معا لغد افضل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
معا لغد افضل

2 مشترك

    عمر بن عبد العزيز في عهد الوليد بن عبد الملك

    avatar
    zydan
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    عدد المساهمات : 121
    رقم العضوية : 174
    تاريخ التسجيل : 23/11/2008
    نقاط التميز : 208
    معدل تقييم الاداء : 15

    عمر بن عبد العزيز في عهد الوليد بن عبد الملك Empty عمر بن عبد العزيز في عهد الوليد بن عبد الملك

    مُساهمة من طرف zydan الأحد 11 يناير - 3:01

    الدكتور علي الصلابي



    يُعَدُّ عمرُ بنُ عبد العزيز من العلماء الذين تميَّزوا بقُربهم من الخلفاء، وكان لهم أثرٌ كبيرٌ في نصحهم وتوجيه سياستهم بالرأي والمشورة، ويحتلُّ عمرُ بن عبد العزيز مكانةً متميزةً في البيت الأموي، فقد كان عبد الملك يجلُّه ويعجب بنباهته أثناء شبابه؛ مما جعله يقدمه على كثير من أبنائه ويزوِّجه من ابنته، ولكن لم تكن له مشاركاتٌ في عهد عبد الملك؛ بسبب صغر سنه، واشتغاله بطلب العلم في المدينة.

    ومع ذلك فقد أورد ابن الجوزي أنه كتب إلى عبد الملك كتابًا يذكِّره فيه بالمسئولية المُلقاة على عاتقه، وقد جاء فيها: أما بعد.. فإنك راعٍ، وكلٌّ مسئولٌ عن رعيته (79)، حدثنا أنس بن مالك أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: كل راعٍ مسئولٌ عن رعيته..﴿اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ (النساء: الآية 87).

    ويقال إن عمر بن عبد العزيز ولاَّه عمُّه عبدُ الملك خناصرة لكي يتدرَّبَ على الأعمال القيادية في وقت مبكر (80)، وقد قيل: إن سليمان بن عبد الملك هو الذي ولاَّه على خناصرة، وهناك من رجَّح القول، وقد تأثَّر عمر بن عبد العزيز لموت عمه وحَزِن عليه حُزنًا عظيمًا، وقد خاطب عمر ابن عمه مسلمة بن عبد الملك فقال له: يا مسلمة إني حضرت أباك لما دُفِنَ، فحملتني عيني عند قبره فرأيته قد أفضى إلى أمرٍ من أمرِ الله راعَني وهالَني، فعاهدتُّ اللهَ ألا أعملَ بمثل عمله إن وُلِّيت، وقد اجتهدت في ذلك (81).

    1- ولايته على المدينة
    في ربيع الأول من عام 87هـ ولاَّه الخليفة الوليد بن عبد الملك إمارةَ المدينة المنورة، ثم ضمَّ إليه ولايةَ الطائف سنة 91هـ، وبذلك صار واليًا على الحجاز كلها، واشترط عمر لتوليه الإمارَةَ ثلاثةَ شروط:
    الشرط الأول:
    أن يعمل في الناس بالحق والعدل ولا يظلم أحدًا ولا يجور على أحد في أخْذ ما على الناس من حقوق لبيت المال، ويترتب على ذلك أن يقلَّ ما يُرفع للخليفة من الأموال من المدينة.
    الشرط الثاني:
    أن يُسمح له بالحج في أول سنة؛ لأن عمر كان في ذلك الوقت لم يحج.
    الشرط الثالث:
    أن يُسمح له بالعطاء أن يخرجه للناس في المدينة.

    فوافق الوليد على هذه الشروط، وباشر عمر بن عبد العزيز عملَه بالمدينة، وفرح الناس به فرحًا شديدًا (82).

