دراما قرية كنعانية لا ترى على الخارطة
تقع قرية أرطاس، جنوبي بيت لحم، وتبعد عنها أقل من مسافة كيلو متر واحد، وتنتشر مساكنها على الجانب الشمالي لوادي خصب، يروى من عين القرية الشهيرة، وعيون أخرى، وهو أحد أودية الهضبة الكنعانية الوسطى الواقعة غرب البحر الميت، وشرق السهل الساحلي للبحر الأبيض المتوسط.
وهذه القرية الكنعانية القديمة، كانت بسبب موقعها، موعودة بالدماء والحزن والمجد، وتعرض أهلها لـ "سبع ذبحات" على أيدي الغزاة، وقبائل وسكان بلدات فلسطينية، وهام بها عدد من بحاثة الفرنجة حبا، وكتبوا فيها القصائد وسطروا الكتب.
بقايا القنوات التي تحمل المياه إلى القدس
وكل ذلك بسب "عبقرية المكان"، الذي وجدت أرطاس نفسها فيه، والتي كانت حتى وقت قريب تسيطر على قنوات المياه التي تزود القدس بالمياه، ومن كان يفكر باحتلال القدس، عليه أولا أن يعرف كيف يسيطر على هذه القرية الصغيرة.
ومن الواضح أن اختيار سكان أرطاس، لموقع قريتهم لم يكن اعتباطا، ففيها كل الركائز الأساسية للقرى الكنعانية، مثل توفر العامل الدفاعي الأمني للصمود أمام بطش أي غاز مسلح، وكذلك العامل الاقتصادي، وكثرة الينابيع فيها جعلت من واديها، جنة خضراء.
ومن مميزات موقعها، وقوعها على الطريق الجبلي الذي يربط بين جنوبي فلسطين وشمالها، من غزة إلى القدس، مرورا بأرطاس.
وأرطاس، كلمة يونانية تعني "الجنة المقفلة"، وذكر المستشرق فيليب بالدنسبيرجر الذي سكن القرية عام 1850م، في بيت بناه له ولأسرته، بأن القرية عرفت خلال الاحتلال الصليبي (1099-1187) بالجنة المقفلة.
وارتبطت أرطاس، بما يعرف باسم برك سليمان، وهي ثلاث برك ضخمة، بنى اثنتين منهما الملك هيرودس قبل أكثر من ألفي عام، أما البركة الثالثة فبنيت في زمن المماليك المتأخر، وكانت وظيفة هذه البرك الضخمة تجميع المياه فيها، لإسالتها، عبر القنوات إلى القدس.
وعرفت هذه البرك، لدى المؤرخين الإسلاميين باسم برك المرجيع، وفي تفسير ذلك، ذكر مجير الدين الحنبلي صاحب (الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل)، إنه عندما فقد إخوة النبي يوسف عليه السلام، أخاهم، وجدوه عند البرك وأرجعوه فسميت ببرك المرجيع.
وارتبطت أرطاس بنهضة الحكم الروماني في فلسطين، ففي عام 35 قبل الميلاد، بنى الحاكم الروماني بيلاطس، قناة حجرية وأسال فيها المياه من برك سليمان، حتى القدس، أما هيرودس فبنى في وادي أرطاس حدائق، وحمامات، وقصورا، وأقنية، وما زالت بقايا القناة التي تنقل المياه من عين أرطاس، إلى قلعة هيروديوم، تظهر في عدة أماكن، ويبلغ طولها أكثر من 8 كلم.
وبنى الإمبراطور الروماني سيفيريوس (193-211م) قناة أخرى لنقل المياه إلى القدس، من وادي البيار، جنوبي أرطاس، إلى برك سليمان، ومنها إلى القدس.
وعرفت أرطاس، الإسلام، منذ دخلت الجيوش الإسلامية فلسطين عام 637م، تحت إمرة عمرو بن العاص، وتشير بعض المصادر إنه بنى أول مسجد في القرية، وهو المسجد الذي عرف باسم مسجد عمر، تيمنا باسم الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الذي تسلم مفاتيح القدس سلما في العام التالي.
ولكن من الصعب إثبات السنة التي بني فيها المسجد أبدا، لأنه ما يظهر الآن مسجدا حديثا أقيم على أنقاض مسجد قديم تم هدمه، ولم يبق منه ما يمكن أن يؤكد تاريخ بنائه، وعلى جداره الشرقي يوجد نقش مثير يعود إلى عام 1706م يشير إلى طاحونة غلال أنشئت زمن الملك الصالح، ونقل النقش في وقت ما إلى مكانه الآن.
وترتبط أسماء كثير من المواقع في أرطاس، بأسماء القبائل العربية، المرتبطة بالهجرة من بلاد نجد، عندما حل القحط بها، إلى بلاد الشام وشمال أفريقيا، وما تزال بعض جبال وشعاب ومغر أرطاس تعرف بأسماء قادة القبائل التي وصلتها وسكنتها أو مرت بها، مثل (قرنة ذياب)، و(جبل أبو زيد)، و(شعب حسنات)، و(شعب أبو زيد)، و(شعب سلطان)، و(شعب سلمان)، و(مغارة خالد)، وهي أسماء تطلق لغاية اليوم على هذه الأماكن وتعرف بها، ومعظم هذه الأسماء ترجع إلى قادة قبيلة بني هلال، الذي من المحتمل أنهم مروا أو سكنوا القرية فترة من الزمن.
وفي فترة الحكم الإسلامي لفلسطين، لعبت مياه أرطاس دورا هاما، ويمكن هنا الإشارة إلى ما كتبه السيد بوذري، مدير مصلحة المياه في حكومة الانتداب، في تقرير عام 1938 "إن مشروع الماء في عهد المسلمين كان متقنا إلى درجة أن الصليبيين عندما حاصروا القدس، قاسوا أشد العذاب من جراء العطش وقلة الماء، بينما كان سكان القدس أنفسهم في مأمن من هذه الناحية، وكانت لديهم في المدينة مقادير وافرة من المياه، وقد أعار المسلمون المسألة جل اهتمامهم، فعمروا القنوات وأولوها أهمية خاصة، وحيث كان لمياه أرطاس وبرك سليمان أهمية كبيرة في تزويد مدينة القدس بالمياه، لذا كان لأهل أرطاس دورا كبيرا في حماية المياه والقنوات التي توصلها إلى القدس".
درج حفر في الصخر يشهد على عراقة أرطاس
واستدار الصليبيون، واحتلوا القرية، واستولوا على قنوات المياه، وبقوا فيها سنوات طويلة، حتى هزم القائد صلاح الدين الأيوبي، آخر ملوك الصليبيين واستطاع السيطرة على أرطاس، من أجل حماية مصادر المياه الموجودة فيها، ودفع سكان القرية ثمن احتلالها من قبل الصليبيين، وتحريرها منهم.
