معا لغد افضل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
معا لغد افضل

2 مشترك

    محمود السعدنى.. طفل يحمل سلاحا ضاحكا فى مواجهة ملايين المكشرين

    avatar
    محمد احمد
    عضو مبدع
    عضو مبدع


    عدد المساهمات : 502
    رقم العضوية : 81
    تاريخ التسجيل : 28/08/2008
    نقاط التميز : 885
    معدل تقييم الاداء : 51

    محمود السعدنى.. طفل يحمل سلاحا ضاحكا فى مواجهة ملايين المكشرين Empty محمود السعدنى.. طفل يحمل سلاحا ضاحكا فى مواجهة ملايين المكشرين

    مُساهمة من طرف محمد احمد الثلاثاء 29 ديسمبر - 7:45

    محمود السعدنى.. طفل يحمل سلاحا ضاحكا فى مواجهة ملايين المكشرين S10200921123356


    الأطفال أحباب الله، ولأنه أدرك هذه الحقيقة مبكرا لم يتخل عن طفولته حتى بعد أن جاوز الثمانين، عاش طويلا وكتب كثيرا، أضحك وأبكى، وبكى وضحك، لف العالم حتى شعر بأنه لا نهاية لاتساعه، وسكن زنازين المعتقلات حتى أدرك أنه لا يوجد ما هو أضيق من حبس الكلمة فى الحلق.

    الطفولة هى سمته الغالبة، لأنه أدرك أن الحياة ليست سوى لعبة كبيرة، فقرر أن يلعبها بشقاوة، لكنه أحيانا ما يكتشف أنها لعبة قاسية فيحزن قليلا، لكنه سرعان ما يتمالك نفسه ويضحك على حزنه، ويضحكنا على أحزاننا.

    خرج إلى الدنيا فى العشرينيات من القرن العشرين، وإذا كان كل الأطفال يخرجون إلى الدنيا باكين، فغالبا خرج هو ساخرا ضاحكا مما يحدث ومما سيحدث، وحين أتم أعوامه العشرين بدأ يخرج إلى العالم ببنطلون مجفف، أخفت الجاكتة عورته، وجاكتة كاروهات كانت فى الأصل بطانية، وكل عدته قلم حبر رخيص، وكشكول فيه بعض الأزجال، أوله عن عسكرى الدورية، الذى من المفروض أن يكون حارسا للطريق، فإذا به قاطع طريق.

    خرج قاصدا الصحافة وهو يظن أنها صاحبة جلالة، وأن لها بلاطا، وأنها عبارة عن حفلات ورحلات، ونجم صحفى مشهور يكتب وهو جالس على كرسى فى مقهى أنيق فى الشانزليزيه، ونسوان كما القشطة الصابحة تعاكسه وتباكسه وتجرى وراه، وزعماء يستيقظون فى الليل على هدير صوته، ووزارات تسقط تحت هول كلماته، لكن فاجأته الصحافة بما لم يكن يتخيل، فمن النظرة الأولى شعر بمدى بؤس الصحفيين وفقرهم، كان أول عمله فى مجلة اسمها الضباب التقى فيها الرجل الذى باع الترام، وبنصاب آخر شديد الظل اسمه عسال وهو فنان نصاب، لأنه يحس وهو ينصب بنفس النشوة التى كان يشعر بها تشيكوف أثناء كتابة قصة.
    وكانوا ينصبون على الخواجات والحكام وأصحاب النفوذ، لدرجة أن أحد معاونيهم كان يقبض عليه، ثم يتبرأون منه أمام البوليس.

    خرج السعدنى من تجربته الأولى فى الصحافة بحسرة، فقد الصورة الزاهية الألوان عن صاحبة الجلالة وبلاطها، وأدرك أن البلاط فى الواجهة فقط، ولكن فى القفا، بدرونات ومزابل ومطابخ ذات رائحة عفنة.

