى الوزارة جمع إليه أهل العلم والأدب. وما زال الفضل ابن الربيع على وزارته حتى مات الرشيد سنة 193هـ/ 809م.
    العامة وهارون الرشيد:
    وقبل أن ننتقل بحديثنا عن هارون الرشيد إلى غيره من الخلفاء العباسيين، تبقى كلمة لابد من قولها: فقد ارتبط اسم هارون الرشيد فى أذهان العامة بحكايات ألف ليلة وليلة، باللهو والمجون، وما كانت هذه حقيقة الرجل من قريب أو بعيد، وإنما عمد المستشرقون والمستهترون إلى تشويه صورة الرجل، لكى تبدو صورة الخلافة الإسلامية مشوهة، وأن المسلمين قوم لاهَمَّ لهم إلا إشباع غرائزهم، لا يصلحون لقيادة الأمم وعمارة الأرض.
    أما حقيقة هارون الرشيد، الذى أعز الله به الإسلام والمسلمين، وأذل به أعداء الدين، فهو مسلم حق، وعابد، ومجاهد بنفسه وماله فى سبيل عزة هذا الدين وإعلاء كلمة الله فى أرضه.
    كان الرشيد يكثر من صلاة النافلة إلى أن فارق الدنيا، وكان يتصدق وينفق على الحجيج من صلب ماله، وكان يحب الشعر والشعراء، ويميل إلى أهل الأدب والفقه، ويكره المراء فى الدين، ويسرع الرجوع إلى رحاب الحق إذا ذكر. حدث أنه حبس أبا العتاهية الشاعر، ووكَّل به رجلا يكون قريبًا منه لينظر ما يقول ويصنع، فكتب أبو العتاهية على الحائط:
    أما والله إن الظلم لــــؤم وما زال المسىء هو الظلـوم
    إلى ديان يوم الدين نمضـى وعند الله تجتمع الخصــوم
    فجاء الرجل فأخبر هارون الرشيد، فبكى الرشيد، وأطلق أبا العتاهية واعتذر إليه واسترضاه.
    وحج ذات مرة، فرآه الناس وقد تعلق بأستار الكعبة يقول: "يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمير الصامتين، صلّ على محمد وعلى آل محمد، واغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا؛ يا من لا تضره الذنوب، ولا تخفى عليه العيوب، ولا تنقصه مغفرة الخطايا، صلّ على محمد وعلى آل محمد، وخِره لى فى جميع أمورى. يامن خشعت له الأصوات بأنواع اللغات، يسألونه الحاجات، إن من حاجتى إليك أن تغفر لى ذنوبى إذا توفيتنى، وصُيِّرت فى لحدى، وتفرق عنى أهلى وولوا؛ اللهم لك الحمد حمدًا يفضل كل حمد، كفضلك على جميع الخلق؛ اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد صلاة تكون له رضا، وصلّ عليه صلاة تكون له ذخرًا، واجزه عنا الجزاء الأوفى. اللهم أحينا سعداء، وتوفنا شهداء، واجعلنا سعداء مرزوقين، ولا تجعلنا أشقياء مرجومين".
    هذا هو هارون الرشيد، الصورة المضيئة لخليفة المسلمين. والمسلم المحتذى به فى الأمور، ويكفيه شرفًا أنه ما مات حيث مات إلا وهو خارج إلى الرى فى موكب الجهاد لنشر الدين وحماية أرض الإسلام، فرحمة الله عليه.
    ويأتى بعد عصر الرشيد عصرَا ولديْه الأمين والمأمون
    ابو عمر
    ابو عمر
    عضو مبدع
    عضو مبدع


    عدد المساهمات : 537
    رقم العضوية : 17
    تاريخ التسجيل : 02/06/2008
    نقاط التميز : 1019
    معدل تقييم الاداء : 11

    هارون الرشيد Empty رد: هارون الرشيد

    مُساهمة من طرف ابو عمر السبت 16 يناير - 21:39

    شكرا لكما

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 6 مايو - 15:26