    2- مجلس شورى عمر بن عبد العزيز (مجلس فقهاء المدينة العشرة):
    كان من أبرز الأعمال التي قام بها عمر بن عبد العزيز تكوينه لمجلس الشورى بالمدينة، فعند ما جاء الناس للسلام على الأمير الجديد بالمدينة وصلَّى، دعا عشرةً من فقهاء المدينة، وهم:

    1- عروة بن الزبير
    2- عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
    3- أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
    4- أبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة
    5- سليمان بن يسار
    6- القاسم بن محمد
    7- سالم بن عبد الله بن عمر
    8- عبد الله بن عبد الله بن عمر
    9- عبد الله بن عامر بن ربيعة
    10- خارجة بن زيد بن ثابت

    فدخلوا عليه وجلسوا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: إني دعوتُكم لأمرٍ تُؤجرون عليه، وتكونون فيه أعوانًا على الحق.. إني لا أريد أن أقطع أمرًا إلا برأيكم أو برأي مَن حضر منكم؛ فإن رأيتم أحدًا يتعدى أو بلغكم عن عامل لي ظلامة، فأحرِّج الله على مَن بلغه ذلك إلا أبلغني (83) لقد عرفت أن عمر بن الخطاب كان يجمع المجلس للأمر يُطرأ، فيَرى ضرورة الشورى فيه، أما عمر بن عبد العزيز- وهو سبط عمر بن الخطاب- فقد أحدث مجلسًا حدَّد صلاحياتِه بأمرين:
    أ- أنهم أصحاب الحق في تقرير الرأي، وأنه لا يقطع أمرًا إلا برأيهم، وبذلك يكون الأمير قد تخلَّى عن اختصاصاته إلى هذا المجلس، الذي نُسميه (مجلس العشرة).
    ب- أنه جعلهم مفتشين على العمَّال ورقباء على تصرفاتهم، فإذا ما اتصل بعلمهم أو بعلم أحدهم أن عاملاً ارتكب ظلامةً فعليهم أن يُبلغوه، وإلا فقد استعدَى الله على كاتم الحق، ونلاحظ كذلك على هذا التدبير أنه قد تضمَّن أمرين:
    أحدهما:
    أن الأمير عمر بن عبد العزيز لم يخصص تعويضًا لمجلس العشرة؛ لأنهم كانوا من أصحاب العطاء، وبما أنهم فقهاء، فما ندبهم إليه داخلٌ في صلب اختصاصهم.

    الثاني:
    أن عمر افترضَ غياب أحدهم عن الحضور لعُذرٍ من الأعذار؛ ولهذا لم يشترط في تدبيره حضورَهم كلَّهم، وإنما قال: "أو برأي مَن حضر منكم" (84)، إن هذا المجلس كان يُستشار في جميع الأمور دون استثناء (85).

    ونستنتج من هذه القصة أهمية العلماء الربانيين وعلوَّ مكانتهم، وأنه يجب على صاحب القرار أن يُدنيَهم ويُقرِّبَهم منه ويُشاورَهم في أمور الرعية، كما أنه على العلماء أن يلتفُّوا حولَ الصالح من أصحاب القرار من أجل تحقيق أكبر قدرٍ ممكنٍ للمصالح وتقليل ما يمكن من المفاسد، كما أنَّ عمر بن عبد العزيز لم يختصر في شوراه على هؤلاء فحسب، بل كان يَستشير غيرَهم من علماء المدينة كسعيد بن المسيِّب والزهري وغيرهما، وكان لا يقضي في قضاء حتى يسأل سعيد بن المسيب.

    وفي المدينة أظهر عمر عبد العزيز إجلالَه للعلماء وإكبارَه لهم، وقد حدث أن أرسل- رحمه الله تعالى- رسولاً إلى سعيد بن المسيِّب يسأله عن مسألة، وكان سعيد لا يأتي أميرًا ولا خليفةً فأخطأ الرسول، فقال له: الأمير يدعوك، فأخذ سعيد نَعلَيه وقامَ إليه في وقته، فلما رآه عمر قال له: عزمتُ عليكَ يا أبا محمد إلا رجعت إلى مجلسِكَ حتى يسألَكَ رسولُنا عن حاجتنا، فإنا لم نرسلْه ليدعوَك، ولكنه أخطأ، إنما أرسلناه ليسألَك (86).
    avatar
    zydan
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    عدد المساهمات : 121
    رقم العضوية : 174
    تاريخ التسجيل : 23/11/2008
    نقاط التميز : 208
    معدل تقييم الاداء : 15

