صناعة الورق والأدوات الكتابية عند المسلمين الأوائل
وأثرها على النهضة العلمية الحديثة
بقلم / د / أحمد عبد الحميد عبد الحق
وأثرها على النهضة العلمية الحديثة
بقلم / د / أحمد عبد الحميد عبد الحق
كان العرب قبل الإسلام أمة محدودة الثقافة، معرفتها بالقراءة قليلة، ووسائل الكتابة عندهم متواضعة، فكانوا يكتبون على أكتاف الإبل، والحجارة الرقيقة البيض، وعسيب النخل، والأديم (1)، ولكن ليس معنى ذلك أنهم لم يستعملوا الورق السائد في عصرهم؛ لأن القرآن الكريم وردت فيه إشارات إلى وجود الصحف والكتب؛ التي لا يمكن أن تكون موجودة إلا على ورق، من ذلك قوله تعالى: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) (2)، وقوله: (تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا) (3)، وقوله: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ) (4)، وقوله: (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (5).
ولكن هذا الورق لم يصنع داخل الجزيرة العربية، وإنما كان يُجلب من الشام ومصر، فلما دخل المسلمون هذين القطرين اهتموا بتنشيط صناعة الورق بهما، وظهر ذلك بوضوح في عصر الأمويين؛ الذين عملوا على زيادة كميته، بإنشاء مصانع لورق البردي، في دمشق وطبرية وطرابلس وحماة ومنبج (6).
ومع ازدهار التجارة الخارجية مع الصين، شرع تجار المسلمين في جلب الورق المسمى بالكاغد؛ لجودته ورخص ثمنه (7)، فبدأ يزاحم القراطيس الشامية، وأوراق البردي المصرية.
لكن المسلمين ما لبثوا أن عرفوا طريقة صناعته، واستغنوا عن استيراده (8) وأُنشئت أول مصانع للكاغد في سمرقند على ما يبدو، واشتُهرت به حتى صار خير صادراتها، في القرن الثالث الهجري (9) ثم انتقلت صناعته إلى كثير من الأقطار الإسلامية, وأُنشئت له المصانع في العراق واليمن وفارس والشام ومصر والمغرب، لا سيما في القيروان والمهدية، وفي الأندلس، خصوصًا مدينة الشاطبة (10).
لكن بلاد الشام اشتهرت من بين تلك البلاد بإنتاجه، ونافست سمرقند، وعُدَّ ورق الكاغد في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، من الصادرات الأساسية لها (11)، بعد أن صارت له مصانع كبيرة (12)، في دمشق وطبرية وطرابلس وفلسطين (13)، وكان في مقدمة تلك المناطق طرابلس، حيث كان يُحمل منها إلى كثير من المناطق الشامية المختلفة لجودته وشهرته (14)، وإلى مصر، في عهد الفاطميين، حتى تفوق على ورق سمرقند نفسها، يقول ناصر خسرو: إن الكاغد الذي كان يُحمل من طرابلس يُشبه ورق سمرقند، إلا أنه أحسن صفاءً (15)
ثم تلتها في الشهرة دمشق، وعدَّه المقدسي، من صادراتها الأساسية (16)، وذكر القلقشندي فيما بعدُ، أن الورق المعروف بورق الطير؛ الذي تُكتب به البطاقات، وتُعلَّق في أجنحة حمام الزاجل، هو صنف من هذا الورق الشامي، رقيق للغاية، وفيه تُكتب ملطفات الكتب، ويُطلَق الحمام (17).
هذا وقد أسهمت مصانع الورق هذه في إثراء المكتبات بما تحتاجه من كميات الورق الوفيرة، فكان لذلك أثره على حركة التأليف والكتابة والترجمة؛ التي نشطت في طرابلس في تلك الفترة، ولا سيما في عصر بني عمار (18).
وعن طريق الاحتكاك بين المسلمين والروم، أثناء الحروب الصليبية، انتقلت صناعة الورق إلى أوربا، ومن قبْلُ كانت أوربا الشرقية تكتفي بابتياعه، على ما يشهد لذلك الوراق الدمشقي (شارتا دا ماسينا) (19).
وقد ذكر أ. محمد كرد، أن أسيرين فرنسيين، أثناء الحروب الصليبية، تعلما صناعة الورق بدمشق، فلما عادا إلى بلادهما، نشرا صناعته في فرنسا، ومنها انتقل إلى جميع أوربا، فلدمشق على فرنسا، بل على المدنية بأسرها، الفضل الأول في تعليم هذه الصناعة للغربيين (20).
