تعرضت الأندلس لمحن متوالية في القرن السادس الهجري= الثالث عشر الميلادي، ولم تجد من يمد لها يدا أو يصد عنها عدوانا، وزاد من ألم المحنة أن حكام الأندلس تخاذلوا عن القيام بواجبهم، وتخلوا عن مسئوليتهم التاريخية تجاه أعدائهم النصارى الذين تفتحت شهيتهم لالتهام قواعد الأندلس الكبرى واحدة بعد أخرى.
وبدلا من أن توحد المحنة صفوف حكام البلاد وتشحذ همتهم وهم يرون الخطر المحدق بهم من كل جانب فيهبوا للدفاع عن الأندلس وحمايتها من عدوان النصارى -راحوا يهرولون إلى أعدائهم، يمالئونهم ويصانعونهم على حساب الشرف والكرامة، بل على حساب وطنهم وأمتهم ودينهم.
ردة ملك.. خزي وعار
وكانت بلنسية -وهي من حواضر الأندلس العظيمة التي تقع على البحر المتوسط- قد تعرضت لفتنة هائجة وثورة جامحة في مطلع القرن السابع الهجري، ولم تهدأ إلا بتولي أبي جميل زيان بن مدافع مقاليد الحكم فيها، بعد أن انسحب واليها السابق أبو زيد بن أبي عبد الله محمد من المدينة، وبخروجه انتهى حكم دولة الموحدين في شرق الأندلس.
وبعد خروج أبي زيد من بلنسية سنة (626هـ= 1230م) فعل ما لم يكن يخطر على بال مسلم، وذهب إلى ملك أراجون خايمي الأول، وأعلن دخوله في طاعته، وعقد معه معاهدة دنيئة يتعهد فيها بأن يسلمه جزأ من البلاد والحصون التي يستردها بمعاونته.
ولم يتوقف هذا الحاكم الخائن عند هذا الحد من الخزي، بل ارتد عن الإسلام واعتنق النصرانية، واندمج في القوم الذين لجأ إليهم، وأخذ يصحبهم ويعاونهم في حروبهم ضد المسلمين.
ملك أراجون يتطلع إلى بلنسية
وبعد أن أمسك أبو جميل زيان بزمام الأمور في بلنسية عمل على توطيد سلطانه وتثبيت حكمه وتوسيع أملاكه، والثأر من النصارى الذين خربوا بلاده في حملات متتابعة، وساعده على ذلك أن ملك أراجون كان مشغولا بغزوات أخرى، فانتهز أبو جميل هذه الفرصة وقام بعدة حملات موفقة على أراضي أراجون على شاطئ البحر حتى ثغر طرطوشة، وحقق أهدافه في كل حملة يقوم بها.
ولما انتهى ملك أراجون من حملاته وعاد إلى بلاده بدأ يفكر في الاستيلاء على بلنسية والقضاء على خطرها، وكان تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى استعداد عظيم وخطة محكمة، وكان يدرك أن بلنسية لن تقع في يديه إلا بعد أن يعزلها عن جيرانها، ويحرمها من كل وسائل الدعم والعون، حيث إن مواردها المحدودة لن تسمح لها بالاستمرار في المقاومة والدفاع، وكان هذا الملك يعلم أن زعماء المسلمين في شرق الأندلس على خلاف عظيم.
وفي اللحظة المناسبة أخذ ملك أراجون قراره بالغزو بعد أن استعد له، وطلب من البابا أن يبارك حملته، وأن يضفي عليها صفة الصليبية، فاستجاب لطلبه، وهرع إلى مساعدته كثير من الفرسان والسادة.
البداية من بريانة
وفي أواخر سنة (631هـ=1233م) بدأت قوات ملك أراجون وبصحبته والي بلنسية السابق الذي تنصر (أبو زيد) في الزحف إلى أراضي بلنسية الشمالية، وتمكنت من الاستيلاء على بعض المدن والقلاع المهمة في شمال بلنسية، وكانت أول قاعدة مهمة من إقليم بلنسية يقصدها الأراجونيون هي بلدة بريانة الواقعة على البحر المتوسط، وعلى مقربة من شمال بلنسية، وضربوا عليها حصارا شديدا بعد أن خربوا ضياعها وزروعها القريبة.
وعلى الرغم من حصانة بريانة وقوتها فإنها لم تستطع أن تدفع عن نفسها الحصار وتهزم العدو، فسقطت بعد شهرين من الحصار بعد أن نفدت المؤن والأقوات، وذلك في (رمضان 630هـ= يوليو 1233م).