    عمر بن عبد العزيز في عهد الوليد بن عبد الملك Empty رد: عمر بن عبد العزيز في عهد الوليد بن عبد الملك

    مُساهمة من طرف zydan الأحد 11 يناير - 3:02

    وفي إمارته على المدينة المنوَّرة وسَّع مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأمرٍ من الوليد بن عبد الملك، حتى جعله مائتي ذراعٍ في مائتي ذراع، وزخرفه بأمر الوليد أيضًا، مع أنه- رحمه الله تعالى- كان يَكره زخرفةَ المساجد (87)، ويتضح من موقف عمر بن عبد العزيز هنا أنه قد يُضطَّر الوالي للتجاوب مع قرارات مَن هو أعلى منه حتى وإن كان غيرَ مقتنعٍ بها إذا قدر أن المصلحة في ذلك أكبر من وجوه أخرى.

    وفي إمارته على المدينة سنة 91هـ حجَّ الخليفة الوليد بن عبد الملك فاستقبله عمر بن عبد العزيز أحسنَ استقبال، وشاهَدَ الوليد بأم عينيه الإصلاحات العظيمة التي حقَّقها عمر بن عبد العزيز في المدينة المنورة (88).

    3- الحادث المؤسف في ولاية عمر
    قال العلماء في السير: كان خبيب بن عبد الله بن الزبير قد حدَّث عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا بلغ بنو أبي العاص (89) ثلاثين رجلاً اتخذوا عبادَ الله خولاً، ومال الله دولاً" (90) وهو حديث ضعيف، فبعث الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز- واليه على المدينة- يأمره بجلده مائة سوط وبحبسه، فجلده عمر مائة سوط، وبرد له ماءً في جرَّةٍ ثم صبَّه عليه في غداةٍ باردةٍ فكزَّ (91) فمات فيها.

    وكان عمر قد أخرجه من السجن حين اشتد وجعه، وندم على ما صنع منه، وحزن عمر على موت خبيب، فقد روى مصعب بن عبد الله عن مصعب بن عثمان أنهم نقلوا خبيبًا إلى دار عمر بن مصعب بن الزبير ببقيع الزبير واجتمعوا عنده حتى مات، فبينما هم جلوسٌ إذ جاءهم "الماجشون" يستأذن عليهم وخبيب مسجًّى بثوبه، وكان "الماجشون" مع عمر بن عبد العزيز في ولايته على المدينة، فقال عبد الله بن عروة: ائذنوا له، فلما دخل قال: كأن صاحبكم في مرية من موته، اكشفوا له عنه، فكشفوا عنه، فلما رآه "الماجشون" انصرف.. قال الماجشون: فانتهيت إلى دار مروان، فقرعت الباب ودخلت فوجدت عمر كالمرأة الماخض قائمًا وقاعدًا فقال لي: ما وراءك؟ فقلت: مات الرجل، فسقط على الأرض فزعًا، ثم رفع رأسه يسترجع فلم يزَل يُعرف فيه حتى مات، واستعفى من المدينة وامتنع من الولاية، وكان كلما قيل له: إنك قد صنعت كذا فأبشِر فيقول: كيف بخبيب (92)؟! ولم يزل يذكرها ويتصورها أمام عينه حتى مات (93).

    ومن الأدلة على صلاح عمر بن عبد العزيز وقتَ ولايته على المدينة غير ما ذُكر: ما رواه أبو عمر مولى أسماء بنت أبي بكر قال: فأتيته في مجلسه الذي يصلِّي فيه الفجر والمصحف في حجره، ودموعه تسيل على لحيته (94)، وحدَّث ابن أبي الزناد عن أبيه قال: كان عمر بن عبد العزيز- وهو أمير على المدينة- إذا أراد أن يجود بالشيء قال: ابتغوا أهل بيت بهم حاجة (95).