ويَشهَد لذلك، أن أقدم المصانع التي أُنشئت لصناعته، في كل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا، ترجع إلى أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، أما إنجلترا فجاءت بعد ذلك (21)، تقول زيجريد هونكه: وسار موكب صناعة الورق.. بسورية، حيث ترك وراءه في دمشق وطرابلس قواعده - أي مصانعه- مارًا بفلسطين ومصر، ينطلق منها إلى الغرب، إلى فرنسا ومراكش وإسبانية (22)، وفتح ورق العرب هذا عصرًا جديدًا، فلم يَعُد العلم وقفًا على طبقة معينة من الناس، بل غدا مشاعًا للجميع ودعوة لكل العقول؛ لأن تعمل وتفكر (23).
ثانيًا: صناعة المداد "الحبر":
وهي من لوازم الكتابة التي لاتتم إلا بها، ووجودها يرتبط بوجود الورق، إذ لا فائدة له بدونها، وقد كان المداد معروفًا لدى العرب أيضًا، قبل مجيء الإسلام، إذ ذُكِرَ في قوله تعالى: (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) (24).
ويبدو أن هذا المداد كان يُصنع من الدخان، بطريقة بدائية، ومع تعرف المسلمين على الكاغد الصيني، تعرفوا على المداد الصيني أيضًا، ويُرجَّح أنهم جلبوهما معًا (25)، ثم عمت صناعته الأماكن الحضرية في العالم الإسلامي، حتى صار له عِلم خاص، يُسَمَّى "علم تركيب المداد"، من السواد والحمرة والصفرة، وسائر الألوان (26).
وتفنن الصناع في تجويده، وتنويع أصنافه، ودرجة جودته، حسب المستخدم، والحاجة المستخدم لها، وفي ذلك يقول ابن مقلة، الوزير الخطاط: "وأجود المداد ما اتُّخذ من سُخام النفط، وذلك بأن يؤخذ ثلاثة أرطال، فيُجاد نخلُه وتصفيتُه، ثم يُلقى في طنجير، ويُصب عليه من الماء ثلاثة أمثاله، ومن العسل رطل واحد، ومن الملح خمسة عشر درهمًا, ومن العفص عشرة دراهم، ولا يزال يُساط على نار لينة، حتى يثخن جرمه، ويصير في هيئة الطين, ثم يُترك في إناء، فيُرفع إلى وقت الحاجة، وذكر صاحب الحلية، أنه يحتاج مع ذلك إلى الكافور؛ لتطييب رائحته، والصبر لمنع وقوع الذباب عليه (27).
وكان يُصنع لكل نوع من الورق حبر خاص به، فهناك ما يناسب الكاغد، وهو حبر الدخان، وصفته أن يؤخذ من العفص الشامي قدر رطل، يُدَق جريشًا، ويُنقع في ستة أرطال ماء، مع قليل من الآسي، أسبوعًا, ثم يُغلى على النار، حتى يصير على النصف أو الثلثين، ثم يُصفَّى في مئزرٍ، ويُترك ثلاثة أيام، ثم يُصفَّى ثانيًا, ثم يضاف لكل رطل من هذا الماء أوقية من الصمغ العربي، ومن الزاج القبرسي كذلك، ثم يضاف إليه من الدخان المتقدم ذكره، بالكيفية الملائمة، ولا بد مع ذلك من الصبر والعسل؛ ليُمنع بالصبر وقوع الذباب فيه, ويُحفظ بالعسل على طول الزمن.
والصنف الثاني ما يناسب الرَّق، ويُسَمَّى الحبر، ولا دخان فيه، ولذلك يجيء بصاصًا براقًا، وبه إضرار بالبصر بالنظر إليه، ويُفسد الكاغد، وصفته أن يؤخذ من العفص الشامي رطل واحد، فيجرش، ويُلقى عليه من الماء العذب ثلاثة أرطال، ويُجعل في طنجر، ويوضع على النار، ويوقد تحته بنار لينة، حتى ينضج، وعلامة نضجه أن تكتب به فتكون الكتابة حمراء بصاصة، ثم يُقلى عليه الصمغ العربي، ثلاثة أوراق من الزاج، ثم يُصفَّى في إناء جيد، ويُستعمل عند الحاجة (28).