وواصل ملك أراجون حملته ونجح في الاستيلاء على عدد كبير من القلاع المهمة القريبة من بلنسية، ثم عاد إلى بلاده سنة (633هـ=1235م) بعد عامين قضاهما في تنفيذ مخططه، ليتابع شئون دولته الداخلية، وأقام هناك عامين توقفت خلالهما عملياته العسكرية ضد بلنسية، منتظرا الفرصة المناسبة للانقضاض عليها.
وفي الطريق.. أنيشة
ولما عاود ملك أراجون غزواته للاستيلاء على بلنسية تطلع إلى أن يحتل حصن أنيشة المنيع الواقع على سبعة أميال من بلنسية، وكان هذا الحصن يقع على ربوة عالية، ويطل على مزارع بلنسية وحدائقها، ويعد من أهم حصونها الأمامية.
وفطن الأمير زيان إلى أن عدوه يسابق الزمن حتى يضع يده على هذا الحصن المنيع، فقام بهدم الحصن وتسويته بالأرض، غير أن هذا الإجراء لم يثن ملك أراجون عن احتلال الحصن، فاتجه إليه بحشود ضخمة وبصحبته الأمير المرتد، وهاجم أنيشة وهزم المسلمين الذين تصدوا لمقاومته، واحتل المكان وابتنى فوقه حصنا جديدا منيعا، ووضع به حامية قوية، واتخذ منها قاعدة للسلب والإغارة على مختلف نواحي بلنسية.
وشعر الأمير زيان بخطورة القلعة التي أصبحت تهدد سلامة بلاده، فعزم على استعادة هذا الحصن مهما كان الثمن، فجهز جيشا كبيرا تصفه بعض المصادر بأنه بلغ أكثر من 40 ألف مقاتل، وسار نحو تل أنيشة لاسترداده، وهناك نشبت معركة هائلة لم ينجح المسلمون خلالها في تحقيق النصر على الرغم من شجاعتهم وحسن بلائهم، ومنوا بخسارة فادحة، واستشهدت أعداد هائلة من المسلمين.
وكان في مقدمة من استشهدوا في هذه المعركة: أبو الربيع سلميان بن موسى الكلاعي كبير علماء الأندلس ومحدثها يومئذ، وكان إلى جانب علومه وأدبه، وافر الشجاعة كريم الخلق، يشهد المعارك ويتقدم الصفوف ويبث روح الشجاعة والإقدام في نفوس الجند، ويحثهم على الثبات، ويصيح فيهم قائلا: "أعن الجنة تفرون؟!".
لكن كل ذلك لم يكن حائلا دون وقوع الكارثة التي حلت فصولها في (25 من ذي الحجة 634هـ = 14 من أغسطس 1237م)، وكان سقوط هذا الحصن نذيرا بأن مصير بلنسية قد اقترب، وأن نهايتها صارت قاب قوسين أو أدنى لا محالة.
الفصل الأخير
كانت نهاية الفصل الأخير من مأساة بلنسية قد اقتربت، ولاح في الأفق الحزين غروب شمسها، وكان قد سبقها إلى هذا المصير مدينة قرطبة العظيمة التي سقطت في يد فرناندو الثالث ملك قشتالة، وخيم على الناس روح من اليأس والقنوط، وقلت ثقتهم بعد نكبة أنيشة، وتضاءلت مواردهم، وضعف أملهم في نصير يستنجدون به.
وكانت هذه الظروف الحرجة التي تحيط بأهالي بلنسية أسبابا مواتية لملك أراجون تحثه على الإسراع في الإجهاز على فريسته قبل أن تدب فيها روح قوية قد تمنعه من تحقيق حلمه؛ فخرج إلى الجنوب صوب بلنسية، وأثناء سيره كانت تتوالى عليه رسائل من معظم الحصون القريبة من بلنسية تعلن الدخول في طاعته.
وواصل الملك سيره، وكانت الإمدادات تنهال عليه بالرجال والمؤن حتى إذا اقترب من المدينة كان جيشه قد تضخم بما انضم إليه من حشود الحرس الوطني ببرشلونة، والمتطوعين الفرنسيين الذين جاءوا إليها بطريق البحر، وبلغ مجموع هذه الحشود أكثر من 60 ألف جندي، وبدأ الحصار في (5 من رمضان 635هـ = أبريل 1238م) حيث شدد النصارى حصارهم على بلنسية.