    4- عظة مزاحم مولى عمر بن عبد العزيز له
    حَبس عمر رجلاً بالمدينة، وجاوز عمر في حبسه القدْرَ الذي يستحقه، فكلمه مزاحم في إطلاقه، فقال له عمر: ما أنا بمخرجه حتى أبلغ في الحيطة عليه بما هو أكثر مما مرَّ، فقال: مزاحم (مغضبًا): يا عمر بن عبد العزيز، إني أحذرك ليلة تمخض بالقيامة وفي صبيحتها تقوم الساعة.. يا عمر، ولقد كدت أنسى اسمك مما أسمع "قال الأمير قال الأمير قال الأمير"، قال عمر: إن أول من أيقظني لهذا الشأن مزاحم، فوالله ما هو إلا أن قال ذلك، فكأنما كشف عن وجهي غطاء (96)، وهذه القصة تبيِّن لنا أهمية الصديق الصالح المخلص الذي يذكِّرك بالله حين الغفلة.
    5- بين عمر بن عبد العزيز والحجَّاج في خلافة الوليد
    ذكر ابن الجوزي أن عمر بن عبد العزيز قد استعفى من المدينة كما مرَّ ذكره، ولكنْ ذكَر غيرُه أنه عُزل عنها، ففي سنة 92هـ عَقَد الخليفة الوليد لواءَ الحجِّ للحجاج بن يوسف الثقفي ليكون أميرًا على الحج، ولما علم عمر بن عبد العزيز بذلك كتب- رحمه الله تعالى- إلى الخليفة يستعفيه أن يمرَّ عليه الحَجَّاج بالمدينة المنورة؛ لأن عمر بن عبد العزيز كان يكره الحجَّاج ولا يطيق أن يراه لما هو عليه من الظلم، فامتَثَل الوليد لرغبةِ عمر، وكتب إلى الحجَّاج: إن عمر بن عبد العزيز كتب إليَّ يستعفيني من ممرِّك عليه، فلا عليكَ أن لا تمرَّ بمن كرهك فتنحَّ عن المدينة (97).

    وقد كتب عمر بن عبد العزيز- وهو والٍ على المدينة- إلى الوليد بن عبد الملك يُخبره عما وصل إليه حال العراق من الظلم والضَّيم والضيق؛ بسبب ظلم الحَجَّاج وغشمه؛ مما جعل الحَجَّاج يحاول الانتقامَ من عمر، لا سيما وقد أصبح الحجاز ملاذً للفارِّين من عسف الحَجَّاج وظلمه؛ حيث كتب الحجَّاج إلى الوليد: إن من قبلي من مُرَّاق أهل العراق وأهل الثقاف قد جلوا عن العراق ولجأوا إلى المدينة ومكة، وإن ذلك وهن، فكتب إليه يشير عليه بعثمان بن حبان وخالد بن عبد الله القسري وعزل عمر عبد العزيز (98)، وقد كان ميول الوليد لسياسة الحَجَّاج واضحًا، وكان يظن بأنَّ سياسة الشدة والعسف هي السبيل الوحيد لتوطيد أركان الدولة، وهذا ما حال بينه وبين الأخذ بآراء عمر بن عبد العزيز ونصائحه، وقد أثبتت الأحداث فيما بعد أن ما كان يراه عمر أفضل مما كان يسير عليه الوليد، وذلك بعد تولِّي عمر الخلافة وتطبيقه لما كان يشير به (99).

    6- عودة عمر بن عبد العزيز إلى دمشق
    خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة المنوَّرة وهو يبكي ومعه خادمُه مزاحم، فالتفت إلى مزاحم، وقال: يا مزاحم، نخشى أن نكون مَن نَفَت المدينة (100)، يشير بذلك إلى قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ألا وإن المدينة كالكير يُخرج الخبث، لا تقوم الساعة حتى تفنِيَ المدينةُ شرارَها كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديد" (101)، وقال مزاحم: ولما خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة نظرت فإذا القمر في الدبران (102)- كأنه تشاءم من ذلك- فقال: فكرهت أن أقول ذلك له، فقلت: ألا تنظر إلى القمر ما أحسن استواءَه في هذه الليلة!! فنظر عمر فإذا هو بالدبران، فقال: كأنك أردت أن تعلمني أن القمر بالدبران!! يا مزاحم: إنا لا نخرج بشمس ولا بقمر، ولكن نخرج بالله الواحد القهار (103)، وسارَ عمر حتى وصل السويداء، وكان له فيها بيتٌ ومزرعةٌ، فنزل فيها فأقام مدةً يرقُب الأوضاعَ عن بُعد، ثم رأى أن مصلحةَ المسلمين تقتضي أن تكون إقامتُه في دمشق بجوار الخليفة؛ لعله بذلك يستطيع أن يمنع ظلمًا، أو يشارك في إحقاق حق، فانتقل إلى دمشق فأقام بها (104).