وتشير التقاليد المتبعة في أرطاس، إنه وفي الماضي البعيد، اعتاد فلاحو القرية حماية القنوات ومصادر المياه التي تضخ إلى القدس، مقابل إعفائهم من دفع الضرائب، وامتيازات أخرى وصلت لحد تكليفهم جباية الضرائب من القرى والمناطق التي حولها، وكانت أرطاس تعرف حينها براس العرقوب، وهي مجموعة من القرى تضم 24 قرية.
ويوجد ما يؤكد بان أرطاس، وصلت أوج قوتها في عهد سلاطين المماليك (1187-1517م)، حيث أصبحت تشكل مركزا تجاريا وقضائيا، وانتشرت فيها طواحين الغلال التي كانت تعمل بقوة مياه أرطاس، ويوجد من هذه الفترة بقايا لقاعة محكمة وسجن معروف الآن باسم (الحبس) ولكن أصحاب الأرض التي يقع فيها هذا السجن أغلقوه وشيدوا منازلا حديثة بجانبه، بينما شارع القرية الرئيس يمر فوقه.
خلال هذه الفترة اطلع زعماء أرطاس بدور من يقيمون العدل في القرى التابعة لهم، ولكن لا يعرف إلى أي مدى يمكن اختبار عدلهم، خصوصا وأن القرية تعرضت لمذبحة، من قبل أهالي القرى الأخرى، خلال هذه الفترة، التي شهدت أيضا ترميم وبناء القنوات المائية التي تزود المياه بالقدس، على يد بعض السلاطين مثل (الظاهر خوشقدم)، و(الظاهر بلباي)، و(الظاهر تمريغا).
وعندما استطاع العثمانيون السيطرة على جند فلسطين، اهتموا مثل من سبقهم بأرطاس، فرمم السلطان سليمان القانوني برك سليمان الثلاث، وعمر قنوات المياه وحافظ عليها.
وعندما اختل الأمن، في فترة لاحقة، نتيجة للظلم والفقر، انتشر الأشقياء وقطاع الطرق الذين خربوا الينابيع ومجاري المياه، فذاق أهل القدس الأمرين، مما حدا بالسلطان العثماني مراد الرابع، لبناء قلعة عرفت باسمه لحماية البرك والقنوات، وأنشأ داخلها مسجدا وخمسين غرفة ليسكنها الجنود الذين سيروا الدوريات لمنع قطاع الطريق من الاعتداء على القنوات التي يسيل فيها الماء نحو المدينة المقدسة.
وفي هذه الفترة ما بين (1750-1834م) تعرض أهل أرطاس لمذابح مختلفة، اضطروا على أثرها لترك القرية، والأسباب مختلفة منها ما يتعلق بدورهم في جمع الضرائب، أو احتلال القرية من قبل الغزاة، ولتورط السكان في الصراع التقليدي قيس ويمن، وإذا كانت بعض هذه المذابح التي يقول السكان أن عددها سبعة، لا تتوفر معلومات دقيقة عنها، وتختلط المرويات عنها بالحقائق والأساطير المحلية، إلا أنه يمكن الإشارة بكثير من الثقة إلى آخر مذبحة حدثت في القرية، على يد إبراهيم باشا، ابن والي مصر الطموح محمد علي، حيث دمر إبراهيم باشا بيوت القرية، وجعلها حطاما بعد مقتل وجرح 800 ضابط وجندي من قواته على أيدي الثوار، عندما كانوا يستريحون ويسقون خيولهم من عين أرطاس، وفي مثل هذه الحالات من عدم الاستقرار كان السكان يلجئون إلى القرى المجاورة وكهوف الجبال، وقلعة مراد.
وفي أثناء الحكم العثماني المتأخر، عام 1901م، استبدلت قناة المياه الفخارية التي مدها العثمانيون من برك سليمان إلى القدس، بقناة معدنية، بإشراف مهندس يوناني يدعى افرنقاه، والتي ظلت تزود القدس بالمياه حتى عام 1948، ووقوع النكبة الفلسطينية.
وعندما احتل البريطانيون فلسطين، رابطت القوات البريطانية في قلعة مراد، وشرعت في بناء محطة فوق مجرى عين أرطاس، وأنهت العمل عام 1922، لتبدأ ضخ المياه إلى القدس، غير آبهين بأرزاق السكان، ولم يتركوا لهم مياها للشرب، أو للزراعة، أو للاستخدامات المنزلية المختلفة.
ووجد السكان طريقة، لرفع دعوى ضد حكومة الانتداب ووكلوا في قضيتهم أربعة محامين فلسطينيين، الذين كلفوا المحامي البريطاني المقيم في لندن السير ولسون، فكسب الدعوى عن طريق حيلة، حيث ذهب إلى أحد أصدقائه وطلب منه أن يذهب يوم النظر في الدعوى إلى المحكمة ويطلب تطبيق القانون على المحامي مدعيا بأنه اغتصب زوجته منه، ويطالب بإعادتها إليه, ففعل هذا الصديق ذلك، فأمر القاضي بتطبيق العدالة ضد المحامي وإعادة الزوجة إلى زوجها، وعندها وقف المحامي صارخا: كيف لكم وأنتم تغتصبون مياه سكان أرطاس، أن تطالبوا بإعادة زوجة هذا الشخص إليه؟ وكسب المحامي القضية لصالح سكان أرطاس.
بقايا منزل قديم في أرطاس
واستأنفت حكومة الانتداب على قرار المحكمة إلى مجلس الملك الخاص، الذي رد الاستئناف، وقرر أن مياه أرطاس هي ملك لأهل القرية، وصدر قرار مجلس الملك الخاص تحت رقم 98-1925.
وقبل هذه القضية فإن أرطاس حازت شهرة عالمية، بسبب عبقرية المكان، التي ساهمت ليس فقط إعطاء دور تاريخي لهذه القرية الصغيرة في أمن القدس المائي، ولكنها شكلت عامل جذب للمستشرقين والبعثات التبشيرية، والذي ساهم بعضهم في تدوين تاريخ أرطاس بشكل علمي وترك مجموعة تضم مئات الصور لها ولمعاملها وناسها، وتدوين حكاياتها الشعبية، وإحصاء نباتاتها، وكتب فيها عدد من الشعراء الإيطاليين قصائد مؤثرة.
واشترى في القرية، العديد من الأوروبيين، أراض، وبيوتا أمثال هنري بالدنسبيرغر، وبيتر ميشولام، والأمير هنري ابن الملكة فكتوريا الذي ابتاع أراض في القرية عام 1850.