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا
وأثارت قوات الأرجوانيين حماس أهالي المدينة على الرغم من قلة العدد وضآلة الموارد، فعزموا على الثبات والدفاع عن المدينة حتى آخر رمق. وكان الملك أبو جميل زيان أكثرهم عزما وإصرارا، وبذل محاولات حثيثة لطلب النجدة من البلاد الإسلامية القريبة، لكنها كانت عاجزة عن أداء واجبها؛ فامتد بصره إلى دولة إسلامية فتية تقع في شمال أفريقيا هي دولة الحفصيين، وبعث إليها بسفارة على رأسها وزيره وكاتبه المؤرخ الكبير ابن الأبار القضاعي، يحمل إلى سلطانها أبي زكريا الحفصي بيعته وبيعة أهل بلنسية، ويطلب منه سرعة النجدة والنصرة.
ولما وصل ابن الأبار إلى تونس، ومثل بين يدي سلطانها في حفل مشهود ألقى قصيدته السينية الرائعة التي يستصرخه فيها لنصرة الأندلس، ومطلعها:
أدرك بخيلك خـــيلِ الله أندلــسا ** إنّ السـبيلَ إلى مناجاتها درسـا
وهبْ لها من عزيز النصر ما التمست ** فلم يزل منك عز النصر ملتمسا
وفي بلنــسيةٍ منــها وقرطــبةٍ ** ما ينــسف النفسَ أو ينزف النفسا
مدائــنٌ حلّها الإشــراك مبتـسما ** جــذلانَ وارتحل الإيمانُ مبتئسا
وكان لهذه القصيدة المبكية أثرها في نفس السلطان الحفصي، فبادر إلى نجدة البلدة المحاصرة، وأسرع بتجهيز 12 سفينة حربية محملة بالمؤن والسلاح، وعهد بقيادة هذه النجدة إلى ابن عمه أبي زكريا يحيى بن أبي يحيى الشهيد، وأقلعت هذه السفن على جناح السرعة إلى المحاصرين لنجدتهم، لكنها لم تتمكن من إيصال هذه النجدة إلى أهلها، نظرا للحصار الشديد المفروض على بلنسية من جهة البحر، وانتهى الأمر بأن أفرغت السفن شحنتها في ثغر دانيه الذي يقع بعيدا عن بلنسية المحاصرة، وهكذا فشلت محاولة إنقاذ المدينة وإمدادها بما يقويها على الصمود.
تسليم المدينة.. صلحا
وفي الوقت الذي كان فيه أهالي بلنسية يعانون الضيق والحصار ولا يجدون من يمد لهم يد النجدة كانت تنهال عليهم الضربات من كل جانب، لكنهم كانوا عازمين على المقاومة والدفاع، فكانوا يخرجون لمقاتلة النصارى في شجاعة وبسالة، واستمر الحصار على هذا النحو زهاء 5 أشهر، والبلنسيون يضربون أروع الأمثلة في الثبات والمقاومة، لكن ذلك لم يكن ليستمر بدون إمداد وعون.
وشعر المسلمون في المدينة بحرج موقفهم بعد أن فنيت الأقوات وتأثرت أسوار المدينة وأبراجها، وأدرك الأمير زيان ومن معه من وجهاء المدينة أنه لا مفر من التسليم قبل أن ينجح الأعداء في اقتحام المدينة ويحدث ما لا يحمد عقباه؛ فبعث الأمير زيان ابن أخيه ليفاوض ملك أراجون في شروط التسليم، واتفق الفريقان على أن تسلم المدينة صلحا.
مشهد حزين.. ومتكرر!
وفي يوم الجمعة الموافق (27 من صفر سنة 636هـ= 9 من أكتوبر 1238م) دخل خايمي ملك أراجون بلنسية ومعه زوجه وأكابر الأحبار والأشراف والفرسان، ورفع علم أراجون على المدينة المنكوبة، وحولت المساجد إلى كنائس، وطمست قبور المسلمين، وقضى الملك عدة أيام يقسم دور المدينة وأموالها بين رجاله وقادته ورجال الكنيسة.. وهكذا سقطت بلنسية في أيدي النصارى بعد أن حكمها المسلمون أكثر من 5 قرون.
وبدلا من أن توحد المحنة صفوف حكام البلاد وتشحذ همتهم وهم يرون الخطر المحدق بهم من كل جانب فيهبوا للدفاع عن الأندلس وحمايتها من عدوان النصارى -راحوا يهرولون إلى أعدائهم، يمالئونهم ويصانعونهم على حساب الشرف والكرامة، بل على حساب وطنهم وأمتهم ودينهم.