    ولم يكن عمر بن عبد العزيز على وفاقٍ تامٍّ مع الخليفة الوليد بن عبد الملك؛ ولذلك فإن إقامته في دمشق بجوار الوليد لم تخلُ من مشاكل، فالوليد يعتمد في تثبيت حكمه على ولاة أقوياء قساةٍ يهمُّهم إخضاع الناس بالقوة، وإن رافَقَ ذلك كثيرٌ من الظلم، بينما يرى عمر أن إقامة العدل بين الناس كفيلةٌ باستقرار الملك وائتمارِهم بأمرِ السلطان، فكان- رحمه الله- يقول: الوليد بالشام، والحَجَّاج بالعراق، ومحمد بن يوسف- أخو الحَجَّاج- في اليمن، وعثمان بن حيان بالحجاز، وقرة بن شريك في مصر.. امتلأت والله الأرض جورًا (105).

    7- نصح عمر للوليد بالحدِّ من صلاحيات عماله في القتل
    سلَكَ عمر بن عبد العزيز بعضَ الطرق والوسائل لإصلاح هذا الوضع، فمِنْ ذلك نصحُه للوليد بالحدِّ من صلاحيات عمَّالِه في القتل، وقد نَجَحَ في بادئ الأمر في استصدار قرارٍ يمنع أيَّ والٍ من القتل إلا بعد علم الخليفة وموافقته على ذلك، فيذكر ابن عبد الحكم أن عمرَ بن عبد العزيز دخل على الوليد بن عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين إن عندي نصيحةً، فإذا خلاَ لك عقلُك واجتمع فهمُك فسلْني عنها، قال: ما يمنعك منها الآن؟! قال: أنت أعلم إذا اجتمع لك ما أقول فإنك أحق أن تفهم، فمكث أيامًا ثم قال: يا غلام من بالباب؟! فقيل له ناس وفيهم عمر بن عبد العزيز، فقال: أدخِلْه، فدخل عليه فقال: نصيحتك يا أبا حفص؟! فقال عمر: إنه ليس بعد الشرك إثمٌ أعظم عند الله من الدم، وإن عمَّالك يقتلون ويكتبون إن ذنب فلان المقتول كذا وكذا، وأنت المسئول عنه والمأخوذ به، فاكتب إليهم ألا يَقتلَ أحدٌ منهم أحدًا حتى يكتب بذنبه ثم يشهد عليه، ثم تأمر بأمرك على أمرٍ قد وَضُحَ لك، فقال: بارك الله فيك يا أبا حفص ومنع فقدك.. عليَّ بكتابٍ.