واستوطن فيها العديد من العلماء الفرنسيين والألمان والإنجليز وعاشوا فيها سنوات عديدة، وأدخلوا إليها أنواعا نادرة من الفواكه آنذاك مثل الدراق الأميركي، وما تزال بعض المناطق في القرية تعرف بأسمائهم.
ولكن أهم هؤلاء على الإطلاق هي الدكتورة الفنلندية هيلما غرانفكست، التي يمكن أن نطلق عليها (درويشة أرطاس المتيمة)، فهي عاشت في القرية في السنوات (1925-1931) وعادت لفترة أخرى لاحقا، وبذلت جهودا للحصول على منحة أخرى للعودة إلى القرية، ولكنها لم توفق.
من الصعب وصف الحب الذي حملته هيلما لسكان القرية الذين أطلقوا عليها اسم (حليمة)، وما زال بعض السكان يذكرونها حتى الآن بهذا الاسم.
تعلمت هيلما اللغة العربية وتحدثت بلهجة أهالي أرطاس، وكتبت خمسة كتب عن حياة الإنسان الفلسطيني، متخذة من إنسان أرطاس نموذجا، وحققت شهرة عالمية، وعلى دربها جاء وما يزال يجيء باحثون وباحثات إلى القرية، ومن بينهم من حاول استكمال عمل هيلما مثل الباحثة البريطانية شيلا واير، التي زارت القرية عامي 1978 و1979، أو مواطنتها كارين سيغر التي أعدت كتابا عن القرية اعتمد أساسا على مجموعة الصور النادرة والمثيرة التي التقطتها هيلما، وكتبت عنها نصوصا، بالإضافة إلى علميتها، فهي غاية في العذوبة والشاعرية.
لقد أصبحت هيلما أو حليمة، أسطورة قرية أرطاس، وكان لوجود لويزا بالدنسبيرغر، في القرية آنذاك، دورا في تشجع هيلما للإقامة فيها وإعداد أبحاثها الميدانية.
ولويزا، هي ابنة هنري بالدنسبيرغر، وشقيقة فيليب بالدنسبيرغر صاحب كتاب (الشرق الذي لا يتزحزح) الذي نشره عام 1913، وفيه كتب نصوصا قل نظيرها من مستشرق عن قرية فلسطينية ومما كتبه: "خلال أحلام الربيع طيف واحد يسيطر علي عندما يبدأ شهر الربيع، إنه ذكرى أرطاس، ذكرى قرية صغيرة تقع على بعد مسافة قليلة من بيت لحم، تبدو وكأنها جافة قاحلة، لكنها في الحقيقة مكان أرضه الكلسية تجعله ملائما جدا لإنتاج الفواكه اللذيذة، وفي واديها الصغير المحاط يمينا ويسارا بمنحدرات وعرة، ويسقى بجدول دائم الجريان، هناك المشمش اللذيذ والخوخ والأجاص والتين وغيرها تنمو، حيث عشت وأنا صغير مع إخوتي في بيت منبسط السطح وكالقلعة على هضبة فوق مزارعنا في أرطاس".
وكتب أيضا: "أشجار الفاكهة في أرطاس تملأ العين بهجة، بأزهارها التي لا حصر لها، وتثقل ثمارها الأغصان بما يتناسب وموائد الملوك والأمراء، سماؤها الزرقاء، أراها وأنا استلقي حالما تحت الأغصان، غناء الطيور وخرير الجداول والعطر الفاغم الذي يفوح من النباتات التي يجد فيها نحلنا مرتفعا لجني محصوله، إن زعتر أرطاس يمكن أن نقارنه بذلك الذي يجنى منه نحل اليونان في جبل هيمتيوس، وعندما أقرأ نشيد الإنشاد أجد صورة لحدائق أرطاس..انهضي يا جميلتي، فالشتاء قد ولى والأزهار تظهر على وجه الأرض، جاء وقت نشيد الطيور، وشجر التين يبرز أوراقه، وثمار العنب تعطي روائحها، يبدو لي أن نشيد الإنشاد كان إلهاما من هذا المحيط الجميل أرطاس، وإن داود النبي كتب إصحاحه الثالث والعشرين بوحي من جنة أرطاس وإن عين رمون (عين أرطاس) تحمل اسمها من الزمن الكنعاني، وإن هيرود الادومي وجد متعة في موقع أرطاس، وأنشأ له فيها حدائق وقصور..".
منزل قديم في أرطاس
لا أحد الآن من سكان القرية، يذكر فيليب بالدنسبيرغر، وقليلون يذكرون شقيقته لويزا التي ولدت في القدس عام 1862م، وعاشت منذ طفولتها الأولى في أرطاس، وكانت هذه السيدة آخر أجنبية ترحل عن القرية وذلك عام 1933، بعد أن أصبحت وحيدة وطاعنة في السن، وبعد أن توفى الله رفيقتيها من أرطاس حمدية سند، وعليا إبراهيم، وباعت بيت والدها والأراضي التابعة له، والذي يعرف حتى الآن باسم (شعب الست لويزا)، وتوفيت الست لويزا في مدينة الرملة بعد رحيلها عن أرطاس بعد أعوام، ومن مآثرها كتاب عن نباتات أرطاس، وآخر عن حكايات القرية الشعبية.
الفصل الأخير في دراما القرية الكنعانية أرطاس، بدأت كتابته، مع تبلور مفهوم جديد للهوية الفلسطينية في مطلع القرن العشرين، ففي أثناء الانتداب البريطاني، كان شبان القرية من مؤيدي مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، وفي آذار (مارس) 1948، خاضوا ضد العصابات الصهيونية معركة عرفت باسم معركة الدهيشة، على طريق القدس-الخليل التاريخي، استمرت يومين، وشارك فيها الطيران البريطاني، وتحقق النصر فيها للمقاومين الفلسطينيين، وكان إحدى المعارك التي حافظت على عروبة القدس، ومحيطها، بما فيها أرطاس، حتى عام 1967، حيث وقعت القرية تحت الاحتلال الصهيوني، ودخلت مرحلة جديدة من تاريخها، فعرف شبانها السجون الصهيونية، وفي الانتفاضة الفلسطينية الأولى، أصبح أهم معلم في القرية هو (مقبرة الشهداء)، ورغم آلامهم إلا أن السكان كانوا مفعمين بالأمل، حتى لو كان باهتا في آخر النفق، فواصلوا مقاومتهم، وتصدرت القرية الأنباء العالمية بعد أن حاصرها الجيش الصهيوني، وأمطرها بوابل لا ينقطع من قنابل الغاز المدمع، مما جعل السكان المحصورين بين الجبال، لا يستطيعون فعل أي شيء.