ردة ملك.. خزي وعار
وكانت بلنسية -وهي من حواضر الأندلس العظيمة التي تقع على البحر المتوسط- قد تعرضت لفتنة هائجة وثورة جامحة في مطلع القرن السابع الهجري، ولم تهدأ إلا بتولي أبي جميل زيان بن مدافع مقاليد الحكم فيها، بعد أن انسحب واليها السابق أبو زيد بن أبي عبد الله محمد من المدينة، وبخروجه انتهى حكم دولة الموحدين في شرق الأندلس.
وبعد خروج أبي زيد من بلنسية سنة (626هـ= 1230م) فعل ما لم يكن يخطر على بال مسلم، وذهب إلى ملك أراجون خايمي الأول، وأعلن دخوله في طاعته، وعقد معه معاهدة دنيئة يتعهد فيها بأن يسلمه جزأ من البلاد والحصون التي يستردها بمعاونته.
ولم يتوقف هذا الحاكم الخائن عند هذا الحد من الخزي، بل ارتد عن الإسلام واعتنق النصرانية، واندمج في القوم الذين لجأ إليهم، وأخذ يصحبهم ويعاونهم في حروبهم ضد المسلمين.
ملك أراجون يتطلع إلى بلنسية
وبعد أن أمسك أبو جميل زيان بزمام الأمور في بلنسية عمل على توطيد سلطانه وتثبيت حكمه وتوسيع أملاكه، والثأر من النصارى الذين خربوا بلاده في حملات متتابعة، وساعده على ذلك أن ملك أراجون كان مشغولا بغزوات أخرى، فانتهز أبو جميل هذه الفرصة وقام بعدة حملات موفقة على أراضي أراجون على شاطئ البحر حتى ثغر طرطوشة، وحقق أهدافه في كل حملة يقوم بها.
ولما انتهى ملك أراجون من حملاته وعاد إلى بلاده بدأ يفكر في الاستيلاء على بلنسية والقضاء على خطرها، وكان تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى استعداد عظيم وخطة محكمة، وكان يدرك أن بلنسية لن تقع في يديه إلا بعد أن يعزلها عن جيرانها، ويحرمها من كل وسائل الدعم والعون، حيث إن مواردها المحدودة لن تسمح لها بالاستمرار في المقاومة والدفاع، وكان هذا الملك يعلم أن زعماء المسلمين في شرق الأندلس على خلاف عظيم.
وفي اللحظة المناسبة أخذ ملك أراجون قراره بالغزو بعد أن استعد له، وطلب من البابا أن يبارك حملته، وأن يضفي عليها صفة الصليبية، فاستجاب لطلبه، وهرع إلى مساعدته كثير من الفرسان والسادة.
البداية من بريانة
وفي أواخر سنة (631هـ=1233م) بدأت قوات ملك أراجون وبصحبته والي بلنسية السابق الذي تنصر (أبو زيد) في الزحف إلى أراضي بلنسية الشمالية، وتمكنت من الاستيلاء على بعض المدن والقلاع المهمة في شمال بلنسية، وكانت أول قاعدة مهمة من إقليم بلنسية يقصدها الأراجونيون هي بلدة بريانة الواقعة على البحر المتوسط، وعلى مقربة من شمال بلنسية، وضربوا عليها حصارا شديدا بعد أن خربوا ضياعها وزروعها القريبة.
وعلى الرغم من حصانة بريانة وقوتها فإنها لم تستطع أن تدفع عن نفسها الحصار وتهزم العدو، فسقطت بعد شهرين من الحصار بعد أن نفدت المؤن والأقوات، وذلك في (رمضان 630هـ= يوليو 1233م).
وواصل ملك أراجون حملته ونجح في الاستيلاء على عدد كبير من القلاع المهمة القريبة من بلنسية، ثم عاد إلى بلاده سنة (633هـ=1235م) بعد عامين قضاهما في تنفيذ مخططه، ليتابع شئون دولته الداخلية، وأقام هناك عامين توقفت خلالهما عملياته العسكرية ضد بلنسية، منتظرا الفرصة المناسبة للانقضاض عليها.
وفي الطريق.. أنيشة
ولما عاود ملك أراجون غزواته للاستيلاء على بلنسية تطلع إلى أن يحتل حصن أنيشة المنيع الواقع على سبعة أميال من بلنسية، وكان هذا الحصن يقع على ربوة عالية، ويطل على مزارع بلنسية وحدائقها، ويعد من أهم حصونها الأمامية.