وثمة نوع من الحبر السريِّ؛ الذي يُصنع جافًا، ويضاف إليه الماء عند الحاجة، ويُعمل على البارد من غير نار, ويؤخذ العفص فيُجرش جرشًا، ويُسحق لكل أوقية عفص درهم واحد من الزاج، ودرهم من الصمغ العربي، ويُلقى عليه، ويرفع إلى وقت الحاجة، فإذا احتيج إليه صُب عليه الماء قدر الكفاية (29).
» عالم مصريات ألماني يضع نظرية جديدة عن أصل الاهرام
» فرح جامد آخر حاجه
» ملحمة الثورة في السويس
» موقعة الجمل 2-2-2011
» معركة قصر النيل في يوم جمعة الشهداء (الغضب) 28 -1 - 2011
» احداث يوم 25 يناير في ميدان المطرية
» تفاصيل يوم الغضب "25 يناير" لحظة بلحظة
» كتاب حقيقة البهائية لدكتور مصطفى محمود
» لماذا قامت الثورة ؟
» مواهب خرجت من رحم الثورة
» تفاصيل يوم الغضب الثالث "27 يناير" لحظة بلحظة
» تفاصيل يوم الغضب الثاني "26 يناير" لحظة بلحظة
» مصابي موقعة الجمل في يوم 2-2- 2011
» الثورة المصرية بالطريقة الهتلرية
» المتحولون
» دعوات للنزول للمشاركة في يوم 25
» لقاءات مع بعض الثوار بعيدا عن برامج التوك شو
» الثورة الضاحكة ( مواقف وطرائف )
» يوميات الثورة فيلم وثائقي من انتاج bbc
» احداث ثلاثاء الصمود 8-2-2011 في سوهاج
» احداث ثلاثاء الصمود 8-2-2011 في مدينة جرجا بسوهاج
» احداث يوم الغضب 25 يناير في محطة الرمل بالاسكندرية
» احداث يوم الغضب 25 يناير في شبرا
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في شبرا
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في حدائق القبة
» احداث يوم جمعة الشهداء ( الغضب ) في ميدان المطرية
» يوم 24 يناير ما قبل ساعة الصفر
» اول ساعة ثورة
» ثم ماذا بعد ؟
» ذكريات اول ايام الثورة
» ندااااااااء
» دحمبيش الغربيه
» الحجاب والنقاب في مصر
» كل سنه وكلكوا طيبيبن
» لماذا الصمت والسكوت عن هؤلاء
» شخصيات خلبية وهزلية
» msakr2006
» ente7ar007
» Nancy
» waleed ali
» hamedadelali
» ياسر عشماوى عبدالفتاح
» علي عبد الله رحاحلة
» sheriefadel
» خالد احمد عدوى
» khaled
» yasser attia
» abohmaid
» ملك الجبل
» elcaptain
» حاتم حجازي
» aka699
» wasseem
» mohammedzakarea
» حيدر
» hamadafouda
» كل سنه وألأمه الأسلاميه بخير
» same7samir
» تامر الباز
» تعالوا نلضم اسمينا الفلة جنب الياسمينا
» امجد
» ahmedelmorsi
» محمد امين
» MrMoha12356
» نوسه الحلو
» ibrahem545
» يوسف محمد السيد
» memo
» هاكلن
» لماذا نريد التغيير
» دعوة للتوقيع "فعليا" على بيان الجمعية الوطنية للتغيير
» السياسيون والتغيير السياسي في مصر
» الفساد في مصر بلا حدود 2
» الفساد في مصر بلا حدود
» العمال والتغيير السياسي في مصر
» رجال الأعمال والتغيير السياسي في مصر
» الطلبة و التغيير السياسي في مصر
» الأدباء و التغيير السياسي في مصر
» فلاحون مصر و التغيير السياسي
» علماء مصر و التغيير السياسي
» معا ننقذ فؤادة
» وثيقة المثقفين لتأييد البرادعى
» نوام بالبرطمان يطالبون باطلاق الرصاص علي المطالبين بالاصلاحات الدستورية
» أول مناظرة رئاسية بين أيمن نور وحمدين صباحي
» لقاءقناة العربيه مع الدكتور محمد البرادعي
» مبارك يهنئ إسرائيل بعيد تأسيسها واحتلال فلسطين وهزيمتها لمصر
» حوده
» وليد الروبى
» dr.nasr
» المشير أحمد إسماعيل
» تحية اعزاز وتقدير في يوم العزة والكرامة, الي شهداء 10 رمضان
» wessam
» عذب ابها
» soma
» islam abdou
» رسالة ترحيب
» الحقيقة حول ما حدث يوم 6 ابريل
» اصول العقائد البهائيه