وبعد تأسيس السلطة الفلسطينية لحقتها مظاهر الفلتان الأمني ووقعت فيها جريمة بشعة، على خلفية ما يطلق عليه شرف العائلة.
وفي انتفاضة الأقصى، نفذت الوحدات الصهيونية الخاصة، بعض من أشهر عمليات الاغتيال ضد ناشطين الانتفاضة، ولم تعد مقبرة الشهداء القديمة تكفي، فأسست مقبرة جديدة للشهداء، لتستقبل شهداء من المخيمات والقرى والمدن المجاورة.
وخرج من القرية اثنين من الاستشهاديين، أحدهما وهو داود أبو صوي، رب عائلة وأب، ذهب إلى القدس وعمره 45 عاما ليفجر نفسه، بعد أن ترك وصية يظهر فيها سخطه وعدم تحمله لما يفعله الجيش الصهيوني خصوصا بعمليات الاغتيال التي طالت أصدقاء لهم من القرية.
والآن، فإن أعمال بناء السور الاستيطاني العازل حول أرطاس، تستمر بوتيرة سريعة، محطمة قنوات المياه التاريخية، ومغيرة معالم جبل أبو زيد، ومطوقة عيون المياه، وتستمر أيضا عمليات ضم المزيد من أراضي القرية لمدينة أفرات الاستيطانية، التي تعتبرها حكومات الاحتلال المتعاقبة حدود القدس الجنوبية.
تقع قرية أرطاس، جنوبي بيت لحم، وتبعد عنها أقل من مسافة كيلو متر واحد، وتنتشر مساكنها على الجانب الشمالي لوادي خصب، يروى من عين القرية الشهيرة، وعيون أخرى، وهو أحد أودية الهضبة الكنعانية الوسطى الواقعة غرب البحر الميت، وشرق السهل الساحلي للبحر الأبيض المتوسط.
وهذه القرية الكنعانية القديمة، كانت بسبب موقعها، موعودة بالدماء والحزن والمجد، وتعرض أهلها لـ "سبع ذبحات" على أيدي الغزاة، وقبائل وسكان بلدات فلسطينية، وهام بها عدد من بحاثة الفرنجة حبا، وكتبوا فيها القصائد وسطروا الكتب.
بقايا القنوات التي تحمل المياه إلى القدس
وكل ذلك بسب "عبقرية المكان"، الذي وجدت أرطاس نفسها فيه، والتي كانت حتى وقت قريب تسيطر على قنوات المياه التي تزود القدس بالمياه، ومن كان يفكر باحتلال القدس، عليه أولا أن يعرف كيف يسيطر على هذه القرية الصغيرة.
ومن الواضح أن اختيار سكان أرطاس، لموقع قريتهم لم يكن اعتباطا، ففيها كل الركائز الأساسية للقرى الكنعانية، مثل توفر العامل الدفاعي الأمني للصمود أمام بطش أي غاز مسلح، وكذلك العامل الاقتصادي، وكثرة الينابيع فيها جعلت من واديها، جنة خضراء.
ومن مميزات موقعها، وقوعها على الطريق الجبلي الذي يربط بين جنوبي فلسطين وشمالها، من غزة إلى القدس، مرورا بأرطاس.
وأرطاس، كلمة يونانية تعني "الجنة المقفلة"، وذكر المستشرق فيليب بالدنسبيرجر الذي سكن القرية عام 1850م، في بيت بناه له ولأسرته، بأن القرية عرفت خلال الاحتلال الصليبي (1099-1187) بالجنة المقفلة.
وارتبطت أرطاس، بما يعرف باسم برك سليمان، وهي ثلاث برك ضخمة، بنى اثنتين منهما الملك هيرودس قبل أكثر من ألفي عام، أما البركة الثالثة فبنيت في زمن المماليك المتأخر، وكانت وظيفة هذه البرك الضخمة تجميع المياه فيها، لإسالتها، عبر القنوات إلى القدس.
وعرفت هذه البرك، لدى المؤرخين الإسلاميين باسم برك المرجيع، وفي تفسير ذلك، ذكر مجير الدين الحنبلي صاحب (الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل)، إنه عندما فقد إخوة النبي يوسف عليه السلام، أخاهم، وجدوه عند البرك وأرجعوه فسميت ببرك المرجيع.
وارتبطت أرطاس بنهضة الحكم الروماني في فلسطين، ففي عام 35 قبل الميلاد، بنى الحاكم الروماني بيلاطس، قناة حجرية وأسال فيها المياه من برك سليمان، حتى القدس، أما هيرودس فبنى في وادي أرطاس حدائق، وحمامات، وقصورا، وأقنية، وما زالت بقايا القناة التي تنقل المياه من عين أرطاس، إلى قلعة هيروديوم، تظهر في عدة أماكن، ويبلغ طولها أكثر من 8 كلم.
وبنى الإمبراطور الروماني سيفيريوس (193-211م) قناة أخرى لنقل المياه إلى القدس، من وادي البيار، جنوبي أرطاس، إلى برك سليمان، ومنها إلى القدس.
وعرفت أرطاس، الإسلام، منذ دخلت الجيوش الإسلامية فلسطين عام 637م، تحت إمرة عمرو بن العاص، وتشير بعض المصادر إنه بنى أول مسجد في القرية، وهو المسجد الذي عرف باسم مسجد عمر، تيمنا باسم الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الذي تسلم مفاتيح القدس سلما في العام التالي.
ولكن من الصعب إثبات السنة التي بني فيها المسجد أبدا، لأنه ما يظهر الآن مسجدا حديثا أقيم على أنقاض مسجد قديم تم هدمه، ولم يبق منه ما يمكن أن يؤكد تاريخ بنائه، وعلى جداره الشرقي يوجد نقش مثير يعود إلى عام 1706م يشير إلى طاحونة غلال أنشئت زمن الملك الصالح، ونقل النقش في وقت ما إلى مكانه الآن.
وترتبط أسماء كثير من المواقع في أرطاس، بأسماء القبائل العربية، المرتبطة بالهجرة من بلاد نجد، عندما حل القحط بها، إلى بلاد الشام وشمال أفريقيا، وما تزال بعض جبال وشعاب ومغر أرطاس تعرف بأسماء قادة القبائل التي وصلتها وسكنتها أو مرت بها، مثل (قرنة ذياب)، و(جبل أبو زيد)، و(شعب حسنات)، و(شعب أبو زيد)، و(شعب سلطان)، و(شعب سلمان)، و(مغارة خالد)، وهي أسماء تطلق لغاية اليوم على هذه الأماكن وتعرف بها، ومعظم هذه الأسماء ترجع إلى قادة قبيلة بني هلال، الذي من المحتمل أنهم مروا أو سكنوا القرية فترة من الزمن.