وفطن الأمير زيان إلى أن عدوه يسابق الزمن حتى يضع يده على هذا الحصن المنيع، فقام بهدم الحصن وتسويته بالأرض، غير أن هذا الإجراء لم يثن ملك أراجون عن احتلال الحصن، فاتجه إليه بحشود ضخمة وبصحبته الأمير المرتد، وهاجم أنيشة وهزم المسلمين الذين تصدوا لمقاومته، واحتل المكان وابتنى فوقه حصنا جديدا منيعا، ووضع به حامية قوية، واتخذ منها قاعدة للسلب والإغارة على مختلف نواحي بلنسية.
وشعر الأمير زيان بخطورة القلعة التي أصبحت تهدد سلامة بلاده، فعزم على استعادة هذا الحصن مهما كان الثمن، فجهز جيشا كبيرا تصفه بعض المصادر بأنه بلغ أكثر من 40 ألف مقاتل، وسار نحو تل أنيشة لاسترداده، وهناك نشبت معركة هائلة لم ينجح المسلمون خلالها في تحقيق النصر على الرغم من شجاعتهم وحسن بلائهم، ومنوا بخسارة فادحة، واستشهدت أعداد هائلة من المسلمين.
وكان في مقدمة من استشهدوا في هذه المعركة: أبو الربيع سلميان بن موسى الكلاعي كبير علماء الأندلس ومحدثها يومئذ، وكان إلى جانب علومه وأدبه، وافر الشجاعة كريم الخلق، يشهد المعارك ويتقدم الصفوف ويبث روح الشجاعة والإقدام في نفوس الجند، ويحثهم على الثبات، ويصيح فيهم قائلا: "أعن الجنة تفرون؟!".
لكن كل ذلك لم يكن حائلا دون وقوع الكارثة التي حلت فصولها في (25 من ذي الحجة 634هـ = 14 من أغسطس 1237م)، وكان سقوط هذا الحصن نذيرا بأن مصير بلنسية قد اقترب، وأن نهايتها صارت قاب قوسين أو أدنى لا محالة.
الفصل الأخير
كانت نهاية الفصل الأخير من مأساة بلنسية قد اقتربت، ولاح في الأفق الحزين غروب شمسها، وكان قد سبقها إلى هذا المصير مدينة قرطبة العظيمة التي سقطت في يد فرناندو الثالث ملك قشتالة، وخيم على الناس روح من اليأس والقنوط، وقلت ثقتهم بعد نكبة أنيشة، وتضاءلت مواردهم، وضعف أملهم في نصير يستنجدون به.
وكانت هذه الظروف الحرجة التي تحيط بأهالي بلنسية أسبابا مواتية لملك أراجون تحثه على الإسراع في الإجهاز على فريسته قبل أن تدب فيها روح قوية قد تمنعه من تحقيق حلمه؛ فخرج إلى الجنوب صوب بلنسية، وأثناء سيره كانت تتوالى عليه رسائل من معظم الحصون القريبة من بلنسية تعلن الدخول في طاعته.
وواصل الملك سيره، وكانت الإمدادات تنهال عليه بالرجال والمؤن حتى إذا اقترب من المدينة كان جيشه قد تضخم بما انضم إليه من حشود الحرس الوطني ببرشلونة، والمتطوعين الفرنسيين الذين جاءوا إليها بطريق البحر، وبلغ مجموع هذه الحشود أكثر من 60 ألف جندي، وبدأ الحصار في (5 من رمضان 635هـ = أبريل 1238م) حيث شدد النصارى حصارهم على بلنسية.
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا
وأثارت قوات الأرجوانيين حماس أهالي المدينة على الرغم من قلة العدد وضآلة الموارد، فعزموا على الثبات والدفاع عن المدينة حتى آخر رمق. وكان الملك أبو جميل زيان أكثرهم عزما وإصرارا، وبذل محاولات حثيثة لطلب النجدة من البلاد الإسلامية القريبة، لكنها كانت عاجزة عن أداء واجبها؛ فامتد بصره إلى دولة إسلامية فتية تقع في شمال أفريقيا هي دولة الحفصيين، وبعث إليها بسفارة على رأسها وزيره وكاتبه المؤرخ الكبير ابن الأبار القضاعي، يحمل إلى سلطانها أبي زكريا الحفصي بيعته وبيعة أهل بلنسية، ويطلب منه سرعة النجدة والنصرة.