    فكتب إلى أُمراء الأمصار كلِّهم فلم يحرج من ذلك إلا الحجَّاج فإنه أمضه، وشقَّ عليه وأقلقه، وظن أنه لم يكتب إلى أحدٍ غيره، فبحث عن ذلك، فقال: مَن أين ذهبنا؟! أو مَن أشار على أمير المؤمنين بهذا؟! فأخبر أن عمر بن عبد العزيز هو الذي فعل ذلك، فقال: هيهات إن كان عمر فلا نقضَ لأمره، ثم إن الحَجَّاج أرسل إلى أعرابي حروري- من الخوارج- جافٍ من بكر بن وائل، ثم قال له الحجَّاج ما تقول في معاوية؟! فنال منه، قال: ما تقول في يزيد؟! فسبه، قال: فما تقول في عبد الملك؟ فظلمه، قال: فما تقول في الوليد؟ فقال: أَجوَرُهم حين ولاَّك وهو يعلم عداءَك وظلمَك، فسكت الحَجَّاج وافترصها منه (106)، ثم بعث به إلى الوليد وكتب إليه: أنا أحوط لديني، وأرعى لما استرعيتني، وأحفظ له مِن أن أقتل أحدًا لم يستوجب ذلك، وقد بعثت إليك ببعض مَن كنت أقتل على هذا الرأي فشأنك وإياه، فدخل الحروري على الوليد وعنده أشراف أهل الشام وعمر فيهم، فقال له الوليد: ما تقول فيَّ؟! قال ظالم جبار، قال: ما تقول في عبد الملك؟! قال: جبار عاتٍ، قال فما تقول في معاوية؟! قال: ظالم، قال الوليد لابن الريان: اضرب عنقه فضرب عنقه، ثم قام فدخل منزلَه وخرجَ الناس من عنده، فقال: يا غلام اردد عليَّ عمر، فردَّه عليه فقال: يا أبا حفص ما تقول بهذا؟! أصبنا أم أخطأنا؟! فقال عمر: ما أصبت بقتله، ولَغَيْرُ ذلك كان أرشدَ وأصوب، كنت تسجنه حتى يراجع الله- عز وجل- أو تدركه منيته، فقال الوليد شتمني وشتم عبد الملك وهو حروريٌّ، أفتستحلُّ ذلك؟! قال لعمري ما أستحله، لو كنت سجنته- إن بدا لك- أو تعفو عنه، فقام الوليد مغضبًا، فقال ابن الريان لعمر: يغفرُ الله لك يا أبا حفص، لقد رادَتَّ أمير المؤمنين حتى ظننت أنه سيأمرني بضرب عنقك (107)، وهكذا احتال الحَجَّاج على الوليد ليصرفَه على الأخذ برأي عمر في الحدِّ من سرف الحجَّاج وأمثاله في القتل (108).

    8- رأي عمر بن عبد العزيز في التعامل مع الخوارج
    فبالإضافة إلى الموقف الذي مرَّ ذكره آنفًا- في شأنِ الحروري الذي بعث به الحَجَّاج- وردت رواياتٌ توضِّح الموقفَ نفسه، فعن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخبرَه أن الوليد أرسل إليه بالظهيرة فوجده قاطبًا بين عينيه، قال: فجلست وليس عنده إلا ابن الريان قائم بسيفه، فقال: ما تقول فيمن يسب الخلفاء؟! أترى أن يقتل؟! فسكت، فانتهرني، وقال: ما لك؟! فسكت، فعاد لمثلها، فقلت: أقتل يا أمير المؤمنين؟! قال: لا، ولكنه سبَّ الخلفاء، قلت: فإني أرى أن ينكل.. فرفع رأسه إلى ابن الريان، فقال الوليد: إنه فيهم لتائه.

    9- نصحه الوليد عندما أراد خلع سليمان والبيعة لابنه
    ومن آخر مواقفه التي ذُكرت لعمر بن عبد العزيز في عهد الوليد بن عبد الملك نصحه للوليد عندما أراد خلع سليمان والبيعة لابنه عبد العزيز من بعده، فوقف عمر من ذلك موقفًا حازمًا؛ حيث لم يستجب لأمر الوليد في ذلك، وقال حين أراده على ذلك: يا أمير المؤمنين، إنما بايعنا لكما في عقدةٍ واحدةٍ فكيف نخلعه ونتركك، فغضب الوليد على عمر، وحاول استخدام الشدَّة معه لعلَّه يوافقه على ما أراد، فيذكر أنه أغلق عليه الدار وطيَّن عليه الباب حتى تدخلت أم البنين أخته وزوجة الوليد ففتَح عنه بعد ثلاث وقد ذبُل ومالت عنقه (109).
    avatar
    zydan
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    عدد المساهمات : 121
    رقم العضوية : 174
    تاريخ التسجيل : 23/11/2008
    نقاط التميز : 208
    معدل تقييم الاداء : 15