وفي فترة الحكم الإسلامي لفلسطين، لعبت مياه أرطاس دورا هاما، ويمكن هنا الإشارة إلى ما كتبه السيد بوذري، مدير مصلحة المياه في حكومة الانتداب، في تقرير عام 1938 "إن مشروع الماء في عهد المسلمين كان متقنا إلى درجة أن الصليبيين عندما حاصروا القدس، قاسوا أشد العذاب من جراء العطش وقلة الماء، بينما كان سكان القدس أنفسهم في مأمن من هذه الناحية، وكانت لديهم في المدينة مقادير وافرة من المياه، وقد أعار المسلمون المسألة جل اهتمامهم، فعمروا القنوات وأولوها أهمية خاصة، وحيث كان لمياه أرطاس وبرك سليمان أهمية كبيرة في تزويد مدينة القدس بالمياه، لذا كان لأهل أرطاس دورا كبيرا في حماية المياه والقنوات التي توصلها إلى القدس".
درج حفر في الصخر يشهد على عراقة أرطاس
واستدار الصليبيون، واحتلوا القرية، واستولوا على قنوات المياه، وبقوا فيها سنوات طويلة، حتى هزم القائد صلاح الدين الأيوبي، آخر ملوك الصليبيين واستطاع السيطرة على أرطاس، من أجل حماية مصادر المياه الموجودة فيها، ودفع سكان القرية ثمن احتلالها من قبل الصليبيين، وتحريرها منهم.
وتشير التقاليد المتبعة في أرطاس، إنه وفي الماضي البعيد، اعتاد فلاحو القرية حماية القنوات ومصادر المياه التي تضخ إلى القدس، مقابل إعفائهم من دفع الضرائب، وامتيازات أخرى وصلت لحد تكليفهم جباية الضرائب من القرى والمناطق التي حولها، وكانت أرطاس تعرف حينها براس العرقوب، وهي مجموعة من القرى تضم 24 قرية.
ويوجد ما يؤكد بان أرطاس، وصلت أوج قوتها في عهد سلاطين المماليك (1187-1517م)، حيث أصبحت تشكل مركزا تجاريا وقضائيا، وانتشرت فيها طواحين الغلال التي كانت تعمل بقوة مياه أرطاس، ويوجد من هذه الفترة بقايا لقاعة محكمة وسجن معروف الآن باسم (الحبس) ولكن أصحاب الأرض التي يقع فيها هذا السجن أغلقوه وشيدوا منازلا حديثة بجانبه، بينما شارع القرية الرئيس يمر فوقه.
خلال هذه الفترة اطلع زعماء أرطاس بدور من يقيمون العدل في القرى التابعة لهم، ولكن لا يعرف إلى أي مدى يمكن اختبار عدلهم، خصوصا وأن القرية تعرضت لمذبحة، من قبل أهالي القرى الأخرى، خلال هذه الفترة، التي شهدت أيضا ترميم وبناء القنوات المائية التي تزود المياه بالقدس، على يد بعض السلاطين مثل (الظاهر خوشقدم)، و(الظاهر بلباي)، و(الظاهر تمريغا).
وعندما استطاع العثمانيون السيطرة على جند فلسطين، اهتموا مثل من سبقهم بأرطاس، فرمم السلطان سليمان القانوني برك سليمان الثلاث، وعمر قنوات المياه وحافظ عليها.
وعندما اختل الأمن، في فترة لاحقة، نتيجة للظلم والفقر، انتشر الأشقياء وقطاع الطرق الذين خربوا الينابيع ومجاري المياه، فذاق أهل القدس الأمرين، مما حدا بالسلطان العثماني مراد الرابع، لبناء قلعة عرفت باسمه لحماية البرك والقنوات، وأنشأ داخلها مسجدا وخمسين غرفة ليسكنها الجنود الذين سيروا الدوريات لمنع قطاع الطريق من الاعتداء على القنوات التي يسيل فيها الماء نحو المدينة المقدسة.
وفي هذه الفترة ما بين (1750-1834م) تعرض أهل أرطاس لمذابح مختلفة، اضطروا على أثرها لترك القرية، والأسباب مختلفة منها ما يتعلق بدورهم في جمع الضرائب، أو احتلال القرية من قبل الغزاة، ولتورط السكان في الصراع التقليدي قيس ويمن، وإذا كانت بعض هذه المذابح التي يقول السكان أن عددها سبعة، لا تتوفر معلومات دقيقة عنها، وتختلط المرويات عنها بالحقائق والأساطير المحلية، إلا أنه يمكن الإشارة بكثير من الثقة إلى آخر مذبحة حدثت في القرية، على يد إبراهيم باشا، ابن والي مصر الطموح محمد علي، حيث دمر إبراهيم باشا بيوت القرية، وجعلها حطاما بعد مقتل وجرح 800 ضابط وجندي من قواته على أيدي الثوار، عندما كانوا يستريحون ويسقون خيولهم من عين أرطاس، وفي مثل هذه الحالات من عدم الاستقرار كان السكان يلجئون إلى القرى المجاورة وكهوف الجبال، وقلعة مراد.
وفي أثناء الحكم العثماني المتأخر، عام 1901م، استبدلت قناة المياه الفخارية التي مدها العثمانيون من برك سليمان إلى القدس، بقناة معدنية، بإشراف مهندس يوناني يدعى افرنقاه، والتي ظلت تزود القدس بالمياه حتى عام 1948، ووقوع النكبة الفلسطينية.
وعندما احتل البريطانيون فلسطين، رابطت القوات البريطانية في قلعة مراد، وشرعت في بناء محطة فوق مجرى عين أرطاس، وأنهت العمل عام 1922، لتبدأ ضخ المياه إلى القدس، غير آبهين بأرزاق السكان، ولم يتركوا لهم مياها للشرب، أو للزراعة، أو للاستخدامات المنزلية المختلفة.
ووجد السكان طريقة، لرفع دعوى ضد حكومة الانتداب ووكلوا في قضيتهم أربعة محامين فلسطينيين، الذين كلفوا المحامي البريطاني المقيم في لندن السير ولسون، فكسب الدعوى عن طريق حيلة، حيث ذهب إلى أحد أصدقائه وطلب منه أن يذهب يوم النظر في الدعوى إلى المحكمة ويطلب تطبيق القانون على المحامي مدعيا بأنه اغتصب زوجته منه، ويطالب بإعادتها إليه, ففعل هذا الصديق ذلك، فأمر القاضي بتطبيق العدالة ضد المحامي وإعادة الزوجة إلى زوجها، وعندها وقف المحامي صارخا: كيف لكم وأنتم تغتصبون مياه سكان أرطاس، أن تطالبوا بإعادة زوجة هذا الشخص إليه؟ وكسب المحامي القضية لصالح سكان أرطاس.