ولما وصل ابن الأبار إلى تونس، ومثل بين يدي سلطانها في حفل مشهود ألقى قصيدته السينية الرائعة التي يستصرخه فيها لنصرة الأندلس، ومطلعها:
أدرك بخيلك خـــيلِ الله أندلــسا ** إنّ السـبيلَ إلى مناجاتها درسـا
وهبْ لها من عزيز النصر ما التمست ** فلم يزل منك عز النصر ملتمسا
وفي بلنــسيةٍ منــها وقرطــبةٍ ** ما ينــسف النفسَ أو ينزف النفسا
مدائــنٌ حلّها الإشــراك مبتـسما ** جــذلانَ وارتحل الإيمانُ مبتئسا
وكان لهذه القصيدة المبكية أثرها في نفس السلطان الحفصي، فبادر إلى نجدة البلدة المحاصرة، وأسرع بتجهيز 12 سفينة حربية محملة بالمؤن والسلاح، وعهد بقيادة هذه النجدة إلى ابن عمه أبي زكريا يحيى بن أبي يحيى الشهيد، وأقلعت هذه السفن على جناح السرعة إلى المحاصرين لنجدتهم، لكنها لم تتمكن من إيصال هذه النجدة إلى أهلها، نظرا للحصار الشديد المفروض على بلنسية من جهة البحر، وانتهى الأمر بأن أفرغت السفن شحنتها في ثغر دانيه الذي يقع بعيدا عن بلنسية المحاصرة، وهكذا فشلت محاولة إنقاذ المدينة وإمدادها بما يقويها على الصمود.
تسليم المدينة.. صلحا
وفي الوقت الذي كان فيه أهالي بلنسية يعانون الضيق والحصار ولا يجدون من يمد لهم يد النجدة كانت تنهال عليهم الضربات من كل جانب، لكنهم كانوا عازمين على المقاومة والدفاع، فكانوا يخرجون لمقاتلة النصارى في شجاعة وبسالة، واستمر الحصار على هذا النحو زهاء 5 أشهر، والبلنسيون يضربون أروع الأمثلة في الثبات والمقاومة، لكن ذلك لم يكن ليستمر بدون إمداد وعون.
وشعر المسلمون في المدينة بحرج موقفهم بعد أن فنيت الأقوات وتأثرت أسوار المدينة وأبراجها، وأدرك الأمير زيان ومن معه من وجهاء المدينة أنه لا مفر من التسليم قبل أن ينجح الأعداء في اقتحام المدينة ويحدث ما لا يحمد عقباه؛ فبعث الأمير زيان ابن أخيه ليفاوض ملك أراجون في شروط التسليم، واتفق الفريقان على أن تسلم المدينة صلحا.
مشهد حزين.. ومتكرر!
وفي يوم الجمعة الموافق (27 من صفر سنة 636هـ= 9 من أكتوبر 1238م) دخل خايمي ملك أراجون بلنسية ومعه زوجه وأكابر الأحبار والأشراف والفرسان، ورفع علم أراجون على المدينة المنكوبة، وحولت المساجد إلى كنائس، وطمست قبور المسلمين، وقضى الملك عدة أيام يقسم دور المدينة وأموالها بين رجاله وقادته ورجال الكنيسة.. وهكذا سقطت بلنسية في أيدي النصارى بعد أن حكمها المسلمون أكثر من 5 قرون.
الأحد 16 مارس - 16:45 من طرف love for ever
» عالم مصريات ألماني يضع نظرية جديدة عن أصل الاهرام
الثلاثاء 24 ديسمبر - 9:08 من طرف adel.ebied.14
» فرح جامد آخر حاجه
الأحد 11 مارس - 7:46 من طرف عمرو سليم
» ملحمة الثورة في السويس
الأربعاء 27 أبريل - 3:54 من طرف عادل
» موقعة الجمل 2-2-2011
الأحد 24 أبريل - 10:28 من طرف عادل
» معركة قصر النيل في يوم جمعة الشهداء (الغضب) 28 -1 - 2011
السبت 23 أبريل - 3:10 من طرف عادل
» احداث يوم 25 يناير في ميدان المطرية
السبت 23 أبريل - 1:24 من طرف عادل
» تفاصيل يوم الغضب "25 يناير" لحظة بلحظة
السبت 23 أبريل - 1:20 من طرف عادل
» كتاب حقيقة البهائية لدكتور مصطفى محمود
الجمعة 22 أبريل - 8:01 من طرف هشام الصفطي
» لماذا قامت الثورة ؟
الخميس 21 أبريل - 7:51 من طرف Marwan(Mark71)
» مواهب خرجت من رحم الثورة
الخميس 21 أبريل - 2:55 من طرف سعاد خليل
» تفاصيل يوم الغضب الثالث "27 يناير" لحظة بلحظة