    عمر بن عبد العزيز في عهد الوليد بن عبد الملك Empty رد: عمر بن عبد العزيز في عهد الوليد بن عبد الملك

    مُساهمة من طرف zydan الأحد 11 يناير - 3:04

    الهوامش :
    79. أثر الحياة السياسية صـ159.
    80. الآثار الواردة في عمر بن عبد العزيز (1/93).
    81. السياسة الاقتصادية والمالية لعمر بن عبد العزيز بشير كمال عابدين صـ10.
    82. فقه عمر بن عبد العزيز (1/63)، سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي صـ41 ـ42.
    83. الطبقات (5/257) موسوعة فقه عمر، قلعجي صـ548.
    84. نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي (1/561 ، 562).
    85. نظام الحكم في الإسلام بين النظرية والتطبيق صـ391.
    86. سيرة عمر بن عبد العزيز ومناقبه صـ23 لابن عبد الحكم.
    87. تفسير القرطبي (12/267) موسوعة فقه عمر بن عبد العزيز صـ20.
    88. موسوعة فقه عمر بن عبد العزيز صـ20.
    89. أبي العاص : أي بنو العاص بني أمية الجد الثالث لكل من الوليد وعمر بن عبد العزيز.
    90. الحديث رواه البيهقي في دلائل النبوة (6/507) ، عن أبي سعيد وأبي هريرة قال ابن كثير رحمه الله بعد ذكر طرق أخرى ورد بها هذا الحديث : وهذه الطرق كلها ضعيفة ، أنظر البداية والنهاية نقلاً عن الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في العقيدة (1/98).
    91. كزّ الرجل: فهو مكزوز أصابه داء الكزاز ، وهو يبس وانقباض من البرد.
    92. سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي صـ43، 44.
    93. المصدر نفسه صـ42.
    94. المصدر نفسه صـ42.
    95. المصدر نفسه صـ42 ، الآثار الواردة (1/66).
    96. سيرة عمر بن عبد العزيز للجوزي صـ140.
    97. سيرة عمر بن عبد العزيز ومناقبه ، صـ24 لابن الحكم.
    98. تاريخ الطبري (7/383).
    99. أثر العلماء في الحياة السياسية صـ165.
    100. سيرة عمر بن عبد العزيز ومناقبه صـ27 لابن الحكم.
    101. مسلم ، ك الحج ، باب : المدينة تنفي شرارها.
    102. الدبران : نجم بين الثريا والجوزاء ويقال له التابع والتويبع وهو من منازل القمر سمي دبراناً لأنه يدبر الثريا أي يتبعها.
    103. سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم صـ27.
    104. البداية والنهاية (12/683).
    105. سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم صـ146 ، أثر العلماء في الحياة السياسية صـ162.
    106. افترصها : انتهزها.
    107. سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم صـ119 ـ 121 أثر العلماء في الحياة السياسية 164.
    108. أثر العلماء في الحياة السياسية صـ164.
    109. سير أعلام النبلاء (5/148، 149) أثر العلماء صـ167
    avatar
    sheref
    عضو مجتهد
    عضو  مجتهد


    عدد المساهمات : 243
    رقم العضوية : 220
    تاريخ التسجيل : 26/01/2009
    نقاط التميز : 389
    معدل تقييم الاداء : 36

    عمر بن عبد العزيز في عهد الوليد بن عبد الملك Empty رد: عمر بن عبد العزيز في عهد الوليد بن عبد الملك

    مُساهمة من طرف sheref الخميس 3 سبتمبر - 4:21

    جهد اكتر من ممتاز شكرا لك
    avatar
    zydan
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    عدد المساهمات : 121
    رقم العضوية : 174
    تاريخ التسجيل : 23/11/2008
    نقاط التميز : 208
    معدل تقييم الاداء : 15

    عمر بن عبد العزيز في عهد الوليد بن عبد الملك Empty رد: عمر بن عبد العزيز في عهد الوليد بن عبد الملك

    مُساهمة من طرف zydan الأحد 3 يناير - 10:43

    اشكر حضورك الكريم

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 28 مارس - 19:41