بقايا منزل قديم في أرطاس
واستأنفت حكومة الانتداب على قرار المحكمة إلى مجلس الملك الخاص، الذي رد الاستئناف، وقرر أن مياه أرطاس هي ملك لأهل القرية، وصدر قرار مجلس الملك الخاص تحت رقم 98-1925.
وقبل هذه القضية فإن أرطاس حازت شهرة عالمية، بسبب عبقرية المكان، التي ساهمت ليس فقط إعطاء دور تاريخي لهذه القرية الصغيرة في أمن القدس المائي، ولكنها شكلت عامل جذب للمستشرقين والبعثات التبشيرية، والذي ساهم بعضهم في تدوين تاريخ أرطاس بشكل علمي وترك مجموعة تضم مئات الصور لها ولمعاملها وناسها، وتدوين حكاياتها الشعبية، وإحصاء نباتاتها، وكتب فيها عدد من الشعراء الإيطاليين قصائد مؤثرة.
واشترى في القرية، العديد من الأوروبيين، أراض، وبيوتا أمثال هنري بالدنسبيرغر، وبيتر ميشولام، والأمير هنري ابن الملكة فكتوريا الذي ابتاع أراض في القرية عام 1850.
واستوطن فيها العديد من العلماء الفرنسيين والألمان والإنجليز وعاشوا فيها سنوات عديدة، وأدخلوا إليها أنواعا نادرة من الفواكه آنذاك مثل الدراق الأميركي، وما تزال بعض المناطق في القرية تعرف بأسمائهم.
ولكن أهم هؤلاء على الإطلاق هي الدكتورة الفنلندية هيلما غرانفكست، التي يمكن أن نطلق عليها (درويشة أرطاس المتيمة)، فهي عاشت في القرية في السنوات (1925-1931) وعادت لفترة أخرى لاحقا، وبذلت جهودا للحصول على منحة أخرى للعودة إلى القرية، ولكنها لم توفق.
من الصعب وصف الحب الذي حملته هيلما لسكان القرية الذين أطلقوا عليها اسم (حليمة)، وما زال بعض السكان يذكرونها حتى الآن بهذا الاسم.
تعلمت هيلما اللغة العربية وتحدثت بلهجة أهالي أرطاس، وكتبت خمسة كتب عن حياة الإنسان الفلسطيني، متخذة من إنسان أرطاس نموذجا، وحققت شهرة عالمية، وعلى دربها جاء وما يزال يجيء باحثون وباحثات إلى القرية، ومن بينهم من حاول استكمال عمل هيلما مثل الباحثة البريطانية شيلا واير، التي زارت القرية عامي 1978 و1979، أو مواطنتها كارين سيغر التي أعدت كتابا عن القرية اعتمد أساسا على مجموعة الصور النادرة والمثيرة التي التقطتها هيلما، وكتبت عنها نصوصا، بالإضافة إلى علميتها، فهي غاية في العذوبة والشاعرية.
لقد أصبحت هيلما أو حليمة، أسطورة قرية أرطاس، وكان لوجود لويزا بالدنسبيرغر، في القرية آنذاك، دورا في تشجع هيلما للإقامة فيها وإعداد أبحاثها الميدانية.
ولويزا، هي ابنة هنري بالدنسبيرغر، وشقيقة فيليب بالدنسبيرغر صاحب كتاب (الشرق الذي لا يتزحزح) الذي نشره عام 1913، وفيه كتب نصوصا قل نظيرها من مستشرق عن قرية فلسطينية ومما كتبه: "خلال أحلام الربيع طيف واحد يسيطر علي عندما يبدأ شهر الربيع، إنه ذكرى أرطاس، ذكرى قرية صغيرة تقع على بعد مسافة قليلة من بيت لحم، تبدو وكأنها جافة قاحلة، لكنها في الحقيقة مكان أرضه الكلسية تجعله ملائما جدا لإنتاج الفواكه اللذيذة، وفي واديها الصغير المحاط يمينا ويسارا بمنحدرات وعرة، ويسقى بجدول دائم الجريان، هناك المشمش اللذيذ والخوخ والأجاص والتين وغيرها تنمو، حيث عشت وأنا صغير مع إخوتي في بيت منبسط السطح وكالقلعة على هضبة فوق مزارعنا في أرطاس".
وكتب أيضا: "أشجار الفاكهة في أرطاس تملأ العين بهجة، بأزهارها التي لا حصر لها، وتثقل ثمارها الأغصان بما يتناسب وموائد الملوك والأمراء، سماؤها الزرقاء، أراها وأنا استلقي حالما تحت الأغصان، غناء الطيور وخرير الجداول والعطر الفاغم الذي يفوح من النباتات التي يجد فيها نحلنا مرتفعا لجني محصوله، إن زعتر أرطاس يمكن أن نقارنه بذلك الذي يجنى منه نحل اليونان في جبل هيمتيوس، وعندما أقرأ نشيد الإنشاد أجد صورة لحدائق أرطاس..انهضي يا جميلتي، فالشتاء قد ولى والأزهار تظهر على وجه الأرض، جاء وقت نشيد الطيور، وشجر التين يبرز أوراقه، وثمار العنب تعطي روائحها، يبدو لي أن نشيد الإنشاد كان إلهاما من هذا المحيط الجميل أرطاس، وإن داود النبي كتب إصحاحه الثالث والعشرين بوحي من جنة أرطاس وإن عين رمون (عين أرطاس) تحمل اسمها من الزمن الكنعاني، وإن هيرود الادومي وجد متعة في موقع أرطاس، وأنشأ له فيها حدائق وقصور..".
منزل قديم في أرطاس
لا أحد الآن من سكان القرية، يذكر فيليب بالدنسبيرغر، وقليلون يذكرون شقيقته لويزا التي ولدت في القدس عام 1862م، وعاشت منذ طفولتها الأولى في أرطاس، وكانت هذه السيدة آخر أجنبية ترحل عن القرية وذلك عام 1933، بعد أن أصبحت وحيدة وطاعنة في السن، وبعد أن توفى الله رفيقتيها من أرطاس حمدية سند، وعليا إبراهيم، وباعت بيت والدها والأراضي التابعة له، والذي يعرف حتى الآن باسم (شعب الست لويزا)، وتوفيت الست لويزا في مدينة الرملة بعد رحيلها عن أرطاس بعد أعوام، ومن مآثرها كتاب عن نباتات أرطاس، وآخر عن حكايات القرية الشعبية.