الأربعاء 20 أبريل - 3:52 من طرف صبري محمود
» تفاصيل يوم الغضب الثاني "26 يناير" لحظة بلحظة
الأربعاء 20 أبريل - 3:39 من طرف صبري محمود
» مصابي موقعة الجمل في يوم 2-2- 2011
الثلاثاء 19 أبريل - 13:24 من طرف عادل
» الثورة المصرية بالطريقة الهتلرية
الثلاثاء 19 أبريل - 13:19 من طرف عادل
» المتحولون
الثلاثاء 19 أبريل - 10:28 من طرف عادل
» دعوات للنزول للمشاركة في يوم 25
الإثنين 18 أبريل - 20:51 من طرف عادل
» لقاءات مع بعض الثوار بعيدا عن برامج التوك شو
الإثنين 18 أبريل - 0:15 من طرف عادل
» الثورة الضاحكة ( مواقف وطرائف )
الأحد 17 أبريل - 23:20 من طرف عادل
» يوميات الثورة فيلم وثائقي من انتاج bbc
الأحد 17 أبريل - 20:21 من طرف عادل
» احداث ثلاثاء الصمود 8-2-2011 في سوهاج
الأحد 17 أبريل - 20:07 من طرف عادل
» احداث ثلاثاء الصمود 8-2-2011 في مدينة جرجا بسوهاج
الأحد 17 أبريل - 19:54 من طرف عادل
» احداث يوم الغضب 25 يناير في محطة الرمل بالاسكندرية
الأحد 17 أبريل - 4:00 من طرف عادل
» احداث يوم الغضب 25 يناير في شبرا
الأحد 17 أبريل - 2:12 من طرف عادل
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في شبرا
الأحد 17 أبريل - 1:36 من طرف عادل
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في حدائق القبة
الأحد 17 أبريل - 0:44 من طرف عادل
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في ميدان المطرية
الأحد 17 أبريل - 0:10 من طرف عادل
» يوم 24 يناير ما قبل ساعة الصفر
الخميس 14 أبريل - 21:45 من طرف عادل
» اول ساعة ثورة
الخميس 14 أبريل - 20:47 من طرف عادل
» ثم ماذا بعد ؟
الخميس 14 أبريل - 19:18 من طرف عادل
» ذكريات اول ايام الثورة
الخميس 14 أبريل - 19:13 من طرف عادل
» ندااااااااء
الخميس 23 ديسمبر - 13:58 من طرف love for ever
» دحمبيش الغربيه
الخميس 23 ديسمبر - 13:53 من طرف love for ever
» الحجاب والنقاب في مصر
الخميس 23 ديسمبر - 13:52 من طرف love for ever
» كل سنه وكلكوا طيبيبن
الإثنين 15 نوفمبر - 13:44 من طرف love for ever
» لماذا الصمت والسكوت عن هؤلاء
الأحد 31 أكتوبر - 5:57 من طرف هادي
» شخصيات خلبية وهزلية
الأحد 31 أكتوبر - 5:47 من طرف هادي
» msakr2006
السبت 30 أكتوبر - 5:49 من طرف marmar
» ente7ar007
السبت 30 أكتوبر - 5:46 من طرف marmar
» Nancy
السبت 30 أكتوبر - 5:44 من طرف marmar
» waleed ali
السبت 30 أكتوبر - 5:42 من طرف marmar
» hamedadelali
السبت 30 أكتوبر - 5:41 من طرف marmar
» ياسر عشماوى عبدالفتاح
السبت 30 أكتوبر - 5:39 من طرف marmar
» علي عبد الله رحاحلة
السبت 30 أكتوبر - 5:38 من طرف marmar
» sheriefadel
السبت 30 أكتوبر - 5:36 من طرف marmar
» خالد احمد عدوى
السبت 30 أكتوبر - 5:33 من طرف marmar
» khaled
السبت 30 أكتوبر - 5:29 من طرف marmar
» yasser attia
السبت 30 أكتوبر - 5:28 من طرف marmar
» abohmaid
السبت 30 أكتوبر - 5:26 من طرف marmar
» ملك الجبل
السبت 30 أكتوبر - 5:24 من طرف marmar
» elcaptain
السبت 30 أكتوبر - 5:21 من طرف marmar
» حاتم حجازي
السبت 30 أكتوبر - 5:20 من طرف marmar
» aka699
السبت 30 أكتوبر - 5:19 من طرف marmar
» wasseem
السبت 30 أكتوبر - 5:16 من طرف marmar
» mohammedzakarea
السبت 30 أكتوبر - 5:14 من طرف marmar
» حيدر
السبت 30 أكتوبر - 5:12 من طرف marmar