    بعد هذه التجربة فكر السعدنى فى الانتحار، وأصابه اليأس، حتى أنه ذهب مرة إلى شاطئ النهر، ووقف يتفرج عليه، وفكر أن ينتحر وأن يلقى ملابسه على الشاطئ ليعلم الناس أن شخصا ما قد غرق فى هذا المكان، لكنه ظل يبكى وينظر إلى القاهرة ويقول: ياللعار، هذه المدينة المترفة الجبارة التى يبعثر أهلها ألوف الجنيهات كل ليلة على موائد القمار لا تستطيع أن توفر لى عشرة جنيهات كل شهر، هى كل ما أتمناه من الحياة؟

    خانته شجاعته ولم ينتحر، ليعود إلى المقاهى مرة أخرى، قبل أن يستأنف الرحلة من جديد.
    والمقاهى فى حياة السعدنى بمثابة البيت فى حياة سواه، والمقهى لديه ليس كراسى وطاولات ومشاريب، ولكنه ناس تتحرك وتتكلم وتضحكه وتضحك معه، ومن أوائل المقاهى التى كان يجلس عليها قهوة السروجى المواجهة لبيت الفنان طوغان رفيق درب السعدنى فى بداياته الصحفية، كانت كما يصفها قهوة فريدة بين مقاهى ذلك الزمان.

    الحياة لعبة، وعلى الإنسان أن يكون لاعبا، لكن بشرط أن يفهم الشروط، فلولا كل ما حدث ما كان محمود السعدنى رائد الكتابة الساخرة فى الصحافة العربية، ربما كان قد انتحر أو اشترك فى عمليات النصب الصغيرة، أو ظل جالسا على قهوة السروجى حتى يومنا هذا، فلم نقرأ له ولم نستمتع بأدبه، شارك السعدنى بعد هذا فى تحرير وتأسيس عدد كبير من الصحف والمجلات العربية فى مصر وخارجها، فرأس تحرير مجلة صباح الخير المصرية فى الستينيات ورفع توزيعها إلى معدلات غير مسبوقة، كما شارك فى الحياة السياسية بفاعلية فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر وسجن بتهم غير محددة، ثم اتُّهِم بالاشتراك فى محاولة انقلابية على الرئيس أنور السادات وتمت إدانته وسجن، ثم سافر إلى لندن وأصدر ورأس تحرير مجلة 23 يوليو فى منفاه بلندن وحققت المجلة معدلات توزيع مرتفعة فى العالم العربى، ثم عاد إلى مصر من منفاه الاختيارى سنة 1982 م بعد اغتيال السادات واستقبله الرئيس مبارك.

    خرج السعدنى إلى الحياة بجاكتة كانت بطانية فى الأساس، لكنه أصبح صديقا لعدد من الزعماء العرب مثل قائد الثورة الليبية معمر القذافى والرئيس العراقى السابق صدام حسين.
    خرج طفلا وعاش طفلا لأن الطفولة هى كلمة السر فى حياة وشخصية السعدنى، فهو يفرح كطفل ويضحك كطفل ويغضب ويخاصم كطفل، من فهم هذه المعادلة استطاع التعامل معه جيدا وأحبه، ومن حاسبه بقوانين الكبار خسره وكسب عداوته، لأنه يملك دائما القدرة على السخرية حتى فى أحلك الظروف، ويستطيع إضحاك القارئ على أى شىء وأى شخص، وهو السلاح الذى لم يستطع أحد أن يجرده منه، طوال حياته الغزيرة، حتى اعتزل العمل الصحفى والحياة العامة سنة 2006 بسبب المرض.
    عم سعدنى، ربنا يقومك لينا بالسلامة.

    محمود السعدنى.. طفل يحمل سلاحا ضاحكا فى مواجهة ملايين المكشرين Empty رد: محمود السعدنى.. طفل يحمل سلاحا ضاحكا فى مواجهة ملايين المكشرين

    مُساهمة من طرف marmar الأربعاء 3 فبراير - 22:14

    زعيم الحكواتية

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 18 أبريل - 21:22