الفصل الأخير في دراما القرية الكنعانية أرطاس، بدأت كتابته، مع تبلور مفهوم جديد للهوية الفلسطينية في مطلع القرن العشرين، ففي أثناء الانتداب البريطاني، كان شبان القرية من مؤيدي مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، وفي آذار (مارس) 1948، خاضوا ضد العصابات الصهيونية معركة عرفت باسم معركة الدهيشة، على طريق القدس-الخليل التاريخي، استمرت يومين، وشارك فيها الطيران البريطاني، وتحقق النصر فيها للمقاومين الفلسطينيين، وكان إحدى المعارك التي حافظت على عروبة القدس، ومحيطها، بما فيها أرطاس، حتى عام 1967، حيث وقعت القرية تحت الاحتلال الصهيوني، ودخلت مرحلة جديدة من تاريخها، فعرف شبانها السجون الصهيونية، وفي الانتفاضة الفلسطينية الأولى، أصبح أهم معلم في القرية هو (مقبرة الشهداء)، ورغم آلامهم إلا أن السكان كانوا مفعمين بالأمل، حتى لو كان باهتا في آخر النفق، فواصلوا مقاومتهم، وتصدرت القرية الأنباء العالمية بعد أن حاصرها الجيش الصهيوني، وأمطرها بوابل لا ينقطع من قنابل الغاز المدمع، مما جعل السكان المحصورين بين الجبال، لا يستطيعون فعل أي شيء.
وبعد تأسيس السلطة الفلسطينية لحقتها مظاهر الفلتان الأمني ووقعت فيها جريمة بشعة، على خلفية ما يطلق عليه شرف العائلة.
وفي انتفاضة الأقصى، نفذت الوحدات الصهيونية الخاصة، بعض من أشهر عمليات الاغتيال ضد ناشطين الانتفاضة، ولم تعد مقبرة الشهداء القديمة تكفي، فأسست مقبرة جديدة للشهداء، لتستقبل شهداء من المخيمات والقرى والمدن المجاورة.
وخرج من القرية اثنين من الاستشهاديين، أحدهما وهو داود أبو صوي، رب عائلة وأب، ذهب إلى القدس وعمره 45 عاما ليفجر نفسه، بعد أن ترك وصية يظهر فيها سخطه وعدم تحمله لما يفعله الجيش الصهيوني خصوصا بعمليات الاغتيال التي طالت أصدقاء لهم من القرية.
والآن، فإن أعمال بناء السور الاستيطاني العازل حول أرطاس، تستمر بوتيرة سريعة، محطمة قنوات المياه التاريخية، ومغيرة معالم جبل أبو زيد، ومطوقة عيون المياه، وتستمر أيضا عمليات ضم المزيد من أراضي القرية لمدينة أفرات الاستيطانية، التي تعتبرها حكومات الاحتلال المتعاقبة حدود القدس الجنوبية.
الأحد 16 مارس - 16:45 من طرف love for ever
» عالم مصريات ألماني يضع نظرية جديدة عن أصل الاهرام
الثلاثاء 24 ديسمبر - 9:08 من طرف adel.ebied.14
» فرح جامد آخر حاجه
الأحد 11 مارس - 7:46 من طرف عمرو سليم
» ملحمة الثورة في السويس
الأربعاء 27 أبريل - 3:54 من طرف عادل
» موقعة الجمل 2-2-2011
الأحد 24 أبريل - 10:28 من طرف عادل
» معركة قصر النيل في يوم جمعة الشهداء (الغضب) 28 -1 - 2011
السبت 23 أبريل - 3:10 من طرف عادل
» احداث يوم 25 يناير في ميدان المطرية
السبت 23 أبريل - 1:24 من طرف عادل
» تفاصيل يوم الغضب "25 يناير" لحظة بلحظة
السبت 23 أبريل - 1:20 من طرف عادل
» كتاب حقيقة البهائية لدكتور مصطفى محمود
الجمعة 22 أبريل - 8:01 من طرف هشام الصفطي
» لماذا قامت الثورة ؟
الخميس 21 أبريل - 7:51 من طرف Marwan(Mark71)
» مواهب خرجت من رحم الثورة
الخميس 21 أبريل - 2:55 من طرف سعاد خليل
» تفاصيل يوم الغضب الثالث "27 يناير" لحظة بلحظة
الأربعاء 20 أبريل - 3:52 من طرف صبري محمود
» تفاصيل يوم الغضب الثاني "26 يناير" لحظة بلحظة
الأربعاء 20 أبريل - 3:39 من طرف صبري محمود
» مصابي موقعة الجمل في يوم 2-2- 2011
الثلاثاء 19 أبريل - 13:24 من طرف عادل
» الثورة المصرية بالطريقة الهتلرية
الثلاثاء 19 أبريل - 13:19 من طرف عادل
» المتحولون
الثلاثاء 19 أبريل - 10:28 من طرف عادل
» دعوات للنزول للمشاركة في يوم 25
الإثنين 18 أبريل - 20:51 من طرف عادل
» لقاءات مع بعض الثوار بعيدا عن برامج التوك شو
الإثنين 18 أبريل - 0:15 من طرف عادل
» الثورة الضاحكة ( مواقف وطرائف )
الأحد 17 أبريل - 23:20 من طرف عادل
» يوميات الثورة فيلم وثائقي من انتاج bbc
الأحد 17 أبريل - 20:21 من طرف عادل
» احداث ثلاثاء الصمود 8-2-2011 في سوهاج
الأحد 17 أبريل - 20:07 من طرف عادل
» احداث ثلاثاء الصمود 8-2-2011 في مدينة جرجا بسوهاج
الأحد 17 أبريل - 19:54 من طرف عادل
» احداث يوم الغضب 25 يناير في محطة الرمل بالاسكندرية
الأحد 17 أبريل - 4:00 من طرف عادل
» احداث يوم الغضب 25 يناير في شبرا
الأحد 17 أبريل - 2:12 من طرف عادل
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في شبرا
الأحد 17 أبريل - 1:36 من طرف عادل
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في حدائق القبة
الأحد 17 أبريل - 0:44 من طرف عادل
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في ميدان المطرية
الأحد 17 أبريل - 0:10 من طرف عادل
» يوم 24 يناير ما قبل ساعة الصفر
الخميس 14 أبريل - 21:45 من طرف عادل
» اول ساعة ثورة
الخميس 14 أبريل - 20:47 من طرف عادل
» ثم ماذا بعد ؟
الخميس 14 أبريل - 19:18 من طرف عادل
» ذكريات اول ايام الثورة
الخميس 14 أبريل - 19:13 من طرف عادل
» ندااااااااء