» hamadafouda
السبت 30 أكتوبر - 5:10 من طرف marmar
» كل سنه وألأمه الأسلاميه بخير
الجمعة 24 سبتمبر - 4:02 من طرف love for ever
» same7samir
الأحد 18 يوليو - 9:26 من طرف love for ever
» تامر الباز
الجمعة 9 يوليو - 7:31 من طرف love for ever
» تعالوا نلضم اسمينا الفلة جنب الياسمينا
الجمعة 11 يونيو - 7:37 من طرف love for ever
» امجد
الأحد 16 مايو - 8:42 من طرف marmar
» ahmedelmorsi
الأحد 16 مايو - 8:40 من طرف marmar
» محمد امين
الأحد 16 مايو - 8:38 من طرف marmar
» MrMoha12356
الأحد 16 مايو - 8:36 من طرف marmar
» نوسه الحلو
الأحد 16 مايو - 8:34 من طرف marmar
» ibrahem545
الأحد 16 مايو - 8:32 من طرف marmar
» يوسف محمد السيد
الأحد 16 مايو - 8:30 من طرف marmar
» memo
الأحد 16 مايو - 8:27 من طرف marmar
» هاكلن
الأحد 16 مايو - 8:25 من طرف marmar
» لماذا نريد التغيير
السبت 15 مايو - 22:02 من طرف نرمين عبد الله
» دعوة للتوقيع "فعليا" على بيان الجمعية الوطنية للتغيير
السبت 15 مايو - 8:13 من طرف طائر الليل الحزين
» السياسيون والتغيير السياسي في مصر
الخميس 13 مايو - 5:40 من طرف osman_hawa
» الفساد في مصر بلا حدود 2
الخميس 13 مايو - 3:07 من طرف osman_hawa
» الفساد في مصر بلا حدود
الخميس 13 مايو - 2:56 من طرف osman_hawa
» العمال والتغيير السياسي في مصر
الخميس 13 مايو - 2:23 من طرف osman_hawa
» رجال الأعمال والتغيير السياسي في مصر
الخميس 13 مايو - 1:43 من طرف osman_hawa
» الطلبة و التغيير السياسي في مصر
الخميس 13 مايو - 1:16 من طرف osman_hawa
» الأدباء و التغيير السياسي في مصر
الخميس 13 مايو - 0:57 من طرف osman_hawa
» فلاحون مصر و التغيير السياسي
الخميس 13 مايو - 0:41 من طرف osman_hawa
» علماء مصر و التغيير السياسي
الخميس 13 مايو - 0:30 من طرف osman_hawa
» معا ننقذ فؤادة
الإثنين 26 أبريل - 21:49 من طرف marmar
» وثيقة المثقفين لتأييد البرادعى
الإثنين 26 أبريل - 5:34 من طرف طائر الليل الحزين
» نوام بالبرطمان يطالبون باطلاق الرصاص علي المطالبين بالاصلاحات الدستورية
الإثنين 26 أبريل - 4:28 من طرف طائر الليل الحزين
» أول مناظرة رئاسية بين أيمن نور وحمدين صباحي
الإثنين 26 أبريل - 4:17 من طرف طائر الليل الحزين
» لقاءقناة العربيه مع الدكتور محمد البرادعي
الإثنين 26 أبريل - 2:31 من طرف طائر الليل الحزين
» مبارك يهنئ إسرائيل بعيد تأسيسها واحتلال فلسطين وهزيمتها لمصر
الجمعة 23 أبريل - 11:33 من طرف love for ever
» حوده
الخميس 22 أبريل - 10:47 من طرف marmar
» وليد الروبى
الخميس 22 أبريل - 7:55 من طرف اشرف
» dr.nasr
الخميس 22 أبريل - 7:52 من طرف اشرف
» المشير أحمد إسماعيل
الإثنين 19 أبريل - 9:44 من طرف osman_hawa
» تحية اعزاز وتقدير في يوم العزة والكرامة, الي شهداء 10 رمضان
الإثنين 19 أبريل - 9:03 من طرف osman_hawa
» wessam
الإثنين 19 أبريل - 7:26 من طرف اشرف
» عذب ابها
الإثنين 19 أبريل - 7:23 من طرف اشرف
» soma
الإثنين 19 أبريل - 7:22 من طرف اشرف
» islam abdou
الإثنين 19 أبريل - 7:18 من طرف اشرف
» رسالة ترحيب
الإثنين 19 أبريل - 7:05 من طرف marmar
» الحقيقة حول ما حدث يوم 6 ابريل
السبت 17 أبريل - 10:44 من طرف marmar
» اصول العقائد البهائيه
السبت 17 أبريل - 10:20 من طرف marmar