الخميس 23 ديسمبر - 13:58 من طرف love for ever
» دحمبيش الغربيه
الخميس 23 ديسمبر - 13:53 من طرف love for ever
» الحجاب والنقاب في مصر
الخميس 23 ديسمبر - 13:52 من طرف love for ever
» كل سنه وكلكوا طيبيبن
الإثنين 15 نوفمبر - 13:44 من طرف love for ever
» لماذا الصمت والسكوت عن هؤلاء
الأحد 31 أكتوبر - 5:57 من طرف هادي
» شخصيات خلبية وهزلية
الأحد 31 أكتوبر - 5:47 من طرف هادي
» msakr2006
السبت 30 أكتوبر - 5:49 من طرف marmar
» ente7ar007
السبت 30 أكتوبر - 5:46 من طرف marmar
» Nancy
السبت 30 أكتوبر - 5:44 من طرف marmar
» waleed ali
السبت 30 أكتوبر - 5:42 من طرف marmar
» hamedadelali
السبت 30 أكتوبر - 5:41 من طرف marmar
» ياسر عشماوى عبدالفتاح
السبت 30 أكتوبر - 5:39 من طرف marmar
» علي عبد الله رحاحلة
السبت 30 أكتوبر - 5:38 من طرف marmar
» sheriefadel
السبت 30 أكتوبر - 5:36 من طرف marmar
» خالد احمد عدوى
السبت 30 أكتوبر - 5:33 من طرف marmar
» khaled
السبت 30 أكتوبر - 5:29 من طرف marmar
» yasser attia
السبت 30 أكتوبر - 5:28 من طرف marmar
» abohmaid
السبت 30 أكتوبر - 5:26 من طرف marmar
» ملك الجبل
السبت 30 أكتوبر - 5:24 من طرف marmar
» elcaptain
السبت 30 أكتوبر - 5:21 من طرف marmar
» حاتم حجازي
السبت 30 أكتوبر - 5:20 من طرف marmar
» aka699
السبت 30 أكتوبر - 5:19 من طرف marmar
» wasseem
السبت 30 أكتوبر - 5:16 من طرف marmar
» mohammedzakarea
السبت 30 أكتوبر - 5:14 من طرف marmar
» حيدر
السبت 30 أكتوبر - 5:12 من طرف marmar
» hamadafouda
السبت 30 أكتوبر - 5:10 من طرف marmar
» كل سنه وألأمه الأسلاميه بخير
الجمعة 24 سبتمبر - 4:02 من طرف love for ever
» same7samir
الأحد 18 يوليو - 9:26 من طرف love for ever
» تامر الباز
الجمعة 9 يوليو - 7:31 من طرف love for ever
» تعالوا نلضم اسمينا الفلة جنب الياسمينا
الجمعة 11 يونيو - 7:37 من طرف love for ever
» امجد
الأحد 16 مايو - 8:42 من طرف marmar
» ahmedelmorsi
الأحد 16 مايو - 8:40 من طرف marmar
» محمد امين
الأحد 16 مايو - 8:38 من طرف marmar
» MrMoha12356
الأحد 16 مايو - 8:36 من طرف marmar
» نوسه الحلو
الأحد 16 مايو - 8:34 من طرف marmar
» ibrahem545
الأحد 16 مايو - 8:32 من طرف marmar
» يوسف محمد السيد
الأحد 16 مايو - 8:30 من طرف marmar
» memo
الأحد 16 مايو - 8:27 من طرف marmar
» هاكلن
الأحد 16 مايو - 8:25 من طرف marmar
» لماذا نريد التغيير
السبت 15 مايو - 22:02 من طرف نرمين عبد الله
» دعوة للتوقيع "فعليا" على بيان الجمعية الوطنية للتغيير
السبت 15 مايو - 8:13 من طرف طائر الليل الحزين
» السياسيون والتغيير السياسي في مصر
الخميس 13 مايو - 5:40 من طرف osman_hawa
» الفساد في مصر بلا حدود 2
الخميس 13 مايو - 3:07 من طرف osman_hawa
» الفساد في مصر بلا حدود
الخميس 13 مايو - 2:56 من طرف osman_hawa
» العمال والتغيير السياسي في مصر
الخميس 13 مايو - 2:23 من طرف osman_hawa
» رجال الأعمال والتغيير السياسي في مصر
الخميس 13 مايو - 1:43 من طرف osman_hawa
» الطلبة و التغيير السياسي في مصر
الخميس 13 مايو - 1:16 من طرف osman_hawa
» الأدباء و التغيير السياسي في مصر
الخميس 13 مايو - 0:57 من طرف osman_hawa
» فلاحون مصر و التغيير السياسي
الخميس 13 مايو - 0:41 من طرف osman_hawa
» علماء مصر و التغيير السياسي
الخميس 13 مايو - 0:30 من طرف osman_hawa
» معا ننقذ فؤادة
الإثنين 26 أبريل - 21:49 من طرف marmar
» وثيقة المثقفين لتأييد البرادعى
الإثنين 26 أبريل - 5:34 من طرف طائر الليل الحزين
» نوام بالبرطمان يطالبون باطلاق الرصاص علي المطالبين بالاصلاحات الدستورية
الإثنين 26 أبريل - 4:28 من طرف طائر الليل الحزين
» أول مناظرة رئاسية بين أيمن نور وحمدين صباحي
الإثنين 26 أبريل - 4:17 من طرف طائر الليل الحزين
» لقاءقناة العربيه مع الدكتور محمد البرادعي
الإثنين 26 أبريل - 2:31 من طرف طائر الليل الحزين
» مبارك يهنئ إسرائيل بعيد تأسيسها واحتلال فلسطين وهزيمتها لمصر
الجمعة 23 أبريل - 11:33 من طرف love for ever
» حوده
الخميس 22 أبريل - 10:47 من طرف marmar
» وليد الروبى
الخميس 22 أبريل - 7:55 من طرف اشرف
» dr.nasr
الخميس 22 أبريل - 7:52 من طرف اشرف
» المشير أحمد إسماعيل
الإثنين 19 أبريل - 9:44 من طرف osman_hawa
» تحية اعزاز وتقدير في يوم العزة والكرامة, الي شهداء 10 رمضان
الإثنين 19 أبريل - 9:03 من طرف osman_hawa
» wessam
الإثنين 19 أبريل - 7:26 من طرف اشرف
» عذب ابها
الإثنين 19 أبريل - 7:23 من طرف اشرف
» soma
الإثنين 19 أبريل - 7:22 من طرف اشرف
» islam abdou
الإثنين 19 أبريل - 7:18 من طرف اشرف
» رسالة ترحيب
الإثنين 19 أبريل - 7:05 من طرف marmar
» الحقيقة حول ما حدث يوم 6 ابريل
السبت 17 أبريل - 10:44 من طرف marmar
» اصول العقائد البهائيه
السبت 17 أبريل - 10:20 من طرف marmar